القائمة

مفهوم السواء واللاسواء

شارك المقال

السواء واللاسواء مفهومان أساسيان في علم نفس العيادي، وفي علم النفس المرضي. ويتحدد بفهم هاذان المفهومان تحديد الاختلاف بين ما هو ثقافي (ينتمي أو نتاج ثقافة ما) وما هو مرضي أو غير سوي وينتمي الى قائمة المرض.يُستخدم مصطلح السواء واللاسواء لتحديد ما إذا كان الفرد يعاني من اضطرابات نفسية تحتاج إلى تدخل علاجي أو دعم نفسي. من خلال هذا المقال، سنتناول الفرق بين السواء واللاسواء من منظور علم النفس المرضي، مع التركيز على المعايير المستخدمة لتقييم الحالة النفسية وأهمية الكشف المبكر عن الأعراض لضمان العلاج الفعّال.

مفهوم السواء:

السواء أو السوي مصطلح يصعب جدا تحديده في علم النفس المرضي. تم استعارة هذا المصطلح من القياس النفسي والاحصاء الكمي.

السواء في الاحصاء:

السواء في الاحصاء الكمي هو الوسط، والمتوسط، أو ما يتمركز في وسط مجموعة من التكرارات.

مثلا، في اختبار الذكاء يصنف ذكاء الشخص على أنه سوي أو عادي أو ذكاء متوسط اذا تراوح معامل ذكاء الشخص بين الدرجة (90 و100). السواء اذن في اختبار الذكاء هو المتوسط الذي يتم تحديده على أنه معدل حاصل ذكاء العادي (QI=100).

السواء و اللاسواء

السواء في علم النفس المرضي

غالبا ما يرتبط مصطلح السواء بثقافة وتصورات وقيم ومعايير المجتمع. على سبيل المثال، الوشم في البلاد المسلمة يعتبر لاسواء، في حين يعتبر في البلاد الغربية سواءا، بل وصفة جمالية. والسراويل الممزقة في القرن التاسع عشر كانت تعتبر سلوكا لا يليق بالمجتمع، ويرتبط بالفقراء والمشردين والعبيد، في حين أصبح في القرن الواحد والعشرون من معايير المودة (سواءا).

مرادفات السواء في علم النفس المرضي

تستعمل عدة مرادفات لمصطلح السواء في علم النفس المرضي كاستمرارية الحياة، وغياب الصلابة النفسية، وغياب المرض، والارتياح النفسي، الصحة العقلية؛ القدرة على التغيير والتكيف مع حالات جديدة، والأداء النفسي المتكيف.

السواء من منظور المقاربة التحليلية

وجهة نظر فرويد:

أشار سغموند فرويد في كتابه “علم النفس المرضي للحياة اليومية” المنشور عام (1901) إلى وجود استمرارية بين العمليات النفسية الطبيعية والعمليات النفسية المرضية. بحيث يقول في تأييد لرأي كارل يونغ أن: “الأشخاص الأصحاء يصابون بنفس العقد التي يكافح ضدها الأصحاء” (فرويد، 1908، ص 210). فكل شخص سوي يمكن أن يتعرض أو يصاب بنفس العقد النفسية (التي أشار اليها التحليل النفسي) التي يصاب بها العصابيين، وهي التي يكافح الجهاز النفسي بشراسة لمنع ضهورها، مما يجعلنا كلنا معرضين (حسب فرويد) للاصابة بالاضطراب النفسي في أي لحظة اذا توفرت عوامل الخطر.

ويعتبر هذا إعلانا واضحا عن وجود استمرارية بين الصحة النفسية والاضطراب النفسي، تجعل أي واحد منا (سويا كان أو مريضا) ينتقل من حالة السواء الى المرض، ومن المرض الى السواء.

كما اقترح فرويد لاحقا في العديد من مؤلفاته أن الجهاز النفسي يسعى إلى تفريغ كل الإسثارات الخارجية والداخلية الضاغطة، من أجل استعادة التوازن الداخلي المثالي. هذا التوازن الداخلي المثالي الذي اعتبره فرويد سواءا.

وتتفق وجهة نظر فرويد مع ما قدمه الفرنسي ديدييه أنزيو (1974) على أن “السواء” هو التوافق والتكيف، وغياب أو انخفاض القلق (البنيوي) اتجاه اللاوعي.  وفي ذات السياق بشير لابلونتين إلى أن الطريقة التي يتم بها انتظام الأشخاص نفسيا تساهم في خلق توازن داخلي لديهم، وخلق قدرة على التكيّف مع المواقف الجديدة. واعتبر السواء مرتبطا بالأداء النفسي الجيّد الناتج عن التنظيم المتناغم وظيفيا مع عناصر السياق البيئي. (Laplantine, 1992)

حيث يتمحور حول الفرد وكيفية انتظام عالمه الداخلي، ولا يخص المعيار الاحصائي لعينة كبيرة من الناس، ولا الأحكام والقيم والمعايير الاجتماعية.

تعريف (لابلونتين) للسواء:

على سبيل المثال، النزاع بين الأم والأب والذي يتكرر في العديد من مواقف الحياة اليومية، يجعل الطفل يشعر بالتهديد واللآأمن في علاقته بأبويه. بسبب أن الأب المسؤول عن حماية هذا الطفل قد يكون هو نفسه مصدرا للتهديد والتخلي. الطفل يحس بقسوة هذا الصراع عليه في تلك اللحظة، لكن هذا الصراع هو نفسه الذي يجعل الطفل يطور مفاهيم نفسية أساسية كالاستقلالية وتوقع الفقد. نتحدث هنا عن صراعات عادية، لكن اذا تكررت هذه الصراعات أو ازاددت شدتها عما يتحمله هذا الطفل قد تخرج من سياق السواء، وتدخل في السياق المرضي.

معايير تحديد السواء

يوجد العديد من المعايير في تحديد مفهوم السواء، لكننا سنحددها في خمسة معايير أساسية:

السواء الاحصائي أو السواء التكراري

يسميه البعض أيضا بالسواء المعياري. كنا قد أشرنا أعلاه الى أن مصطلح السواء مستمد من الاحصاء. المعيار الإحصائي يستمد خصائصه من المنحنى الاعتدالي النموذجي لغوس. يقوم منحى غوس بتوزيع درجات العينة الممثلة لمجتمع البحث على اختبار ما (اختبار الذكاء)، فتشكل نسبة أغلبية أفراد العينة المتوسط ​​الإحصائي. وعليه يصبح العادين أو الأسوياء هم الذين يتموضعون في أعلى/وسط المنحى، وغير الأسوياء أو المرضى هم اللذين يتموضعون على يمين ويسار المنحى، وهو أفراد منحرفون عن المتوسط.

يساعدنا هذا المنحنى في معرفة السواء واللاسواء (الشذوذ) بالنسبة للسمات والخصائص العقلية والذهنية المختلفة؛ فلو قمنا مثلا بتطبيق اختبار الذكاء على عينة ممثلة للمجتمع (فئات عمرية مختلفة،مستويات تعليمية مختلفة، الجنسين، مستويات اجتماعية واقتصادية مختلفة، ومناطق جغرافية متنوعة) فإننا نتوقع أن يتواجد معظم أفراد العينة في المتوسط (درجة ذكاء متوسطة). ونتوقع في المقابل أن تقع الأقلية فقط في جانبي المنحى، ويحصلون على درجات أقل أو أعلى من المتوسط.

يقوم المعيار الإحصائي اذن، على أساس قانون التوزيع  الاعتدالي للعينة؛ حيث يرى أن السلوك السوي والعادي هو ما يشيع بين الناس في مجتمع معين. وهو ما يجعله معيارا متعسفا في ضبط مفهوم السواء؛ فليس كل ما شاع في مجتمع ما أصبح سواءا. مثلا، لو تكرر سلوك السرقة أو القتل في المجتمع، فهل يعتبر هذا السلوك المضطرب سواءا؟. تكرار ظاهرة ما وانتشارها بين أفراد المجتمع لا يكفي لتفسير فكرة السواء في الكثير من الحالات. ومن جهة أخرى يمكن أن تكون الظواهر متكررة وشائعة، ولكنها ظواهر مرضية كالقلق، والاحتراق النفسي، والادمان القنب الهندي وتدخين السجائر وغيرها.

المعيار الوظيفي/المثالي

في هذا المعيار يصبح الشخص سويا كلما اقترب من المثالية. فيكون الشخص مثلا مثاليا في الذكاء أو في الجمال أو في الصحة وغيرها.

المعيار المثالي معيار نادر التكرار من الناحية الإحصائية، وأحيانا يكون غير موجود في مجتمع الدراسة. وهو ما جعل التحليل النفسي يرى أنه لا يوجد فرد سوي صحيح (من المنظور المثالي)، فكلنا (حسب التحليل النفسي) مرضى نفسيين، ولا يمكن الوصول الى المثالية النفسية.

يصبح السواء في هذا المعيار كل ما اقترب من الكمال بالنسبة للسمة أو الخاصية المدروسة. والسواء أيضا البعد عن الضعف والخلل والهشاشة بالنسبة لهذه السمة أو الخاصية.

المعيار المثالي يعتبر السواء كل ما يعبّر عن الكمال، وكل ما انحرف عن الكمال سلوكا غير سوي، أو شاذ، أو مرضي.

المعيار الاجتماعي

يفترض هذا المعيار أن مفهوم السواء هو كل سلوك يدعم حاجات المجتمع وأهدافه ومتطلباته. وهو ما يجعل سلوك السرقة سلوكا غير سوي؛ لأنه يضر بالصالح العام لباقي أفراد المجتمع.

يرتكز تحديد السواء الاجتماعي على مبدأ أن السلوك الفردي يجب أن يراعي التوافق مع المحيط ومع الآخرين. وعليه سلوكيات الأفراد السوية يجب أن تساهم في بناء المجتمع وفقا لمعايير وقيم هذا المجتمع. وكل ما يتفق مع المعايير الاجتماعية والجماعية فهو سلوك سوي.

المعيار الطبيعي

يسمى هذا المعيار أيضا  بمعيار السلوك الطبيعي الموافق للدور الجنسي. من خلال هذا المعيار يعتبر الشخص سويا عند قيامه بالدور المناسب لجنسه، والمهام والوظائف المناسبة لقدراته البيولوجية التي ولد بها. على هذا الأساس يكون الذكر مبادرا، مقداما، محاربا، جريئا، نشيطا وقويا، وتكون الأنثى هادئة رقيقة، منظمة، خجولة.

يعتبر هذا المعيار أن القيام بالدور الجنسي المناسب سواء، في حين ممارسة السلوكيات التي تنتمي الى الجنس الآخر سلوكيات شاذة وغير سوية ومرضية.

هذا المعيار، تم التخلي عنه (للأسف) من قبل الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية في نسخته الخامسة الأخيرة. بسبب أن العديد من الدول الغربية أنتجت تصورا جديدا لمفهوم الانتماء الجنسي والهوية الجنسية (يعارض الطبيعة الانسانية السوية)، وأسست لفكرة عدم وجود جنس ذكر وجنس أنثى فقط. بل يوجد أجناس متعددة، وأباحت بذلك زواج المثليين وتغيير الجنس فيما أسمته بالعبور الجندري. وهي كلها انتاجات فكرية وسلوكية تضرب بالطبيعة الانسانية التي خلقها الله عرض الحائط تحت مسمى الحرية .

المعيار المرضي

يعتمد المعيار المرضي في تحديد السواء على الأراض والجداول العيادية وتصنيف الاضطرابات النفسية والعقلية.

يجب الاشارة الى أن حياتنا وفي مراحلها النمائية المختلفة ليست مثالية أو خالية من الاضطراب أو المرض. فلا يخلو شخص في مرحلة ما من حياته من مؤشرات سوء التكيف والمعاناة. اختلاف مستوى التوازن الداخلي والتوافق العلائقي هو ما يدفع بالبعض الى طلب العلاج النفسي الذي يتعامل مع حالات الاضطراب والمرض.

في هذا المعيار يكون سوء التكيف حالة مرضية لها أعراض محددة. على سبيل المثال، فقد شخص عزيز والعجز عن تجاوز الحدث، وظهور أعراض لم يعرفها الشخص من قبل مع معاناة نفسية يعتبر لاسواء أو اضطراب ويستدعي طلب العلاج النفسي.

مفهوم المرضي/اللآسواء

نعتبر اللآسواء تعديل نوعي و/أو كمي لحالة السواء أو للحالة الطبيعية. وتصبح حالة اللآسواء/المرضي ناتجة عن استحالة التكيف مع الذات و/أو مع الآخرين ومع البيئة بشكل عام. وتنتج حالة من المعاناة للشخص أو للمحيطين به أو لكلاهما. ويئثر ذلك على الأداء الشخص أو امهني أو الاجتماعي للشخص.

لذا، فانه في علم النفس المرضي تصبح الضرورة الأولى لتحديد السواء واللآسواء هو فهم ومعرفة الحالة السوية، واعتبارها بعد ذلك مرجعية لفهم أي خلل أو اضطراب. مثلا، الطفل يمشي بين الشهر الحادي عشر والثامن عشر، فاذا تجاوز هذه الطفل سن الثامن عشر ولم يمشي يعتبر هذا مرضيا، ويستدعي الفحص.

يعتمد المختصين في الصحة النفسية والعقلية اليوم على التصنيفات العالمية المختلفة للاضطرابات العقلية (أشهرها ICD-10 وDSM-IV) لوصف وتشخيص اللآسواء/المرضي. وتصنيف الاضطرابات المختلفة في جداول عيادية دقيقة.

هذه التصنيفات العالمية للاضطرابات النفسية ليست إطارا للمعايير المطلقة، لكنها تحدد عوامل التكرار، الشدة، والفترة الزمنية كعوامل أساسية لتحديد اللآسواء.

الحدود بين السواء والمرضي

المعيار الأساسي للتمييز بين حالة السواء النفسي وحالة المرض هو وجود معاناة، يحسها الشخص أو يعيشها المحيطين به. مع الأخذ بعين الاعتبار التربية والثقافة والوضع الاجتماعي. يوجد استمرارية بين مفهومي السواء والمرضي، ولا توجد حدود فاصل بينهما. فقد يكون المرضي في دولة ما سواء في دولة أخرى أو ديانة أو ثقافة أخرى، كما قد يكون السواء في حقبة زمنية معينة غير سوي في حقبة زمنية أخرى. وقد يكون السواء في مرحلة عمرية معينة مرضا في مرحلة عمرية أخرى.

– A. Amad et al. (2013)Personality and personality disorders in the elderly: diagnostic, course and management Encephale .

– J. Biéder et al. (2001).À propos du vol « normal » et pathologique.Ann Med Psychol

– D. Dow-Edwards et al(2019). .Experience during adolescence shapes brain development: From synapses and networks to normal and pathological behavior. Neurotoxicol Teratol

– E. Giroux(2010), Les facteurs de risque et le problème de la démarcation entre le normal et le pathologique : une analyse épistémologique. Rev Med Interne

– Canguilhem, G. (2013). Le normal et le pathologique (12e éd.). PUF.

– J-B, P. J. L. (2004). Vocabulaire de la psychanalyse (4eme edition) (QUADRIGE). PUF.

– Roussillon, R. (2017). Manuel De Psychologie Et De Psychopathologie Clinique Generale (French Edition). Educa Books.

 Sites

–       https://www.who.int/topics/mental_disorders/fr/

–       https://www.who.int/topics/mental_health/fr/

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *