يصنف اختبار الرورشاخ ضمن الاختبارات البنيوية التي تحدث نكوصا هاما على مستوى الأنا وعلى مستوى الجهاز النفسي. تعطي نتائج الاختبارات البنيوية صورة مماثلة للصورة الإشعاعية بالاشعة فوق البنفسجية للشخصية وللبناء النفسي ككل.
ما هو اختبار الرورشاخ؟
اختبار الرورشاخ من أهم وسائل الفحص النفسي، وأكثرها استعمالا في مجال الممارسة العيادية، وفي مجال البحث العلمي لفحص وتقييم الشخصية والتوظيف النفسي للفئات العمرية المختلفة. هو اختبار غير صوري، بل مجرد بقع حبر لا تخضع في إدراكها إلى أية رمزية ثقافية، مما يجعلها تنشط العمليات المعرفية والنفسية للمفحوص في آن واحد من دون احتمالية تأثير الثقافة عليه.
يتكون الاختبار في صورته الحالية من عشر لوحات، رسم عليها بقع حبر متناضرة.

تاريخ اختبار الرورشاخ
قدم طبيب الأمراض العقلية السويسري هارمان رورشاخ (H. RORSCHACH) هذا الاختبار لأول مرة عام 1920 في شكل اختبار للإدراك. وجاء هذا بعد دراسته الطويلة للهلاوس لدى الفصامين؛ أين توصل الى أن الإدراك يخضع لثلاث سيرورات تتمثل في الإحساس والذكريات والتداعي (التعبير).
انتاج الاختبار ووضع اللوحات:
لإنتاج لوحات الرورشاخ العشرة ربط هارمن رورشاخ بين براعته في الرسم (كونه ابن رسّام معروف وأستاذ للرسم)، وخبرته العيادية كطبيب أمراض عقلية، وملاحظته العلمية لاستجابة الأشخاص المختلفة أمام اللوحة الفنية نفسها، وبراعته في رسم الصور الإنسانية المتحركة ليس كما هي بل كما يراها الناس. أنتج كل هذا وبعد العديد من التجارب، والعشرات من اللوحات التي جربّها على مرضاه وعلى طلبته وزملائه في مصلحة الطب العقلي، أنتج خمسة عشر لوحة. لينتهي به المطاف الى عشرة لوحات نشرت في كتابه “التشخيص النفسي -الرورشاخ”عام 1921.
في التحضير والاعداد لكتابه هذا ارتكز هارمان روشاخ على أعمال زملائه الباحثين السويسريين في الكشف عن الروابط الموجودة بين تصورات الشيء وتصورات الكلمة. وتأثر كثيرا بأعمال النفساني التحليلي السويسري أوقن بلولر (Eugen BLEULER)، وتجارب ألفريد بينيه (Alfred BINET) في قياس الذكاء انطلاقا من تحليل بقع الحبر عام 1900، وأعمال كارل غوستاف يونغ (Carl Gustav JUNG) عن اختبار ترابط الكلمات عام 1904.
تطوير الاختبار وضبطه:
بعد وفاته عام 1922 أكمل زميله أوبالهولزر (OBERHOLZER) مجموع أبحاثه عن الاختبار عام 1924، وبالاستناد على هذه الأعمال قدّم الأمريكيان ليفي وبيك (LEVY et BEEK) دليلا لتطبيق الاختبار، وفي عام 1939 تم إنشاء معهد الرورشاخ كأول مؤسسة لمراقبة البحوث المرتبطة بالاختبار والتدريب على استخدامه، ومنذ ذلك التاريخ لا يزال الاختبار مستعملا في الدراسات النفسية العيادية كأداة للتشخيص النفسي. نشطت المدرسة الفرنسية بشكل كبير في الاختبارات الإسقاطية لا سياما اختبار الرورشاخ بداية من ستينيات القرن العشرين، وزاوجت بين الاختبار والمقاربة النفسية التحليلية بأعمال كل من ديدي أنزيو و نينا روش دوتروبنبارغ وكاثرين شابير (Didier ANZIEU, Nina Rausch DE TRAUBENBERG et Catherine CHABERT) .
برزت العديد من المدارس التي برعت في تطبيق وترميز وتحليل بروتوكول الرورشاخ، والتي ينسب إليها اليوم العديد من الأعمال والانجازات في هذا المجال، وأهمها المدرسة السويسرية الجرمانية، والمدرسة الأمريكية الجديدة بقيادة ايكسنير (EXNER)، والمدرسة الفرنسية بقيادة (RAUCHE DE TRAUBENBERG, ANZIEU).
مادة الاختبار ودلالاتها التفسيرية
يتكون الاختبار من عشر لوحات لبقع الحبر المتناظرة على صيغتها الأصلية التي نشرها هارمان رورشاخ عام 1921، مرقمة على ظهرها ترقيمها بالأحرف الرومانية. لم يتجرأ أي باحث على التغيير في مادة الاختبار الأصلية. تمتلك اللوحات العشرة محتوى ظاهر يمكن رؤيته وإدراكه، ومحتوى كامن تم التأسيس له نظريا بعد وفاة هارمان رورشاخ، كأعمال بيك واكسنير (BECK, EXNER)، فأعمال روش دوتروبنباغ وأنزيو (ANZIEU, RAUCHE DE TRAUBENBERG) ورواد المدرسة الفرنسية الباريسية.
في المحتوى الظاهر والمرئي للوحات الرورشاخ، تقسم مادة اختبار الرورشاخ بالاعتماد على بعدين أساسيين للبناء الشكلي، والبناء اللوني للوحات:
البعد الشكلي للوحات:
هذا البعد الشكلي يعتبر بعدا بنويا للوحات (الطريقة التي تنبني بها اللوحات). وتنقسم لوحات الرورشاخ باعتماد على ذلك إلى أربعة أقسام حول محورين عمودي وأفقي. نجد خمس لوحات متمركزة أو مغلقة على ذاتها وهي اللوحات (I, IV, V, VI, IX).
تثير هذه اللوحات المغلقة تصورات الانغلاق والتمركز حول الذات. مع إمكانية الإدراك الكلي للبقعة وإسقاط صور كاملة ترتبط بتصور الذات وصورة الجسد والهوية. مما يسمح بمعالجة ودراسة الحدود بين العالمين الداخلي والخارجي.
يتكون الاختبار أيضا من ثلاث لوحات مبنية بشكل تناظري-ثنائي (II, III, VII)، تتخللها فراغات واسعة. تسمح هذه اللوحات الثلاثة بإسقاط المسافة الفاصلة (المجال الانتقالي) بين العالمين الداخلي والخارجي، وبين الذات والاخر. تمكن اللوحات الثلاثة أيضا من إسقاط سيناريوهات علائقية ثنائية خاصة ذات طبيعة ليبيدية أو عدوانية.
البعد اللوني للوحات:
يعتبر هذا البعد أيضا بعدا بنيويا لمادة الاختبار وللوحات. تؤثر ألوان اللوحات على عملية إدراك البقع، وعلى عملية الإسقاط أيضا. بحيث ترتبط الحساسية للون وادراك الألوان بالعاطفة.
تتكون لوحات الرورشاخ من أربع لوحات سوداء (I, IV, V, VI). يسمح فيها تدرج اللون الأسود بالكشف عن عاطفة الحزن أو الحداد أو القلق أو تظهر مرافقة للتوظيف النرجسي الذي يدافع ضد الاكتئاب والضعف الداخلي.
تتميز أيضا هذه اللوحات الأربعة بكونها مغلقة ومفتوحة في آن واحد بالفراغات التي تتخللها؛ مما يجعل من أثر اللون متدرجا نسبيا بين السواد والبياض (القليل جدا)، وهذا ما يقلل من أثر وحساسية اللون لدى بعض الأشخاص.
يوجد لوحتان تسمى باللوحات الحمراء (II, III) بسبب تواجد اللون الأحمر بها بالإضافة إلى اللون الأسود. اللون الأحمر يستدعي تصورات وعواطف قوية أو حادة وعنيفة أحيانا؛ مما يسمح بانبثاق واسقاط إسقاط النزوات.
اللوحة (VII) هي اللوحة الوحيدة ذات الخصوصية الشكلية المتفردة مقارنة بباقي اللوحات. تتميز هذه اللوحة بتدرج اللون الرمادي، وبناء شكلي مجوف ومفتوح يسمح بتدخل واسع للون الأبيض في العمق وفي الحدود لتثير إشكالية الداخل والخارج، وكيفية انبناء الحدود بين العالمين الداخلي والخارجي. تستدعي هذه اللوحة تصورات أنثوية ورحمية وصورة الأم.
اللوحات الثلاثة الملونة (VIII, IX, X) أو المتعددة الألوان، تثير وتحفز نكوصا هاما في الأنا بسبب تعدد الألوان فيها. كما تسمح بالتعبير عن العواطف. تثير هذه اللوحات إشكاليات التفريق والانفصال والتعبير العاطفي المرافقة لذلك وامكانيات التكيف مع العالم الخارجي لدى الشخص.
شروط تطبيق اختبار الرورشاخ
لا يمكن تطبيق اختبار الرورشاخ بشكل عشوائي ومن دون ضوابط منهجية وأخلاقية. وقبل البدء في تطبيقه يجب عل الفاحص النفساني أن يحدد بدقة أسباب اختياره لهذا الاختبار والأهداف المنتظرة من النتائج، والنقاط التي يحاول الكشف عنها والتي تعجز المقابلة والملاحظة العيادية عن الكشف عنها، أو حتى بعض وسائل الفحص النفسي الأخرى.
يتم تطبيق اختبار الرورشاخ في مقابلة عيادية واحدة، وتقدّم لوحاته العشرة بالترتيب. وتؤكد تعليمته على أن المفحوص يكوّن دلالات توحي بطبيعة ورسم اللوحة باستعمال الاداك أولا ثم الخيال. ويوصى بعدم تطبيق هذا الاختبار في أول ثلاث مقابلات. بل يجب الانتظار الى غاية التحقق من تأسيس علاقة ثقة بين الفاحص والمفحوص.
خلال التطبيق يمكن للفاحص التدخل مع احترام الحيادية. والحيادية لا تعني عدم التدخل خلال مسار المقابلة العيادية التي يتم فيها تطبيق الاختبار. لكنها تعني عدم التدخل في المدركات وفي الاسقاطات. يجب قراءة تعليمة الاختبار بوضوح وبصوت عالي ولغة مفهومة للمفحوص
يقيّم النفساني الوضعية الإسقاطية، بحيث يتدخل أكثر مع الأشخاص اللذين يسيطر عليهم الكف النفسي أو الصمت الطويل. ويتدخل بدرجة أقل مع الأشخاص اللذين يعبّرون بسلاسة وثراء.
يتطلب تطبيق اختبار الرورشاخ كفاءة عيادية عالية. فيما يخص التحكم في المقابلة العيادية وفي الملاحظة، وقدرات معرفية عالية أيضا، كالقدرة على الانتباه، وعلى حفظ وتخزين المعلومات، والقدرة على تسجيل الإجابات من دون تضييع جزء منها أو تضييع معناها، وتسجيل تعليقات المفحوص وسلوكياته وايماءاته ووضعياته الجسدية، وحساب وتسجيل وقت الكمون وحساب وتسجيل الزمن في كل لوحة، والقدرة على التدخل المناسب أمام المواقف والوضعيات التي تستدعي تدخل الفاحص.
قائمة المراجع
ANZIEU. D (1967), La signification particulière de chaque planche du Rorschach, Psychologie et des Sciences de l’Education, N° 2, 309-325.
ANZIEU. D ET CHABERT. C (1987, Les méthodes projectives, Paris, PUF, 1961.ANZIEU. D. (1965), Les méthodes projectives, Paris, PUF.AZOULAY. C et EMMANUELLI. M (2009), Pratique des épreuves projectives à l’adolescence, Dunod, Paris.
BOHM. E (1979), Test de Rorschach, Trad. française, Similaire, France.
روابط خارجية:
مؤسسة الرورشاخ والتقنيات الاسقاطية : (باللغة الفرنسية)
المؤسسة العالمية للرورشاخ والتقنيات الاسقاطية (باللغة الانجليزية)