العلاج المعرفي السلوكي (CBT) هي مجموعة من العلاجات النفسية تعتمد على منهجية مشتقة مباشرة من الطريقة التجريبية المطبقة على حالة معينة لشخص ما. و يشكل العلاج السلوكي المعرفي نهجاً علميا-سريريا مضبوطا بدقة عالية.
وبفضل خاصية التقييم القبلي والبعدي للأعراض التي يتميز بها ؛ فان التأكد من فعاليته على عديد الاضطرابات النفسية والسلوكية أمر سهل جدا. ويحدث العلاج المعرفي السلوكي تحسنا ملحوظا في الأداء العام للمريض وفي نوعية وجودة حياته.
تعريف العلاج المعرفي السلوكي:
يعتبر ا من العلاجات النفسية الأكثر استعمالا، والأكثر فعالية في معالجة عدد من الاضطرابات: كاضطرابات المزاج والاكتئاب، واضطرابات القلق. والعديد من الاضطرابات السلوكية لدى الطفل والمراهق، والادمان، واضطرابات السلوك الغذائي والأكل، واضطراب الوسواس القهري، والمخاوف المرضية، ومشكلات مرتبطة بتقدير الذات.
تشترك هذه العلاجات في مسلمة أن الاضطرابات والمشكلات النفسية تستمر لدى الأفراد بسبب عوامل معرفية. والمسلمة الجوهرية لهذا المنحى العلاجي ـ كما قدمه آرون بيك (Beck) وألبرت إليس (Ellis)ـ تشير إلى أن المعارف غير التكيفية تساهم في استمرار الضيق الانفعالي واستمرار المشكلات السلوكية.
حسب النموذج المعرفي لآرون بيك. فان تلك المعارف تتضمن المعتقدات العامة أو المخططات المعرفية التي يكونها الفرد عن العالم وعن الذات وعن المستقبل. والأفكار الآلية المحددة التي تظهر في موقف معين. ويقوم على افتراض أن استراتيجيات تغيير تلك الافتراضات المعرفية غير المتكيفة يؤدي إلى تغيير الحالة الانفعالية السلبية والمشكلات السلوكية.
نبذة تاريخية عن مسار العلاج المعرفي السلوكي
بدايات العلاج المعرفي السلوكي:
تعود بدايات العلاج المعرفي السلوكي الى النفسانيين السلوكيين، مثل بافلوف وثورندايك وسكينر الذي طوّر مبادئ التكييف الفعال. بيّنت أبحاث سكينر أن السلوك يتكون استنادا الى عواقبه، واحتمالية تكرر السلوكيات المعززة كبيرة جدة.
ثم طوّر الطبيب النفسي آرون بيك في خمسينيات وستينيات القرن العشرين (Beck, 1967) مبادئ وأساسيات العلاج المعرفي. فقد لاحظ بيك أن عددا معتبرا من مرضاه المكتئبين لديهم أنماط تفكير سلبية ومشوهة، تساهم في تكون وظهور أعراض الاكتئاب لديهم.
طوّر بيك منهجا للعلاج النفسي لهؤلاء المرضى، يركز على تحديد الأفكار السلبية ومواجهتها، واستبدالها بأنماط تفكير أكثر واقعية وإيجابية. وكان (ولا يزال) هذا النهج العلاجي فعالا جدا في علاج الاكتئاب.
في سبعينيات القرن العشرين، قام النفساني ألبرت إليس (Ellis. A) من جهة وآرون بيك من جهة ثانية بتطويره . بحيث طوّر ألبرت إليس العلاج السلوكي الانفعالي العقلاني (REBT).
يركز العلاج السلوك الانفعالي العقلاني كما هو حال مقاربة بيك على تحديد أو التعرف على المعتقدات والأفكار اللاعقلانية المسببة للاضطراب النفسي، ثم مواجهتها.
وبعد ظهور كتابات آرون بيك حول العلاج المعرفي للاكتئاب عام 1979، توالت الدراسات والأبحاث لفحص الكفاءة العلاجية لهذا التوجه العلاجي. واهتم الباحثون في البداية بتقييم العلاج المعرفي، وقياس كفاءته في علاج أعراض الاكتئاب، وتوالت دراسات استهدفت تحديد العوامل التي تساهم في إنجاح العلاج، أو في فشله، والعوامل المتعلقة بالعلاج وفنياته، وبالمعالج كالكفاءة والاتقان للفنيات العلاجية وطريقة تقديمها.
التوجهان الأساسيان في العلاجات المعرفية السلوكية:
(توجه ألبرت إليس، وآرون بيك) اللذين هجرا توجهاتهما التحليلية وتوجها إلى العلاج المعرفي. وقد تزامن ذلك مع ما حدث من بعض علماء النفس ذوي التوجه السلوكي، الذين تدربوا على الجوانب السلوكية مثل: ماهوني(Mahoney)،وميكينباوم (Meicheinbaum) ودافيدسون(Davidson) وجولدفريد (Glodfried) ؛ حيث تضمنت كتاباتهم دور العوامل المعرفية، واستهدفت أساليبهم العلاجية إحداث تعديل سلوكي – معرفي للمرضى، وإدارتها، لتحقيق الأهداف العلاجية.
أثبتت عديد الدراسات السريرية والتجريبية فعاليته في علاج العديد من مشكلات الصحة العقلية والنفسية، لا سياما الاكتئاب والقلق والوساوس القهرية والراهبات واضطراب ما بعد الصدمة.
اليوم، يعد العلاج السلوكي المعرفي أحد أكثر أشكال العلاج النفسي استخدامًا.
وأصبح شكلا منظما وموجها نحو الهدف العلاجي، يعتمد على فكرة أن أفكارنا وعواطفنا وسلوكياتنا مترابطة ويمكننا التأثير على الآخرين عن طريق تغيير واحدة منها.
اليوم، تطور العلاج كثيرا ليشمل مجموعة من التقنيات والأساليب التي يمكن تصميمها لتلبية الاحتياجات النوعية لكل شخص. فمثلا، تم دمج تقنيات اليقظة الذهنية، التي يمكن أن تساعد الأفراد على تعلّم أن يكونوا أكثر حضوراً في اللحظة، وأقل تفاعلاً مع أفكارهم وعواطفهم.
التطور الحاسم الآخر هو استخدام التكنولوجيا في العلاج. اذ يقدم العديد من المعالجين المعرفيين السلوكيين مثلا اليوم جلسات العلاج عبر الأنترنيت عن بعد، أو يستعملون أجهزة الكترونية تساعد المريض على مواجهة مخاوفه تفاعليا قبل مواجهتها في الحقيقة.
كما أصبح مدمجًا بشكل متزايد في العديد من مجالات العلاج كعلاج الإدمان وعلاج الصدمات النفسية. كما ساهم توحيد ممارسات العلاج المعرفي السلوكي في الاعتراف بفعاليتها من خلال طبيعتها القابلة للتكرار، والتي تعد أحد متطلبات المنهج العلمي.
مبادئ العلاج المعرفي السلوكي

يستند العلاج المعرفي السلوكي إلى عدد من المبادئ التي تحدد الأسس التي يجب الالتزام بها، كما حددتها جوديث بيك(Beck. J ) في الدليل العلاجي المفصل الذي نشرته عام 1995، والتي يمكن تلخيصها في ما يلي:
- ضرورة التحالف والمشاركة والتعاون الفعال بين المعالج والمريض في سياق علاجي لفهم مشكلة المريض وعلاجها، وتغيير أنماط تفكيره.
- توجيه العلاج وفق أهداف واضحة تركز على المشكلات الحالية للمريض.
- أكد العلاج المعرفي منذ ظهوره على مبدأ تعليم المريض أن يكون معالج ذاته، ويتضمن هذا المبدأ اكتساب مهارات العلاج المعرفي السلوكي واستخدامها في مواقف واقعية. ويتم ذلك داخل الجلسات بتبني عدد من المبادئ بواسطة معالج مدرب وذو كفاءة مهنية عالية تمكنه من بناء الجلسة.
- التقيّد بزمن محدد للعلاج، والجلسات محدده البناء.
- تعليم المريض أن يحدد أفكاره ومعتقداته المضطربة، ويقيمها، ويستجيب لها.
- استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب لتغيير تفكير المريض ومزاجه وسلوكه.
- يستند إلى النموذج المعرفي، الذي يفترض أن انفعالات الافراد وسلوكياتهم تتأثر بإدراكهم للأحداث (Beck, 1995) .
- الاضطرابات وعديد المشاكل النفسية ناتجة عن طرق تفكير خاطئة أو غير متكيفة أو غير صحيحة.
- السلوكيات غير السوية أو المضطربة التي تظهر في الاضطرابات النفسية هي سلوكيات (استجابات) مكتسبة، غير سوية.
- وفقا لدوبسون (Dobson , 2010 )فإن العلاج المعرفي السلوكي بمختلف طرقه يتشارك في ثلاث مسلمات أساسية: النشاط المعرفي يؤثر في السلوك، النشاط المعرفي يمكن مراقبته وتغييره، التغيير السلوكي المرغوب فيه يحدث من خلال التغيير المعرفي.
- يمكن لأي شخص يعاني من مشاكل نفسية تعلّم طرق تفكير جديدة، وسلوكيات جديدة أيضا وسوية للتعامل مع مشاكله اليومية. هذا التعلم الجديد من شأنه التخفيف من الأعراض أو شفائها نهائيا.
- يتميز بخصوصية معالجة الصعوبات التي يعاني منها المريض هنا والآن من خلال تمارين عملية، تتمحور حول الأعراض التي يمكن ملاحظتها من خلال السلوك، ومرافقة المعالج الذي يهدف إلى التدخل في العمليات العقلية المسماة أيضا بالعمليات الإدراكية أو الواعية التي تعتبر أصل المشاعر واضطراباتها.
الإطار العلاجي
يتم العلاج على عدة مراحل:
- تحليل الدافعية: ما الذي يريد المريض تغييره؟ تعريف وتحديد أهداف العلاج برفقة المعالج.
- إقامة علاقة علاجية تعاونية: يجب أن يكون التحالف العلاجي جيدًا حتى يعمل العلاج بشكل جيد.
- التحليل الوظيفي: تعريف مشكلة السلوكيات؛ ربط السلوكيات بالعواطف والأفكار.
- 4. شرح المشكلة النفسية المرضية وتفسير الاضطراب الحالي من وجهة نظر معرفية سلوكية، وشرح التقنيات التي سيتم وضعها لضمان التغيير في السلوك والعواطف والأفكار.
- 5. تنمية مهارات الشفاء الذاتي وإدارة الذات.
- 6. تقييم نتائج العلاج مقابل خط الأساس المسجل قبل البدء.
- 7. برنامج المتابعة لمدة سنة بعد انتهاء مرحلة العلاج الفعال.
مراحل وخطوات العلاج المعرفي السلوكي
الخطوة الأولى، التشخيص الوظيفي:
هذا التحليل أو التشخيص هو دراسة العلاقات بين السلوكيات المشكلة والأفكار والعواطف والبيئة والجسد، بحيث يتم تكييف برنامج ومبادئ العلاج العامة على كل مريض.
البرنامج العلاجي ينطلق من نظريات التعلم والنظريات المعرفية.
نستخدم شبكات التحليل الوظيفي (Cottraux, 1998) لفهم أداء المريض فيما يتعلق بسلوكياته الحالية (التزامن) وتنفيذها ووضعها في الماضي. وبالتالي توجيه النهج العلاجي بناءً على الفرضيات المشتركة بين المريض والمعالج، فيما يتعلق بالعوامل المسببة للاضطراب واستمراره.
لذلك نقوم بالخطوات التالية:
– جمع موضوعي للحقائق وتفاصيل الأحداث.
– صياغة فرضية متماسكة؛
– تحديد الهدف العلاجي.
– دراسة التغييرات الناتجة عن الاضطراب.
الخطوة الثانية:
ربط الخطوة السابقة بالاسترخاء لتعديل حالات الوعي، وتعديل الاستجابة الفسيولوجية.
الخطوة الثالثة: العقد والعلاقة العلاجية.
مثل أي علاج، يعتمد العلاج السلوكي المعرفي على علاقة علاجية مكوناتها غير محددة: الدفء، التعاطف، الأصالة، الاحترافية، الثقة المتبادلة، وقبول المريض. وتساهم هذه المكونات في إقامة تحالف علاجي إيجابي. وهي ضرورية، ولكنها ليست كافية.
في العلاج المعرفي، تعتمد العلاقة العلاجية على الحاضر، واختيار المريض لمشاكل ملموسة لحلها، وموقف يتكون من اختبار الفرضيات العلاجية التي تم وضعها مع المعالج في علاقة تعاونية تجريبية.
يمثل العلاج السلوكي المعرفي تطبيق علم النفس العلمي لحل المشكلات السريرية. وكما هو الحال مع أي علاج، فإنها تتم من خلال عقد علاجي ومن خلال علاقة علاجية تتميز بكونها علاقة تعاونية.
العلاج السلوكي المعرفي وبسبب تركيزه منذ ظهوره على التحقق العلمي من الممارسات والنتائج، فقد طوّر ثقافة التقييم والبحث عن أدلة الفعالية العلاجية.
يشترط العقد العلاجي تحديد أهداف ملموسة قابلة للتحقيق وتحديد وضبط وسائل تحقيقها، وتحديد مدة العلاج (عدد الجلسات)، تكلفة الجلسة، ما يمكن تحسينه أو تعديه وما لا يمكن، وتقييم النتائج والتعديلات، والتحقق من الفرضيات الأولية.
استراتيجيات التغيير في العلاج المعرفي السلوكي

استراتيجيات تغيير أنماط التفكير
- تعليم المريض التعرّف على التشوهات في التفكير (التشوهات المعرفية) التي تسبب المعاناة والمشاكل النفسية والعلائقية والمهنية، ومن ثم إعادة تقييمها على ضوء الواقع الحالي للمريض.
- اكسابه فهما أفضل لسلوكياته، واكسابه مهارات التحفيز الذاتي للتغيير.
- تعليمه مهارات التفكير في طريقة تفكيره، ليتمكن من حل المشكلات التي يوجهها.
- تعليم المريض الثقة في قدراته واستخدامها استخداما مناسبا.
استراتيجيات تغيير أنماط السلوك
- تعليم المريض مواجهة مخاوفه والتعامل معها، بدلاً من تجنبها.
- استخدام تقنية لعب الأدوار لتحضير المريض للتفاعلات المسببة للمخاوف أو للمشاكل العلائقية مع الآخرين.
- تعليمه تهدئة نفسه، وجسده وعقله.
خاتمة
يركز العلاج السلوكي المعرفي على مساعدة الأفراد على تعلم أن يكونوا معالجين لأنفسهم. من خلال التمارين في الجلسة بالإضافة إلى تمارين “الواجبات المنزلية” خارج الجلسات، يتم مساعدة المرضى/العملاء على تطوير مهارات التأقلم، حيث يمكنهم تعلم تغيير تفكيرهم ومشاعرهم الإشكالية وسلوكهم.
يركز معالجو العلاج السلوكي المعرفي على ما يجري في حياة الشخص الحالية، وليس ما أدى إلى الصعوبات التي يواجهها. هناك حاجة إلى قدر معين من المعلومات حول تاريخ الفرد، ولكن التركيز ينصب في المقام الأول على المضي قدمًا في الوقت المناسب لتطوير طرق أكثر فعالية للتعامل مع الحياة.
Hays, P. & Iwamasa, G. (Eds.). (2006). Culturally Responsive Cognitive-Behavioral Therapy: Assessment, Practice, and Supervision. Washington, DC: American Psychological Association Press.
Asmundson, G.J.G. & Taylor, S. (2005). It’s Not All In Your Head: How Worrying About Your Health Could Be Making You Sick – and What You Can Do About It. New York: Guilford.
Antony, M.M. & Norton, P.J. (2009). The Anti-Anxiety Workbook: Proven Strategies to Overcome Worry, Panic, Phobias, and Obsessions. New York: Guilford Press.
Bourne, E.J. (2003). Coping with Anxiety: 10 Simple Ways to Relieve Anxiety, Fear & Worry. Oakland, CA: New Harbinger.
شكرا استاذة لهذه الفائدة القيمة
العفو، هذه في النهاية رسالتنا، أتمنى أن تجدوا ما ينفعكم فيما نقدم