تعتبر الشخصية الهستيرية من الظواهر النفسية التي تثير اهتمام العديد من الباحثين والمهتمين بعلم النفس. فهي تمثل إحدى الشخصيات النمطية التي تتسم بالتفاعلات العاطفية المفرطة والسلوكيات الغريبة التي قد تظهر بشكل مفاجئ وغير متوقع. تعتمد هذه الشخصية على نمط معين من التعبير العاطفي، حيث تتميز بالتقلبات المفاجئة والاضطرابات السلوكية التي تظهر بشكل مكثف ودائم.
تعريف الشخصية الهستيرية
يتواجد هذا النوع من الشخصيات بشكل كبير لدى النساء، وتمت الإشارة إلى الشخصية المسرحية (Personnalité histrionique) باسم الشخصية الهستيرية مع التصنيفات الجديدة للأمراض العقلية. في علم النفس المرضي، مصطلح الهستيريا مثير للجدل وغير مؤكد، وغالبًا ما يرتبط بالمظاهر المسرحية أو الأزمات العاطفية مع التعبير الجسدي السائد.
هي شخصية بحاجة دائمة الى تقديم نفسها، والسيطرة على واجهة المشهد العلائقي، الذي يتميز غالبا بسيطرة النموذج المسرحي، أو الدرامي على التبادلات مع الآخرين. تلبس الشخصية المسرحية (الهستيرية) بطريقة مبهرجة ومبتكرة، غالبًا ما ترتدي ألوانًا زاهية لافتة للنظر.

ميزات الشخصية الهستيرية
- المصاب باضطراب الشخصية الاستعراضية هو شخص بالغ بسلوك طفولي
- يبحث فيه الشخص باستمرار عن الاهتمام من الآخرين، وتتضمن سلوكياته السعي الدائم لجذب الانتباه والتمثيل والتركيز على الإغراء الجنسي
- لا يمكن لهذه الشخصية تحمل أن يكون شخص آخر مركز الاهتمام، وإذا حدث ذلك، فيبدو أنها بدأت معركة لجذب هذا الاهتمام إليها مرة أخرى.
- تمر أحيانًا بـالمضايقة؛ لأنها تغري الرجال دون الرغبة في الذهاب أبعد من ذلك، فقط لكي تجذب انتباههم.
- عندما تكون في مجموعة، فإنها أحيانًا تخجل أولئك الذين يرافقونها؛ لأنها تعبر عن نفسها بطريقة تبدو مبالغا فيها للغاية.
- غالبا ما تتحدث بصوت عالٍ، وتضحك بصوت عالٍ، أو تبدو يائسة وحزينة عند الحديث عن موضوع من مشهد الحياة؛ بحيث أنها لا تحلل ما رأته بطريقة متقنة ومقنعة، ومدعمة بالحقائق، بل تضع كل مشاعرها وانفعالاتها في الحديث عنه.
- تعتقد الشخصية الهستيرية أنها تملك صداقات مقربة، لكن في الواقع محيطها يحتملها بصعوبة؛ لأنهم (المحيطين) لا يستطيعون فعلا التعبير في وجودها، ولا حتى التبادل المباشر معها؛ لأنها تتصرف في هذه المواقف بنفس الأسلوب المسرحي.
- يتميز المصاب باضطراب الشخصية الهستيري بردود فعل عاطفية، ويميل إلى المبالغة في وصف المواقف والأشخاص، مما قد يضعف العلاقات ويسبب الاكتئاب.
- يُظهر الشخص انفعالات مفرطة، ويشعر بعدم التقدير إذا لم يكن مركزا لاهتمام الآخرين
- يتميز أصحاب هذا الاضطراب بأنهم مفعمين بالحيوية ولديهم انفتاح واضح على الآخرين، مما يعرضهم لنوبات غضب متكررة؛
- بشكل عام هذا الاضطراب يسبب اضطرابات انفعالية ينتج عنها خلل في الأعصاب المسئولة عن الإحساس والحركة، وتحدث كنتيجة للهروب من القلق أو الصراع النفسي وتصيب بعض مناطق الجسم التي يتحكم فيها الجهاز العصبي المركزي.
- يتميز الهستيري بالضعف على المستوى النرجسي؛ نتيجة عدم حل الاستهام الأوديبي الذي يعطينا في الأساس الاستقرار الهوياتي.
- في الهستيريا التقمصات غير مستقرة، وغير واضحة بسبب العجز عن استدخال نموذج الأم؛ مما يؤدي الى تكوين ذات سيئة الاستقرار، وتتحول الرغبة في القضيب بفعل النرجسية الأولية الهشة على كل الجسد.
المعايير التشخيصية للشخصية الهستيرية
لتشخيص الشخصية الهستيرية لا بد من تواجد خمسة من الثمان ميزات التالية:
- الشخص يكون غير مرتاح في المواقف التي لا يكون فيها مركز الاهتمام؛
- غالبا ما يتسم التفاعل مع الآخرين بسلوك إغوائي، غير لائق، أو سلوك استفزاز.
- التعبير العاطفي السطحي والمتغير، وسيطرة نوبات أو تقلبات مزاجية سريعة.
- يستخدم الشخص مظهره الجسدي بانتظام لجذب الانتباه.
- أسلوب الكلام ذاتي للغاية وضعيف في التفاصيل، وفي الاقناع بالحجج العقلية.
- هناك مسرحية، دراما، ومبالغة في التعبير العاطفي.
- يتسم الشخص بالقابلية للإيحاء؛ ويتأثر بسهولة بالآخرين أو بالظروف.
- تميل الشخصية الهستيرية إلى اعتبار أن علاقاتها أكثر حميمية مما هي عليه في الواقع.
أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية
في مرحلة الطفولة:
قد تظهر مظاهر التوجه الهستيري لبناء الشخصية في وقت مبكر من عمر أربع أو خمس سنوات. فيظهر الطفل قابلية للإيحاء، وهو ميل واضح بشكل مفرط للتقليد مع تغييرات سريعة في النموذج المقلد. تظهر عند الفتيات أحد مواقف الإغواء تجاه الكبار.
الأسرة منظمة، ولكن هناك رابط خاص بين الأب وابنته.
تتنوع الأعراض، وتتمثل خاصة في الجسدنة (somatisations)؛ مثل فقدان الصوت، والشلل، والاضطرابات الحسية، والخرس (داخل الأسرة وخارجها)، والاصابة بانهيارات عصبية.
يعاني الطفل بالشخصية الهستيرية من معاناة في الاندماج الاجتماعي والتربوي كالكف النفسي، عدم الفعالية في التعلم، صعوبات في الانتباه، التخيّل وحلم اليقظة. غالبًا ما تثير هذه المظاهر مشاكل متعددة كالتسرب المدرسي، الصراع الأسري، المرض الجسدي، مشاكل مع المحيط.
في مرحلة المراهقة:
تتفاقم الاضطرابات وتصبح الصورة السريرية مشابهة لصورة الاضطراب لدى الراشد.
الطابع المسرحي (Le théâtralisme) يبقى معتدلا ومسيطرا، لكنه متكيف على العموم. الأحداث درامية، والكلمات يسيطر عليها التضخيم، والمواقف والعواطف مبالغ فيها.
الشخصية الهستيرية تواكب الموضة، ترتدي ملابس جذابة، تتخلل الحياة الخيالية الواقع الاجتماعي الملموس، فيحدث تداخلا بين الواقع والخيال. تغير الشخصية الهستيرية في الكثير من التفاصيل لتجعل حياتها أكثر إثارة.
هناك دائما جشع عاطفي، وطلب مبالغ فيه للآخر، يؤدي إلى مواقف من الإغواء، والبحث عن الهيبة، والحاجة إلى أن تكون محط الاهتمام والانتباه.
هناك نوعان من الانحرافات المحتملة في الطابع الهستيري: في بعض الأحيان تكون الشخصيات ضعيفة وقابلة للإيحاء والتأثر بسهولة، وبالتالي متغيرة في آرائها وخياراتها. في بعض الأحيان يكون هناك تأكيد قوي وثقة بالنفس، وأحيانا نوعا من الاستبدادية. يصاحب هذا الشكل الحازم في النساء ميول ذكورية وعدوانية اتجاه الرجال خاصة.
تطورات اضطراب الشخصية الهستيرية
مضايقات الحياة العلائقية تسبب نوبات من الاكتئاب لدى الشخصية الهستيرية. يؤدي الاكتئاب في بعض الأحيان إلى محاولات انتحار متفاوتة الشدة، ولكنها عادة ما تكون منخفضة.
تغير الشخصية الهستيرية أسلوبها، وتستقر في التبعية والشكوى. هناك تفاقم في الشكاوى الجسدية التي تأخذ شكلاً أكثر توهمًا، وتكون مصحوبة بتعاطي الأدوية من دون الرجوع الى الطبيب.
الدفاعات النفسية :
البيئة الأسرية نموذجية، لكن هذه الفتاة لم تكن محبوبة بما فيه الكفاية. نلاحظ قلة حنان الأب؛ مما يترك أسفا كبيرا، ونقصا واضحًا في حب الأم؛ يؤدي إلى صعوبات في تقمص الأم.
هذه الظروف المرتبطة بالدينامية الشخصية تدفع البنت إلى افتراض أن غزو الأب ممكن، مما يتبع بالإخفاقات وخيبات الأمل مع الرجال؛ لأن المرجع الموضوعي لا يساوي أبدا الموضوع الذي يظل مميزا بصورة الأب المثالية.
في ظل هذه الظروف، تثير الرغبة الجنسية إشباعا محرما (زنا المحارم). وبالتالي، فإن الاستياء الجنسي الشائع في حالة الهستيريا، يحقق تسوية بين الرغبة والممنوع. البحث لدى الهستيرية هو قبل كل شيء بحث عن الحب. إنها تريد أن تكون شخصا محبوبا من قبل شخص مثالي آخر، ينقل صورة أب مثالية. تسعى بعناد إلى البحث عن حب الآخر كصورة أبوية مفقودة، هذا ما يجعل الميكانيزم الأساسي هو الكبت: كبت الاستهام الأوديبي، والرغبة في الأب.
النكوص القضيبي يأخذ منعطفين مختلفين تمامًا: أولا، المطالبة بالقضيب الرمزي يؤدي إلى تقمص ذكوري وعدوان اتجاه الرجال. ثانيا، التنازل عن القضيب والبحث عن الملجأ قبل الجنسي الذي يعطي مظهر فتاة صغيرة مغرية.
تظهر الحياة الجنسية تذبذبا بين القضيب والأعضاء التناسلية، على الرغم من مظاهر (المغازلة، الإغواء، الملابس المثيرة) فإن الهستيرية لا تأخذ الدور الأنثوي. ويستمر الندم الجزئي واللاوعي لامتلاك القضيب الذي يثير الكره والعدوان.
أنواع الشخصية الهستيرية:
التحليل النفسي الكلاسيكي قسم هذا الاضطراب الى نوعين حسب منشأها: هستيريا الرحم، وهستيريا القلق، في حين التصنيفات الحديثة تتحدث اليوم عن:
الهستيريا التحولية:
الهستيريا التحولية هي حالة نفسية معقدة تتميز بتحول الأعراض النفسية إلى أعراض جسدية بشكل غير مبرر وغير معقول (الشلل، العمى، فقد الصوت….). تعتبر هذه الحالة جزءا من اضطرابات الصحة النفسية التي تؤثر على الشخص بشكل شديد، وتحمل تأثيرات كبيرة على جودة حياته اليومية وعلاقاته الاجتماعية.
وما يمز هذا النوع أن عضو جسدي يأخذ رمزية الصراع، ويكون الاستثمار في جزء أو عدة أجزاء فقط من الجسد، وتعطيل وظائفها مثلا.
في العلم النفسي، تعدّ الهستيريا التحولية موضوعا مهما للدراسة والبحث، حيث تمثل تحديات كبيرة للمختصين في مجال الصحة النفسية والطب النفسي. فهم طبيعة هذا الاضطراب وآلياته يساعد في تطوير العلاجات الفعالة وتحسين نتائج العلاج للأفراد الذين يعانون منه.
الهستيريا التفككية:
في هذا النوع يفقد المصاب الذاكرة، ويتصرف تصرفا يفصله عن شخصيته الأصلية التي اعتاد عليها الناس؛ فيتصرف بغرابة كنوع من الدفاع أو الهروب من المواقف الصعبة. يحدث الخل هنا تعطيلا عاما وليس جزئيا.
التدخل العلاجي
صفحتنا على الموقع: العلاجات النفسية
تقدم هذه الصفحة مجموعة من التقنيات العلاجية (المعرفية السلوكية و التحليلية…) التي يمكنكم الاضطلاع عليها ،
أثبتت الأبحاث أن حوالي 50% من المصابين باضطراب الشخصية الهستيرية يتم شفاؤهم تماما عند تلقي العلاج المناسب، وأن حوالي 30% ظهر عليهم تحسنا ملحوظا، بينما حوالي 20% تعرضوا لتحسن بسيط، وأكد النفسانيون أنه كلما كانت بداية المرض فجائية وحادة واستمرت لمدة قصيرة قبل بدء العلاج، كلما كانت المخاطر ليست كبيرة واحتمالية الاستجابة للعلاج أفضل.
- العلاج النفسي ذو المنحى التحليلي
- العلاج الدوائي في حالة ظهور الاكتئاب أو القلق الحاد، من نوع مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق.
باختصار، تعتبر الشخصية الهستيرية ظاهرة نفسية معقدة تتطلب فهمًا عميقا لعواملها وآلياتها. فهي تؤثر على حياة الأفراد وعلاقاتهم بالآخرين، وقد تتطلب تدخلا علاجيا للتعامل معها بشكل فعّال. من الضروري التفريق بين الهستيريا وبين السلوكيات العابرة، والتعامل معها بالتفهم والصبر، وفي بعض الحالات، بالمساعدة العلاجية المتخصصة للتغلب على التحديات التي تثيرها هذه الشخصية.
مراجع
J. PALAZZOLO, Dire pour vivre – Pathologies psychiques : témoignages au quotidien, Ellébore, Collection Champs Ouverts, Paris, 2004.
J. GUELFI et R. OLIVIER-MARTIN, Psychiatrie, PUF, Paris, 1999.
روابط خارجية:
- جمعية علم النفس الأمريكية : تقدم جمعية علم النفس الأمريكية (APA) نظرة شاملة عن الهستيريا، بما في ذلك تاريخها وأعراضها وتشخيصها وعلاجها. يتضمن الموقع أيضا روابط لموارد إضافية، مثل المقالات ومقاطع الفيديو والرسوم البيانية.
- المعهد الوطني للصحة العقلية : يقدم المعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH)، وهو جزء من المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، معلومات عن الهستيريا، بما في ذلك أسبابها وأعراضها وخيارات العلاج. . يتضمن الموقع أيضًا روابط للدراسات البحثية والتجارب السريرية.
مقالات في القمة العلمية والعملية
بالتوفيق للجميع