اضطراب الانتباه مع أو بدون فرط النشاط (TDAH) وعلى الرغم من كونه حالة معترف بها وقابلة للعلاج، إلا أنه لا يزال يتميز بسوء الفهم والتشخيص الخاطئ. يمكن أن تتشابه العديد م الاضطرابات والصعوبات الأخرى كالاضطرابات النمائية مثل اضطراب التوحد أو متلازمة داون مع أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مما يؤدي إلى ارتباك في التشخيص. ولذلك، فإن وجود فهم واضح ودقيق لهذا الاضطراب وما يطلبه لتشخيصه أمر في غاية الأهمية لتجنب التشخيص غير المناسب وتضييع الوقت الذي يعتبر ثمينا بالنسبة لهذه الحالات، والتي تستدعي التشخيص والتدخل المبكر.
سنعمل من خلال هذا الموضوع أن نغطي كل هذه الجوانب بأسلوب علمي مناسب وواضح بالنسبة للجميع، حتى يقدم المعلومة الصحيحة مهما كانت صفة المضلع عليها. ويتمكن من الاستفادة منها.
لمحة تاريخية:
منذ أكثر من قرن من الزمان، قدم الدكتور جورج ستيل ورقة بحثية إلى الكلية الملكية للأطباء في لندن، تناولت بالتفصيل سلوكيات عشرين طفلا ظهرت عليهم أعراض مثل عدم الانتباه، والنشاط الحركي المفرط، وضعف الإرادة. تشبه هذه الأعراض إلى حد كبير تلك المرتبطة الآن باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
وتوسع الدكتور ستيل لاحقا في النتائج التي توصل إليها في مقال بعنوان “بعض الحالات النفسية غير الطبيعية عند الأطفال“، حيث تَعَمّقَ في السلوكيات التي لوحظت لدى هؤلاء الأطفال. وشملت هذه السلوكيات مشاكل الانضباط، والتحدي، والسرقة: والتي يتم التعرف عليها الآن على أنها اضطرابات سلوكية . ومن الجدير بالذكر أن هذه الاضطرابات السلوكية يمكن أن تتعايش أحيانا مع اضطراب الانتباه مع أو بدون فرط النشاط (TDAH).
تطور وصف اضطراب الانتباه مع أو بدون فرط النشاط (TDAH):
في الأوصاف الأولية لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، كان التركيز الأساسي على جوانبه السلوكية، وخاصةً فرط النشاط. وحتى أواخر الثمانينيات، كان الأطفال الذين يعانون من مشاكل الانتباه، وفرط النشاط، وصعوبات التعلم، وتأخرٌ في الذكاء، يتم تشخيصهم في كثير من الأحيان بمصطلح موحد يدمج بينهم في اضطراب ينسب إلى التأخر في القدرات العقلية أو ضعف القدرات العقلية.
ثم أدى التقدم في فهم الاضطرابات الفردية إلى التفريق بشكل أكثر وضُحاً بين صعوبات التعلم والأعراض السلوكية المرتبطة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. وقد سهل هذا الفهم المحسّنْ إجراء تشخيصات أكثر دقة وتدخلات مخصصة للأفراد المصابين.
حسب تطور الدليل التشخيصي و الاحصائي للاضطرابات العقلية (DSM):
حددت الطبعة الأولى من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)، الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 1968، الحالة بأنها اضطراب فرط الحركة في مرحلة الطفولة. في ذلك الوقت، كانت الأعراض الأساسية المعترف بها هي عدم الانتباه وفرط النشاط. ومع ذلك، بحلول عام 1980، كان هناك تحول في وجهة النظر هذه.
في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-III): أصبح عدم الانتباه هو المشكلة الأساسية في العرض، مما أدى إلى تسمية الاضطراب باضطراب نقص الانتباه (ADD). تم تطوير معايير التشخيص الرسمية في الثمانينيات، ومع نشر الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-IV) في عام 1994، تم تحسين معايير التشخيص وتوضيحها بشكل أكبر، مما وضع الأساس للمعايير المستخدمة في التشخيص اليوم.
أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
تنقسم معايير تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إلى مجموعتين رئيسيتين: عدم الانتباه وفرط النشاط/الاندفاع. لكي يتم تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الطفل.
يجب أن تظهر عليه ستة أعراض على الأقل إما من فئة عدم الانتباه أو فئة فرط النشاط/الاندفاع. ويجب أن تستمر هذه الأعراض لمدة ستة أشهر متواصلة على الأقل، ويجب أن تكون غير متناسبة مع مستوى نمو الطفل.
وفقا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-IV:
الطفل الذي يعاني من أعراض عدم الانتباه:
- يفشل في الانتباه للتفاصيل أو يرتكب أخطاء بسبب اللامبالاة .
- يواجه صعوبة في الحفاظ على انتباهه في المهام المتعلقة باللعب أو المدرسة أو العمل.
- يبدو أنه لا يستمع عند التحدث إليه مباشرة.
- لا يتابع التعليمات والمهام الخاصة بالواجبات المدرسية أو الأعمال المنزلية أو العمل.
- يواجه صعوبة في تنظيم المهام والأنشطة.
- – يتجنب المهام التي تتطلب مجهودا ذهنيا مستمرا.
- يفقد بسهولة الأشياء الضرورية للمهام أو الأنشطة.
- من السهل تشتيت انتباهه عن طريق المحفزات الخارجية.
- – ينسى في الأنشطة اليومية.
الطفل الذي يعاني من أعراض فرط النشاط/الاندفاع :
- يتململ باليدين أو القدمين أو يتلوى في مقعده.
- يترك مقعده في المواقف التي يتوقع فيها البقاء جالسا.
- الجري أو التسلق بشكل مفرط في مواقف غير مناسبة (بالنسبة للمراهقين، قد يظهر هذا العرض على شكل سلوك مضطرب).
- يجد صعوبة في ممارسة الأنشطة الترفيهية بهدوء.
- يبدو أنه دائما “في حالة حركة و تنقل في المحيط”.
- يتحدث بشكل مفرط.
- يندفع للإجابات قبل الانتهاء من الأسئلة.
- يكافح من أجل انتظار دوره.
- يقاطع أو يتطفل على محادثات أو أنشطة الآخرين.
أنواع اضطراب الانتباه مع أو بدون فرط النشاط (TDAH):
على الرغم من أن الاسم قد يكون مربكا إلى حد ما، إلا أن اضطراب الانتباه مع أو بدون فرط النشاط (TDAH) هو المصطلح التشخيصي المستخدم بغض النظر عما إذا كانت أعراض فرط النشاط موجودة أم لا. ولذلك ينقسم هذا الاضطراب الآن إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه – النوع المشترك (ADHD-CT):
في هذا النوع، تظهر أعراض عدم الانتباه والاندفاع وفرط النشاط بنسب متساوية بشكل عام.
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه – نوع الغفلة في المقام الأول (ADHD-I):
عدم الانتباه هو العرض السائد في هذا النوع. قد لا يكون الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD-I) مزعجين، ولكن بدلا من ذلك قد يبدو أنهم يحلمون في أحلام اليقظة أو يتشتت انتباههم بسهولة عن طريق الحركة. وهذا النوع أكثر شيوعا عند الفتيات ولكن يمكن أن يحدث في كلا الجنسين.
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه – النوع المفرط النشاط في المقام الأول (ADHD-H):
فرط النشاط والاندفاع هما الأعراض الأساسية في هذا النوع. قد يواجه هؤلاء الأطفال صعوبة في الجلوس ساكنين، وغالبًا ما يتململون، وكثيرًا ما يقاطعون أنشطة الآخرين أو يتطفلون عليها.
شروط ومعايير تشخيص اضطراب الانتباه مع أو بدون فرط النشاط(TDAH):

العمر:
وفقا لمعايير التشخيص المبينة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-IV)، يجب أن تظهر أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه قبل سن السابعة. يعتمد هذا الشرط على فهم أن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه هو اضطراب نمائي، وبالتالي عصبي ويمكن أن نجد له خلفية وراثية. وعليه من غير المتوقع أن لا تظهر الأعراض بحلول الوقت الذي يدخل فيه الطفل المدرسة، باعتبارها المحيط الأنسب و الذي يتطلب من الطفل الانتباه و اتباع التعليمات والأوامر الصارمة ،
عكس ما يكون عادة في البيت. فمن المحتمل أن طفل له مستوى ذكاء مرتفع مع وجوده في عائلة تدعمه قد يساعده في التغلب على الأعراض بفعالية، مما يؤخر تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه – النوع الغافل في المقام الأول (ADHD-I) حتى بعد سن السابعة. ومع ذلك، عند النظر إلى الماضي، ينبغي أن تكون الأعراض واضحة في وقت مبكر من نمو الطفل.
التعميم :
تحدد معايير DSM-IV أيضا أن الأعراض يجب أن تكون موجودة بشكل معمم وعبر مواقف متنوعة، مثل المنزل والمدرسة والعمل. يضمن هذا الشرط أن يكون الاضطراب منتشرا وليس ظرفيا. إذا أظهر الطفل فرط النشاط فقط في المنزل ولكن ليس في المدرسة، فقد يشير ذلك إلى مشاكل سلوكية أو بيئة أسرية غير مناسبة أو تضع على عاتق الطفل شروطا أو متطلبات مفرطة.
والأمر كذلك مماثل في حالة الانتباه، إذا كان الطفل لا ينتبه فقط إلا في موضوعات معينة مثل الرياضيات ولكنه لا يظهر عليه ضعف الانتباه في مجالات أخرى، فقد يشير ذلك إلى وجود صعوبة في هذا الموضوع بدلا من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. وبدلا من ذلك، من الممكن أن يعاني الطفل بسبب التوقعات السلوكية الصارمة للغاية التي وضعها معلمه في الفصل الدراسي.
الضعف الواضح :
هناك جانب حاسم إضافي للمعايير وهو أن الأعراض يجب أن تؤدي إلى ضعف كبير وواضح عند الطفل. من الشائع أن يعاني الأفراد من بعض الأعراض المرتبطة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في مراحل مختلفة من حياتهم. ومع ذلك، هناك تباين طبيعي في السلوك، ولن يظهر الجميع نفس المستوى من النشاط أو الانتباه.
يمكننا هذا الشرط الخاص بالضعف الكبير من المحافظة على مستوى ما نسميه بالسلوك الطبيعي عند الفرد. ويضمن أن يتم تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه فقط في الحالات التي تسبب فيها الأعراض صعوبات ملحوظة في الأداء اليومي ونوعية الحياة بشكل عام.
استمرارية الأعراض:
يجب أن تستمر الأعراض لأكثر من ستة أشهر متواصلة. يعتبر اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه اضطرابا مزمنا، لذا من الضروري تمييزه عن المشكلات العابرة. يمكن أن ييرجع ظهور عدم الانتباه والمشاكل السلوكية المفاجئة لدى الطفل، في أي عمر، إلى مجموعة من المشكلات أو الأمراض الأخرى. وقد تشمل هذه الاضطرابات الاكتئاب، أو تعاطي المخدرات ، أو الآثار الجانبية للأدوية، أو الصعوبات الاجتماعية، أو الخلافات العائلية، وكلها يمكن أن تؤثر على الانتباه والسلوك. ولذلك، فإن مدة الأعراض عامل مهم في تمييز اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه عن الأسباب المحتملة الأخرى للتغيرات السلوكية.
مثال عن حالة توضيحية لفهم تشخيص الاضطراب
الحالة يسمين :
تظهر يسمين، وهي تلميذة في الصف الخامس تبلغ من العمر اثني عشر عاما، عدة أعراض تشير إلى اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط – نوع الغفلة (ADHD-I). على الرغم من وصفها بأنها هادئة وحسنة التصرف، إلا أنها تبذل جهدا كبيرا من أجل إكمال واجبات الفصل الدراسي في الوقت المحدد، وإجراء الاختبارات المحددة بوقت، وإنهاء الواجبات المنزلية. وصفها بعض المعلمين بأنها “ليست ذكية ” أو “كسولة وغير متحمسة”. بسبب درجاتها الضعيفة، مما يؤدي إلى الإحباط والغضب. إنها تعبر عن مشاعر عدم الكفاءة وقد وصفت بـ “الغبية”.
غالبا ما لا يتم تشخيص الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه حتى سن متأخرة بسبب غياب المشكلات السلوكية العلنية المرتبطة عادة بأنواع فرعية أخرى من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. إن الجهد المبذول من طرف يسمين مع الاختبارات الموحدة ، على الرغم من المعرفة الكافية عند اختبارها بشكل فردي، يدعم احتمال الإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه-I.
من الضروري إجراء تقييم شامل من قبل أخصائي نفساني مدرب أو أخصائي قياس نفسي للتمييز بين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD-I) والحالات الأخرى مثل صعوبات التعلم أو انخفاض معدل الذكاء. وهذا يضمن التدخل المناسب والدعم المناسب لاحتياجات يسمين.
قد تكون مكونات فرط النشاط والاندفاع في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أقل وضوحا في حالة يسمين، حيث ترتبط أعراضها الأولية بعدم الانتباه. ومع ذلك، يمكن أن يظهر فرط النشاط والاندفاع على شكل اضطراب، وأرق، وصعوبة في البقاء جالسا في الفصل الدراسي، مما يؤدي إلى تحديات اجتماعية وأكاديمية.
يعد التدخل المبكر ضروريا لمنع العواقب السلبية طويلة المدى ودعم صحة يسمين الأكاديمية والعاطفية. يجب تثقيف الآباء ومقدمي الرعاية حول اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه للتعرف على أعراضه وطلب الدعم والتدخلات المناسبة.
في النهاية، يجب أن نفهم أن اضطراب الانتباه مع أو بدون فرط النشاط (TDAH) ليس مجرد تقصير في التركيز أو النشاط، بل هو حالة عصبية معقدة تحتاج إلى تقييم دقيق وتوجيه مناسب. من خلال التركيز على التشخيص الدقيق وتوفير الدعم المناسب، يمكننا تقديم المساعدة للأفراد المتأثرين بـ TDAH وتعزيز فهمهم لأنفسهم وتحسين جودة حياتهم. لكن ذلك يتطلب تضافر جهود الجميع في الأسرة و المدرسة و المجتمع.
روابط ذات علاقة: