في هذا المقال، سنتعرف على مفهوم العلاج المعرفي التحليلي وأهميته في علاج بعض الاضطرابات النفسية. سنشرح كيف يعمل هذا العلاج وما هي الخطوات والتقنيات التي يستخدمها. كما سنذكر بعض الأمثلة والدراسات العلمية التي تثبت فعالية هذا العلاج في تحسين حالة المرضى وجودة حياتهم.

تعريف العلاج المعرفي التحليلي:
هو علاج نفسي منظم في شكل جلسات فردية، أو للزوجين أو في مجموعة بنفس الاضطراب.
جلسات العلاج يتم الاتفاق عليها بين المعالج والمريض، والتي تتراوح بين 16 و 24 أو 32 جلسة.
يتميز العلاج المعرفي التحليلي بالعمل المنفتح والتعاوني بين المعالج والمريض.
مراحل العلاج المعرفي التحليل:
يمر العلاج التحليل المعرفي بأربع مراحل أساسية هي:
المرحلة الأولى، إعادة الصياغة:
تسمى الجلسات الأولية للعلاج المعرفي التحليلي بمرحلة إعادة الصياغة. يتم في الجلسات الأولى تشجيع المريض على التحدث بصراحة وحرية عن كل ما عاشه ويعيشه في حياته، مع التركيز على الأحداث والأشياء التي يعتبرها تسير بشكل خاطئ.
يقوم المعالج النفسي بتشجيع المريض على تحديد ما ينجح فيه وما يتقنه ويتفوق فيه أيضا، والمجالات التي تنتج للمريض السعادة والرضا والاشباع.
الهدف من التعرف على هذه المجالات وتحديدها والتعرف عليها هو تحديد نقاط القوة والتحديات التي يواجهها المريض.
بعد بضع جلسات يطلب المعالج من المريض إكمال استبيان يخص ملف العلاج النفسي. يقسم هذا الملف الصعوبات الشائعة إلى معضلات وعقبات وحالات ذهنية غير مستقرة. يعد هذا الاستبيان طريقة للتركيز على أنواع التفكير أو السلوك التي من المحتمل أن تساهم في التحديات الحالية للشخص. يتم أحيانا تحديد أعراض معينة، يتم مراقبتها بانتظام طوال فترة العلاج.
ملف العلاج النفسي:
ملف العلاج النفسي هو استبيان يستخدم في العلاج التحليلي المعرفي لمساعدة المريض على تحديد مشاعره وتفكيره وسلوكياته ذات الصلة بأهدافه المحددة في العلاج.
يوفر هذا الاستبيان طريقة سريعة للحصول على الكثير من المعلومات حول تجارب الشخص في علاقاته مع الآخرين ومع نفسه. ويتم أيضًا تحديد الفخاخ والمعضلات والعقبات من خلال المناقشات المفتوحة للاستجابات المقدمة في ملف العلاج النفسي.
و هو شكل من أشكال العلاج المفتوح والمباشر، حيث يشارك المعالج تفكيره مع المريض بشكل صريح. لا توجد نظريات أو أسرار مخفية، فالمعالج يشارك بشكل فعال في العلاج، ويشجع مريضه على أن يكون كما هو.
يطلب من المفحوص في تعليمة الاستبيان الإجابة على الأسئلة المحددة في الصفحة، ليتم استكشاف الأنماط التي تحدث له، وشطب الكلمات التي لا تنطبق عليه أو إضافة أمثلة من حياته.
لا يوجد إجابة صحيحة وأخرى خاطئة، فالاستبيان مصمم لاقتراح طرق للتفكير فيما يفعله المريض.
الهدف هو مساعدة المريض على التعرف على الأنماط التي تشغله كخطوة أولى في إحداث تغيير إيجابي.
فرضية الفخاخ والمعضلات والعقبات:
ينبني استبيان ملف العلاج النفسي على فكرة أن الأشخاص غالبا ما يستخدمون طرقًا معينة في التفكير والتصرف لا تحقق ما يريدون أو ما يرغبون فيه، ولكن يصعب عليهم تغييرها.
لاحظ توني رايل، الذي طور العلاج التحليل المعرفي وجود ثلاث أنماط رئيسية من التفكير والتصرف غير المفيدين للأشخاص، وقد أطلق عليها اسم الفخاخ والمعضلات والعقبات. أحد المكونات الرئيسية للعلاج التحليل المعرفي هو تحديد الفخاخ والمعضلات والعقبات التي تستخدمها. يمكن تحديدها واستخراجها بالمناقشة مع المعالج، ومن خلال تطوير مخطط العلاج.
يساعد العلاج التحليل المعرفي بعد ذلك على إيجاد طرق للهروب من هذه الفخاخ والمعضلات والعقبات.
الفخاخ:
هي الأشياء التي لا يمكن الهروب منها، وتميل لأن تكون دورية بطبيعتها. مثلا، السلوك الذي يعزز الاعتقاد السلبي لدينا عن أنفسنا أو عن الآخرين، والذي يحافظ بدوره على استخدام هذا السلوك.
في حالة اضطرابات السلوك الغذائي والأكل، قد يكون الامتناع أو الافراط في تناول الطعام استجابة للشعور بالسوء اتجاه أنفسنا، ولكن في المقابل الشعور بالسوء تجاه أنفسنا بسبب الإفراط في تناول الطعام. يتيح التعرف على هذه الدورة غير المفيدة في إيجاد طرق يمكن من خلالها التحرر من سيطرة هذه الحلقة المفرغة على تفكيرنا وعلى سلوكنا.
المعضلات:
أو الاختيارات الخاطئة والخيارات الضيقة هي الاختيارات التي نتخذها للبقاء في مواقف سيئة أو أنماط غير سعيدة لأننا نخشى أن البديل سيكون أسوأ.
نستمر في التصرف بطرق لا نرضها ولا ترضينا، لأننا لا نرى بديلا أفضل. ففي بعض الأحيان نفترض أن الروابط ليست كذلك بالضرورة، مثلا، إذا قمت بـهذا الشيء سيتبعه هذا الشيء.
نحن لا ندرك في الكثير من الأحيان أننا نرى أشياء كهذه، لكننا نتصرف كما لو كانت هذه هي الخيارات الوحيدة المتاحة لنا.
في اضطرابات السلوك الغذائي والأكل، قد يكون أحد الأمثلة على ذلك هو التقييد المستمر؛ لأننا نفترض أن استعادة الوزن قد تؤدي بنا إلى الحزن والياس. إن إدراك أن الافتراضات التي نتخذها بشأن التغيير قد لا تكون دقيقة هو الخطوة الأولى في التغيير الإيجابي.
العقبات:
هي الأشياء التي نفكر فيها والتي تمنعنا من تغيير السلوكيات التي لا تسعدنا. لذلك عندما نقول أريد حقًا تغيير هذا الأمر في نفسي أو في حياتي ولكن… فهذا يسمى عقبة.
في بعض الأحيان تأتي هذه العقبات من الطريقة التي كنا نفكر بها نحن أو عائلاتنا عندما كنا صغارًا أو بسبب ما نعتقد مقبولا او غير مقبول اجتماعيا أو دينيا أو أخلاقيا. وقد تأتي العقبات أحيانا من أشخاص آخرين في حياتنا لا يريدون لنا أن نتغير؛ قد يكون هذا صريحًا أو ضمنيًا مثل إصابة أحد أفراد الأسرة بالاكتئاب أو أن نصبح عدوانيين عندما نبدأ في إجراء تغييرات إيجابية بالنسبة لنا.
يخشى بعض الأشخاص أحيانا من القيام بأشياء قد تجعلهم أكثر سعادة؛ لأنهم يخشون أنهم لن يحققوا ما يريدون، أو أنهم لا يشعرون أنهم يستحقون ما يريدون، أو يخشون أنه إذا حققوا السعادة فسوف يتم سلبها منهم. من المفيد أن تتعلم كيفية التعرف على هذه العقبات وكيف يمكنها أن تمنع الشخص من إجراء تغييرات إيجابية في حياته. وعندها فقط يمكن للشخص أن يتعلم قبول حقه في حياة أفضل والبدء في المطالبة بهذا الحق ممن حوله.
في الجلسة الرابعة أو الخامسة يقوم المعالج بكتابة وقراءة خطاب إعادة الصياغة. هذا وصف مكتوب للتفاهم المشترك بين المعالج والمريض حول المشكلات المسببة للمعاناة، وكيفية التعامل معها، والأهداف المتوقعة من العلاج.
يطلب المعالج من المريض التعليق على خطاب إعادة الصياغة وإجراء أي تغييرات يراها ضرورية.
نموذج من استبيان ملف العلاج النفسي:
يجد بعض الأشخاص صعوبة في السيطرة على سلوكهم وتجاربهم لأن الأمور تبدو صعبة للغاية ومختلفة في بعض الأحيان. وضح ما إذا كان أي مما يلي ينطبق عليك:
- ما أشعر به تجاه نفسي والآخرين يمكن أن يكون غير مستقر؛ يمكنني التحول من حالة ذهنية إلى حالة مختلفة تمامًا.
- قد تكون بعض الحالات مصحوبة بمشاعر شديدة ومتطرفة ولا يمكن السيطرة عليها.
- قد تكون الحالات الأخرى مصحوبة بالفراغ العاطفي أو الشعور بعدم الواقعية أو الشعور بالارتباك.
- يصاحب بعض الحالات شعور شديد بالذنب أو الغضب من نفسي، والرغبة في إيذاء نفسي.
- أو الشعور بأن الآخرين لا يمكن الوثوق بهم، أو أنهم سوف يخذلونني، أو يؤذيني.
- أو بالغضب أو إيذاء الآخرين بشكل غير معقول.
- في بعض الأحيان تكون الطريقة الوحيدة للتعامل مع بعض المشاعر المربكة هي التخلص منها والشعور بالبعد العاطفي عن الآخرين.
الحالات والأصناف:
يواجه الجميع تغيرات في شعورهم تجاه أنفسهم والعالم. لكن بالنسبة لبعض الأشخاص، تكون هذه التغييرات متطرفة، وفي بعض الأحيان مفاجئة ومربكة. في مثل هذه الحالات، غالبا ما يكون هناك عدد من الحالات التي تتكرر، وتعلم كيفية التعرف عليها والتحول بينها يمكن أن يكون مفيدا للغاية. فيما يلي عدد من الأوصاف لهذه الحالات. حدد تلك التي تواجهها من خلال رنين الرقم. يمكنك حذف أو إضافة كلمات إلى الأوصاف، وهناك مساحة لإضافة أي كلمات غير مدرجة.
- زومبي. المنقطع عن المشاعر، المنقطع عن الآخرين.
- الشعور بالسوء ولكنك تستمر في التأقلم.
- الغضب الخارج عن السيطرة.
- النظر إلى الآخرين باستخفاف.
- السيطرة على النفس وعلى الحياة وعلى الآخرين.
- خدعته الحياة، وخدعه الآخرون. عدم الثقة.
- استفزاز الآخرين وإغاظتهم وإغوائهم وتصفية حساباتهم.
- التمسك بالخوف من الهجر.
- نشيط بشكل كبير ومشغول جدًا للتفكير أو الشعور.
- مضطرب، مرتبك، قلق.
- الشعور بالرعاية الكاملة والقرب من الآخر بسعادة.
- أسيء فهمه، مرفوض، مهجور.
- احتقار نفسي.
- ضعيف، محتاج، عاجز بشكل سلبي، ينتظر الإنقاذ.
- الحسود، يريد إيذاء الآخرين، إحباطهم، تحطيمهم.
- حماية واحترام نفسي والآخرين.
- إيذاء نفسي وإيذاء الآخرين.
- الخضوع للمطالب باستياء.
- الأذى والإهانة من قبل الآخرين.
- آمن في نفسي، قادر على أن أكون قريبًا من الآخرين.
- الانتقاد الشديد للذات وللآخرين.
- خائف من الآخرين.
المرحلة الثانية، الاعتراف:
تُعرف المرحلة الثانية من العلاج بالاعتراف. ينتقل التركيز إلى التجارب الأحدث، واستكشاف الأماكن التي قد يتم فيها تنفيذ الأنماط التي المحددة سلفا. العديد من هذه الأنماط تتضمن علاقات مع الآخرين أو مع النفس. وتدور هذه المرحلة من العلاج حول ملاحظة ما يحدث بتعاطف، بدلا من محاولة إجراء تغييرات. ويُستخدم مخطط العلاج التحليل المعرفي كخريطة للصعوبات التي تواجه المريض؛ وكيفية تطويرها وصيانتها؛ والأنماط التي يميل المريض إلى الوقوع فيها والتي تعمل على إبقائه عالقا في صعوباته الحالية.
المرحلة الثالثة، المراجعة:
مع التقدم في العلاج، ينتقل التركيز إلى تجربة طرق جديدة للتواصل والتفكير والتصرف ورؤية كيفية عمل هذه الطرق. غالبًا ما توصف هذه المرحلة بأنها مخارج؛ لأنها وسيلة للتحرر من الأنماط التي شعر بها المريض سابقًا بأنه عالق فيها.
يستغرق الأمر وقتا لممارسة هذه الطرق الجديدة، وذلك باستخدام مخطط ملف العلاج النفسي لملاحظة متى تراجع. والعودة إلى الأنماط المألوفة القديمة، والتفكير في كيفية القيام بالأشياء بشكل مختلف في المرة القادمة.
المرحلة الأخيرة، الإنهاء:
إخبإنهاء العلاج قد يكون صعبا، لذا تُستخدم الجلسات الثلاث أو الأربع الأخيرة للتفكير مرة أخرى في مسار العلاج وإنهاء العلاقة العلاجية. يقوم المعالج بكتابة رسالة وداع لمريضه، ويدعوه للقيام بنفس الشيء، ومشاركتها في الجلسة الأخيرة. تعمل رسالة الوداع بالإضافة إلى مخطط العلاج التحليل المعرفي وخطاب إعادة الصياغة، بمثابة مفكرات مكتوبة بالعلاج، يمكن للمريض أخذها معه لمواصلة العمل بمجرد انتهاء الجلسات العلاجية.
خاتمة:
لقد رأينا في هذا المقال ما هو العلاج التحليلي المعرفي وكيف يساعد الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية مختلفة. وكيف يركز على تغيير الأفكار السلبية أو المشوهة التي تؤثر على المشاعر والسلوكيات. لقد أدركنا أن هذا العلاج يحتاج إلى تعاون وتفاعل بين المريض والمعالج ويستند إلى الأدلة والحقائق. لقد استعرضنا بعض الأمثلة والدراسات التي تدعم فاعليته في تخفيف الأعراض وزيادة الثقة بالنفس والرضا عن الذات.
مراجع:
– Allison, D. and Denman, C. (2001). In Mace, C., Moorey, S. and Roberts, B. (eds) Evidence in the psychological therapies: A critical guide for practitioners. Comparing models in cognitive therapy and cognitive analytic therapy. (pp 141-153). London Routledge
– Hepple, J. and Sutton, L. (2004). Cognitive Analytic Therapy and Later Life: A New Perspective on Old Age. Routledge.
– International Journal of Cognitive Analytic Therapy and Relational mental health – published by ICATA Vol 1 2017, Vol 2 2018 – annually
– McCormick, E (2017). Change for the Better: Self Help Through Practical Psychotherapy 5th Ed. SAGE Publications Ltd.
– Pollock, P. (2001). Cognitive analytic therapy for adult survivors of ….
https://www.worldcat.org/title/cognitive-analytic-therapy-for-adult-survivors-of-childhood-abuse-approaches-to-treatment-and-case-management/oclc/50745273
– Ryle, A. (1991). Cognitive Analytic Therapy – Active Participation in Change: New Integration in Brief Psychotherapy
– Wilde McCormick E. (2000). In Wellings N. and Wilde McCormick E. Transpersonal psychotherapy: theory and practice. The Therapeutic Relationship. (p