القائمة
المزاج

المزاج

شارك المقال

يصف العديد من الأشخاص الذين يتقدمون للعلاج النفسي شعورا بالاكتئاب، لكن القليل منهم فقط يتم تشخيصهم بالاكتئاب الشديد الذي ينطوي تحت اضطرابات المزاج. تستخدم كلمة المزاج عادة للدلالة على أشياء كثيرة ومختلفة. فيعبّر بعض الناس عن مزاجهم السيء بعد الاستيقاظ من ليلة صاخبة، أو بها الكثير من الأرق أو الكوابيس. وقد يعبّر البعض الآخر عن المزاج الجيد بعد قضاء وقت ممتع مع مجموعة من الأصدقاء المقربين. وتعبّر بعض النساء عن المزاج السيء قبيل الدورة الشهرية، والمزاج الجيد بعد انقضائها بفترة. ويصف الرجال مزاجهم الجيد بعد إنجاز أشياء محددة أو تحقيق أهداف معينة، ويرتبط لديهم المزاج السيء بالفشل أو الإحباط. فالمشاعر التي نحسها تسمى بالعواطف أو الانفعالات وفيها نوعان: مشاعر إيجابية، وأخرى سلبية.

ما معنى المزاج؟

تُعرّف الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) المزاج بأنه “ميل للاستجابة عاطفيا بطريقة معينة، قد تستمر لساعات أو أيام أو حتى أسابيع، ربما بمستوى منخفض ودون أن يدرك الشخص سبب هذه الحالة”. المزاج هو حالة عاطفية قصيرة الأمد، وعادة ما تكون منخفضة الشدة (مثل مزاج مرح، مزاج سريع الانفعال). تظهر في شكل ميل للاستجابة العاطفية بطريقة معينة قد تستمر لساعات أو أيام أو حتى أسابيع، ربما على مستوى منخفض ودون أن يعرف الشخص ما الذي دفعه إلى هذه الحالة.

نستعمل مصطلح المزاج بصيغة الجمع (المزاجات) نظرا لتعدد واختلاف الحالات المزاجية من شخص لآخر، ولدى نفس الشخص من فترة زمنية إلى أخرى.

يعكس المزاج مشاعر معينة، سلبية أو إيجابية كالفرح والسعادة والنشوة أو الحزن والإحباط والقنوط واليأس. غالبا ما تكون هذه المشاعر عابرة أو مؤقتة أو أقل حدة وأكثر استمرارية، وتظهر في شكل حالات ذهنية تدوم لفترة أطول.

ترتبط المشاعر العادية عادة بشخص أو شيء أو موقف معين، في حين لا يرتبط المزاج بأي سبب واضح ومفهوم، وتتمتع بالقوة والاستمرارية لفترة زمنية أطول. ويؤثر المزاج على الإدراك والسلوك والدافعية واتخاذ القرارات وعلى العمليات المعرفية الأساسية كالذاكرة والانتباه.

الفرق بين المزاج والمشاعر (العواطف)

يرتبط المزاج والمشاعر (العواطف) ببعضهما. فعندما يكون مزاج الشخص سيئا، يميل إلى الشعور بمشاعر سلبية كالحزن أو الغضب أو الخوف. أما عندما يكون المزاج جيدا، فيميل إلى الشعور بمشاعر إيجابية كالفرح أو التفاؤل أو الاقدام والنشاط والمبادرة. وهو ما يقودنا إلى القول بأن طبيعة المشاعر (العواطف) تُنبئ بطبيعة المزاج.

يختلف المزاج عن العواطف في افتقارها إلى شيء ما؛ بحيث يمكن إثارة عاطفة/مشاعر الغضب بسبب التعرض لإهانة، ولكن قد ينشأ المزاج الغاضب عندما لا يعرف الشخص ما الذي يغضب منه.

في علم النفس العصبي، تُعتبر المشاعر أنماطا لإطلاق الإشارات العصبية في مجموعات كبيرة من الخلايا العصبية التي تقوم بدمج التمثيلات العصبية للمواقف الخارجية، والتقييم المعرفي لتلك المواقف، والتغيرات الفسيولوجية. مثلا، يشير شعور الشخص بالسعادة والفرح لأنه في إجازة إلى عملية دماغية تربط التمثيلات العصبية لـلإجازة (بما فيها الكلمات والصور كالراحة والاسترخاء، الترفيه، الاستمتاع، غياب العمل والالتزام وغيرها)، بالتقييم المعرفي للاجازة (الإجازة تحقق الاستمتاع والاسترخاء)، بالتغيرات الجسمية (زيادة معدل ضربات القلب، انخفاض مستوى الكورتيزول، زيادة النشاط).

يختلف المزاج عن المشاعر في ثلاثة نقاط رئيسية:

  1. المدة:  يميل المزاج إلى أن يكون أطول زمنيا؛ بحيث يستمر لعدة ساعات أو لعدة أيام. في حين تستمر المشاعر لبضع دقائق.
  2. الموضوع: تتعلق المشاعر بشيء أو شخص أو موقف أو موضوع محدد وتعتبر رد فعل اتجاهها. لكن المزاج لا يرتبط بموضوع محدد، وهو شعور عام مسيطر على معظم المواقف والوضعيات.
  3. الشدة: لا يكون المزاج بنفس شدة المشاعر، بحيث يمكن أن ينطوي المزاج على مشاعر قوية مثل النشوة أو الاستثارة العالية، أو اليأس أو الحزن.

من المسؤول عن المزاج؟

يعتبر الدماغ المسؤول الأول عن المشاعر والانفعالات والمزاج، كما هو حال الأفكار والسلوكيات. تتحكم في الانفعالات مناطق من الدماغ تسمى بالدماغ الانفعالي أو بنظام العواطف. يظم الدماغ الانفعالي اللوزة المخية (الدماغية) والحصين وتحت المهاد، وتعتبر كلها جزءا من الجهاز الحوفي في الدماغ. وهي المناطق الدماغية المسؤولة عن استحضار المشاعر.

يعتمد الدماغ على العديد من النواقل العصبية لتوصيل الرسائل الحيوية بين الخلايا العصبية. ويتكون الدماغ الانفعالي من نواقل عصبية على رأسها ناقل السيروتونين والدوبامين والنورإبينفرين على سبيل المثال لا الحصر. وقد أظهرت العديد من الدراسات أهمية هذه النواقل لا سياما ناقل السيروتونين في تنظيم المزاج والانفعالات.

يساعد الدماغ الانفعالي الانسان على البحث عن الأشياء التي يريدها ويحتاجها من جهة، وعلى حماية نفسه من الأذى من جهة ثانية، وعلى التواصل الاجتماعي مع الآخرين من جهة ثالثة.

آليات عمل المزاج:

يعتبر المزاج الجيد والمزاج السيئ استعدادا لإظهار الشخص للمشاعر باستخدام نفس الآليات. فميل المزاج لإنتاج مشاعر إيجابية أو سلبية ناتج عن الآليات الأساسية التي تنتج المشاعر. وسيطرة مزاج معين على الشخص يشير إلى نشاط عمليات محددة في الجسم، وفي تقييم الدماغ أو الادراك للمواقف الخارجية أو الداخلية. تنتج الادراكات وما يحدث داخل الجسم أنواعا معينة من المشاعر، وتكون استجابة لإدراك معين للمواقف.

على سبيل المثال، إذا كان الشخص في مزاج جيد، فإن فسيولوجيته وتفكيره يعملان معا بطرق تميل إلى تفسير المواقف الجديدة بشكل إيجابي. وهذا ما يوصلنا إلى القول بأن هذا الشخص يمتلك بعض السمات الفسيولوجية للمشاعر الجيدة، والمتمثلة في معدل ضربات القلب المستقر ومعدلات التنفس المعتدلة ومستويات الكورتيزول المنخفضة. كما أن الادراكات الإيجابية للمواقف ستجعل الدماغ أكثر قابلية لإنتاج استجابات بمشاعر إيجابية أمام المواقف الجديدة . وهو ما يقودنا إلى فهم الحالة المزاجية من خلال نفس آليات الدماغ التي تعمل بها العواطف.

الفرق بين الحالة المزاجية واضطرابات المزاج:

من الشائع جدا تغير المزاج لدى الشخص من وقت لآخر، ويرافق ذلك تغيرا بطيئا وتدريجيا في المشاعر. ولكن إذا بدأ المزاج السلبي خاصة في السيطرة على الحالة المزاجية العامة للشخص بشكل سريع أو حتى تدريجي، وأعاق الأداء العام يمكن اعتباره اضطرابا في المزاج. مشاعر الحزن والفرح والسعادة والاحباط وغيرها جزء من الحياة اليومية لأي شخص. وتختلف هذه الانفعالات عن الحالات العاطفية الشديدة التي يتم تشخيصها على أنها اكتئاب أو هوس لدى بعض الأشخاص الذين يتم تشخيصهم باضطرابات المزاج.

تعتبر اضطرابات المزاج من حالات الصحة النفسية الخطيرة، والتي تستدعي تدخلا علاجيا فوريا. تتضمن فترات طويلة من الحزن الشديد أو الاكتئاب، أو الهوس والنشوة المفرطة، أو كليهما. يمثل الاكتئاب والهوس قطبين نقيضين من اضطرابات المزاج قد يتواجد القطبان لدى نفس الشخص (الحالة) أو يتواجد فقط أحدهما.

مثال أول:

يعتبر الحزن رد فعل طبيعي لفقد شخص عزيز أو للهزيمة أو خيبة الأمل أو الانفصال. وعادة لا يسبب فقدان شخص محبوب أو فقدان وظيفة أو الفشل في الامتحان حالة من الحزن المطوّل أو الاكتئاب المزمن إلا لدى الأشخاص الذين لديهم استعدادا لاضطرابات المزاج. أين يتدهور المزاج بشكل مستمر، وتسيطر مشاعر الحزن واليأس.

الشعور بالاكتئاب أمر طبيعي أحيانا، إلا أنه عندما يستمر لمدة أكثر من أسبوعين، ويؤدي إلى فقدان الاهتمام بالأشياء الممتعة والانعزال والانسحاب الاجتماعي، فإنه يبدأ في التسبب بالكثير من التغييرات الضارة كالأرق، وانخفاض مستوى الطاقة، واضطراب الشهية، ومشاكل التركيز والانتباه والذاكرة، والحزن الشديد وانخفاض تقدير الذات والأفكار الانتحارية.

مثال ثان:

تعتبر السعادة، والبهجة والفرح والإنتاجية والنشاط مشاعر يشعر بها الناس أيضا عندما يشعرون بالإيجابية تجاه موضوع معين. في حين يعتبر الهوس حالة مزاجية غير سوية، ترتبط باضطراب مزاجي في شكل نوبة هوس. تظهر خلال هذه النوبة حالة من الاستثارة المفرطة والنشاط العالي ونقص الحاجة إلى النوم، والاندفاعية والتهور، وتضخم تقدير الذات، وتدفق الأفكار الذي يقترن بسرعة الكلام أو الثرثرة وتشتت الانتباه. الاختلاف بين السعادة والبهجة كمزاج إيجابي سوي والهوس كاضطراب في المزاج هو شدة المشاعر وقوتها، ومدتها وتأثيرها على الأداء العام للشخص على المستوى الشخصي والمهني والعلائقي.

وبالتالي، يتم تشخيص اضطرابات المزاج عندما يظهر على الشخص مشاعر قوية من الحزن أو البهجة أشدّ مما قد يشعر به الشخص عادةً من حين لآخر، وتكون مصحوبة بأعراض أخرى مرتبطة بالاضطراب الأصلي أو ناتجة عنه، مثل اضطراب السلوك الغذائي والقلق الشديد واضطراب الإدمان والأفكار الانتحارية. وتؤثر هذه الحالة المزاجية القوية على قدرة الشخص على الأداء العام.

أنواع اضطرابات المزاج:

اضطراب المزاج الأحادي القطب: يتم تشخيصه عندما يظهر على المريض الاكتئاب فقط، ويمكن أن يشير إلى العديد من الاضطرابات: كاضطراب الاكتئاب الشديد، اضطراب الاكتئاب المستمر، متلازمة ما قبل الدورة الشهرية الاكتئابية لدى النساء، واضطراب الاكتئاب الناجم عن تعاطي المادة أو تعاطي الكحول، أو التعرض للسموم، أو الآثار الجانبية للأدوية، أو بسبب الإصابة ببعض الأمراض العضوية كالسرطانات، الالتهابات، الأمراض المزمنة. كما يمكن أيضا تشخيص حالة نادرة من الهوس دون اكتئاب، ويُسمى الهوس أحادي القطب.

اضطراب المزاج الثنائي القطب: ويشمل تناوب نوبات الاكتئاب والهوس أو الهوس الخفيف.

ما الذي يسبب اضطرابات المزاج؟

تؤثر العديد من العوامل في ظهور اضطرابات المزاج. لكن أكثرها شيوعا هو الخلل في كيميائية الدماغ، وأحداث الحياة المُرهقة والفجائية أو الصادمة وغير المتوقعة. كما يمكن أن تكون ناتجة عن عوامل وراثية كما هو حال الاضطراب الثنائي القطب .

خطر الإصابة بالاكتئاب لدى النساء أعلى بمرتين تقريبا منه لدى الرجال.

تقلبات المزاج في المراهقة:

يظهر المراهقون تقلبات عاطفية ومزاجية قد تكون أحيانا مقلقة. إذ يتأرجحون بين صعود وهبوط في الحالة المزاجية من دون سابق إنذار. وتعيد العديد من الدراسات سبب ذلك إلى البلوغ الجنسي وبداية نشاط الهرمونات الجنسية. تساعد هذه الهرمونات المراهق على النمو وظهور علامات البلوغ الجنسي، وتحدث أيضا نموا كبيرا في الدماغ. ولأن الدماغ (في الجهاز الحوفي) يحتوي على العديد من مستقبلات الهرمونات المختلفة، مثل هرمون التستوستيرون والإستروجين والبروجسترون، فإن ارتفاع مستويات هذه الهرمونات قد يؤدي إلى ردود فعل عاطفية مبالغ فيها لدى المراهقين اتجاه مواقف مختلفة، وردود فعل متنوعة تجاه نفس النوع من المواقف في أوقات مختلفة.

هذه الأعراض والاستجابات العاطفية غير المستقرة لا تستمر مع المراهق، بل تبدأ في الزوال مع اكتساب المراهق الخبرة في تنظيم المزاج وفهم الحالة العاطفية. وتساعد الأسرة المتفهمة والمتفتحة في تسريع هذه السيرورة، في حين تعمل الأسرة المنغلقة والمعنّفة على زيادة تأزم حالة المراهق.

طرق تحسين المزاج السلبي:

تعمل المرونة العصبية  المتمثلة في قدرة الشبكات العصبية في الدماغ على التغيّر من خلال النمو والتدريب على إعادة التنظيم وبالتالي اكتساب خبرة أكبر في إدارة المزاج وتعديله. ويعتبر ممارسة الرياضة التي تعيد تنشيط عضلة القلب، والنوم الكافي، والنظام الغذائي المتوازن والغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية والسيلينيوم وفيتامينات ب، وتمارين اليقظة الذهنية والتأمل تعتبر هامة وضرورية في خفض القلق والكرتزول، وتنظيم مستويات الهرمونات والنواقل العصبية، وبالتالي تحسين المزاج. كما أكدت العديد من الدراسات أن قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق، والتعرض لأشعة الشمس، والسلوك الاجتماعي والتواجد مع أشخاص نحبهم مفيد جدا. ويمكن في حالات فشل الطرق السابقة واستمرار المزاج السيء اللجوء إلى العلاج النفسي الذي يعمل مع تعليم الأشخاص تقنيات التحدث مع الذات والتعاطف معها، وتحسين المزاج.

قائمة المراجع

مقالات مشابهة

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *