القائمة

تقنية الاسترخاء

شارك المقال

تقنية الاسترخاء هي مجموعة من الأساليب التي تساعد في تهدئة العقل والجسم، مما يساهم في تقليل التوتر. وتشير احصائيات صحية أن ما بين (60% إلى 90%) من الفحوصات الطبية ذات صلة مباشرة باضطرابات القلق والتوتر والاجهاد النفسي. هذه المشكلات المتزايدة اليوم في الظهور وبوتيرة سريعة جدا يمكنها احداث شلل مؤقت أو مستمر في قدرات الجهاز النفسي وقدرات الجسم على التشافي الذاتي، وتؤثر على الجهاز المناعي الذي يصبح عاجزا عن التصدي لأبسط الفيروسات المسببة للأمراض. هذه الاحصائيات الصادمة توجهنا بالضرورة الى التفكير في حلول عملية وسريعة الى تطوير طرق لتهدئة الجسم ومكافحة أعراض التوتر.

ماذا يحدث في حالة التوتر والقلق؟

عندما نتعرض للتوتر أو القلق، يبدي الجسم استجابات فورية تشير الى ارتفاع هرموني الكورتزول والأدرينالين، مما يجعلنا في حالة جهوزية لمواجهة الخطر. فتحدث حالة عامة من التشنج والانقباض العضلي، يرافقها شلل مؤقت في نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي.

 الملاحظ أن حالة استجابة مواجهة الخطر والتهديد يتم تحفيزها عدة مرات في اليوم، بسبب عدد الاستثارات العالية المسببة للتوتر والتي نتعامل معها ونواجهها تقريبا طيلة اليوم. على سبيل المثال، التوتر في علاقات العمل والعلاقات الشخصية والعائلية، الضغوط المالية والمهنية، المشاكل الصحية، مشكلات التربية العادية واليومية، مشكلات المواصلات والبيروقراطية وغيرها. لنجد أنفسنا في حالة مواجهة للتهديد لفترات زمنية طويلة، مما يرهق الجهاز العصبي، ويدمر قدراتنا النفسية على التحمل والمواجهة. فيفشل جهازنا النفسي عن مواجهة الضغوطات الكثيرة، مما يؤثر على العضوية وعلى الجهاز المناعي. ليصبح الشخص المتوتر أكثر عرضة للاصابة بالأمراض الجسدية والنفسية على حد سواء، كنزلات البرد المتكررة، ومشكلات الضغط الدموي، واضطرابات الجهاز الهضمي، والاضطراب العضلي الليفي وغيرها من الأمراض.

ما هي حالة الاسترخاء؟

للتمكن من التقليل من الأعراض الضارة والحادة للتوتر والقلق يجب تعلّم استحضار استجابة الاسترخاء. وهي تقنية تم تطويرها لأول مرة في سبعينيات القرن العشرين في كلية الطب بجامعة هارفارد من قبل طبيب أمراض القلب هربرت بنسون، في مقال موسوم بإدارة الإجهاد: أساليب لمنع وتقليل الاجهاد.  

استجابة الاسترخاء هي عكس استجابة التوتر والقلق والإجهاد. صنفّها بنسون بأنها حالة من الراحة العميقة التي يمكن الوصول اليها بعدة طرق.

تعرف حالة الاسترخاء بأنها حالة الراحة العميقة للجسم  وللنفس، نصل اليها في اليقظة بتطبيق إحدى تقنيات الاسترخاء المعروفة (تقنية الاسترخاء التدرجي لجاكوبسون، تقنية شولتز وغيرها). يمكن إعادة إنتاج حالة الاسترخاء حسب الحاجة.

الاسترخاء تقنية علاجية فعالة جدا، تعرف بين المعالجين النفسيين بقدرتها العالية على تهدئة أعراض القلق لدى المريض وبشكل سريع. لكنها ليست بالتقنية السهلة، ولا يمكن لأي كان تطبيقها على نفسه أو على الآخرين، بل تحتاج إلى تدريب وممارسة لاكتساب مهارة تطبيقها الفعال.

ماذا يحدث في حالة الاسترخاء؟

حالة التوتر تضع الجسم في وضعية مواجهة الخطر والتهديد، وبمجرد زوال هذا التهديد يجب أن يعود الجسم إلى الحالة السابقة للتوتر. فيبدأ نشاط الجهاز العصبي اللاودي ليعيد الجسم الى حالته الطبيعية، بداية بالاسترخاء الفسيولوجي؛ من خلال انخفاض ضغط الدم، واعتدال معدل ضربات القلب ووظائف الجهاز الهضمي، وانتظام مستويات هرمون الأدرينالين والكورتزول.

عندما نصل إلى حالة الاسترخاء العميق بإحدى تقنيات الاسترخاء المعروفة، نلاحظ حدوث ثلاث تغيرات أساسية:

– في البداية يبدأ النشاط والاستثارة النفسية العالية في التناقص، مما يؤدي الى إنقاص في الضغط والتوتر النفسي.

– يثير هذا التناقص في النشاط النفسي تناقصا أيضا في اسثارة الجهاز العصبي اللاإرادي المحيطي، من خلال المرور من عمل الجهاز العصبي اللاإرادي الودي الى الجهاز العصبي اللاإرادي المحيطي.

– هذا الانتقال من عمل عمل الجهاز العصبي اللاإرادي الودي الى الجهاز العصبي اللاإرادي المحيطي يحدث بدوره سلسلة من التغيرات الفيسيولوجية تختلف عن تلك التي يحدثها التوتر والقلق تتمثل في تناقص مستوى الشد العضلي، توسع الأوعية المحيطية، وانخفاض في معدل ضربات القلب وفي معدل التنفس وبالتالي انخفاض في ضغط الدم.

أحسن تمارين تقنية الاسترخاء

يوجد اليوم العديد من التقنيات والاستراتيجيات التي يمكنها تحفيز استجابة الاسترخاء الجسدي والنفسي.
تشترك كل هذه التمارين والتقنيات في القدرة على الوصول الى التأمل الذاتي للاستجابات الجسدية والنفسية أمام الاحساس بالتوتر والقلق.

تمارين التنفس

تنية التنفس والاسترخاء

حالة التوتر تؤثر مباشرة على ريتم ونمط ونوعية التنفس، الذي ينتقل من التنفس العميق الهادء الى التنفس السريع المتقطع، نتيجة نقص الأكسوجين في الجسم بسبب افراز هرمون الأدرينالين والكورتزول.

للتنفس الهادئ والمنتظم أثر كبير في تخفيف التوتر وتهدئة الجسم، لأنه يساعد على ادخال كمية أكسجين كافية للجسم؛ مما يحفّز العصب المبهم وينظم عمل الجهاز العصبي المحيطي.

تتميز تمارين التنفس بقدرتها السريعة على تهدئة الجسم، وامكانية ممارستها في أي وقت وفي أي مكان، ولا تحتاج لوجود شروط معينة لتطبيقها.

تركز تمارين التنفس على التنفس العميق والهادئ؛ أين يحاول الشخص التنفس من بطنه بادخال مقدار كبير من الهواء عن طريق الأنف، والاحتفاظ بالهواء لبضع ثواني، ثم الزفير من البطن على فترات متقطعة وتدريجية.

يمكن التركيز على منظر تخيلي هادئ (إذا سمح المكان والظروف) لزيادة الاسترخاء، أو اقران عمليتي الزفير والشهيق بالعد التنازلي. مع تحرير العقل بالتدريج من الأفكار الضاغطة أو السلبية ومن الأحاسيس القوية والسلبية.

يجب تطبيق تمارين التنفس بحذر شديد مع أولائك الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي أو أمراض قلبية وعائية.

الاسترخاء العضلي التدريجي

الاسترخاء العضلي

تسمى هذه التقنية أيضا بالاسترخاء التدريجي لجاكوبسون نسبة الى صاحب التقنية الأمريكي إدموند جاكوبسون. تتمثل تمارين هذه التقنية في الشد والارخاء الطوعي والارادي لمجموعات مختلفة من العضلات بالتدريج، وصولا الى الارخاء الكلي للجسم ككل. تتطلب هذه التقنية الكثير من التدريب تحت اشراف متخصص في العلاج بالاسترخاء أو معالج نفسي متمكن في التقنية. يتمكن الشخص بعد فترة من التدريب على التقنية من إرخاء كلي للجسم بمجرد التركيز على الفكرة والعمل على الشد والارخاء العضلي.

اليقظة الذهنية

تساعد اليقظة الذهنية  في تعليم الشخص على صرف انتباهه بعيدا عن حالة التوتر والقلق والتفكير السلبي، من خلال تركيز الانتباه على ما يحدث في اللحظة الحالية، من خلال التركيز على التنفس واستحضار الخيال والصور الذهنية الايجابية والاسترخاء العضلي والنفسي، وتفادي الانجراف إلى المخاوف من الماضي أو من المستقبل.

تقنية التدريب/التركيز الذاتي

تنسب تقنية التدريب الذاتي للطبيب الألماني شولتز (J.H. Schultz) الذي جمع فزائد التنويم المغناطسي الخاصة بأحاسيس الاسترخاء العميق ، خاصة الإحساس بالثقل والحرارة في مختلف أعضاء الجسم (استرخاء عضلي عميق، وتوسع الأوعية الدموية وتدفق الدم بفعل الاحساس بالحرارة). يتم ذلك من خلال الايحاء الذاتي وإنتاج أحاسيس الثقل والحرارة اراديا.

تتأسس هذه التقنية على التكرار العقلي لجمل من شأنها اثارة الثقل والحرارة في مختلف أجزاء الجسم في توفر مجموعة من الشروط المادية كالمكان الهادئ، والوضعية المريحة. يبدأ التمرين بالاسترخاء العميق الجسدي والنفسي من خلال ايحاءات الثقل والحرارة، تتبع بإدخال أربعة ايحاءات تتعلق بأجزاء أخرى من الجسم، تمس الجهاز الهضمي، الجهاز التنفسي، عضلة القلب والجبهة.

تتكون تقنية التدريب/التركيز الذاتي من عدد من التمارين ومن المراحل التي تسمح بالوصول الى الاسترخاء العميق الارادي.

تقنية مسح الجسم

تمزج تقنية مسح الجسم بين تقنيتي التنفس والاسترخاء العضلي لجاكوبسون، وتعتبر هذه التقنية اليوم خطوة فعالة وضرورية في العلاج بتقنية (EMDR).

تبدأ التقنية بالتدريب في خطوة أولى على التنفس العميق، ثم في خطوة ثانية على التركيز على تتبع أو المسح الذهني لجزء واحد من الجسم، ثم لمجموعة من العضلات في كل مرة، مع اعطاء تعليمات من قبل المعالج النفسي بتحديد وجود آلام في تلك المنطقة العضلية، ثم التخلص من هذه الآلام ان وجدت.

تساعد تقنية مسح الجسم في تعزيز الوعي بأثر الاتصال بين العقل والجسم.

التصوير الخيالي

في تقنية التصوير التخيلي أو الخيالي يستحضر الشخص مشاهد أو أماكن أو تجارب أو صور مهدئة له، على مستوى الخيال لمساعدته على الاسترخاء والتركيز.

يجب التأكد من اختيار الصور المهدئة للشخص، والتي من شأنها مساعدة الشخص ليس فقط على الاسترخاء ولكن أيضا في تطوير رؤية إيجابية للذات.

الصلاة

يصنف الكثير من الباحثين في العلاجات النفسية وفي تقنيات الاسترخاء الصلاة كأحسن تقنيات التأمل، لما فيها من اتصال بالله وتوكيل الأمر كله له، وحركات السجود والركوع التي تعيد تنشيط الدورة الدموية، وقراءة كلام الله من خلال أيات القرآن والتي تفعّل الايمان وتجدده، وتذكرنا بدورنا الأساسي في الحياة، وتحفز فينا طاقة روحانية كفيلة بادخالنا في علم من التسامي.

ممارسة النشاط البدني

ممارسة الرياضة

أثبتت بعض الدراسات أن ممارسة النشاط البدني بشكل منظم يساعد في تهدئة التوتر والقلق. وتعتبر السباحة والمشي والهرولة والجري أو أي رياضة أخرى مفضلة لدى الشخص من أفضل الخيارات للتخلص من التوتر والقلق.

شروط تقنية الاسترخاء

توجد أربع شروط أساسية لكي يتمكن الفرد من تعلم تقنية من تقنيات الاسترخاء والدخول في حالة استرخاء عميق:

أولا، المكان الهادئ الخالي  من الضوضاء والازعاج، مع انارة خافتة ودرجة حرارة معتدلة.

ثانيا، الوضعية المريحة المتمثلة في وضعية الاستلقاء أو وضعية نصف الجلوس.

ثالثا، الأداة النفسية للاسترخاء، المتمثلة في النقطة المحايدة في التفكير. بحيث يصعب جدا على الشخص القلق أن يقاطع عملية التفكير المتوتر وإيقاف السيناريوهات الداخلية المتسارعة أو ايقاف الكلام الداخلي. لذلك فان التركيز على نقطة محايدة كثل كلمة لا معنى لها تتكرر مرارا بريتم معين تسمح للعقل بالبقاء مشغولا مع عدم توليد أي توتر.

في تقنية الاسترخاء العضلي التدريجي لجاكوبسون تكون النقطة المحايدة هي الاسترخاء العضلي التدريجي والمتكرر لجميع مجموعات العضلات.

رابعا، وضعية كمون، بالتركيز الهادئ دون بذل جهد في التفكير. وهو الشرط الأكثر أهمية والأصعب في التدريب على تقنية الاسترخاء.

قائمة المراجع

– Koelsch S, Boehlig A, Hohenadel M, Nitsche I, Bauer K, Sack U. The impact of acute stress on hormones and cytokines, and how their recovery is affected by music-evoked positive moodSci Rep. 2016;6:23008. doi:10.1038/srep23008

– Nakao M. Heart rate variability and perceived stress as measurements of relaxation responseJ Clin Med. 2019;8(10):1704. doi:10.3390/jcm8101704

– American Psychological Association. The power of the relaxation response.

– Graffam, S., & Johnson, A. (1987). A comparison of two relaxation strategies for the relief of pain and its distress. Journal of Pain and Symptom Management, 2(4), 229-231. Retrieved from ttps://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0885392487800611

– Mayo Clinic Staff. (2017, April 19). Relaxation techniques: Try these steps to reduce stress. Retrieved from http://www.mayoclinic.com/health/relaxation-technique/SR00007

– Moninger, J. (2017, December 10). 10 relaxation techniques that zap stress fast. Retrieved from http://www.webmd.com/balance/guide/blissing-out-10-relaxation-techniques-reduce-stress-spot

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *