القائمة

السميائية والسببية في الاضطرابات النفسية

شارك المقال

السميائية والسببية في الاضطرابات النفسية تقودنا للحديث عن عدم إمكانية تصنيف الاضطرابات النفسية بسهولة، وبطريقة نوعية مرتبة الا بالرجوع الى تصنيفات دقيقة قائمة على بناء متعدد الأبعاد للاضطرابات النفسية. الاضطراب النفسي ليس حالة واحدة منفصلة قائمة بحد ذاتها كمرض واضح المعالم، بل هو متعدد الأبعاد، ويؤدي إلى إمكانية ظهور مجموعات متعددة من السمات والأعراض المتداخلة، مما يعطينا أنواعا فرعية ومتغيرة من الاضطرابات النفسية، التي تندرج تحت المفهوم الأوسع والشامل للاضطراب النفسي.

مفاهيم أساسية مرتبطة بعلم النفس المرضي

كل المفاهيم التي سيرد ذكرها في هذا العنصر هي مفاهيم تم استعارتها من العلوم الطبية ليتم تطبيقها في علم النفس المرضي، وفي الطب النفسي.

السيميولوجيا/السيميائية (Semiology)

تم اقتراح مصطلح السيميائية في العلوم النفسية من قبل ديسوسير (de saussure) ليميز بين هذا المصطلح في علم النفس المرضي وفي علم اللغة.

السيميولوجيا هي البحث العيادي في أعراض ومؤشرات الاضطراب أو المرض النفسي. سيميائية مريض هي الأعراض التي يصفها المريض ذاتيا لمعاناته، والمؤشرات العيادية التي يتم جمعها من خلال الفحص النفسي، بوسائل أساسية أهمها: المقابلة والملاحظة العيادية. ويقدم الفاحص النفسي قراءة وتسمية اكلينيكية لهذه المؤشرات وهذه الأعراض.

يجب الإشارة الى أن (العرض) و(المؤشر) مصطلحان مترادفان، لكن الاختلاف الوحيد يكمن في ما يعرف بالمؤشر المرضي الذاتي (العرض) والموضوعي :

 -العرض (Symptom):

يمثل العرض ما يقدمه المريض لوصف معاناته، ويتخلله الجانب الذاتي. يسمى أيضا بالمؤشر الذاتي.

السميائية والسببية في الاضطرابات النفسية

المريض لا يقدم دائما الأعراض بشكل واضح ومفهوم، لذا يجب استخراجها أو إعادة صياغتها باستعمال لغة مهنية عيادية، بحيث يعاد صياغة  ما يقدمه المريض من شكوى بلغة عيادية من قبل الفاحص بالاعتماد أكثر على الملاحظة العيادية وإعادة صياغة أقواله وشكواه.

–  المؤشر العيادي (clinical indices):

هي المظاهر العيادية الواضحة عن الاضطراب. تسمى أيضا بالمؤشرات الموضوعية. يتم الحصول على المؤشرات الموضوعية عن طريق الفحص النفسي (المقابلات) وعن طريق الفحوصات الإضافية (القياس النفسي).

يسمح الفاحص ويلاحظ المؤشرات والأعراض المرضية مباشرة خلال المقابلة العيادية، ولا يقوم بتأويلها مباشرة، بل يقوم بإعادة صياغتها  بلغة نفسية-مرضية.

مثال، فتاة تأتي للفحص وهي تبكي وتصرخ قائلة: أحس بالاختناق، قلبي سينفجر، أحس بالشلل وبالوخز المؤلم في يدايّ الاثنتين، انهما مخدرتان. 

يمكن للفاحص في هذه الحالة وصف نوبة هلع حادة مع احساس بضيق في التنفس.

مثال ثاني، الاكتئاب المستعمل في لغتنا اليومية، والمرتبط بحالات الحزن العابرة، ليس هو الاكتئاب الذي نقوم بتشخيصه في الفحوصات النفسية. بحيث يمكننا تشخيص الاكتئاب العصبي، الاكتئاب الذهاني، الاكتئاب المقنع، الاكتئاب الارتكاسي، الاكتئاب العصابي، اضطراب المزاج).

يمكن أن يتقدم المريض بالشكوى التالية: أعاني من حزن مستمر، الحياة أصبحت مضلمة، لم أعد أستمتع بأي شيء، فقدت الرغبة في الذهاب الى العمل. بعد الفحص النفسي الدقيق يتضح أن هذه الأعراض ترتبط بحالة من الاحتراق النفسي بسبب أن المريض يعمل بمصلحة الانعاش؛ أين يتعامل بشكل يومي مع الموت، مما أحدث تراكما في الصدمات الثانوية المرتبطة بموت المرضى.    

في الكثير من الاضطرابات النفسية قد تتواجد أعراض جسدية أو اضطرابات عصبية أو اعاشية، لا سياما في الأمراض العصبية، أمراض الغدة الدرقية، الأمراض النفسية الجسدية والجسدنة. وتصبح الفحوصات الطبية أو الفحوصوات البيولوجية أو بالأشعة ضرورية من أجل تأكيد التشخيص أو نفيه.

المتلازمة/ التناذر (syndrome):

هي تجمع عدد من الأعراض والمؤشرات التي تنتج في آن واحد، ويشكل ظهورها مع بعضها ظاهرة مرضية خاصة وجديدة. تظهر المتلازمات في بعض الأمراض ذات الأسباب المختلفة. مثلا: متلازمة ريت (Rett syndrome) كاضطراب مجتاح للنمو، تظهر لدى الفتيات الصغيرات، ويرافقها تأخر في النمو الذهني. تظهر هذه المتلازمة خلال السنة الثانية من العمر بعد نمو سليم خلال الفترة الأولى، تتبع بفقد جزئي أو كلي للغة وللقدرة على المشي، واستعمال اليدين وتباطئ نمو الجمجمة بين الشهر السابع والشهر الرابع والعشرون. (Postel, 1998: 401). وهي تقريبا الأعراض التي تتواجد في اضطراب التوحد، مع اختلاف في زمن ظهور الأعراض.

السببية (Etiology)

هي دراسة سبب نشوء أو ظهور الأمراض والاضطرابات في تاريخ المريض الشخصي والعائلي. في علم النفس المرضي نبدأ أولا بتصنيف الاضطرابات من أجل القيام بعملية التشخيص، ثم نتوجه بعد ذلك الى البحث عن الأسباب المؤدية الى حدوث الجدول العيادي الحالي من أجل علاجه بالشكل المناسب.

 التصنيفية (Nosography)

النزوغرافيا هو وصف للأمراض بهدف وضع علامة تشخيصية لكل حالة، ترتبط مباشرة بأسباب محددة. ويتم وصف الأعراض المكونة للاضطراب، ثم تصنيف الأمراض والاضطرابات وفق خصائصها التمييزية بمنهج واضح ودقيق، بالاعتماد على عوامل الاقصاء والاختلاف؛ مما يسمح بتشكيل وحدات منفصلة كلية بينها وبين السواء، وهو ما يمكننا من تعريف الأمراض.

النزولوجيا/علم تصنيف الأمراض (Nosology)

علم تصنيف وتبويب المؤشرات العيادية باعطائها مرجعية في علم النفس المرضي.  وبما أن الأعراض والمؤشرات الاكلينيكية يمكنها أن توجه في آن واحد الى عدة أمراض أو اضطرابات. ويمكن للعرض الواحد أن ينتمي الى عدة وحدات مرضية، فان النزولوجيا تفصل في ذلك من خلال أنها تقوم بتصنيف كامل لكل حالة مرضية على حدا بتحديد سببها.

عند النظر في تصنيف الاضطرابات النفسية. يجب علينا التوقف عند مسألة ما إذا كان الاضطراب النفسي اضطرابا قائما بحد ذاته أو متلازمة متداخلة (فئة مرضية، أو نوعا).

وقد أكدت العديد من الدراسات والأبحاث في مجال تصنيف الاضطرابات النفسية أن الاضطراب النفسي متعدد الأبعاد وليس تصنيفيا محضا. لأن كل حالة مختلفة عن الأخرى. وحتى ان تشابهت الأعراض في نفس الفئة المرضية فان طريقة عرض الأعراض المرضية من قبل الجهاز النفسي ليست نفسها؛ فكل حالة خاصة وكل حالة فريدة.

يهدف تصنيف الأمراض في علم النفس المرضي الى إعطاء تمثيل منظم للظواهر السوية والمرضي، وتحديد الاختلافات بينهما، من أجل تجميع مختلف الاضطرابات في فئات محددة.

لجأ الباحثين في علم النفس المرضي الى التصنيف بسبب التقارب بين الحالات المرضية، وبسبب التقارب أيضا بين السواء والمرضي.

التشخيص (Diagnostic):

هو فرضية يقدمها المختص بعد اجراء الفحص النفسي لتقييم حالة المريض. يهتم التشخيص في علم النفس المرضي بالاجابة على سؤالين اثنين: كيف يقدم المريض أعراضه. وكيف يتعامل مع معاناته، وكيف يسير علاقاته البينشخصية وعلاقاته مع الآخرين؟، وبماذا يواجه القلق (الاليات الدفاعية).

قائمة المراجع

– American Psychiatric Association . Diagnostic and statistical manual of mental disorders, 5th ed. Arlington: American Psychiatric Association, 2013. [Google Scholar]

– Robins E, Guze SB. Am J Psychiatry 1970;126:983–7.  [Google Scholar]

– S.O. Lilienfeld. (1998). Methodological advances and developments in the assessment of psychopathy, Behaviour Research and Therapy.

– P. Babiak et al. (2010). Corporate psychopathy: Talking the walk, Behavioral Sciences & the Law

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *