القائمة

التعامل مع المشكلات السلوكية لدى طفل التوحد

شارك المقال

التعامل مع المشكلات السلوكية لدى طفل التوحد يتطلب التعامل معها على أنها تحدي، وبذلك يمكن أن تكون بمثابة فرصة لمساعدة هذا الطفل على النمو والتحسن. بحيث يساعد الاهتمام بالمشكلات السلوكية في زيادة مهارات اللعب لدى الطفل، ومهارات التكيف والإدراك والأداء العام. كما يؤدي حل هذه المشكلات السلوكية إلى تحسّن كبير في نوعية وجودة الحياة لجميع أفراد الأسرة.

عندما نفهم أسباب المشكلات السلوكية لدى الطفل المصاب باضطراب التوحد، يمكن إنشاء بيئة تساعده على البقاء هادئا، ويمكن مساعدته بعد ذلك على تعلم المهارات اللازمة لإدارة سلوكه. ومن أهم استراتيجيات التعامل مع المشكلات السلوكية لدى طفل التوحد نذكر ما يلي:

فهم احتياجات الطفل

الطفل المصاب باضطراب التوحد وبسبب مشاكل واضطراب المعالجة الحسية لا يستطيع التعامل مع ضوء المصباح، ورنين جرس الباب، وملمس الحرير، ورائحة الكلور، وذوق البرتقال وغيرها. ولا يفهم سبب احساسه بالضيق والانزعاج والتوتر. وغالبا ما يظهر استجابة لذلك سلوكات عدوانية أو سلوكات ايذاء الذات، أو سلوكات التحفيز الذاتي أو انهيار توحدي أو نوبات غضب.

وفي المقابل، لا يفهم الأبوان غالبا حاجة الطفل إلى النقر بقدمه على الكرسي والركض والدوران المتواصل في البيت أو في القسم أو في الشارع. ولا يفهمان سبب رفض الطفل لبعض الأطعمة، وتجنب بعض الأماكن، والتوتر والانزعاج أمام بعض الروائح. كما قد يواجه الطفل أيضا صعوبة في معرفة احتياجات والديه واخوته والمحيطين به. فالطفل المتوحد لا يفهم المؤشرات الجسدية لوالده أو لولدته بأنهما مرا بيوم عصيب، أو أنهما متعبان. ولا يستطيع منع نفسه من تكرار المزيد من الكلمات، أمام اشاراتهما المتكررة له بالسكوت؛ لأنه لا يستطيع فهم إشارات الملل والامتعاض. لذا يجب البحث عن المعنى الخفي وراء هذه السلوكيات.

البحث عن المعنى الخفي

العديد من سلوكيات طفل التوحد غير منطقية بشكل واضح. ولا يبدو للمحيطين به أن لها هدفا محددا وواضحا. لكن ما هو مؤكد أن الطفل لا يشخبط على الجدران عمدا، ولا يضرب رأسه على الحائط قبل النوم ليستفز أحد أبويه كما قد يعتقدان، ولا ينسحب ويضغط على أذنيه من أجل المتعة. الطفل يرسل رسائل مشفرة حول أشياء تهمه. ومهمة أبويه هي فك شيفرة هذه الرموز، وفهم الرسائل التي يرسلها.

من خلال الاهتمام بفهم هذه التصرفات، قد يتمكن الأبوان من ملاحظة الأدلة التي لم يتمكنا من رؤيتها سابقا، وإيجاد طريقة أكثر فعالية لمساعدة الطفل. والاستجابة بعناية أكبر لهذه السلوكيات وتجنب تعزيزها عن غير قصد منهما.

يجب في البداية، تسجيل هذه السلوكيات والانفجارات والحركات المثيرة بالطريقة التي يسجّل بها الفاحص تصرفات وسلوكيات الطفل في الجلسات العلاجية. من خلال تتبع وقت وسبب حدوثها، وهل هي سلوكيات متكررة أو جديدة؟ وارتباطها بوضعية أو موقف بعينه، مثلا، قد  يكون الطفل أكثر عرضة لنوبات الغضب بعد سماع أصوات مرتفعة، أو التواجد في أماكن مزدحمة ، وقد يكرر سلوكيات القفز عند حضور ضيوف الى بيته وغيرها.

التعرف على الانفعالات واستخدامها بشكل صحيح.

مساعدة الطفل (من خلال جلسات علاجية وتدريبية) على تطوير مهارات التواصل الاجتماعي والانفعالي.  وقد يشمل ذلك تطوير اللغة الاستقبالية وزيادة الحصيلة اللغوية (الكلمات أو العبارات أو إشارات اليد أو البطاقات). وتتطور مهارة فهم الانفعالات الخاصة به أو بالآخرين.

يمكن أن يكون لبعض الانفعالات كالحزن والغضب والخوف والقلق تأثير في حدوث مشاكل سلوكية. ساعد الطفل على التعرف على هذه المشاعر، وتسميتها والتعبير عن مخاوفه.

تغيير بعض العناصر في البيئة

اذا اكتشفت أن مشكلات السلوك لدى الطفل ناتجة عن الحساسية الحسية، قم بتعديل وتغيير بعض العناصر في بيئة الطفل للتقليل من هذه الحساسية. مثلا، خصص مساحة هادئة يمكن للطفل الذهاب إليها عند ظهور مؤشرات المشكلة السلوكية، أو اجعله يستعمل سماعات الأذنين التي تعمل على الانقاص من الضوضاء. واستخدم الجداول الزمنية المرئية قبل أي تغيير في الروتين اليومي للطفل.

الانتباه لمؤشرات البيئة الداخلية لطفل التوحد

تثير المحفزات الداخلية الكثير من التوتر والقلق لطفل التوحد، وهو ما يثير المشاكل السلوكية لديه. يمكن للأبوين البحث عن:

أولا، مصادر الألم المحتملة، مثل الأسنان، والارتجاع، والأمعاء، والعظام المكسورة، والجروح والشظايا، والالتهابات، والالتواء. إذا كان الطفل يجلس على شكل كومة يجمع فيها ركبتيه الى صدره مثلا، أو وضع بطنه على ذراع الأريكة، فقد يكون ذلك بسبب ألم في معدته.

ثانيا، احتفظ بمذكرات لتتبع سلوك الطفل للتعرف على النوبات، مسبباتها، نتائجها، ومؤشرات حدوثها. فبعض السلوكيات، وخاصة تلك التي تبدو غريبة، أو مفاجئة، قد تكون سببا أو مؤشرا لحدوث نوبات سلوكية حادة.

ثالثا، حاول تحديد أي حساسية غذائية قد تزعج الطفل. فمن المؤكد أن الإسهال أو احمرار في الخدين أو الأذنين خلال ساعات قليلة من تناول طعام معين قد يشير إلى وجود حساسية لهذا الطعام.  وهنا يساعد اتباع نظام غذائي في التعرف على الحساسية الغذائية لدى الطفل، والتعرف على ما اذا كانت أطعمة معينة تسبب الألم أو سلوكيات غير عادية.

رابعا، التعب أو الجوع أو العطش أو مشاكل أو اضطرابات النوم يمكن أن يجعل الطفل غريب الأطوار. كما  قد يؤدي المرض المزمن أو العدوى البسيطة إلى جعل الطفل سريع الانفعال والاستثارة ومتشتت الانتباه.

خامسا، يمكن أن يكون للحزن والغضب والخوف والقلق تأثير أيضا في حدوث مشاكل سلوكية. إذا كنت تشعر بالتوتر بشأن شيء ما، فمن المحتمل أن يكون طفلك كذلك، خاصة إذا كان عاجزا عن فعل أي شيء حيال ذلك، أو حتى التعبير عن مخاوفه.

سادسا، إذا كان طفلك يعاني من مشكلات في التكامل الحسي، لا سياما مشكلات في فك الأزرار أو فتح السحابات أو ربط الحذاء، فإن الوقت القصير المخصص لتغيير ملابسه يمكن أن يضيف له ضغطا هائلا.

التحفيز الحسي المناسب

قد يستجيب الطفل بسلوك تخريبي إذا واجه الكثير من المعلومات الحسية في آن واحد. لذا يجب التنبه الى هذا الأمر، وقياسه وتسجيل أثره على الطفل. مثلا، طفل مصاب باضطراب التوحد يؤثر عليه صوت بكاء أخيه الرضيع ولا يتحمل الاستماع الى هذا البكاء طيلة اليوم. نجده في آخر اليوم يعاني من الانهيار التوحدي ويفقد السيطرة على نفسه. من المفيد له (بعد فهم سبب سلوكه) تخصيص غرفة معزولة عن الصوت يمكنه التوجه اليها اذا أحس بالانزعاج، أو جعله يستخدم سماعات الأذن للتقليل من أثر البكاء عليه.

التثبيت والتنظيم والفواصل الحسية

بمجرد تلبية احتياجات الطفل الجسدية، يجب النظر في التنظيم الحسي والعاطفي له. من المؤكد أن التجارب الحسية للطفل باضطراب التوحد تختلف تماما عن تجارب من حوله. ومن المحتمل أن يتأثر بسهولة بالمعلومات الواردة من خلال بعض الحواس، وربما ينزعج من الضوضاء العالية، ولا يحصل على ما يكفي من المدخلات من الحواس المسؤولة عن الوعي الذاتي والتنظيم الداخلي المعرفي والنفسي.

تنظيم الحواس لدى طفل التوحد

بالاظافة الى الحواس الخمس (التذوق، والشم، والصوت، والبصر، واللمس)، هناك ثلاث حواس أخرى مهمة جدا لفهم ذواتنا هي: الحاسة الدهليزية التي تتحكم في التوازن، الحس العميق، والإحساس بالجسد في الفضاء. مما يجعل لدى كثير من الأشخاص المصابين باضطراب التوحد، تكون بعض المعلومات الواردة من هذه الحواس كثيرة جدا أو قليلة جدا أو مشوهة وهو ما يؤدي إلى مشاعر الرعب أو الألم أو الانفصال. لذلك، ولكي يتغلب طفل التوحد على الارتباك، يحتاج إلى المساعدة المتخصصة في ادراك حواسه واستقرارها. يوصي المختصين أمام هذه المشكلة بفترات استراحة حسية؛ وهي لحظات خلال اليوم يستطيع فيها الطفل تلبية احتياجاته الحسية.

نوع الاستراحة الحسية التي يحتاجها طفل التوحد

لمعرفة نوع الاستراحة الحسية التي يحتاجها الطفل يجب على الوالدين مراقبة الطفل، واستخراج ما ينجذب إليه عندما يقوم بسلوكيات متكررة. قد يمنح ذلك بعض الدلائل حول الأنشطة الحسية التي تساعده على إعادة تجميع نفسه. وبالاعتماد على ما تم تسجيله من احتياجات الطفل ونقاط قوته، قد تشمل الاستراحة الحسية ما يلي:

  • الدوران
  • الاهتزاز
  • القيام بتمارين الضغط على الحائط، أو على الكرة المطاطية أو على الوسادة.
  • فرك شيء مع ملمس ثابت
  • ارتداء سترة أو بطانية ثقيلة.
  • الاستماع للموسيقى.
  • مص أو مضغ شيء قابل للأكل.
  • أخذ استراحة بصرية في بيئة هادئة، ويمكن هنا الاعتماد على التكنولوجيا المساعدة.
  • تدريب الطفل على بعض التمارين لتهدئة الجهاز العصبي وتعلّم ضبط النفس والجسد. باعتماد على عمر الطفل ومهاراته ومخاوفه، يمكن اختيار التدريب المناسب (صالة الألعاب الرياضية أو حمام السباحة أو دحرجة الكرة على الأرض أو الخروج في نزهة مفتوحة، المشي أو الجري في لتقليل التوتر وتغذية الاحتياجات الحسية…).

الفترة الزمنية للاستراحة الحسية

غالبا ما تستمر فائدة المعلومات التحفيزية لمدة ساعتين تقريبا، لذلك قد يحتاج الطفل إلى استراحة حسية كل ساعتين تقريبا. ويحتاج بعض الأطفال إلى الاستقرار بشكل متكرر. بالطبع يختلف كل طفل عن الآخر ومن المرجح أن تتغير احتياجاته يوميا.

أحد أهداف العلاج هو أن يطور الطفل ما يكفي من الوعي الذاتي ليعرف متى يحتاج إلى الاستقرار والتنظيم الذاتي وأخذ استراحة حسية، ومعرفة كيفية القيام بهذه الأشياء. وبعد ذلك، وبغض النظر عن مشكلاته، فسوف يتمكن من إدارة العالم بشكل أفضل.

خاتمة

في نهاية المطاف، يتطلب التعامل مع المشكلات السلوكية لدى طفل التوحد صبرًا، فهمًا، وتفانيًا من الوالدين والمعلمين والمختصين. الاستراتيجيات والتقنيات المعروضة في هذا المقال تهدف إلى تمكين الأطفال المصابين بالتوحد من التغلب على التحديات السلوكية وتعزيز قدرتهم على التفاعل بشكل أكثر فعالية مع العالم من حولهم. من خلال الالتزام بنهج شامل ومستنير، يمكن للمجتمع ككل دعم هؤلاء الأطفال في رحلتهم نحو النمو والتطور، مما يضمن لهم مستقبلاً أكثر إشراقًا وإيجابية.

مراجع:

Jada S. Community pediatrics (2012). Oxford Specialist Handbook of Pediatrics. Oxford University Press. ISBN 978 0 19 969695 6.

King B.H. et al. (2014) Child Adolesc. Psychiatr. Clin. N. Am. 23, 1-14.

Siegel M. and R.L. Gabriels (2014). Child Adolesc. Psychiatr. Clin. N. Am. 23, 125-142

Gabriels R.L. et al. (2012)   Autism Res. Treat. 2012, 685053

Pediatric prolonged-release melatonin for insomnia in children and adolescents with autism spectrum disorders. EXPERT OPINION ON PHARMACOTHERAPY 2021, VOL. 22, NO. 18, 2445–2454 https://doi.org/10.1080/14656566.2021.1959549

مصادر خارجية:

تقدم هذه المقالات نصائح واستراتيجيات متنوعة للوالدين والمعلمين لمساعدتهم في التعامل مع تحديات السلوك:

  1. Autism Speaks يوفر نظرة عامة على التحديات السلوكية التي قد يواجهها الأطفال والبالغون المصابون بالتوحد ويقدم إرشادات حول كيفية الاستجابة لها بشكل إيجابي Autism Speaks.
  2. Autism Research Institute يستعرض استراتيجيات مختلفة للتعامل مع السلوكيات الصعبة لدى الأفراد المصابين بالتوحد، بما في ذلك توفير خيارات ضمن المهام ودمج الاهتمامات المستمرة للفرد Autism Research Institute.
  3. NICHD يناقش كيف يمكن للعلاج السلوكي أن يساعد في تعزيز السلوكيات المرغوبة وتقليل السلوكيات غير المرغوب فيها من خلال استراتيجيات محددة NICHD.
  4. Autism Parenting Magazine يقدم نصائح للتعامل مع التصرفات الصعبة في الأطفال المصابين بالتوحد، مشيرًا إلى أهمية التحضير للأحداث وتحديد الأماكن الآمنة للطفل Autism Parenting Magazine.
  5. مقال من Aidersonenfant.com يقدم استراتيجيات للتعامل مع التحديات اليومية للأطفال المصابين بالتوحد. يشمل النصائح حول تحديد الأهداف بناءً على مستوى طاقة الوالدين وتوفير الدعم البصري وتنظيم الوقت للطفل. يوصي أيضًا بإنشاء مساحة هادئة للطفل للراحة واستراتيجيات لإدارة الأزمات بفعالية Aidersonenfant.com.
  6. موقع Enfant-different.org يستكشف السلوكيات الصعبة (comportements-défis) ويقدم نظرة شاملة على التحديات السلوكية المختلفة التي قد يواجهها الأطفال المصابون بالتوحد، مثل الأذى الذاتي والسلوك العدواني. كما يقدم نصائح حول كيفية التعامل مع هذه السلوكيات وتقديم الدعم المناسب للأطفال Enfant-different.org.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *