القائمة

مدارس علم النفس

شارك المقال

من الناحية الابستمولوجيا، ظهرت مدارس علم النفس مع ظهور البحث الموضوعي العلمي في هذا المجال، المناهج التي استخدمها علماء النفس لدراسة المواضيع النفسية المهمة تغيرت بشكل كبير عبر تاريخ علم النفس. وربما الأهم من ذلك هو أن المجال تحوّل تدريجيا من التأملات الفلسفية الذاتية حول السلوك إلى منهج أكثر موضوعية وعلمية، وهذا تزامنا مع التقدم و التطور العلمي في شتى مجالات الحياة البشرية.

أهم المشكلات التي عالجتها مدارس علم النفس:

على الرغم من أن علم النفس قد تغير بشكل كبير عبر تاريخه، إلا أن الأسئلة الأكثر أهمية التي يعالجها علماء النفس ظلت ثابتة إلى حد كبير. وقد تباينت مدارس علم النفس بمقدار تبنيها وتركيزها على جانب أو طرف من أطراف الإشكاليات المطروحة. وتعددت النظريات والمقاربات بالانفتاح أكثر على إشكاليات جديدة ومختلفة. بعض هذه الأسئلة تشمل ما يلي:

الطبيعة مقابل التنشئة:

 هل تلعب الجينات أو البيئة دورا أكبر في تحديد سلوك الأفراد وتفسير الفروق بينهم؟

 يتفق معظم العلماء الآن على أن كلا من الجينات والبيئة يلعبان دورا حاسما في معظم السلوكيات البشرية، ولكننا ما زلنا نتعلم كيف تعمل الطبيعة (التكوين البيولوجي) والتنشئة (التجارب الحياتية) معا. وتمثل نسبة الفروق المسجلة في السمات بين الناس بسبب الجينات بمصطلح التوريث. على سبيل المثال، نجد أن توريث الذكاء مرتفع جدا (حوالي 0.85 من 1.0) وأن توريث الانبساطية حوالي 0.50. لكن الطبيعة والتنشئة تتفاعلان بطرق معقدة، مما يجعل من الصعب الإجابة على سؤال “هل هي الطبيعة أم التنشئة؟” في حال بحثنا في تفسير الظواهر النفسية.

الإرادة الحرة مقابل الحتمية:

 يتعلق هذا السؤال بمدى سيطرة الناس على أفعالهم.

تعتبر فكرة الإرادة الحرة جزءا أساسيا من فهمنا لذواتنا، ولكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الكثير من سلوكياتنا قد تكون نتيجة لعوامل غير واعية تؤثر على قراراتنا. دراسات علم النفس العصبي، على سبيل المثال، تظهر أن الدماغ يتخذ قرارات قبل أن نكون مدركين لها بوقت قصير. هذا يعني أن جزءا من سلوكياتنا يحدث بشكل تلقائي بناء على معلومات غير واعية أو تجارب سابقة.

على الرغم من ذلك، لا يعني هذا أن الإرادة الحرة غير موجودة تماما، لكنها قد تكون أقل استقلالية مما نعتقد. من المرجح أن قراراتنا تتأثر بالتجارب السابقة، الظروف البيئية، وحتى التركيبة البيولوجية والعوامل الوراثية. بمعنى آخر، قراراتنا قد تكون مزيجا بين الإرادة الحرة والعوامل الخارجية التي تؤثر علينا بشكل غير مباشر.

 هل نحن منتجات بيئتنا وموجّهون بقوى خارج سيطرتنا، أم لدينا القدرة على اختيار السلوكيات التي نمارسها؟

الدقة مقابل عدم الدقة:

 إلى أي مدى نحن كمعلوماتيين جيدون؟

 رغم أن البشر قادرون على فهم العالم بشكل كافٍ لاتخاذ قرارات معقولة، فإن تفكيرنا ليس دائما دقيقا. الحكم البشري يتأثر في بعض الأحيان بأنماط تفكير غير دقيقة، ودوافعنا، ومشاعرنا.

فالعقل البشري يعتمد على استراتيجيات معرفية تعرف باسم “الاختصارات العقلية” (Cognitive heuristics) أو الاسكامات المعرفية التي تساعدنا على اتخاذ قرارات سريعة في مواقف معقدة أو غير واضحة. وهذه الاختصارات قد تقودنا أحيانا إلى تحيزات وأخطاء في الحكم.

المعالجة الواعية مقابل اللاواعية:

 إلى أي مدى نحن واعون بأفعالنا وأسبابها، وإلى أي مدى تكون سلوكياتنا ناتجة عن تأثيرات لا ندركها؟

 العديد من النظريات النفسية، من فرويد إلى علم النفس المعرفي، تؤكد أن الكثير من سلوكياتنا تحددها متغيرات غير واعية، لكن في الوقت ذاته فنحن مخلوقات واعية.

الفروق مقابل التشابهات:

إلى أي مدى نحن متشابهون وإلى أي مدى نحن مختلفون؟

هل هناك فروق نفسية أساسية بين الرجال والنساء؟ وهل الناس حول العالم متشابهون أم تؤثر خلفياتهم الثقافية والبيئية على تفكيرهم بطرق مختلفة؟ يحاول علماء النفس في مجالات الشخصية والاجتماع وعبر الثقافات الإجابة عن هذه الأسئلة الكلاسيكية.

أهم مدارس علم النفس

مدرسة علم النفسالوصفالعلماء الأوائل
البنيوية (Structuralism)تستخدم طريقة الاستبطان لتحديد العناصر الأساسية أو “الهياكل” للتجربة النفسيةفيلهلم ودنت، إدوارد تيشنر
الوظيفية (Functionalism)تحاول فهم سبب تطور الجوانب النفسية التي تمتلكها الحيوانات والبشر حاليا، متأثرة بالنظرية التطورية لداروين.ويليام جيمس
التحليل النفسي (Psychodynamic)تركز على دور أفكارنا ومشاعرنا وذكرياتنا اللاواعية وتجارب الطفولة المبكرة في تحديد السلوكسيغموند فرويد، كارل يونغ، ألفريد أدلر، إريك إريكسون
السلوكية (Behaviorism)تعتمد على فرضية أنه لا يمكن دراسة العقل موضوعيا، وبالتالي يجب أن يركز علماء النفس على دراسة السلوك نفسه، وهو الوحيد القابل للملاحظة المباشرة، مرتكزين على ظاهرة الاشراط.جون ب. واتسون، ب. ف. سكينر
المعرفية (Cognitive)دراسة العمليات العقلية، بما في ذلك الإدراك والتفكير والذاكرة والأحكام، على أساس أنها المحرك الحقيقي للسلوك.هيرمان إبنجهاوس، السير فريدريك بارتليت، جان بياجيه
الإنسانية (Humanistic)يؤكد على النظر إلى الفرد ككل ويشدد على مفاهيم مثل الإرادة الحرة والكفاءة الذاتية وتحقيق الذات.رولو ماي، أبراهام ماسلو إريك فروم  

البنيوية: الاستبطان والوعي بالتجربة الذاتية

ركزت أبحاث فيلهلم ودنت في مختبره في لايبزيغ على طبيعة الوعي ذاته. اعتقد ودنت وطلابه أنه من الممكن تحليل العقل إلى عناصره الأساسية وتصنيف التجارب الواعية بشكل علمي. بدأ ودنت مدرسة البنيوية (Structuralism) في علم النفس، التي كان هدفها تحديد العناصر أو “الهياكل” الأساسية للتجربة النفسية.

كان هدف البنيوية هو إنشاء “جدول دوري” للعناصر الحسية، مشابها للجدول الدوري للعناصر الذي تم إنشاؤه مؤخرا في الكيمياء. استخدم ودنت وطلابه الاستبطان (Introspection)، وهي طريقة تتطلب من المشاركين التركيز على تجربتهم الذاتية وأن يقوموا بوصف أفكارهم ومشاعرهم بوضوح، وذلك في محاولة لدراسة الوعي بشكل منهجي.

مثل مشاهدة الألوان، قراءة صفحة في كتاب، أو حل مسألة رياضية. على سبيل المثال، قد يصف مشارك يقرأ كتابا أنه يرى بعض العلامات المستقيمة والمنحنية باللونين الأسود والألوان الأخرى على خلفية بيضاء.

في تجارب أخرى، استخدم البنيويون أدوات مبتكرة لقياس زمن الاستجابة لتقييم ليس فقط ما يفكر فيه المشاركون، ولكن أيضا المدة التي يستغرقونها في التفكير. اكتشف ودنت أن استغراق المشاركين وقتا أطول للإبلاغ عن الصوت الذي سمعوه مقارنة باستجابتهم السريعة بمجرد قولهم إنهم سمعوا الصوت، يشير إلى وجود فرق بين الإحساس بالمثير و إدراكه.

كانت هذه الدراسات أول من أظهر الفرق بين الإحساس والإدراك، وفكرة استخدام أزمنة الاستجابة لدراسة الأحداث العقلية أصبحت جزءا رئيسيا من علم النفس المعرفي الحديث

الوظيفية وعلم النفس التطوري

على النقيض من ودنت، الذي حاول فهم طبيعة الوعي، كان هدف ويليام جيمس وعلماء المدرسة الوظيفية هو فهم سبب تطور الحيوانات والبشر للجوانب النفسية التي يمتلكونها حاليا (Hunt, 1993). بالنسبة لجيمس، كان التفكير مرتبطا فقط بالسلوك. كما قال في كتابه في علم النفس: “تفكيري يكون دائما وأبدا لأجل فعلي” (James, 1890).

تأثر جيمس وأعضاء مدرسة الوظيفية بنظرية الانتقاء الطبيعي لتشارلز داروين (1809-1882)، التي اقترحت أن الخصائص الجسدية للحيوانات والبشر تطورت لأنها كانت مفيدة أو وظيفية. كان الوظيفيون يعتقدون أن نظرية داروين تنطبق أيضا على الخصائص النفسية. كما طورت بعض الحيوانات عضلات قوية لتسمح لها بالجري بسرعة، اعتقد الوظيفيون أن الدماغ البشري تكيف ليؤدي وظيفة معينة في التجربة الإنسانية.

وعلى الرغم من أن الوظيفية لم تعد موجودة كمدرسة نفسية مستقلة. فقد تم استيعاب مبادئها الأساسية في علم النفس ولا تزال تؤثر عليه بطرق عديدة.

 تطورت أعمال الوظيفيين إلى مجال علم النفس التطوري، وهو فرع من علم النفس الذي يطبق نظرية داروين في الانتقاء الطبيعي على سلوك الإنسان والحيوان. يقبل علم النفس التطوري الفرضية الأساسية للوظيفيين، وهي أن العديد من الأنظمة النفسية البشرية، بما في ذلك الذاكرة والعاطفة والشخصية، تؤدي وظائف تكيفية رئيسية. يستخدم علماء النفس التطوريون النظرية التطورية لفهم العديد من السلوكيات المختلفة، بما في ذلك الجاذبية الرومانسية، والصور النمطية والتحيز، وحتى أسباب العديد من الاضطرابات النفسية.

علم النفس الديناميكي

ربما تكون المدرسة النفسية الأكثر شهرة لدى الجمهور العام من بين مدارس علم النفس. هي النهج الديناميكي النفسي لفهم السلوك، والذي كان رائده سيغموند فرويد (1856-1939) وأتباعه. علم النفس الديناميكي النفسي هو نهج لفهم السلوك البشري يركز على دور الأفكار والمشاعر والذكريات اللاواعية. طور فرويد نظرياته حول السلوك من خلال التحليل المكثف للمرضى الذين كان يعالجهم في عيادته الخاصة. كان فرويد يعتقد أن العديد من المشاكل التي يعاني منها مرضاه، بما في ذلك القلق والاكتئاب والخلل الجنسي، كانت نتيجة لتأثيرات تجارب مؤلمة في الطفولة لم يعد الشخص قادرا على تذكرها.

تم تطوير أفكار فرويد من قبل علماء نفس آخرين تأثروا به. بما في ذلك كارل يونغ (1875-1961)، ألفرد أدلر (1870-1937)، كارين هورني (1855-1952)، وإريك إريكسون (1902-1994). هؤلاء وغيرهم ممن يتبعون النهج الديناميكي النفسي. والذين يعتقدون أنه من الممكن مساعدة المريض إذا أمكن تذكر الدوافع اللاواعية، لا سيما من خلال استكشاف عميق وشامل لتجارب الشخص الجنسية المبكرة ورغباته الجنسية الحالية. يتم الكشف عن هذه الاستكشافات من خلال العلاج النفسي بالكلام وتحليل الأحلام، في عملية تسمى التحليل النفسي.

كان مؤسسو مدرسة الديناميكية النفسية في الأساس ممارسين يعملون مع الأفراد لمساعدتهم على فهم أعراضهم النفسية ومواجهتها. وعلى الرغم من أنهم لم يجروا الكثير من الأبحاث حول أفكارهم. وعلى الرغم من أن الاختبارات اللاحقة الأكثر تقدما لنظرياتهم لم تدعم دائما اقتراحاتهم، إلا أن الديناميكية النفسية كان لها تأثير كبير على مجال علم النفس، وعلى التفكير في السلوك البشري بشكل عام (Moore & Fine, 1995). لا تزال أهمية اللاوعي في السلوك البشري. وفكرة أن تجارب الطفولة المبكرة حاسمة، ومفهوم العلاج كوسيلة لتحسين حياة الإنسان كلها أفكار مشتقة من النهج الديناميكي النفسي وتبقى مركزية في علم النفس.

علم النفس السلوكية

على الرغم من اختلافهما في النهج، كانت كل من البنائية والوظيفية في الأساس دراسات للعقل. أما علماء النفس المرتبطون بمدرسة السلوكية، فقد كانوا يردون جزئيا على الصعوبات التي واجهها علماء النفس عندما حاولوا استخدام الاستبطان لفهم السلوك. السلوكية هي من مدارس علم النفس. وتقوم على فرضية أنه لا يمكن دراسة العقل بموضوعية، وبالتالي يجب على علماء النفس أن يركزوا اهتمامهم على دراسة السلوك نفسه.

يعتقد السلوكيون أن العقل البشري هو “صندوق أسود” ترسل إليه المنبهات وتستقبل منه الاستجابات. يجادلون بأنه لا فائدة من محاولة تحديد ما يحدث داخل هذا الصندوق، لأننا نستطيع التنبؤ بالسلوك بنجاح دون معرفة ما يحدث داخل العقل. علاوة على ذلك، يعتقد السلوكيون أنه من الممكن تطوير قوانين للتعلم يمكن أن تفسر جميع السلوكيات.

السلوكية الكلاسيكية:

كان أول سلوكي هو عالم النفس الأمريكي جون ب. واتسون (1878-1958). تأثر واتسون إلى حد كبير بعمل عالم الفسيولوجيا الروسي إيفان بافلوف (1849-1936). والذي اكتشف أن الكلاب تسيل لعابها عند سماع صوت نغمة كانت قد ارتبطت سابقا بتقديم الطعام. بدأ واتسون والسلوكيون الآخرون في استخدام هذه الأفكار لشرح كيفية أن الأحداث التي يمر بها الناس والكائنات الأخرى في بيئتهم (المثيرات) يمكن أن تؤدي إلى سلوكيات محددة (الاستجابات). على سبيل المثال، في أبحاث بافلوف، كان المنبه (سواء الطعام أو، بعد التعلم،الجرس) ينتج استجابة سيلان اللعاب لدى الكلاب.

في أبحاثه، وجد واتسون أن تعريض الطفل بشكل منتظم لمنبهات مخيفة في وجود أشياء لا تثير الخوف بحد ذاتها يمكن أن يؤدي إلى استجابة الطفل بسلوك خوف عند وجود المنبه . في أشهر دراساته، تم استخدام طفل يبلغ من العمر 8 أشهر يدعى “ألبرت الصغير” كموضوع للتجربة.

السلوكية الجديدة:

أشهر سلوكي هو بوروس فريدريك (ب. ف.) سكينر (1904-1990)، الذي وسع مبادئ السلوكية وجعلها معروفة لدى الجمهور بشكل واسع. استخدم سكينر أفكار المنبه والاستجابة، إلى جانب تطبيق المكافآت أو التعزيزات، لتدريب الحمام والحيوانات الأخرى. كما استخدم المبادئ العامة للسلوكية لتطوير نظريات حول أفضل السبل لتعليم الأطفال وكيفية إنشاء مجتمعات سلمية ومنتجة. حتى أن سكينر طور طريقة لدراسة الأفكار والمشاعر باستخدام النهج السلوكي (Skinner, 1957, 1968, 1972).

قدم السلوكيون مساهمات كبيرة في علم النفس من خلال تحديد مبادئ التعلم. وعلى الرغم من أنهم كانوا مخطئين في اعتقادهم بأنه من غير الممكن قياس الأفكار والمشاعر. إلا أن أفكارهم قدمت مفاهيم جديدة ساعدتنا على فهم أفضل للجدل بين الطبيعة والتنشئة وكذلك مسألة الإرادة الحرة. تعد أفكار السلوكية أساسية في علم النفس وقد تم تطويرها لمساعدتنا على فهم دور التجارب السابقة في العديد من المجالات النفسية.

علم النفس المعرفي:

لطالما تأثرت العلوم بالتكنولوجيا المحيطة بها، وعلم النفس ليس استثناء. لذا، ليس من المفاجئ أنه ابتداء من الستينيات، بدأ عدد متزايد من علماء النفس في التفكير في الدماغ والسلوك البشري من منظور الكمبيوتر. الذي كان يتم تطويره ويصبح متاحا للعامة في ذلك الوقت. ورغم أن القياس بين الدماغ والكمبيوتر ليس مثاليا. إلا أنه كان جزءا من الدافع وراء ظهور مدرسة جديدة في علم النفس تدعى علم النفس المعرفي.

علم النفس المعرفي هو مجال يدرس العمليات العقلية، بما في ذلك الإدراك، والتفكير، والذاكرة، والحكم. هذه العمليات تتوافق بشكل جيد مع العمليات التي يقوم بها الكمبيوتر.

المساهمات الأولى:

ورغم أن علم النفس المعرفي بدأ بجدية في الستينيات، حيث فرض نفسه كمدرسة من مدارس عم النفس. إلا أن علماء النفس الأوائل كانوا أيضا يتبنون نهجا معرفيا. من بين المساهمين المهمين في علم النفس المعرفي العالم النفسي الألماني هيرمان إبنجهاوس (1850-1909). والذي درس قدرة الأشخاص على تذكر قوائم الكلمات في ظل ظروف مختلفة. والعالم النفسي الإنجليزي سير فريدريك بارتليت (1886-1969)، الذي درس العمليات المعرفية والاجتماعية للتذكر. قام بارتليت بإنشاء قصص قصيرة كانت منطقية في بعض الجوانب ولكنها احتوت على أحداث غير مألوفة وغير متوقعة. اكتشف بارتليت أن الناس يجدون صعوبة كبيرة في تذكر القصص بالضبط، حتى بعد دراستها بشكل متكرر. وافترض أن القصص كانت صعبة التذكر لأنها لم تتوافق مع توقعات المشاركين حول كيفية سير القصص. كانت الفكرة القائلة بأن ذاكرتنا تتأثر بما نعرفه بالفعل. وأيضا فكرة رئيسية في نموذج المراحل التطورية المعرفية للعالم النفسي السويسري جان بياجيه (1896-1980).

علم النفس المعرفي المعاصر:

في سياق الحجة التي تقول إن تفكيرنا له تأثير قوي على السلوك، قدم النهج المعرفي بديلا مميزا للسلوكية. وفقا لعلماء النفس المعرفيين، فإن تجاهل العقل لن يكون كافيا أبدا، لأن الناس يفسرون المثيرات التي يمرون بها. على سبيل المثال، عندما ينظر صبي إلى فتاة في موعد ويقول: “أنتِ جميلة جدًا”. قد يرى السلوكيون أن هذا الموقف يمثل مثيرا إيجابيا. ومع ذلك، قد لا تكون الفتاة من السهل خداعها. قد تحاول فهم سبب قيام الفتى بهذا التصريح في هذا الوقت تحديدًا وتتساءل عما إذا كان يحاول التأثير عليها من خلال هذا التعليق.

يجادل علماء النفس المعرفيين بأننا عندما نأخذ في الاعتبار كيف يتم تقييم المثيرات وتفسيرها، نفهم السلوك بشكل أعمق.

لا يزال علم النفس المعرفي ذا تأثير كبير حتى اليوم، وقد وجه الأبحاث في مجالات متنوعة مثل اللغة، وحل المشكلات، والذاكرة، والذكاء، والتعليم، وتطور الإنسان، وعلم النفس الاجتماعي، والعلاج النفسي. وقد اكتسبت “الثورة المعرفية” حياة جديدة على مدار العقد الماضي نتيجة للتقدم في قدرتنا على رؤية الدماغ أثناء العمل باستخدام تقنيات التصوير العصبي. التصوير العصبي هو استخدام تقنيات مختلفة لتوفير صور لبنية ووظيفة الدماغ الحي (إيلاردي وفيلدمان، 2001). تستخدم هذه الصور لتشخيص أمراض الدماغ وإصاباته، ولكنها أيضا تسمح للباحثين بمشاهدة معالجة المعلومات أثناء حدوثها في الدماغ، لأن هذه المعالجة تتسبب في زيادة التمثيل الغذائي في المنطقة المعنية من الدماغ وتظهر في الفحص.

علم النفس الإنساني:

بدأ علم النفس الإنساني باعتباره واحد من مدارس علم النفس وتوجها مختلفا عما كان سائدا في أوائل الخمسينيات. وكان الهدف هو تحويل البحث إلى المبادئ الأساسية الإنسانية لتحقيق الذات. وقد قاد هذه الحركة مجموعة من العلماء الأمريكيين من أهمهم (كلارك موستاكاس ، وأبراهام ماسلو، وكارل روجرز وآخرون) . التوجه النفسي الإنساني هو مدرسة فكرية معاصرة ومتكاملة. وتتضمن المبادئ الأساسية للنهج الإنساني في العلاج النفسي ما يلي:

  • تطلعات الأفراد، وأهدافهم، ورغباتهم، ومخاوفهم، وإمكانية تحقيق النمو الشخصي، و
  • صفات التعاطف، والتوافق، والأصالة، والحضور، والحميمية.
  • تجارب الخسارة والمأساة والألم، والتي يُفهم أنها تعكس قضايا أساسية تتعلق بطبيعة الذات والوجود وانخراط الفرد في العالم.

“إن علم النفس الإنساني يهدف إلى أن يكون وفيا لنطاق التجربة الإنسانية بالكامل. وتشمل أسسه الإنسانية الفلسفية والوجودية والظاهراتية. وفي علم النفس ومهنته، يسعى علم النفس الإنساني إلى تطوير أساليب منهجية ودقيقة لدراسة البشر. وعلاج الطبيعة المجزأة لعلم النفس المعاصر من خلال نهج أكثر شمولاً وتكاملاً. إن علماء النفس الإنسانيين حساسون بشكل خاص للأبعاد الإنسانية

مراجع و روابط خارجية:

  1. Borghi AM, Fini C. Theories and explanations in psychology
  2. American Psychological Association. Psychodynamic approach.
  3. Giacolini T, Sabatello U. Psychoanalysis and affective neuroscience. The motivational/emotional system of aggression in human relationsFront Psychol
  4. Rabindran, Madanagopal D. Piaget’s theory and stages of cognitive development- An overviewSJAMS. 2020;8(9):2152-2157. doi:10.36347/sjams.2020.v08i09.034
  5. Hothersall D, Lovett BJ. History of Psychology. Fifth edition. Cambridge University Press; 2022.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *