القائمة
تشخيص اضطراب الوسواس القهري

تشخيص اضطراب الوسواس القهري

هذا المقال يتناول تشخيص اضطراب الوسواس القهري، بما في ذلك الأعراض والمعايير الدولية المعترف بها، ويستخدم أدوات التقييم المختلفة للتفريق بينه وبين الحالات الأخرى المشابهة.

شارك المقال

تعتبر عملية تشخيص أي اضطراب من الاضطرابات النفسية أو العقلية عملا دقيقا، وصعبا أحيانا، بما في ذلك تشخيص اضطراب الوسواس القهري. خاصة مع تداخل الجداول العيادية بعضها مع بعض، أو تأثر اضطراب باضطرابات أخرى. يجعل هذا الأمر تصنيف الأعراض والمؤشرات تحت تسمية واحدة (اضطراب أو متلازمة بعينها)، ضروريا من أجل التخطيط للتكفل النفسي بالحالة على أحسن وجه، كون التشخيص الدقيق والصحيح أول خطوات العلاج.

تشخيص اضطراب الوسواس القهري.

يجب أن يبدأ التقييم والتشخيص من خلال تحديد مدة وشدة أعراض الوسواس القهري، بالإضافة إلى عوامل الخطر وتفاقم الأعراض واستمرارها. غالبًا ما يقدم المريض في بداية الفحص شكاوى تخص وجود ضغوط من الأسرة أو المدرسة أو وجود مرض جسدي قبل تقديم أعراض الوسواس القهري. ونظرًا لتداخل الأعراض أو وجود أعراض غير معروفة، فإن مراجعة جميع فئات أعراض الوسواس القهري مفيدة جدا لعملية التشخيص؛ خاصة وأن العديد من المرضى يعانون من أعراض متعددة في وقت واحد، وقد تتغير هذه الأعراض على مدار فترة المرض.

تشير بعض الدراسات التي أجريت على البالغين باضطراب الوسواس القهري إلى وجود ارتباط بين مستوى إدراك الأعراض وشدتها والنتائج التي تظهر بعد العلاج. في حين أن الأطفال يكونون أقل تعرفا وأقل إدراكا للاعقلانية وساوسهم وأفعالهم القهرية مقارنة بالبالغين، وهو ما لا يؤثر على شدة الأعراض ونتائج العلاج.

لتشخيص اضطراب الوسواس القهري يجب تبني الفحوصات الثلاثة الموالية، أو على الأقل فحصين منها.

أولا، التقييم النفسي والعقلي.

يتضمن ذلك مناقشة أفكار المريض ومشاعره وأعراضه وأنماط سلوكه لتحديد ما إذا كان لديه وساوس أو سلوكيات قهرية تتعارض مع نوعية الحياة. وقد يشمل ذلك التحدث إلى عائلته أو مرافقيه للفحص النفسي. يقوم بهذا الفحص اما طبيب الأمراض النفسية والعقلية، أو المعالج النفسي، أو الأخصائي النفسي العيادي.

ثانيا، معايير تشخيص اضطراب الوسواس القهري.

قد يستخدم الفاحص المعايير التشخيصية الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي. تحدد هذه المعايير أهم الأعراض الرئيسية التي يجب أن تتواجد لدى المريض من أجل تشخيص الاضطراب.

في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) تم إدراج الوسواس القهري على أنه اضطراب عصابي، مرتبط بالتوتر والاضطراب الجسدي، وأدرج إلى جانب اضطرابات القلق في التصنيف الدولي للأمراض (CIM 10)، وصُنف بالمثل على أنه اضطراب القلق في النسخ السابقة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات.  ومع ذلك، ونظرًا للأدلة المتزايدة على الاختلافات في ظواهر ومسببات اضطراب الوسواس القهري مقارنة باضطرابات القلق الأخرى، فإنه يقع الآن ضمن الوسواس القهري والاضطرابات ذات الصلة في (DSM-5)، ويتطلب التشخيص وجود وساوس وأفعال قهرية، أو كلاهما.

الوساوس حسب هذا التصنيف هي أفكار أو دوافع أو صور متكررة ومستمرة يتم اختبارها على أنها تطفلية وغير مرغوب فيها وتسبب القلق أو الضيق؛ يحاول الفرد تجاهلها أو قمعها أو تحييدها. وتُعرَّف الأفعال القهرية بأنها سلوكيات متكررة أو أفعال عقلية يشعر الفرد بأنه مدفوع لأدائها استجابةً لوساوس؛ تهدف إلى تقليل القلق أو الضيق أو منع الموقف المخيف. يتم تضمين مستوى البصيرة ووجود التشنجات اللاإرادية كمحددات.

بالمقارنة مع البالغين، قد لا يدرك الأطفال المصابون بالوسواس القهري دائمًا أن مخاوفهم أو سلوكياتهم مفرطة، ويعتبرون الطقوس بمثابة أفعال وقائية.  قد يختلف محتوى الأعراض حسب العمر، حيث تكون الأعراض الدينية والجسدية أكثر شيوعًا عند الأطفال مقارنة بالمراهقين أو البالغين. تشمل الأعراض الأخرى الملاحظة بشكل خاص عند الأطفال الوساوس الصحيحة فقط، والأفعال القهرية التي قد تشمل أفراد الأسرة مثل الوالدين، والطقوس الخرافية المرتبطة بالتفكير السحري .

ثالثا، الفحص العضوي.

يقوم الطبيب بالفحص العضوي والجسدي، ويتم إجراء هذا الفحص للمساعدة في استبعاد أمراض أو اضطرابات أخرى قد تسبب أعراضا مشابهة أو متداخلة مع اضطراب الوسواس القهري، وكذا للتحقق من عدم وجود أي مضاعفات ذات صلة.

صعوبات التشخيص.

يصعب أحيانًا تشخيص اضطراب الوسواس القهري؛ لأن الأعراض يمكن أن تكون مشابهة لأعراض اضطراب الشخصية الوُسواسيَّة، أو اضطراب المخاوف المرضية، أو اضطرابات القلق العام، أو الاكتئاب، أو بعض أنواع الفصامات. ومن الممكن أن يتعرض الشخص لكل من اضطراب الوسواس القهري واضطراب آخر في الصحة النفسية في الوقت نفسه. يلجأ المعالج هنا الى اعتماد التشخيص الفارقي بعد انهاء عملية الفحص لاقتراح تشخيص نهائي للحالة.

وسائل التقييم والتشخيص المساعدة.

يمكن تسهيل عملية التقييم والتشخيص من خلال الاعتماد على بعض أدوات التشخيص المعيارية، التي تم تطويرها لفحص أعراض الوسواس القهري في البيئات السريرية وغير السريرية. تتميز هذه الأدوات بكونها سهلة وسريعة التطبيق. الأكثر استعمالا نجد.

المقابلة العيادية.

هي الطريقة الأساسية لتشخيص المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية؛ مما يوفر للأخصائيين فرصة لمراقبة الاستجابات العاطفية، ولغة الجسد بينما يتحدث المرضى عن أعراضهم. تهدف أسئلة المقابلة إلى اثارة المناقشات التفصيلية حول أعراض ومؤشرات الوسواس القهري، ومدة ظهوره، والمحفزات التي تثير الأعراض. يلاحظ الأطباء أيضًا أدلة على هذه الأعراض، مثل الأيدي المشقوقة بسبب الغسيل الزائد، أو التحقق من السلوك أثناء المقابلة.

مقياس الوسواس القهري ييل براون (Y-BOCS).

هو أداة مصنفة مكونة من عشرة عناصر مصممة لتقييم شدة الأعراض في اضطراب الوسواس القهري، وليس لتشخيص الاضطراب. يوفر تركيز المقياس على شدة الأعراض نظرة شاملة حول تأثير أعراض الوسواس القهري على حياة المرضى.

الفحوصات الطبية المتخصصة المكملة.

الأفكار والسلوكيات المتكررة هي السمات المميزة للوسواس القهري كما يمكن أن تظهر أيضًا كأعراض لحالات أخرى، مثل مرض باركنسون، أو إصابة الدماغ، أو متلازمة توريت العصبية. في هذه الحالات قد يحيل الفاحص المرضى الى أخصائيين آخرين لإجراء فحص عضوي أو عصبي لاستبعاد اضطرابات أخرى.

مقياس السكن العائلي (FAS).

يمكن إعطاء مقياس السكن العائلي ( FAS ) لأفراد عائلة مريض الوسواس القهري لتحديد مدى تكيف الأسرة. تشير دراسات حديثة إلى أن (60-97٪)  من أفراد أسر المصابين بالوسواس القهري يتكيفون مع أعراضهم؛ مما يعني أن أفراد الأسرة يساعدون المرضى على الشعور بضيق أقل من خلال المشاركة في أو تسهيل سلوكياتهم القهرية والتجنبية.

تساعد نتائج المقياس على فهم ديناميكية الاضطراب العلائقية، مما يسهل على الأطباء إشراك أفراد الأسرة وتثقيفهم خلال عملية علاج الوسواس القهري.

  •  السيرة الذاتية الخاصة بجرد الوسواس القهري (OCI-CV).
  • جرد فلوريدا للوسواس القهري للأطفال (C-FOCI)
  • قائمة التحقق من سلوك الطفل ومقياس الوسواس القهري (CBCL-OCS)

التشخيص الفارقي لاضطراب الوسواس القهري.

للتأكد من تشخيص اضطراب الوسواس القهري، على الفاحص أن يميز بين هذا الاضطراب وعدد من الاضطرابات المشابهة أو المقاربة، وأهمها.

  • اضطراب القلق المعمم.
  • القلق الاجتماعي.
  • الاكتئاب، فالعديد من مرضى الوسواس القهري يعانون من أعراض الاكتئاب وهو ما يحدث تداخلا بين أعراض الاكتئاب وأعراض الوسواس القهري.
  • الاضطرابات الرهابية (المخاوف المرضية).
  • اضطراب السلوك الغذائي من نوع فقدان الشهية العصبي، أو الشره العصبي.
  • اضطراب التحكم في الانفعالات مثل نتف الشعر (نتف الشعر)، أو هوس مص الجلد القهري.
  • الشخصية الوسواسية.
  • بعض أنواع الفصامات التي تسيطر فيها الأعراض الوسواسية أو الأفعال القهرية.
  • التشنجات اللاإرادية في اضطراب التشنج اللاإرادي، والحركات النمطية في اضطراب التوحد الخفيف وآفات الفص الجبهي، أو متلازمة توريت العصبية.
  • اضطراب تشوه الجسم الذي يرافقه مخاوف من القبح المتخيل أو مخاوف بشأن المرض المتخيل.
  • بعض الاضطرابات الجنسية التي يرافقها طقوس جنسية معينة.
  • الإدمان السلوكي. تجدر الإشارة هنا الى أن الوسواس القهري يختلف عن السلوكيات القهرية مثل القمار. عادة ما يستمتع الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات من أنشطتهم، في حين أن مرضى الوسواس القهري لا يريدون القيام بمهامهم القهرية ولا يحصلون على أي متعة منها.
  • تشير بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين إدمان المخدرات والوسواس القهري؛ بحيث نجد انتشار نوبات الهلع بين مرضى الوسواس القهري، وكآلية للتعامل مع المستويات المتزايدة من القلق يتوجهون نحو ادمان المخدرات الذي يكون نوعًا من السلوك القهري بدلاً من كونه آلية للتكيف.

الفرق بين اضطراب الوسواس القهري واضطراب الشخصية الوسواسية.

غالبا ما يحدث خلط بين اضطراب الشخصية الوسواسية واضطراب الوسواس القهري: الاثنين ليسا نفس الحالة.

فاضطراب الوسواس القهري هو اضطراب الأنا المسؤولة عن تحقيق التوازن في الجهاز النفسي؛ مما يعني أنه لا يتوافق مع مفهوم الذات. ويسبب معاناة للشخص. يدرك مريض الوسواس القهري أن أفكاره وسلوكياته غير عقلانية، لكنه يشعر بأنه مضطر لاتباعها لتجنب القلق والذعر.

في حين اضطراب الشخصية الوسواسية يكون متناسقا مع الأنا، فيقبل الشخص أن أعراض الاضطراب متوافقة مع صورته الذاتية، ولا تسبب له أي معاناة. الشخص باضطراب الشخصية الوسواسية لا يدرك أي شيء غير طبيعي في نفسه، فهو سيشرح بسهولة سبب كون أفعاله عقلانية، وعادة ما يكون إقناعه بخلاف ذلك أمرًا شبه مستحيل.

الشخاص المصاب بالوسواس القهري شخص قلق، أما المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية، فيستمتع بوساوسه وأفعاله القهرية.

مضاعفات اضطراب الوسواس القهري.

  • ترتبط جودة الحياة بشدة أعراض الوسواس القهري وضعفها، لذا يجب النظر في التقييم النفسي والتربوي إذا كان هناك أي تاريخ من الصعوبات الاكاديمية او المهنية أو الاجتماعية. مما قد يؤدي الى صعوبة الذهاب إلى العمل أو المدرسة أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية.
  • تكرار أداء الشعائر والطقوس بشكل مفرط؛ مما يجعل المريض يبدو مضطربا عقليا، ويحدث ارباكا في إنجازه لمهامه اليومية الأسرية والمهنية.
  • مشكلات صحية مختلفة، مثل التهاب الجلد الناتج عن غسل اليدين المتكرر، اضطرابات النوم واضطرابات الجهاز الهضمي بسبب زيادة التوتر والضيق والكدر.
  • اضطراب في العلاقات المهنية منها والمقربة.
  • احتمالية التوجه نحو السلوكيات الانتحارية، بسبب سيطرة مشاعر الاكتئاب أو الضيق والقلق، واليأس من الشفاء ومن الحياة.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *