القائمة

الاختبارات الاسقاطية

شارك المقال

الاختبارات الاسقاطية تعد من أهم أدوات الفحص النفسي الديناميكي، فهي تسمح بتوجيه الفاحص نحو فهم عميق للشخصية وآلياتها الداخلية. تعتمد هذه الاختبارات على تقديم مثيرات غير واضحة للفرد، ما يسمح له بإسقاط مشاعره وأفكاره اللاواعية على تلك المثيرات. يستخدم هذا النوع من الاختبارات بشكل واسع في الفحص العيادي لفهم الجوانب العاطفية والمعرفية والنفسية التي لا يمكن الوصول إليها من خلال الحوار المباشر.

في هذا المقال، سنتناول أهم الاختبارات الاسقاطية المستخدمة في مجال الفحص العيادي، مع التركيز على كل من اختبار الرسم الحر والرسم بتعليمة، الاختبارات الصورية، والاختبارات البنيوية مثل اختبار “الروشاخ”.

اختبار الرسم الحر والرسم بتعليمة

اختبار الرسم الحر

الرسم الحر

يعتبر الرسم من أوائل الاختبارات الاسقاطية المستخدمة مع الأطفال، وخاصة في سياق الفحص العيادي الديناميكي. يقوم الطفل هنا بالتعبير عن أفكاره ومشاعره من خلال الرسم على ورقة بيضاء، دون تقديم تعليمات محددة.

يمكن للطفل إسقاط تصوراته الأولية للعالم، إضافة إلى تصويره للعلاقات الاجتماعية والعائلية من خلال الأشكال التي يرسمها. في هذه الحالة، يعتبر الفاحص مستمعًا صامتا، يراقب العملية دون تدخل، مما يعطي الطفل الحرية الكاملة في التعبير عن نفسه.

الرسم بتعليمة

يختلف الرسم بتعليمة عن الرسم الحر في أن الطفل يطلب منه رسم شيء محدد. من أشهر التعليمات المقدمة هنا: “رسم رجل”، “رسم شجرة”، أو “رسم عائلة”. بعد انتهاء الطفل من الرسم، يطلب منه شرح ما رسمه، وتسمية الأشياء والأدوار المختلفة التي يراها في الرسم.

الرسم بتعليمة لا يستخدم فقط لفهم المستوى المعرفي والتعبيري للطفل، بل يعتبر أيضا أداة هامة لاستكشاف كيف يرى الطفل العالم من حوله، بما في ذلك صورة الجسد، العلاقات الاجتماعية، وحتى الصراعات الداخلية.

تحليل الرسم

تحليل الرسومات يركز على عدة جوانب:

  • مستوى الأداء الخطي: يشير إلى مدى تحكم الطفل في الخطوط والأشكال، وقدرته على تنظيم الرسوم على الورقة.
  • التصورات الجسدية والجنسية: الكشف عن كيفية رؤية الطفل لجسده وللآخرين.
  • التصورات الاجتماعية والعاطفية: رسم العائلة أو الأصدقاء يمكن أن يعكس صراعات داخلية أو مشاعر تعلق وانفصال.

الاختبارات الصورية (الموضوعاتية:

اختبار المشهد (Scénotest)

اختبار المشهد scénotest

تم تطوير هذا الاختبار بواسطة جيرهيلد فون ستابس عام 1938، ويُعتبر من الاختبارات الصورية الأكثر استخداما لدى الأطفال. يتكون الاختبار من مجموعة متنوعة من الألعاب المصغرة التي تمثل مشاهد من الحياة اليومية. يقوم الطفل بتكوين مشهد من خلال استخدام الألعاب، مما يسمح له بالإسقاط العاطفي والتعبير عن مشاعره اللاواعية.

هذا الاختبار يستخدم بشكل أساسي لتشخيص المشاكل العاطفية والنفسية لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات واثنتي عشرة سنة.

اختبار تفهم الموضوع للأطفال (CAT)

اختبار تفهم الموضوع للأطفال CAT

تم إعداد هذا الاختبار من قبل الأمريكيين ليوبور بيلاك وسونيا بيلاك عام 1947، ويستهدف الأطفال من عمر ثلاث إلى عشر سنوات. يتم تقديم عشر لوحات تحتوي على صور حيوانات أليفة ومتوحشة، ويطلب من الطفل تفسير هذه اللوحات. الهدف من هذا الاختبار هو تسهيل عملية الإسقاط النفسي، مما يسمح للفاحص بفهم الحياة الداخلية للطفل بشكل أعمق.

اختبار القدم السوداء (Patte Noire)

اختبار القدم السوداء PATTE NOIRE

ابتكر الطبيب الفرنسي لويس كورمان هذا الاختبار في الفترة الممتدة بين 1959-1961. يتكون الاختبار من مجموعة من اللوحات التي تحكي قصة خنزير صغير وعائلته. يستخدم هذا الاختبار لقياس قدرات التمايز النفسي لدى الأطفال، كما يُعتبر أداة مهمة للكشف عن مفهوم الطفل لذاته وللآخرين.

لكن من الجدير بالذكر أن هذا الاختبار يواجه انتقادات في البيئة العربية بسبب رمزية الخنزير في الثقافة الإسلامية، مما دفع بعض الباحثين إلى تعديل الصور واستبدال الخنزير بالخروف، لكن ذلك لم يلقَ قبولا كبيرا نظرا للرمزية الدينية المرتبطة بالخروف.

اختبار تفهم الموضوع للمراهقين والبالغين (TAT)

اختبار تفهم الموضوع للمراهقين و البالغين TAT

يعتبر اختبار تفهم الموضوع (TAT) من أقدم وأهم الاختبارات الاسقاطية المستخدمة مع المراهقين والبالغين. ابتكره هنري موراي عام 1935 ويشمل عرض لوحات غير واضحة تظهر مشاهد لشخصيات مختلفة. يطلب من المفحوص تكوين قصة بناء على ما يراه في اللوحات، وهذا يسمح بالكشف عن الصراعات النفسية، الرغبات المكبوتة، والتصورات اللاواعية.

الاختبارات البنيوية: الغوص في اللاوعي

اختبار الروشاخ

اختبار الروشاخ

يعتبر اختبار الروشاخ من أشهر وأقدم الاختبارات الاسقاطية البنيوية، ابتكره الطبيب السويسري هيرمان روشاخ عام 1920. يعتمد الاختبار على تقديم عشر لوحات تحتوي على بقع حبر غير واضحة للمفحوص، ويطلب منه وصف ما يراه في هذه اللوحات.

الغموض في المثيرات المقدمة في اختبار الروشاخ يسمح بإسقاط اللاوعي بشكل مباشر، مما يكشف عن الصراعات النفسية العميقة، آليات الدفاع، وحتى الاضطرابات النفسية.

اختبار الروشاخ لا يستخدم فقط لتشخيص الاضطرابات النفسية مثل الفصام، بل يعتبر أيضا أداة هامة لفهم بنية الشخصية وتحديد مستوى الاضطراب العاطفي.

تحليل اختبار الروشاخ

يتم تحليل إجابات المفحوص بناء على عدة معايير، منها:

  • الإدراك: يشير إلى كيفية إدراك المفحوص للصور الغامضة.
  • الذاكرة: يعتمد المفحوص في بعض الأحيان على ذكريات أو تجارب سابقة لتفسير اللوحات.
  • التداعي: يشير إلى الأفكار والمشاعر التي تتداعى لدى المفحوص عند رؤية الصور.

يعتبر هذا الاختبار متعدد الأبعاد ويحتاج إلى خبرة متخصصة لتحليل نتائجه، حيث يستخدم على نطاق واسع في الفحص العيادي وحتى في الأبحاث النفسية.

أهمية الاختبارات الاسقاطية في الفحص العيادي

تعتبر الاختبارات الاسقاطية أدوات فعّالة في الفحص العيادي، حيث تسمح للفاحص بفهم الجوانب اللاواعية من شخصية المفحوص. تعتمد هذه الاختبارات على آليات الإسقاط النفسي، التي تعد من أهم آليات الدفاع التي يستخدمها الفرد لحماية ذاته من الصراعات الداخلية.

بفضل الغموض الذي يكتنف هذه الاختبارات، يمكن للفاحص الكشف عن مشاعر ورغبات المفحوص المكبوتة، سواء كان ذلك من خلال الرسومات أو اللوحات أو حتى بقع الحبر.

أهم مميزات الاختبارات الاسقاطية تشمل:

  • القدرة على الكشف عن الجوانب العميقة من شخصية الفرد.
  • المساعدة في فهم الصراعات الداخلية والرغبات المكبوتة.
  • تقديم صورة شاملة عن كيفية تفاعل الفرد مع الآخرين ومع المحيط.

تحديات استخدام الاختبارات الاسقاطية

على الرغم من الفوائد العديدة للاختبارات الاسقاطية، إلا أنها تواجه بعض التحديات، منها:

التحليل الذاتي:

تتطلب هذه الاختبارات خبرة كبيرة في التحليل والتفسير، ما يعني أن النتائج قد تختلف بناء على خبرة الفاحص.

الثقافة:

قد تكون بعض الاختبارات غير ملائمة لثقافات معينة، مثل اختبار “القدم السوداء” الذي لا يلقى قبولا في المجتمعات الإسلامية.

التغيرات الزمنية:

بالرغم من أن الاختبارات الاسقاطية تعد ثابتة في شكلها، إلا أن الفاحصين يجب أن يراعوا التطورات الاجتماعية والنفسية التي تؤثر على كيفية تفسير المفحوصين للصور.

خاتمة

في الختام، تعتبر الاختبارات الاسقاطية أدوات هامة في مجال الفحص النفسي، حيث تساعد على الكشف عن جوانب شخصية الفرد اللاواعية والصراعات الداخلية. سواء من خلال الرسم الحر، الاختبارات الصورية، أو اختبار الروشاخ، تظهر هذه الأدوات قوتها في تقديم فهم شامل وعميق للشخصية.

مراجع:

  • ANZIEU. D ET CHABERT. C (1987), Les méthodes projectives, Paris, PUF, 1961.

ANZIEU. D. (1965), Les méthodes projectives, Paris, PUF.

  • CHABERT. C (1983), Le Rorschach en clinique adulte : interprétation psychanalytique, Dunod, Paris.
  • CHABERT. C (1998b). Psychanalyse et méthodes projectives, Dunod, Paris. Collection Topos.
  • RORSCHACH. H (1921), Psycodiagnostik, tr. fr, Psychodiagnostic, Paris, PUF, 1947.
  • VILLERBU. L (1993), Psychopathologie projective, Rennes, Éditions ARCP, 1993 (2e éd.).
  • D’HONDT. F (2011), Emotion et espace visuel : approches neuromagnétique, neurosomatique et comportementale, Médecine humaine et pathologie. Université du Droit et de la Sante Lille II, France.
  • DJADOUNI. Z (2010), Le test de Rorschach et l’évaluation de la représentation de Soi, Revue Al-mawaqif, N° 05, Algérie, Publications université de Mascara.
  • LAPLANCHE. J et PONTALIS. J.B (2008), Vocabulaire de la Psychanalyse, Paris, PUF, 12ème édition.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *