لم يكن اضطراب الشخصية الفصامية (Schizoïd personality disorder ) معروفا سابقا، كونه كان يعتبر ميلا طبيعيا لدى بعض الأشخاص إلى الاهتمام بالحياة الداخلية أكثر من اهتمامهم بالعالم الخارجي. ولم يكن نقص الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية يُعتبر اضطرابا، واستدعى الأمر سنوات ليتم تصنيف هذه الشخصية بسماتها الخاصة بين اضطرابات الشخصية من المجموعة (أ)، المسماة أيضا بالشخصيات الذهانية. تعتبر الشخصية الفصامية الأقل حدة في هذه المجموعة (اضطراب خفيف).
تعريف اضطراب الشخصية الفصامية
اضطراب الشخصية الفصامية هو اضطراب في الصحة العقلية، يؤثر على قدرة الشخص على تكوين علاقات اجتماعية والحفاظ عليها. يتميّز هذا الاضطراب بنمط عام ومستمر من الانفصال والابتعاد عن التفاعل والعلاقات الاجتماعية، مع وجود محدودية في التعبير عن العواطف والانفعالات. يمكن أن يؤثر هذا الاضطراب بشكل حاد أحيانا على حياة الفرد الشخصية والمهنية والاجتماعية.
ويعرفها الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) بأنها نمط عام للانفصال عن العلاقات الاجتماعية، وتقييد التعبير الانفعالي.
الدراسات الوبائية عن اضطراب الشخصية الفصامية
يمس هذا الاضطراب بشكل كبير الرجال، بنسبة تتراوح بين (0,5 – 5%) من السكان.
غالبا ما يتداخل تشخيص هذا الاضطراب مع الفصامات أو مع اضطراب الشخصية شبه الفصامية بسبب تشابه الأعراض الخاصة بالانفصال عن العلاقات الاجتماعية ومحدودية التعبير الانفعالي.
القليل من المصابيين يطلب الفحص النفسي؛ وهو ما يرفع من احتمالية ارتفاع هذه النسبة التي يقدرها البعض أمثال (Philip Manfield) بـ (40 %) من السكان.
سيميائية اضطراب الشخصية الفصامية

وفقا لـلدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية، تتميز الشخصية الفصامية بوجود أربع سمات على الأقل من السمات التالية:
- الشخص لا يسعى إلى إقامة علاقات اجتماعية، ولا يعطي لهذه العلاقات أي قيمة، بما فيها العلاقات الأسرية. لذا دائما ما يختار الأنشطة الانفرادية، ويكون شخصا منعزلا ومنطويا، ومتكتّما، مع عدم الاهتمام بالعالم الخارجي وما فيه. وبالمقابل يفرط في الاستثمار في العالم الداخلي الخيالي.
- سيطرة البرودة العاطفية واللآتعاطف، والعجز عن التعبير عن الانفعالات التي يدركها بشكل سيء، مما يجعله يبدو شخصا غير حساس، وبارد مع تهميش ارادي لنفسه. هذه الشخصية قريبة جدا من اضطراب (l’Alex-thymie) وهو صعوبة في التعبير اللفظي عن الانفعالات.
- اهتمامه ضئيل جدا أو معدوم بالحياة الجنسية.
- لا يشعر بالمتعة إلا في القليل جدا من الأنشطة.
- ليس لديه مقربين باستثناء أقاربه من الدرجة الأولى (الأبوين، الأولاد).
- لا يبالي بنقد أو مديح الآخرين.
- يسيطر عليها القلق الاجتماعي الكبير، وجنون العظمة، مصحوب أحيانا بأفكار أو سلوكيات صوتية، وأسلوب ملابس غير نمطي. وفي بعض الحالات قد تتفاعل هذه الشخصية بشكل غريب أثناء المحادثة، أو لا تستجيب.
وعليه، نلاحظ أن الشخصية الفصامية تعبّر عن نفسها من خلال الصفات التالية: الانطواء والانغلاق على الذات، البعد عن الآخرين وتجنب الوضعيات التنافسية، البروردة العاطفية.
غالبًا ما يفسر هؤلاء الأشخاص المواقف على أنها غريبة، أو ذات معنى غير عادي بالنسبة لهم. غالبًا ما يسعى هؤلاء الأشخاص إلى الحصول على رعاية طبية لعلاج القلق أو الاكتئاب ، بدلاً من اضطراب الشخصية الفصامية.
سببية اضطراب الشخصية الفصامية
فهم أعراض وأسباب هذا الاضطراب وباقي اضطرابات الشخصية أمر بالغ الأهمية للأسباب التالية:
1. يسمح للعامة من الناس من فهم هذا الاضطراب، ويسمح للمصابين به من طلب المساعدة المتخصصة. ويمكن أن يؤدي التدخل المبكر إلى تحسين نوعية حياة الشخص وأدائه بشكل كبير.
2. إن فهم الأسباب الكامنة وراء هذا الاضطراب يساعد في تطوير استراتيجيات علاج فعّالة.
3. يساعد المختصين النفسيين في عملية التشخيص الفارقي، بتتبع تاريخ الحالة.
لا يزال من الصعب تحديد الأصل الدقيق وراء ظهور اضطراب الشخصية الفصامية، ومع ذلك تشير العديد من الدراسات في هذا السياق الى أن تطورها يرتبط ارتباطا وثيقا بتجارب الاحباط المبكرة. بحيث تتداخل العوامل الوراثية مع العوامل البيئية لتكون عوامل خطر.
العوامل الوراثية:
تشير الأدلة العلمية إلى أن العوامل الوراثية تلعب دورا في تطوّر اضطراب الشخصية الفصامية: فالأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من مرض الفصامات أو اضطراب الشخصية الفصامية أو الشخصية شبه الفصامية ، أو اضطرب الشخصية من النوع (أ) قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب؛ لأن بعض الجينات قد تهيئ الفرد للإصابة بالمرض بعينه.
العوامل البيئية:
يمكن لبعض العوامل البيئية كتأثير الثقافة والمجتمع أن يؤدي الى تطوير اضطراب الشخصية الفصامية. فالأشخاص الذين نشأوا في ثقافات أو مجتمعات أو أسر تدعم الاستقلالية الذاتية والفردانية والعزلة الاجتماعية والابتعاد عن الروابط والعلاقات الاجتماعية قد يكونون أكثر عرضة لتطوير سمات الفصام وسمات الشخصية الفصامية، بسبب أن سمة الانفصال عن العلاقات الاجتماعية تكون متجذرة في شخصايتهم.
تجارب الطفولة المحبطة:
وخاصة تلك التي تنطوي على الإهمال أو سوء المعاملة النفسية والجسدية والمعنوية والجنسية، أو الصدمات المبكرة، يمكن كلها أن تساهم أيضا في تطوير هذا الاضطراب.
كما قد يكون الأطفال الذين نشأوا في بيئات فقيرة عاطفيا أكثر عرضة للإصابة. وتشكل كل هذه التجارب محطات هامة في التطور الاجتماعي والعاطفي للشخص، وتترك بصمات قوية في نموه النفسي والعاطفي والاجتماعي؛ مما يؤدي إلى تطوير صعوبة في تكوين علاقات وثيقة في وقت لاحق من الحياة.
ومن المهم ملاحظة أنه على الرغم من أن هذه العوامل قد تزيد من خطر الإصابة بهذا الاضطراب، إلا أنها لا تضمن تطوره اذا كانت منفردة. فالتفاعل بين الاستعداد الوراثي وتجارب الطفولة والتأثيرات البيئية معقد جدا، وليس كل من لديه عوامل الخطر هذه سيصاب بالضرورة بهذا الاضطراب.
تشخيص وعلاج اضطراب الشخصية الفصامية

قد يكون التشخيص أمرا صعبا جدا؛ لأن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب غالبا لا يقدمون طلبا للعلاج النفسي، بسبب عدم اهتمامهم بالتفاعلات الاجتماعية. لذلك على الفاحص النفسي اذا لاحظ ظهور سمات الشخصية الفصامية لدى المريض أن يقوم بإجراء تقييم شامل لإجراء التشخيص.
تتضمن عملية التشخيص والفحص النفسي عادة إجراء مقابلات عيادية تفصيلية مع الشخص وأحد أقاربه، لجمع معلومات حول أعراض الشخص الحالية، وتاريخه الشخصي، والتاريخ العائلي لاضطرابات الصحة العقلية ان وجدث.
بمجرد تأكيد تشخيص اضطراب الشخصية الفصامية، تركز خيارات العلاج على تحسين نوعية حياة المريض ومساعدته على إدارة أعراضه.
العلاج الدوائي:
لا يوجد دواء محدد معتمد للعلاج أو لعلاج مشكلة الانفصال عن العلاقات الاجتماعية، إلا أنه يمكن وصف أدوية لعلاج أي حالات مصاحبة مثل الاكتئاب أو القلق.
العلاج النفسي: يعتبر هذا النوع من العلاج هو النهج العلاجي الأساسي لاضطراب الشخصية الفصامية. ويتضمن عدة أنواع يمكن للمعالج النفسي تبنيها كلها أو احداها:
العلاج المعرفي السلوكي
يساعد العلاج المعرفي السلوكي على تحديد أنماط التفكير المشوهة، والسلوكيات السلبية التي تساهم في انفصال المريض الاجتماعي. كما يهدف هذا العلاج إلى تحسين المهارات الاجتماعية وتعزيز التفاعلات الإيجابية مع الآخرين، وعلاج التشوهات المعرفية.
العلاج الجماعي
يوفر بيئة داعمة حيث يمكن للأشخاص الذين يعانون من المرض التفاعل مع الآخرين وتشارك خبراتهم المشابهة. كما يوفر العلاج الجماعي فرصة لتعلّم والتدريب وممارسة المهارات الاجتماعية داخل الجماعة، والتدريب على الاستجابات الاجتماعية الصحيحة وتطوير الشعور بالانتماء.
العلاج النفسي الديناميكي
الذي يستخرج الصراعات اللاواعية المساهمة في ظهور هذا الاضطراب، والاستهامات المسيطرة على واجهة المشهد النفسي والتي قد تساهم في تطور اضطراب الشخصية الفصامية أو تساهم في الحفاظ على الاضطراب واستمراره.
كما يهدف العلاج النفسي الديناميكي إلى زيادة الوعي بالذات وتقوية الأنا والجهاز الدفاعي للتعامل بطريقة صحية مع العلاقات بين الشخصية.
تطور الاضطراب
تتطور هذه الشخصية نحو الاضطرابات التالية:
- الفصامات بمختلف أنواعها.
- القلق الاجتماعي خاصة ونوبات القلق الحادة.
- في حالة التفكك، قد يقود المريض نحو الانغلاق على الذات مع امكانية ظهور اكتئاب لا نموذجي قد يصل الى محاولة الانتحار.
- اضطرابات الأكل والسلوك الغذائي.
- هذيان مزمن أقل تنظيما مما هو عليه في الفصامات.
قائمة المراجع
- American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders, fifth edition (DSM-5).
- Bamelis LM, et al. (2014). Results of a multicenter randomized controlled trial of the clinical effectiveness of schema therapy for personality disorders.
https://ajp.psychiatryonline.org/doi/full/10.1176/appi.ajp.2013.12040518 - Hopwood CJ, et al. (2018). Stability and change in personality and personality disorders.
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2352250X17301690 - Personality disorder. (n.d.). http://www.mentalhealthamerica.net/conditions/personality-disorder