القائمة

الإسقاط  والوضعية الاسقاطية

شارك المقال

في عالم التحليل النفسي، يعد الإسقاط  و الوضعية الاسقاطية من أبرز الأدوات التي تساهم في فهم الديناميات النفسية الداخلية والخارجية للفرد. منذ أن صاغ سيغموند فرويد هذا المفهوم كجزء من نظرياته حول الدفاعات النفسية. أصبح الإسقاط موضوعا محوريا في دراسة كيفية تعامل الأفراد مع صراعاتهم الداخلية عبر إسقاطها على العالم الخارجي. يستند الإسقاط إلى دينامية معقدة يتفاعل فيها الواقع النفسي الداخلي مع المحيط الخارجي، مما يجعل منه أداة أساسية في فهم العديد من الظواهر النفسية، من الأحلام إلى الهواجس المرضية. هذا المقال يستعرض تطور مفهوم الإسقاط وأثره في التحليل النفسي، إضافة إلى استعراض الوضعية الإسقاطية كأداة لتقييم وفهم الشخصية من خلال التفاعل بين الفاحص والمفحوص.

اختبار اسقاطي

تعريف الإسقاط

الإسقاط، كمفهوم، بدأ بالاستعارة من السينما حيث تعرض الأحداث اليومية على الشاشة كمشاهد وسيناريوهات. ثم تأثر الإسقاط بالتطورات الطبية، مثل التصوير الإشعاعي، الذي مكّن البشر من رؤية داخل الجسم البشري بوسائل خارجية. هذا الربط بين الإسقاط والطب ألهم علماء النفس باستخدام الإسقاط كوسيلة لمحاولة فهم وتفحص العالم الداخلي للشخص من خلال وسائل خارجية تضع الفرد في وضعية إسقاطيه.

في العلوم النفسية، يستخدم مصطلح الإسقاط كآلية دفاعية أو كعملية مرضية أو حتى كعملية تنظيمية غير دفاعية، تتعامل مع الحدود بين الداخل والخارج (الداخل النفسي والخارج في الواقع). يساهم الإسقاط في حركية الأنا المزدوجة، التي تتأرجح بين داخل الأنا وخارج الذات. يمكن ملاحظة هذه الديناميكية في نموذج الحلم كما وصفه فرويد، حيث يحاول العقل خلال النوم تخفيف التوتر النفسي عن طريق إسقاط أفكار مكبوتة على شكل أحلام.

الإسقاط في المقاربة التحليلية

النموذج الفرويدي للحلم ساعد لاحقا في تشكيل ما يعرف اليوم بعلم النفس الإسقاطي. يعتمد هذا العلم على الفحص النفسي باستخدام الوسائل الاسقاطية لتحليل الشخصية (الوضعية الاسقاطية). الإسقاط، كما فسره فرويد، هو أحد الدفاعات النفسية الأساسية، حيث يقوم الشخص بالتخلص من جوانب غير مقبولة من ذاته وينسبها إلى الآخرين أو إلى العالم الخارجي. هذه العملية تتيح للشخص التخلص من الأفكار والمشاعر غير المرغوبة، مما يخفف الضغط النفسي ويجعل الأنا أكثر توازنا.

في سياق الفحص النفسي، يلعب الإسقاط دورا مهما، حيث أنه وسيلة من وسائل العلاج النفسي التي تستخدم في علاج المرضى من خلال الاستفادة من عملية التحويل، وهي إعادة إنتاج المعاش الطفولي المكبوت، مما يساعد في تعديل وتحرير الأنا.

فرويد ميز بين نوعين من الإسقاط: الإسقاط السوي والإسقاط المرضي. ففي الإسقاط السوي، يعد الحلم مثالا على ذلك، حيث يعمل الأنا على تخفيف الضغط خلال فترة الحلم. كما رأى فرويد أن الإسقاط السوي جزء طبيعي من الإدراك البشري وتكوين الواقع. أما الإسقاط المرضي فيظهر بوضوح في الشخصيات البرانوية، حيث تستخدم هذه الشخصيات الإسقاط كآلية دفاعية غير سوية، مما يؤدي إلى تشويه الواقع وإدخال الشخص في دوامة من الهواجس والأوهام المرضية.

الإسقاط والتحويل

في دراسة قام بها دانيال فيدلوشار عام 1972، تم الربط بين آلية الإسقاط والتقمص، وهي آلية دفاعية أخرى يتم من خلالها بناء الواقع النفسي. في العلاج النفسي التحليلي، يعتمد التحويل على آلية الإسقاط بشكل كبير، حيث يتم إحياء تجارب الطفولة خلال الجلسات العلاجية بهدف تعديلها وتحرير الأنا من الضغوط.

تستخدم آلية الإسقاط لتشكيل علاقات إيجابية مع المريض خلال العلاج النفسي. من خلال إعادة بناء العلاقة مع المعالج كموضوع رمزي يسقط عليه المريض مشاعر وتصورات الطفولة داخل الوضعية الاسقاطية. يرى فرويد، ومن تبعوه مثل آنا فرويد وفرانسوا دولتو، أن هذه العملية تتيح للمريض التعامل مع مشاعره بطرق جديدة وأكثر نضجا.

الإسقاط والنزوة

يلعب الإسقاط دورا هاما في تشكيل النزوة وتطوير الأنا، إذ يسهم في إحداث معارضة بين الأنا والموضوع. وفقا لتحليل ساندر فارونكزي عام 1909، يعتمد الشخص على الإسقاط والاستدخال لتنظيم ذاته. ويتم استدخال المواضيع التي تحقق المتعة وطرد تلك التي تسبب القلق والضيق عبر الإسقاط.

في هذا السياق، رأت ميلاني كلاين أن عمليات الاستدخال والإسقاط تحدث قبل تمايز الأنا عن العالم الخارجي. وتساهم في تشكيل الأنا وتحديد الحدود بين الداخل والخارج. أما أنا فرويد فقد رأت أن هذه العمليات تحدث بعد تمايز الأنا، مما يعكس اختلافا في المفاهيم بين المدرستين.

الإسقاط وصورة الجسد

يُعتبر الإسقاط أيضا وسيلة للتعامل مع صورة الجسد. ويتم طرد كل ما هو غير مرغوب فيه من الذات وإسقاطه على العالم الخارجي. هذه العملية تثير تساؤلات حول العلاقة الجدلية بين الإدراك الداخلي والخارجي. وكيف يمكن لصورة الجسد أن تشكل حدودا فاصلة بين العالمين. يرى سامي علي أن الجسد يمثل السلطة الأولى للإسقاط، وهو ما يظهر آثاره في الإدراك والذاكرة على المستويين الشعوري واللاشعوري.

يسهم الإسقاط في خلق واقع خيالي ينطوي على إسقاطات معقدة لصورة الذات. وذلك يؤدي إلى تطوير تصورات عن الذات والعالم الخارجي. هذه العملية تساعد على بناء الخيال وتنشيط السيرورة الرمزية في النفس البشرية.

الإسقاط والاختبارات الاسقاطية

أدخل مصطلح الإسقاط إلى الأدوات الاسقاطية عام 1939 من خلال بحث قام به ليوبولد بيك وفرانك. قام الباحثان بربط بعض الاختبارات النفسية. مثل اختبار رورشاخ، بالنموذج الديناميكي لتحليل الشخصية. مشيرين إلى أن الشخصية كيان متكامل يتطور باستمرار. أكد الباحثان أن الاختبارات الاسقاطية تظهر جوانب خفية من شخصية الفرد. وذلك من خلال تفاعله مع المواد الغامضة التي تستخدم في الاختبار أو في الوضعية الاسقاطية.

من خلال هذا النوع من الاختبارات، يتمكن الباحثون من استخراج التوجهات اللاشعورية للفرد والكشف عن صراعاته النفسية. ساهمت أعمال باحثين مثل سامي علي وديديي أنزيو في تطوير استخدام الاختبارات الإسقاطية كأدوات فعالة لتحليل الشخصية.

الوضعية الاسقاطية

ما معنى الوضعية الاسقاطية؟

الوضعية الاسقاطية هي وضعية فحص نفسي تعتمد على التفاعل بين الفاحص والمفحوص باستخدام اختبار إسقاطي كوسيط. يتخذ الفاحص في هذه الوضعية الاسقاطية موقفا خاصا. و يتجنب التدخل المباشر ويترك المجال للمفحوص للتفاعل بحرية مع المواد المقدمة له. يتم في هذه الوضعية تحفيز العمليات النفسية اللاشعورية، حيث يمر المفحوص بعملية نكوص وتحرير للصراعات النفسية المكبوتة.

اختبار تفهم الموضوع الاسقاطي

مبدأ الإدراك والإسقاط في الوضعية الاسقاطية

تعتمد معظم الأدوات الاسقاطية على مبدأي الترابط والتداعي الحر. يرى علماء النفس أن العمليات النفسية للفرد تظهر من خلال هذه الآليات، حيث ترتبط المشاعر والتصورات ببعضها البعض بشكل غير واعٍ. الإسقاط هنا يلعب دورا مركزيا في فهم كيف يتفاعل الشخص مع المواد الغامضة التي تعرض عليه.

اختبار رورشاخ، على سبيل المثال، يعتمد على تصورات الشخص لصور غير محددة، مما يسمح له بإسقاط محتويات نفسية غير واعية على الصور. هذه العملية تكشف عن صراعات الشخص الداخلية وتساعد في تحليلها.

المجال الانتقالي في الوضعية الإسقاطية

المجال الانتقالي هو مكان افتراضي للإبداع والرمزية، حيث يتمكن الشخص من بناء تصورات جديدة بناء على الواقع الملموس. يشير وينيكوت وفرويد إلى أن المجال الانتقالي يلعب دورا أساسيا في التفاعل بين العالم الداخلي والخارجي، وهو ما يظهر في الوضعية الاسقاطية.

في هذا السياق، يتمكن الفرد من التعبير عن مشاعره اللاشعورية بشكل غير مباشر من خلال المواد المقدمة له في الاختبار الإسقاطي. هذه العملية تساهم في تحليل جوانب خفية من الشخصية وتساعد الفاحص على فهم الصراعات النفسية التي قد لا يتمكن الشخص من التعبير عنها بشكل مباشر.

خاتمة

في النهاية، الإسقاط والوضعية الاسقاطية أدوات قوية في فهم العمليات النفسية العميقة. تساعد هذه الأدوات في الكشف عن الصراعات الداخلية والخارجية للشخص من خلال التفاعل الديناميكي بين الفاحص والمفحوص. بفضل التفاعل القائم بين الإدراك والإسقاط، يتمكن الفاحص من الدخول إلى عالم اللاشعور وتحليل المشاعر والتصورات التي لا يمكن الوصول إليها بطرق مباشرة.

قائمة المراجع:

ANZIEU. D ET CHABERT. C (1987), Les méthodes projectives, Paris, PUF, 1961.

CHABERT. C (1998b). Psychanalyse et méthodes projectives, Dunod, Paris. Collection Topos.

DJADOUNI. Z (2010), Le test de Rorschach et l’évaluation de la représentation de Soi, Revue Al-mawaqif, N° 05, Algérie, Publications université de Mascara.

EMMANUELLI. M (2003), L’examen psychologique en pratique clinique : les apports de la théorie psychanalytique, Le Carnet PSY 2003/5 (n° 82), Paris, Cazaubon, pp 15-17.

LAPLANCHE. J et PONTALIS. J.B (2008), Vocabulaire de la Psychanalyse, Paris, PUF, 12ème édition.

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. مشكورين على المجهودات المبذولة و مقالات في القمة ذات محتوى علمي مفهوم و مفيد