الفكرة الأساسية التي انطلق منها النفساني ستيفن سي هايز للتأسيس للعلاج بالتقبل والالتزام. يلخصها التصور التالي:
تخيّل أنك تعاني من نوبات هلع (قلق)، أو تعاني من مخاوف متعددة كالرهاب الاجتماعي، أو رهاب المرتفعات وغيره. وأثر ذلك في أدائك اليومي العام، وعلى مشاعرك وأفكارك. كنت تكافح بأشكال مختلفة للهروب مما تعاني أو تجنبه.
ونهضت في يوم من الأيام، وقررت عدم الهروب من مخاوفك وقلقك. وعلى العكس عاهدت نفسك بأنك لن تهرب من نفسك بعد الآن. بل ستقبل نفسك وتجاريها.
في العديد من الثقافات تتكرر فكرة أن المشاعر الإنسانية السلبية تحتاج إلى إصلاح أو إدارة أو تغيير. ويتم رفض فكرة تجربة هذه المشاعر السلبية كجزء من الحياة بأكملها. نحن نتعامل مع حياتنا الخاصة كمشاكل يجب حلّها كما لو أنه يمكننا فرز تجاربنا بحثا عن التجارب التي نحبها ونتخلص من الباقي.
ويرى ستيفن هايز أن القبول واليقظة والقيم هي أدوات نفسية أساسية ضرورية لهذا التغيّر الانتقالي العلاجي.

تعريف العلاج بالتقبل والالتزام:
يعتبر العلاج بالتقبل والالتزام (Acceptance and commitment therapy) نهجا عمليا للعلاج النفسي، وينتمي الى عائلة العلاجات السلوكية المعرفية، ويتوافق مع الموجة الثالثة من العلاجات المعرفية السلوكية.
تم تطوير العلاج بالتقبل والالتزام في ثمانينات القرن العشرين، من قبل النفساني بجامعة نيفادا الأمريكية ستيفن سي هايز (Stephen C. Hayes). اذ كان لتجاربه الشخصية أثر مباشر في تطوير هذا العلاج، لا سياما معاناته من نوبات الهلع.
في العلاج بالتقبل والالتزام يتعلم المريض التوقف عن تجنب مشاعره الداخلية وإنكارها، ويقبل أن هذه المشاعر هي استجابات مناسبة لمواقف معينة لا ينبغي أن تشله عن ممارسة حياته الطبيعية. ومن خلال هذا الفهم، يبدأ المريض في قبول مصاعبه ومشكلاته، والالتزام بإجراء التغييرات اللازمة في سلوكه، بغض النظر عما يحدث في حياته وما يشعر به حيال ذلك.
يعتمد العلاج بالتقبل والالتزام على نظرية الإطار العلائقي (هي نظرية حول كيفية تأثير اللغة البشرية على الخبرة والسلوك). ترى هذه النظرية أن السيطرة على المشاعر المؤلمة أو التجارب النفسية تؤدي إلى نتائج عكسية. ويؤدي قمع هذه المشاعر في النهاية إلى مزيد من الضيق والتوتر.
يتبنى العلاج بالتقبل والالتزام فكرة وجود بدائل صالحة لمحاولة تغيير طريقة التفكير، وتشمل هذه البدائل السلوك الواعي والاهتمام بالقيم الشخصية والالتزام بالعمل. ومن خلال اتخاذ خطوات لتغيير السلوك، وتعلّم قبول التجارب النفسية، يمكن للمريض تغيير مواقفه وحالاته العاطفية.
الهدف من العلاج بالتقبل والالتزام ليس التخلص من الانفعالات السلبية التي ترافق صعوبات وتحديات الحياة، بل تعلّم الأشخاص كيفية التعامل مع ما تجلبه لهم الحياة، وتدفع بهم نحو السلوكيات المرغوبة والايجابية. ويطلب هذا العلاج من المرضى الانفتاح على الانفعالات السلبية وتعلم عدم المبالغة في رد الفعل اتجاهها، وعدم محاولة تجنب المواقف التي تثيرها.
استخدامات العلاج بالتقبل والالتزام:

لم يتم تطوير العلاج بالتقبل والالتزام لمعالجة عرض أو اضطراب محدد، من خلال الحد من الأعراض كباقي العلاجات المعرفية السلوكية، ولكن لتعزيز قدر أكبر من المرونة النفسية لدى المريض. فعمليات المرونة النفسية الستة (سيتم ذكرها لاحقا) عبارة عن مهارات نفسية يمكن تعزيزها في أي مجال من مجالات الحياة؛ فيما يتعلق بالتجارب أو الأعراض الداخلية غير المرغوب فيها (الأفكار، الانفعالات، الأحاسيس الجسدية).
وبالتالي، يتمتع العلاج بالتقبل والالتزام بقابلية تطبيق واسعة النطاق، ويقدم نموذجا لتغيير السلوك. يشمل هذا النموذج التعامل مع مختلف الصعوبات والاضطرابات النفسية التي تتراوح بين الذهان والاكتئاب، وتغيير السلوكيات الصحية، والإدارة الذاتية للمرض، ومعالجة الحالات الطبية والنفسية المرضية المصاحبة، والتخفيف من المخاوف.
الهدف الأساسي من العلاج بالتقبل والالتزام هو تعزيز قدر أكبر من المرونة النفسية في مواجهة التحديات مع تحسين المشاركة النشطة في حياة الفرد. والنتيجة النهائية هي قدر أكبر من الرضا عن الحياة في مواجهة مجموعة واسعة من التحديات العقلية والجسدية.
أولا، في اضطرابات القلق:
أظهرت العديد من الأبحاث أن تقليل الأعراض بالعلاج بالتقبل والالتزام هو نتيجة ثانوية لإعادة الانخراط في الحياة بطرق ذات معنى. وزيادة قبول التجارب الداخلية الصعبة. ففي اضطرابات القلق مثلا يقترح نموذج العلاج بالتقبل والالتزام أن الانشغال بالقلق والبحث عن صده والتخلص منه هو السبب الرئيسي للمعاناة، وليس وجود القلق في حد ذاته.
يتم تشجيع المرضى على استخراج والتعرف على السلوكيات الناتجة عن اضطرابات القلق، مثل تجنب العديد من الأنشطة وإجبار أحد أفراد الأسرة على مرافقة المريض في كل مكان، والعجز عن متابعة الطموحات المهنية وغير ذلك. ثم يعلم المعالج مريضه طرقا جديدة للتعامل مع القلق، كملاحظة القلق على أنه مجموعة من الأفكار والمشاعر والأحاسيس الجسدية، والانفتاح على تجربة القلق كما هي وتحويل الأفكار والمشاعر والأحاسيس الجسدية، والتخلي عن بذل مجهود للسيطرة على القلق أو تجنبه. وتعليم المريض بعد ذلك كيفية إعادة الانخراط في الأنشطة ذات القيمة الشخصية التي تم تجنبها سابقا.
إن التركيز على متابعة السلوك الإيجابي وتغيير علاقة الفرد بالقلق، من الصراع إلى القبول، من شأنه التقليل من أعراض اضطرابات القلق.
ثانيا، في الألم المزمن:
بينت العديد من الدراسات والأبحاث أن العلاج بالتقبل والالتزام للألم المزمن يؤدي إلى تحسين الأداء ونوعية الحياة. بحيث يتم تعليم المرضى ملاحظة الاختلافات بين الأحاسيس الجسدية للألم وردود أفعالهم اتجاهها. وملاحظة تأثير ردود فعلهم على صحتهم العقلية وأداء وظائفهم المعتادة. وذلك لأن ردود أفعال المرضى المعرفية والعاطفية اتجاه الألم قد تؤدي إلى تفاقم شدة تجربتهم المؤلمة.
قد يشعر المرضى بالإحباط وتكون لديهم أفكار سلبية من نوع “لماذا أنا؟ ليس لدي وقت لهذا، لا أستطيع تحمل هذا، وغيرها. يعلّم العلاج بالتقبل والالتزام المرضى استجابات أكثر تكيفا، من نوع “أعاني من ألم شديد، إنه شعور دافئ، لقد واجهت هذا من قبل وتحملته، سأذهب في نزهة مع صديقي وأتفقد الأمر لأرى كيف أشعر بعد ذلك.
كلتا الحالتين تنطويان على الإحساس بالألم. لكن الأول قد يؤدي إلى تفاقم الإحساس بالألم، بينما الثاني يعترف بالألم دون أن يؤدي إلى تفاقمه. كما أن النظر إلى الألم على أنه غير محتمل وغير مقبول قد يؤدي إلى تجنب المواقف التي قد تسبب الألم، ويمكن أن يؤدي أيضا إلى زيادة تناول مسكنات الألم، الأمر الذي غالبا ما يحمل تكاليف كبيرة على نوعية الحياة، وزيادة الاكتئاب.
وبالتالي، فالمرضى مدعوون لفحص قابلية تنفيذ استراتيجيات تجنب الألم والتعرف على آثار التجنب السلبية على المشاركة في الحياة. إن الملاحظة الواعية للفعّالية المحدودة لاستراتيجيات التجنب الحالية تسهّل إعادة الانخراط في الحياة بطرق هادفة وقيّمة.
ثالثا، في المرض العضوي والنفسي الجسدي:
في مرض السكري، والتصلب المتعدد، والجراحة؛ بالإضافة إلى المرضى الذين يعانون من حالات طبية ونفسية مصاحبة مثل الصداع النصفي والاكتئاب؛ ومرض التهاب الأمعاء، وأمراض القلب والأوعية الدموية أثبت أيضا العلاج بالتقبل والالتزام فعاليته.
تشمل نتائج العديد من الدراسات تحسنا في مستويات الهيموجلوبين السكري في مرض السكري. وتحسّن جودة الحياة، وانخفاض الشعور بالضيق والقلق، وتحسن إدارة المرض في باقي الأمراض المشار اليها أعلاه.
تمثل البرنامج العلاجي بسلسلة من جلسات التدريب القصيرة التي تركز على الاستفادة من استراتيجيات العلاج بالتقبل والالتزام لتعزيز تغيير السلوك الصحي المتعلق بالوقاية من تكرار مسببات المرض المتعلقة بالوزن والنظام الغذائي، وممارسة الرياضة والكحول والتدخين والقلق. وقد لوحظ تحسنا كبيرا في النشاط البدني والعادات الغذائية ومؤشر وزن الجسم.
كما أثبت هذا العلاج فعاليته في علاج الاضطرابات التالية:
- الاكتئاب واضطرابات المزاج
- اضطراب الوسواس القهري
- اضطرابات السلوك الغذائي والأكل
- الإدمان واستخدام المواد.
- الإرهاق والاحتراق المهني.
الأثر المتوقع من العلاج بالتقبل والالتزام:
– يمكّن العلاج بالتقبل والالتزام مع معالج كفء المريض من تعلّم الاستماع إلى حديثه الذاتي؛ أو الطريقة التي يتحدث بها مع نفسه حول الأحداث المؤلمة، أو المشكلات العلائقية أو غيرها من التحديات. ويقرر بعد ذلك المريض ما إذا كانت المشكلة تتطلب إجراءات تغيير فورية، أو ما إذا كان من الممكن قبولها على ما هي عليه، وبالتالي يمكن تغييرها.
– يمكن للمريض بمعيّة المعالج النظر إلى ما فشل فيه في الماضي. يساعد المعالج في إيقاف المريض عن تكرير أنماط التفكير والسلوكيات التي يمكنها أن تسبب المزيد من المشكلات على المدى الطويل. وبمجرد مواجهة التحديات الحالية وقبولها، يمكنك الالتزام بالتوقف عن محاربة الماضي وما يحمله من عواطف وشحنات انفعالية. ثم يبدأ المريض في ممارسة سلوكيات أكثر ثقة وتفاؤلا، استنادا الى قيمه وأهدافه وتطلاعته الخاصة.
– يطّور العلاج بالتقبل والالتزام المرونة النفسية للمريض. وتشمل المرونة النفسية الانفتاح العاطفي والقدرة على تكييف الأفكار والسلوكيات لتتوافق أكثر مع القيم والأهداف الخاصة.
العلاج بالتقبل والالتزام واليقظة الذهنية:

توفر اليقظة الذهنية وسيلة لتثبيت المريض لنفسه في الحاضر؛ من خلال الاهتمام لحظة بلحظة بالمشاعر والأحاسيس الجسدية والبيئة الخارجية.
تساعد تمارين اليقظة الذهنية وتقنياتها في دعم ممارسة العلاج بالتقبل والالتزام؛ من خلال تطوير القبول غير المشروط ومن دون أحكام للأفكار والمشاعر الشخصية. فبدلا من بذل مجهود نفسي وسلوكي وفكري كبير لمحاولة تغيير الأشياء، أو إعادة صياغة الماضي، أو تخيل المستقبل، يعيش الشخص اللحظة الحالية.
لتفعيل تقنية اليقظة الذهنية يجب إعادة الانتباه إلى اللحظة الحالية، والتثبيت على عملية التنفس والانتباه إلى الشهيق والزفير، والأصوات والروائح والأحاسيس الجسدية التي تحدث من حولنا.
قد يبدو هذا التمرين للكثيرين من ممارسيه أنه لا يحدث تغييرا أبدا، أو يحدث تغييرات بسيطة جدا لا تحتسب، إلا أن فوائد اليقظة الذهنية لا تصدق. فممارسة اليقظة الذهنية تجلب السلام الداخلي، والشعور المتجدد بالارتياح النفسي.
كيفية عمل العلاج بالتقبل والالتزام:
يساعد العلاج بالتقبل والالتزام على الاستمرار في التركيز على اللحظة الحالية وقبول الأفكار والمشاعر دون إصدار أحكام. ويهدف إلى مساعدة المريض على المضي قدما خلال المشاعر الصعبة، حتى يتمكن من وضع طاقته في الشفاء بدلا من الخوض في الأمور السلبية. من خلال التركيز على قبول تجارب الحياة كما هي، دون الحكم عليها أو محاولة تغييرها.
ويعتبر ذلك مهارة يتم تطويرها من خلال تمارين اليقظة الذهنية التي تشجع على بناء علاقة جديدة وأكثر تعاطفا مع التجارب الصعبة. والقيام بذلك يحرر الشخص من التفكير السلبي المهووس حتى يتمكن من الحصول على الهدوء النفسي.
يبدأ العلاج بالتقبل والالتزام بقبول العواطف والمشاعر التي يشعر الشخص أنها خارجة عن سيطرته، وتقبّل هذه التجربة بوعي. ثم الالتزام بنهج إيجابي يدفع للأمام، ومقاومة إغراء إعادة صياغة الماضي. مع تحمل المسؤولية واتخاذ قرارات واعية بالالتزام بالاتجاه الإيجابي .
بمساعدة المعالج سيختار المريض مجموعة من آليات التكيّف المصممة خصيصا لموقفه، والتي يمكنه استخدامها طوال حياته للتعامل مع التجارب الصعبة.
يتميز العلاج بالتقبل والالتزام بقابلية العمل؛ مما يساعد على تطوير وعي أكبر بسلوكيات الفرد وما إذا كانت هذه السلوكيات تعمل من حيث حل المشكلة بشكل فعّال أم لا. وتحريك الفرد نحو غايات ذات قيمة شخصية. ففي حالة القلق مثلا، قد يُسأل المريض عما إذا كان استخدامه لأي استراتيجية تجنب يعمل على المدى الطويل من حيث حل مشكلة القلق؛ ودراسة تكاليف استخدام هذه الاستراتيجية على المدى الطويل في مجالات الحياة القيمة
. الأهم من ذلك، أن تحديد الأنماط السلوكية غير العملية المدفوعة بتخفيف الأعراض على المدى القصير يساعد على تسهيل تغييرات السلوك التي تتماشى مع الغايات ذات القيمة طويلة المدى.
كيفية سير الجلسة في العلاج بالتقبل والالتزام:
يمكن تقديم العلاج بالتقبل والالتزام في شكل ورشات عمل ليوم واحد أسبوعيا لمدة تتراوح بين أربع الى ست ساعات. أو يمكن تقديم العلاج في شكل جلسات تقليدية لمدة خمس وأربعين دقيقة لكل جلسة من جلسة الى ثلاث جلسات في الأسبوع.
تمر الجلسة في العلاج بالتقبل والالتزام بالمراحل التالية:
المرحلة الأولى، بناء العلاقة العلاجية:
والذي يتم خلال الجلسات الأولى. يعمل المعالج على فتح حوار مقصود مع المريض عن بعض التحديات أو الصعوبات التي يواجهها. مثل الأشياء التي عاشها وجربها في الماضي والتي ربما تكون قد نجحت أو فشلت.
المرحلة الثانية، الوعي العميق بالأفكار السلبية:
بحيث يساعد المعالج مريضه على تحديد المجالات التي قد يكون لديه فيها أفكار سلبية أو التي يتردد في مناقشتها مع الآخرين. ويساعده في التغلب على الذكريات المؤلمة والتصالح مع الأشياء التي لا يمكنه تغييرها.
المرحلة الثالثة، اكتشاف القيم:
أين يشجّع المعالج مريضه خلال جلسات العلاج بالتقبل والالتزام على استكشاف قيمه الأساسية. وتحديد ما هو مهم بالنسبة اليه، وضبط التعريف بالنفس، وتحديد المستقبل (كيف تريد التعريف بنفسك؟ كيف تريد أن تبدو حياتك؟).
المرحلة الرابعة: اجراءات التغيير:
و تتم بعد تحديد أنماط التفكير المتكررة وتحديد الأولويات، يساعد المعالج مريضه في البدء في إحداث التغيير. يركز المعالج في هذه المرحلة على قبول ما لا يمكن تغييره، وتغيير الأشياء التي يمكن تغييرها.
المرحلة الخامسة، الالتزام بالعمل:
اذ يساعد المعالج مريضه على إيجاد طرق لدمجه في الحياة (حياته)، ومساعدته على رسم خطة مدروسة حتى يتمكن من مواصلة تطبيق ما تعلمه في هذا العلاج على المدى الطويل.
طريقة اجراء العلاج من خلال الورشات:
بينت التجارب السريرية العلاجية أن تقديم العلاج على كورشة عمل بدلا من كونه جلسات علاجية له العديد من المزايا. ففكرة (ورشة عمل) تكون أكثر قبولا لدى المرضى الذين يرتبط طلبهم للعلاج بفكرة العار أو العيب.
كما يضمن تنسيق اليوم الواحد الالتزام بالعلاج وإكماله لأنه أكثر سهولة وجدوى من العلاجات الأسبوعية. خاصة بالنسبة للمرضى الذين ينحدرون من ثقافة بعيدة عن مفاهيم العلاج النفسي أو الذين يعانون من عوائق وظيفية أخرى تحول دون الحصول على العلاج.
ويعد هذا الأسلوب العلاجي الأكثر تركيزا والمحدود زمنيا وأكثر ملاءمة للأشخاص الذين لا يمكنهم حضور جلسات العلاج الطويلة والمتكررة أسبوعيا.
ان النتائج الإيجابية التي تم الحصول عليها من خلال ورشات العمل – والتي تكون مدتها يوم واحد – تتحدى الافتراض القائل بضرورة تقديم العلاج بتنسيق الجلسة الأسبوعية التقليدية. كما أن توفير ورشة عمل مدتها يوم واحد (4-6 ساعات) يوفر للمرضى وقتا أطول للعلاج أو الاتصال مما يتم الحصول عليه عادة في البيئات المجتمعية. وغالبا ما يكون عدم الالتزام بالعلاج وإتمامه أكبر عقبة أمام تقديم خدمات العلاج النفسي بشكل فعال.
المرونة النفسية والعلاج بالتقبل والالتزام:
على مدار الخمس وعشرين عاما الماضية، ظهرت وتطورت التدخلات المعرفية السلوكية القائمة على الوعي والقبول. من خلال البدأ بفهم أن الألم والحزن والخسارة وخيبة الأمل والمرض والخوف والقلق هي حتميات للحياة البشرية.
لا يمكن لأي كان حماية نفسه منها، لكن بالمقابل يمكنه تطوير مرونته النفسية لمواجهة إشكاليات الخسارة والفقد المختلفة. وهدف العلاج بالتقبل والالتزام ليس قمع هذه التجارب السلبية أو تجنبها. بل يهدف الى جعل الأشخاص يسعون وراء مجالات واتجاهات الحياة القيّمة. مثل العلاقات الحميمية والإنجازات الهادفة، والتطور الشخصي، في مواجهة تجارب الحياة المؤلمة.
كما يهدف العلاج بالتقبل والالتزام الى زيادة المشاركة في أنشطة الحياة ذات المعنى، حتى أثناء تجربة الأفكار والانفعالات السلبية، من خلال تنمية المرونة النفسية.
في نموذج العلاج بالتقبل والالتزام الأصلي:
تم تناول نموذج التجنب التجريبي، الذي يظهر في شكل عدم الرغبة في البقاء على اتصال مع الأحداث الخاصة غير المريحة. (مثل الأفكار والمشاعر والأحاسيس الفسيولوجية) عن طريق الهروب أو تجنب هذه التجارب بطرق لها عواقب سلبية (طويلة المدى).
تم طرح هذا النموذج على أنه الصعوبة المركزية المرتبطة بالضيق والخلل الوظيفي. ولوحظ أنداك أن التجنب يقلل من الاتصال المباشر بالتجارب المؤلمة؛ وبالتالي يوفر راحة قصيرة المدى (كشرب الكحول أو التدخين لتقليل القلق). ومع ذلك، على المدى الطويل.
يؤدي التجنب إلى خلل وظيفي أكبر وزيادة الضيق والقلق، مع احتمالية ظهور اضطراب جديد يتمثل في الإدمان أو التعاطي. وكان يُنظر إلى الاستعداد لتجربة الأحداث الداخلية الصعبة أو “إفساح المجال لها” سعياً لتحقيق قيم الفرد وأهدافه، على أنها ترياق للتجنب التجريبي.
في الآونة الأخيرة:
تم استخدام مصطلح المرونة النفسية لوصف العمليات العلاجية الرئيسية المقترحة في نموذج العلاج بالتقبل والالتزام.
تُعرّف المرونة النفسية بأنها القدرة على الاستمرار في السلوك أو تغييره عندما تكون في خدمة غايات قيمة في سياق معين. وتعكس الهدف الأوسع لأسلوب العلاج بالتقبل والالتزام.
المهارات الأساسية التي يجب تعزيزها:

تتم تنمية المرونة النفسية في العلاج بالتقبل والالتزام من خلال تعزيز المهارات الأساسية الست التالية:
القبول الطوعي للانفعالات غير المرغوب فيها:
والتي تنشأ عن طريق اتخاذ إجراءات صعبة، خاصة تلك التي تتفق مع آمال الشخص وقيمه وأهدافه. ( مقابل بذل الجهود للسيطرة على التجارب الداخلية الصعبة أو إزالتها). ويتضمن القبول أيضا الاعتراف بهذه الأفكار والانفعالات بدلا من محاولة تجنبها أو إنكارها أو تغييرها.
التفكيك المعرفي أو التراجع عن الأفكار:
والتي تتعارض مع الأفعال ذات القيمة، ورؤيتها على حقيقتها مقابل رؤية الأفكار كحقائق مطلقة ويقينية. يتضمن التفكيك المعرفي تغيير الطريقة التي يتفاعل بها الشخص مع أفكاره ومشاعره المؤلمة وابعاد نفسه عنها. ومراقبة فكرة دون إصدار أحكام عليها، ثم تصنيف الاستجابة التلقائية، وتحديدها، مما سيخفف من آثارها الضارة.
الذات المراقبة:
تعمل هذه الفكرة على توسيع مفهوم الذات والهوية. بالحفاظ على منظور متوازن وواسع للتفكير والمشاعر؛ بحيث لا تؤدي الأفكار والمشاعر المؤلمة تلقائيا إلى إثارة سلوكيات التجنب غير القادرة على التكيف. ( مقابل مهارات التعامل مع المنظور الضعيف).
تحديد القيم والأهداف الأساسية:
وذلك مثل التواجد من أجل الأسرة، ومتابعة العمل الهادف، وما إلى ذلك ( مقابل الانفصال عن الأشياء والأشخاص الأكثر أهمية). ان اختيار القيم الشخصية في المجالات المختلفة والسعي للعيش وفقا لتلك المبادئ. يتناقض مع التصرفات المدفوعة بالرغبة في تجنب الضيق أو الالتزام بتوقعات الآخرين.
تنمية الالتزام بفعل الأشياء بما يتماشى مع الآمال والقيم والأهداف المحددة:
مقابل الفشل في اتخاذ الخطوات السلوكية اللازمة بما يتوافق مع القيم الأساسية. ومن خلال اتخاذ خطوات ملموسة لدمج التغييرات التي تتوافق مع القيم الشخصية وتحدث تغييرا إيجابيا. قد يشمل ذلك تحديد الأهداف، والتعرض للأفكار أو التجارب الصعبة، وتنمية المهارات.
اليقظة الذهنية.
وذلك بالتواجد والحضور والوعي باللحظة الحالية، ومراقبة الأفكار والمشاعر دون الحكم عليها أو محاولة تغييرها. إن تجربة الأحداث بشكل واضح ومباشر يمكن أن يساعد في تعزيز تغيير السلوك والبقاء بمرونة نفسية في اللحظة الحالية؛ مقابل فقدان الاتصال -السلبي- بالحاضر.
المراجع
– Benjamin Schoendorff, Jana Grand et Marie-France Bolduc (préf. Steven C. Hayes, Robert J. Kolhenberg, Mavis Tsai), La thérapie d’acceptation et d’engagement : guide clinique, Louvain-La-Neuve, De Boeck supérieur, coll. « Carrefour des psychothérapies », 2011.
– François Bourgognon et Claude Penet (préf. Fabrice Midal), La thérapie d’acceptation et d’engagement, Que sais-je ?, coll. « Que sais-je ? » (N° 4206), 2021.
– McCracken LM, Vowles KE, Eccleston C. Acceptance-based treatment for persons with complex, long standing chronic pain: a preliminary analysis of treatment outcome in comparison to a waiting phase. Behav Res Ther. 2005;43(10):1335–1346.
معلومات قيمة