عندما تقابل شخصا مصابا بمتلازمة أسبرجر، ستلاحظ شيئين على الفور: إنهم أذكياء مثل غيرهم من الناس، لكن لديهم عدد من المشاكل مع المهارات الاجتماعية، ويميلون إلى التركيز بشكل هوسي على موضوع واحد أو القيام بنفس السلوكيات مرارا وتكرارا.
اعتاد الأطباء على التفكير في متلازمة أسبرجر كحالة منفصلة، ولكن في عام 2013، ومع اصدار الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5 ) تغيّرت طريقة تصنيف المتلازمة.
اليوم، لم تعد متلازمة أسبرجر من الناحية الفنية تشخيصا بمفردها، إنه الآن جزء من فئة أوسع تسمى اضطراب طيف التوحد . يسمى هذا الاضطراب أيضا بالتوحد عالي الأداء؛ بسبب أن الأعراض أقل حدة من الأنواع الأخرى من اضطرابات طيف التوحد.
كانت الطبيبة النفسية البريطانية لورنا وينج في ثمانينيات القرن العشرين أول من قدم متلازمة أسبرجر للعالم في صيغتها العلمية. لكن المصطلح (متلازمة أسبرجر) مشتق من دراسة أجراها عام 1944 طبيب الأطفال النمساوي هانز أسبرجر.
يتم اليوم تشخيص العديد من الحالات التي تتناسب مع تعريف متلازمة أسبرجر باضطراب طيف التوحد، وتختلف كل حالة عن الأخرى في مجموع الأعراض، كون التوحد طيف، أو سلسلة متصلة تأخذ أشكالاً مختلفة؛ مما يجعل كل شخص مختلف في هذا الطيف وبالتالي يحتفظ بتفرده.

تعريف متلازمة أسبرجر:
متلازمة أسبرجر كما أشرنا أعلاه من الاضطرابات المجتاحة للنمو (اضطراب طيف التوحد)؛ وبما أن هذه الاضطرابات حالة طيفية، يشترك جميع المصابين بها بما في ذلك توحد أسبرجر في صعوبات معينة، لكن كونهم مصابين بالتوحد سيؤثر عليهم بطرق مختلفة؛ بحيث يعاني بعض الأشخاص المصابين بمتلازمة أسبرجر أيضًا من مشاكل في الصحة النفسية أو العقلية أو الصحية، مما يعني أن الأشخاص يحتاجون إلى مستويات وأنواع مختلفة من الدعم والتكفل.
بشكل عام، يمكن للمصابين بمتلازمة أسبرجر التحدث مع الآخرين، ويمكنهم أداء عملهم المدرسي بشكل جيد إلى حد ما. اذن، لا يعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة أسبرجر من صعوبات التعلم التي يعاني منها العديد من المصابين بالتوحد، ولكن قد يعانون من صعوبات تعلم محددة؛ قد يكون لديهم مشاكل أقل في الكلام وتستمر معهم صعوبات فهم اللغة ومعالجتها، والتعامل بها. ومع ذلك، فإنهم يجدون صعوبة في فهم المواقف الاجتماعية والأشكال الدقيقة للتواصل مثل لغة الجسد والفكاهة والسخرية. قد يفكرون أيضًا ويتحدثون كثيرًا عن موضوع أو اهتمام واحد أو يرغبون فقط في القيام بمجموعة صغيرة من الأنشطة. يمكن أن تصبح هذه الاهتمامات هوسية وتحدث اضطرابا في الحياة اليومية للمصاب بمتلازمة أسبرجر.
يمس هذا الاضطراب الأولاد أربع مرات أكثر من البنات، ويتم تشخيص معظم الحالات بين سن الخامسة والتاسعة، وبعضها يتم تشخيصه مبكرًا في سن الثالثة.
الأشخاص المصابون بمتلازمة أسبرجر يرون ويسمعون ويشعرون بالعالم بشكل مختلف عن الآخرين كما هو حال معظم اضطرابات طيف التوحد. هذه المتلازمة تستمر مدى الحياة، وهي ليست مرض بل اضطراب مجهول السبب، ولا يمكن علاجه نهائيا ولا التخلص منه.
مع النوع المناسب من الكفالة النفسية والأرطفونية، يمكن مساعدة جميع المصابين بالتوحد على عيش حياة أكثر إرضاءً من اختياره
ما هو الفرق بين متلازمة أسبرجر واضطراب طيف التوحد؟
يتم اليوم تضمين أعراض متلازمة أسبرجر ضمن الحالات الخمسة لاضطراب طيف التوحد، لكنه يتميز بغياب الإعاقة الذهنية أو اللغوية مقارنة بالاضطرابات الأربعة المتبقية من هذه الفئة.
ما هي أعراض متلازمة أسبرجر؟
يظهر الأطفال المصابون بمتلازمة أسبرجر تفاعلات اجتماعية ضعيفة، وأنماط كلام غريبة عن المعتاد، وتعابير وجه محدودة، وسلوكيات غريبة أخرى تختلف من حالة الى أخرى، كما قد ينخرطون في إجراءات استحواذية، ويظهرون حساسية غير عادية للمنبهات الحسية.
الأطفال المصابين بمتلازمة أسبرجر مختلفون، لكنهم يشتركون في وجود مهارات اجتماعية غير عادية واهتمامات هوسية. ويظهر لدى المصاب بمتلازمة أسبرجر واحدًا أو أكثر من الأعراض التالية.
- تفاعلات اجتماعية غير ملائمة أو قليلة.
- المحادثات التي تدور دائمًا حول نفسها أو حول موضوع معين، مع صعوبة في مهارات المحادثة غير اللفظية (المسافة، جهارة الصوت، النغمة، إلخ).
- عدم فهم المشاعر جيدًا أو وجود تعبيرات وجه أقل من الآخرين.
- الكلام الذي يبدو غير عادي، سطحي، أو عالي النبرة، أو هادئ بمبالغة، أو آلي.
- عدم استخدام أو فهم التواصل غير اللفظي، مثل الإيماءات ولغة الجسد وتعبيرات الوجه.
- هوس شديد بموضوع واحد أو موضوعين محددين ضيقين.
- الشعور بالضيق من أي تغيير ولو طفيف في الروتين اليومي.
- حفظ المعلومات والحقائق المفضلة بسهولة.
- حركات تبدو خرقاء وغير منسقة، بما في ذلك صعوبة الكتابة اليدوية.
- صعوبة في إدارة العواطف والتعامل معها، والتي تؤدي أحيانًا إلى نوبات لفظية أو سلوكية، أو سلوكيات مؤذية للنفس أو نوبات غضب.
- عدم فهم مشاعر الآخرين أو وجهات نظرهم.
- فرط الحساسية للأضواء والأصوات والأذواق وما إلى ذلك.
- لا يظهر الأطفال المصابون بمتلازمة أسبرجر عادة أي تأخير في تطور اللغة، ومن المحتمل أن يتمتعوا بمهارات نحوية جيدة ومفردات متقدمة، لكنهم يميلون أيضًا إلى أن يكونوا آليين في استخدام اللغة النحوية، ولديهم مشكلة في استخدام اللغة في سياق اجتماعي.
- قد لا يكون هناك تأخير واضح في النمو المعرفي، ويمكن أن يعاني الأطفال المصابون بمتلازمة أسبرجر من مشاكل في الانتباه والتنظيم الادراكي، لكن عادةً ما يكون لديهم ذكاء متوسط.
- يتميز طفل متلازمة أسبرجر بنقاط قوة مميزة، يمكن أن تشمل نقاط القوة ما يلي: التركيز والمثابرة الملحوظة، القدرة على التعرف على الأنماط والاختلافات، الانتباه للتفاصيل.
- القلق والاكتئاب.
ما الذي يسبب متلازمة أسبرجر؟
أسباب متلازمة أسبرجر كباقي اضطرابات طيف التوحد غير معروفة، فقد تكون العوامل الوراثية وتشوهات الدماغ من أحد الأسباب.
ما هو مثبت علميا اليوم أن متلازمة أسبرجر ليست نتيجة لسوء تربية الطفل أو سوء الأبوة والأمومة، بل هي اضطراب بيولوجي عصبي؛ مما يعني أنها نتيجة لاضطراب نمو دماغ الطفل، وأسبابه غير مفهومة تمامًا.
كيف يتم تشخيص متلازمة أسبرجر؟
تشخيص اضطرابا طيف التوحد هو تشخيص يعتمد على البعد الطبي الذي يميز خصائص الأداء، ولا سيما الإدراك والجانب العلائقي. هذه الخصائص لا تحدد هوية الشخص التي هي أوسع بكثير، لكن تجعل هذه الخصائص من الممكن معرفة الفرد بشكل أفضل وإدراك خصوصيات الأداء، ونقاط القوة والضعف لدى المصاب. كما يجعل التشخيص أيضًا من الممكن مقابلة أشخاص يتشاركون في نفس الخصائص.
كما أشرنا سلفا، فمتلازمة أسبرجر هي نوع من اضطرابات طيف التوحد أو الاضطرابات المجتاحة للنمو، وعليه إذا ظهرت على الطفل مؤشرات خطر في التطور الاجتماعي، وأنماط اللغة غير العادية والسلوكيات الغريبة، فيجب استشارة طبيب الأطفال المتابع للطفل. يمكن لهذا الأخير تحديد ما إذا كان يجب رؤية الطفل من قبل أخصائي، كالطبيب النفسي، أو طبيب الأعصاب، أو خبير آخر على دراية باضطراب طيف التوحد.
عادةً ما يشمل الفحص والتقييم فريقًا من الممارسين الطبيين والنفسيين والأرطفونيين، الذين سيطرحون على الوالدين العديد من الأسئلة حول تطور الطفل والمهارات والمشاكل الحالية. كما سيتفاعلون مع الطفل، ويقومون بإجراء تقييمات متعددة ومختلفة لتقييم الأعراض التي يظهرها هذا الطفل عند التفاعل مع الآخرين. ويقيّمون لغة الطفل وقدراته الذهنية. وقد يطلب الفريق الطبي اختبارات للتأكد من عدم وجود مخاوف طبية أخرى مرافقة لمتلازمة أسبرجر.
قد يكون من الصعب أحيانا تشخيص متلازمة أسبرجر، بحيث يمكن الخلط أحيانا بين هذه الحالة وحالات أخرى مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، واضطراب الوسواس القهري، أو اضطراب التحدي والمعارضة.
ان التأكد من تقييم مهارات الطفل الاجتماعية والتواصلية وأنماط سلوكه، وتفكيره، وكيف تطورت هذه الأعراض بمرور الوقت سيساعد المقيّم على تقديم التشخيص الصحيح.
كيف يتم التكفل بمتلازمة أسبرجر؟
نظرا لاختلاف الحالات، يجب بناء خطة العلاج وفقا لاحتياجات كل طفل، ويجب تعديلها بمرور الوقت حيث تتغير تلك الاحتياجات. عادة ما يشمل علاج متلازمة أسبرجر العناصر التالية:
- التدريب على المهارات الاجتماعية.
- تعليم وتدعيم السلوك الصحيح.
- يمكن أن يؤدي العلاج الطبيعي والمهني إلى تحسين مشاكل التناسق الحركي.
- العلاج السلوكي المعرفي لعدد من المشكلات، لا سياما معالجة القلق والتحديات الشخصية الأخرى.
- تحليل السلوك التطبيقي (ABA) الذي يعتبر أسلوب يشجع المهارات الاجتماعية والتواصلية الإيجابية لدى الطفل، ويثبط السلوك السلبي أو الخاطئ.
- تعليم الوالدين وتدريبهم على كيفية التعامل مع الطفل.
- علاج مشاكل النطق واللغة، اذ يمكن أن يساعد علاج النطق في التحكم في الصوت مشاكله.
- علاج بالممارسة، وفصول التربية الخاصة، وفصول التدريب على المهارات الاجتماعية في مهارات المحادثة وفهم الإشارات الاجتماعية.
- العلاج الدوائي إذا احتاج الطفل لذلك؛ بحيث يمكن للأدوية ذات التأثير النفسي أن تساعد في التخفيف من القلق والاكتئاب، ومشكلة نقص الانتباه واضطراب فرط النشاط والحركة. لا توجد أي أدوية معتمدة دوليا تعالج على وجه التحديد اضطراب أسبرجر أو اضطرابات طيف التوحد، لكن يمكن أن تساعد بعض الأدوية في علاج الأعراض ذات الصلة مثل الاكتئاب والقلق، وقد يصف الطبيب النفسي بعضًا من : مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية، الأدوية المضادة للذهان، الأدوية المنشطة.
اليوم، لا يوجد علاج واضح ومعروف لمتلازمة أسبرجر، لكن من خلال تعلم كيفية التعامل مع الأعراض، والتعرف على الإشارات الاجتماعية، يمكن للطفل أن يتعلم التغلب على بعض التحديات التي يواجهها. ويمكن للوالدين تعلم أفضل الطرق لدعم طفلهم، كما يمكن للأشخاص الذين يعانون من متلازمة أسبرجر تقديم أداء جيد في المدرسة والاستمرار في أن يكونوا أعضاء مساهمين في مجتمعهم إذا تلقوا التكفل المناسب لحالتهم ولقدراتهم.
متى يجب طلب المساعدة؟
إذا لاحظت علامات على طفلك، فاستشر طبيب الأطفال، يمكنه إحالتك إلى خبير في الصحة متخصص في اضطرابات طيف التوحد، مثل أحد هؤلاء.
الطبيب النفسي، الذي يشخص ويعالج المشاكل المتعلقة بالعواطف والسلوك.
طبيب أعصاب الأطفال، الذي يعالج حالات الدماغ .
المختص الأرطفوني، الذي يعالج مشكلات النطق واللغة.
الطبيب العقلي، الذي يتعامل مع حالات الصحة العقلية ويمكنه وصف الأدوية لمعالجتها.
غالبا ما يتم التعامل مع الحالة باتباع نهج الفريق؛ هذا يعني أنك قد ترى أكثر من طبيب واحد لرعاية طفلك.
سيطرح الطبيب أسئلة حول سلوك طفلك، بما في ذلك.
- ما الأعراض التي ظهرت عليه ومتى لاحظت ظهورها لأول مرة؟
- متى تعلم طفلك الكلام لأول مرة، وكيف يتواصل؟
- هل يركز طفلك على أي مواضيع أو أنشطة؟
- هل لديه أصدقاء وكيف يتفاعل مع الآخرين؟
يجب أن يتم العلاج بينما لا يزال دماغ الطفل في طور النمو؛ إذا لاحظت أيها الأب وأيتها الأم مؤشرات أو أعراض متلازمة أسبرجر أو أي من أعراض اضطراب طيف التوحد لدى طفلك، فاستشر طبيب الأطفال، الذي يمكنه إحالة الطفل إلى خبير في اضطرابات طيف التوحد ان شك في الأعراض.