القائمة

اضطراب الشخصية البارانويدي

شارك المقال

لقد كان اضطراب الشخصية البارانويدي – Paranoid personality disorder –موضوعا لأدبيات العلوم النفسية وعلم النفس المرضي خاصة لفترة زمنية طويلة، منذ أن نشر سغموند فرويد مقالته (الرئيس شرايبر، 1911) التي قدمت وصفا عياديا دقيقا لجنون العظمة وميكانيزم الاسقاط، والجنسية المثلية.

عام 1921، قدّم الألماني إيميل كريبيلين وصفا للشخصية البارانويدي يتطابق بشكل أساسي مع الأوصاف الحالية للاضطراب، وميّز بينه وبين الذهان. وفي عام 1923، ربط شنايدر الشخصية البارانويدية بالسلوكيات السيكوباتية. ثم أدرج الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية( DSM )  عام 1952 هذا الاضطراب كأحد اضطرابات الشخصية.

احصائيات وبائية عن اضطراب الشخصية البارانويدي

تشير الاحصائيات الوبائية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن اضطراب الشخصية البارانويدي هو سبب للإعاقة الاجتماعية؛ بحيث يتوقف الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب عن العمل في وقت أبكر من الأشخاص المصابين باضطرابات شخصية أخرى.  يرتبط هذا الاضطراب بمؤشرات السلوك العدواني والعنف، ويكون المصابون به عرضة للاكتئاب على الرغم من العلاج النفسي المكثف الذي يخضعون له. في حين ترتفع نسبة محاولات الانتحار في هذا الاضطراب والتي لا تزال أسبابها غامضة لحد اليوم.

تقديرات انتشار اضطراب الشخصية البارانويدي تتراوح ما بين (1.21% – 4.4%) من مجموع السكان، وهو اضطراب يمس الجنسين، لكنه مرتفع بين الرجال. ويصنّف كثاني أكثر اضطرابات الشخصية انتشارا بعد اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية. معدل انتشاره مرتفع بين نزلاء المؤسسات العقابية أكثر من نزلاء المستشفيات.  

تعريف اضطراب الشخصية البارانويدي

تعريف اضطراب الشخصية البارانيويدي

هو اضطراب نفسي يتميز بنمط عام وشامل من عدم الثقة والشك في الآخرين، الذين يتم تفسير نواياهم على أنها خبيثة، مع أنماط تفكير وسلوك ووظائف مضطربة، ويؤثر ذلك على الأداء النفسي الاجتماعي.

يبدأ هذا النمط عادة في مرحلة البلوغ المبكرة، وقد يزيد من خطر الإصابة باضطرابات الاكتئاب واضطرابات القلق، والادمان (على الكحول أو المخدرات)، كما أن خطر الاصابة بالفصامات عالي جدا لدى المصابين باضطراب الشخصية البارانويدية.

يعاني المصاب بهذا الاضطراب من الشك في الآخرين دون وجود أدلة كافية أو منطقية، ويشعر بأنهم يستغلونه أو يخدعونه، ويؤثر ذلك بالسلب على النمط العلائقي.

يتداخل اضطراب الشخصية البارانويدي مع أعراض اضطرابات الشخصية الأخرى من النوع (أ)، مثل العجز في المهارات الاجتماعية والشخصية التي تسيطر خاصة على اضطراب الشخصية الفصامية وشبه الفصامية، وكذا التجارب الإدراكية الغريبة التي تظهر في اضطراب الشخصية شبه الفصامية.

غالبا ما تؤدي شدة جنون العظمة في هذا الاضطراب إلى الاندفاع والعدوان، الذي يظهر في أبسط المحادثات اليومية العادية.

 سيميائية اضطراب الشخصية البارانويدي

تعتمد عملية تشخيص اضطراب الشخصية البارانويدي على السيميائية الكلاسيكية للبارانويا وعلى المعايير التشخيصية للدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-V).

يكون المصاب باضطراب الشخصية البارانويدية في حالة تأهب دائم، لمواجهة محاولات الآخرين للتقليل من شأنه أو إيذائه أو تهديده حسب اعتقاده. وتتداخل هذه المعتقدات المشوهة مع عدم الثقة في الآخرين ولومهم المتكرر.

يتميز اضطراب الشخصية البارانويدي حسب (DSM-V) بثلاث صفات أساسية هي:

تضخم الأنا أو حب الذات:

يتم التعبير عن احترام الذات من خلال الاستبداد والفخر والأنانية. هو شخص يعتقد دائما أنه على يقين من حقوقه وآرائه، ويريد أن يفرضها على الآخرين. عاطفته قليلة، ويفتخر بكونه دائما شخص موضوعي وبارد وعقلاني.

الحكم الخاطئ:

وهو ما يفسّر غياب النقد الذاتي. إن الاستدلال الذي يزعم البارانويدي أنه منطقي للغاية، يستند في الواقع إلى بديهة مشبعة بالذاتية (تفكير غير منطقي). يرفض انتقاد الآخرين حتى عندما يكون له ما يبرره (الصلابة النفسية)، ولا يأخذ بعين الاعتبار حججهم ولا السياق العام للموقف؛ فهو يسعى إلى فرض آرائه أكثر من أن يكون لديه فكرة دقيقة عن الأحداث والمواقف.

عدم الثقة والقابلية للتأثر:

البارانويا و عدم الثقة

يعيش البارانويدي في توقع أنه شخص مخدوع (عدم الثقة)؛ ويتوقع من الآخرين استغلاله أو إيذائه أو خداعه، حتى في حالة عدم وجود دليل يدعم هذه التوقعات. كما يشعر بالإهانة أو الازدراء أو الأذى بسهولة، بل ويتأذى نفسيا بسرعة (القابلية)، ويحمل الضغينة ولا يغفر بسهولة. حساسيته هذه تتموضع في حدود التفسير الهذياني، لكن قناعاته ليست مطلقة.

يمكننا تلخيص الأعراض فيما يلي:

– تضخم الأنا، والاستبداد، الكبرياء، الأنانية، التعصب للرأي.

– الحكم الخاطئ وغياب النقد الذاتي.

– عدم الثقة والقابلية للتأثر والحساسية العالية لانتقادات الآخرين.

– الصلابة النفسية.

– اضطراب العلاقات الاجتماعية، مع معاناة المحيطين به أمام عدوانيته وتعنته وعناده.

المنظور النفسي الديناميكي لاضطراب الشخصية البارانويدي

الشخصية البارانويدية هي من أقل الشخصيات نكوصا على المستوى الاقتصادي-الليبيدي، بحيث أن التثبيت فيها حدث على مستوى المرحلة الشرجية الأولى. الأنا في هذه الشخصية لم يتوقف نموه في البداية كما هو حال باقي الشخصيات الذهانية، لكنه يتواجد في وضعية انغلاق أمام فشله في ادماج المرحلة الثانية من المرحلة الشرجية.

يسيطر على الشخصية البارانويدية الآليات الدفاعية التالية:

  • العودة المضاعفة للغريزة والموضوع الذي يكون نشيطا أمام استهام الايلاج الشرجي.
  • انكار العاطفة مع عودة الغريزة (هو من أحبه) – (لا، أنا لا أحبه، أكرهه) .
  • الاسقاط وعودة الموضوع (أنا أكرهه) – (هو من يكرهني)، وتبني وضعية عاطفية ودفاعية شعورية (لأنه يكرهني، فأنا أكرهه).
  • الإحساس بالاضطهاد هو حل وسطي بين العزلة والحميمية أمام الموضوع.
  • الصور الأبوية غير متمايزة ، مع سيطرة الصورة الأموية (التي تحوي التحكم في الموضوع)

الأشكال العيادية لاضطراب الشخصية البارانودي

نميّز بين ثلاثة أنواع عيادية من اضطراب الشخصية البارنويدي:

البارانويا القتالي
  • البرانويدي القتالي أو الخلافي: يتميز بغياب المرونة والتعصب والسيطرة.
  • برانويدي الرغبة: غياب الاتصال بالعالم الخارجي، بحيث يتطابق لديه المثالي والواقع.
  • البرانويدي الحساس (Kretschmer’s sensitive personality): يجمع هذا النوع بين الشك والحساسية العالية؛ بحيث يقدم هذا النوع أعراضا من الشخصية البارانويدية زائد أعراضا للشخصية الوهنية (psychasthenic). تتميز بالكبرياء المقنّع بعدم الرضا عن النفس، الانسحاب والمعاناة الصامتة مع الحساسية العالية والانفعالية، والوهن والتشاؤم.

سببية اضطراب الشخصية البارانويدي

لا يعرف لحد اليوم السبب المباشر في تطوّر اضطراب الشخصية البارانويدي، لكن تشير البيانات المتاحة إلى أن هذا الاضطراب له مجموعة من العوامل البيولوجية والنفسية ذات العلاقة الوثيقة بصدمات الطفولة بما في ذلك الصدمات الجسدية أو العاطفية، والضغوط الاجتماعية.  بحيث تزيد احتمالية انتشاره بين الأشخاص الذين لديهم أقارب مصابون بالفصام مما يشير إلى وجود رابط وراثي بين الاضطرابين.

تطّور اضطراب الشخصية البارانويدي

غالبا ما تكون المضاعفات أو تطورات الاضطراب هي السبب في التقدم للفحص الطبي.

  • شكاوي توهم المرض.
  • الادمان، خاصة على الكحوليات.
  • ردود فعل عاطفية على الإحباطات، المدرجة في إطار الغيرة المرضية.
  • نوبات ذهانية سريعة (بضع دقائق الى بضع ساعات) استجابة لعوامل الاجهاد والقلق.
  • نوبات اكتئاب متداخلة غالبا ذات طبيعة اضطهادية.
  • هذيان بارانويدي مزمن، أو هذيان العلاقة (erotomanic delirium).
  • نوبات اكتئابية كبرى، واضطراب اكتئابي لدى المحيط.
  • في كثير من الحالات يتورط المصابون بهذا الاضطراب في معارك قانونية ويقاضون أشخاصا أو شركات يعتقدون أنها تتربص بهم.

علاج اضطراب الشخصية البارانويدي

لا يسعى المصابون باضطراب الشخصية البارانويدي إلى علاج أنفسهم من تعقيدات هذا الاضطراب، لأنهم لا يدركون وجود مشكلة تستدعي فعلا العلاج النفسي. وإن حدث وتقدموا لطلب العلاج النفسي، فسيكون الطلب في شكل استشارة فقط.

العلاج النفسي:

يشكل العلاج النفسي المبني على التحالف العلاجي والثقة تحديا للأشخاص باضطراب الشخصية البارانويدية؛ لأنهم أشخاص شكاكون. وهو ما يجعل غالبيتهم لا يتقدمون الى العلاج أو لا يتبعون خطة العلاج.

يركز العلاج النفسي على زيادة مهارات التكيف وتحسين التواصل الاجتماعي، وتطوير التعاطف واحترام الذات، والتقليل من السلوك العدواني.

يساعد العلاج المعرفي السلوكي في تعديل التشوهات المعرفية وأنماط التفكير والسلوكيات السلبية، والمعتقدات الخاطئة وغير المنطقية، والتدريب على اكتساب الثقة في الآخرين بما في ذلك الأصدقاء والعائلة؛ مما يحسّن العلاقات والتفاعلات الاجتماعية. مع تدريبهم على إدارة استجاباتهم بشكل أفضل؛ بتعديل سلوكيات الغضب أو العدوان أو العناد.

العلاج الدوائي:

لا يشكل العلاج الدوائي المحور الرئيسي في هذا الاضطراب، ما عدا مضادات القلق ومضادات الاكتئاب للأعراض المصاحبة، أو مضادات الذهان في حالة تطور الحالة نحو الهذيان أو نحو الفصامات.

قائمة المراجع

  • American Psychiatric Association (APA). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders. 5th ed, text revision. Washington, D.C; 2022.
  • Cramer V, Torgersen S, Kringlen E. Personality disorders and quality of life. A population study. Compr Psychiatry. 2006 May-Jun;47(3):178-84. [PubMed]
  • Lee R. Mistrustful and misunderstood: a review of paranoid personality disorderCurr Behav Neurosci Rep. 2017;4(2):151-165. doi:10.1007/s40473-017-0116-7
  • Liu Y, Shen X, Zhu Y, Xu Y, Cai W, Shen M, Yu R, Wang W. Mismatch negativity in paranoid, schizotypal, and antisocial personality disorders. Neurophysiol Clin. 2007 Apr-May;37(2):89-96. [PubMed]
  • Völlm BA, Farooq S, Jones H, et al. Pharmacological interventions for paranoid personality disorder

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *