نوبات الغضب والانهيار التوحدي: نوبات الغضب من مشكلات السلوك الشائعة بين الأطفال الصغار، وخاصة المصابين باضطرابات طيف التوحد. ويعد تأخير الإشباع عنصرا أساسيا في التعامل مع نوبات الغضب.
ما هي نوبات الغضب التوحدي:

نوبة الغضب هي حالة انفعال حادة يرافقها عواطف مصحوبة بالصراخ والسلوك التخريبي. وغالبا ما تكون هذه النوبة تصرفا موجها نحو هدف محدد كالحصول على شيء ما، أو رفض شيء ما. غالبا ما ترتبط نوبة الغضب بصغر السن ومشاكل في النطق وفي اللغة. وهي الطريقة التي يظهر بها الأطفال الصغار أنهم منزعجون أو محبطون.
تتراوح نوبة الغضب بين الأنين والبكاء إلى الصراخ والركل والضرب ونوبات حبس النفس. وهي شائعة بشكل متساو عند الذكور والاناث، وتكون أكثر انتشارا بين عمر السنة والثلاث سنوات. مما يجعلها جزءا طبيعيا من نمو الطفل في هذه المرحلة العمرية.
قبل تطور المهارات اللغوية لا يستطيع الطفل التعبير عن احتياجاته، ولأن الكلمات التي تصف المشاعر أكثر تعقيدا وتتطور لاحقا، فقد تسبب التجربة المحبطة نوبة غضب للطفل. لأنه لا يستطيع التعبير عن انزعاجه منها بالكلمات. ومع تحسن المهارات اللغوية، تميل نوبات الغضب إلى الانخفاض.
عادة ما يتعلم بعض الأطفال نوبات الغضب عن طريق النمذجة . على سبيل المثال، طفل صغير في مجموعة لعب يشاهد أحد أقرانه يعاني من نوبة غضب بعد أن يأخذ شخص بالغ لعبة أقرانه، فيقوم بتقليد هذا السلوك في مواقف مشابهة في الأسرة أو في الشارع.
لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد غالبا ما تُقابل محاولات مقاطعة رتينهم بنوبات غضب أو سلوك عدواني. وتشمل التغيرات التي تحدث لحظتها الغضب الشديد، ونوبات البكاء، والصراخ، وأحيانا السلوك التخريبي أو العدواني. أما الأعراض الخارجية فتشمل التحدي العدائي، والسلوك المدمر والاندفاع وضعف تحمل الإحباط.
أسباب نوبات الغضب التوحدي:
يعد تنظيم الغضب والانفعالات عموما تحديا للأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد. ويواجه هؤلاء الأطفال صعوبات في التعرّف على تعبيرات الوجه للمشاعر الأساسية وكذا إنتاجها. يمكن أن تتأثر ديناميكيات التعلق الثلاثي في العائلات التي لديها طفل مصاب بالتوحد بـخطاب التوحد السائد، مما يؤدي إلى العجز عن فهم الانفعالات، ومن ثم الانسحاب العاطفي.
ترى بعض الدراسات أن أعراض التهيج، مثل المزاج الغاضب ونوبات الغضب ترتبط بالصعوبات المعرفية الاجتماعية لدى الأطفال المصابين باضطراب التوحد. ويُظهر هؤلاء الأطفال مستويات أعلى من اجترار الغضب مقارنة بالأطفال غير المتوحدين. كما يرتبط اجترار الغضب لدى الأطفال المصابين بالتوحد بالعدوان والأعراض الأساسية للسلوكيات المقيدة والمتكررة.
يريد الأطفال الصغار الاستقلال والسيطرة على بيئتهم، أكثر مما يمكنهم التعامل معه فعليا. وهذا يمكن أن يؤدي إلى صراع على السلطة؛ حيث يعتقد الطفل أنه يستطيع فعل ذلك بنفسه، أو يطلبه بشكل مباشر (أريد هذا الشيء، أعطني إياه فورا). وعندما يكتشف الطفل أنه لا يستطيع فعل ذلك ولا يمكنه الحصول على كل ما يريد، فقد يصاب بنوبة غضب.
قد تحدث نوبات الغضب عندما يكون الطفل متعبا أو جائعا أو غير مرتاح. ويمكن أن يصاب بالانهيار لأنه لا يستطيع الحصول على شيء يريده (لعبة أو حلوى)، أو لا يستطيع جعل شخص ما يفعل ما يريده (كجعل أحد الوالدين يهتم بهم على الفور أو جعل أحد الأخوة يتخلى عنه). فهو لا يستطيع التعامل مع الاحباطات والألم؛ لأن تعلم كيفية التعامل مع الإحباط هو مهارة يكتسبها الأطفال بمرور الوقت
وكشفت دراسة قام بها (Betty; Stephenson; Carter; 2012) أن السلوكيات المرتبطة بالغضب بما في ذلك العدوان، تشكل تحديا للأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد. ولها تأثير كبير على الأسرة بأكملها. اذ كثيرا ما يعاني هؤلاء الأطفال من الغضب بسبب السلوكيات العدوانية، والتي تكون مستهدفة ومحددة السياق. كما يعانون من السيطرة على سلوكياتهم أثناء نوبات الغضب، ولكنهم قد يظهرون الندم بعد ذلك. وتتأثر هذه النوبات بالوهن أو العياء الجسدي أو العاطفي، وعدم إمكانية الوصول إلى العناصر المفضلة، والتغييرات في الروتين وفي البيئة.
كما أكدت نفس الدراسة أن نوبات الغضب لدى أطفال التوحد تعود الى الصعوبات المعرفية أو القدرات المعرفية الثاقبة في إدارة المواقف. وقد استخدم الآباء استراتيجيات تجنب الاتصال بأطفالهم، وكانت أكثر فعالية قبل النوبات منه أثناء النوبات.
يمكن أن تسبب اضطرابات النوم لدى طفل التوحد الى زيادة الاستثارة النفسية والسلوكية، والتهيج والسلوك العدواني.
ما يجب فعله أثناء نوبة الغضب؟
- خلال نوبة الغضب يجب المحافظة على الهدوء عند الرد على نوبة غضب الطفل. لأن أي رد فعل غير هادئ من الأبوين من شأنه أن يعقد المشكلة أكثر. ذكّر نفسك (أيها الأب وأيتها الأم) أن وظيفتك هي مساعدة طفلك على تعلم سلوك جديد منك، وهو الهدوء. لذلك عليك أن تكون هادئا .
- يجب التعامل مع نوبات الغضب بشكل مختلف اعتمادا على سبب انزعاج الطفل. في بعض الأحيان، قد تحتاج إلى توفير الراحة. و إذا كان الطفل متعبا أو جائعا، فقد حان الوقت لأخذ قيلولة أو تناول وجبة خفيفة. وفي أحيان أخرى، من الأفضل تجاهل فورة الغضب أو صرف انتباه الطفل نحو نشاط جديد.
- إذا كانت نوبة الغضب تحدث لجذب انتباه الوالدين، فإن إحدى أفضل الطرق لتقليل هذا السلوك هي تجاهلها. إذا حدثت نوبة غضب بعد رفض شيء ما للطفل، فابق هادئا ولا تقدم الكثير من التفسيرات لسبب عدم حصول طفلك على ما يريد. وانتقل إلى نشاط آخر مع الطفل.
- إذا حدثت نوبة غضب بعد أن يُطلب من الطفل القيام بشيء لا يريد القيام به، فمن الأفضل تجاهل نوبة الغضب. يجب التأكد من متابعة الطفل لإكمال المهمة بعد أن يهدأ.
- يجب نقل الأطفال المعرضين لخطر إيذاء أنفسهم أو الآخرين أثناء نوبة الغضب إلى مكان هادئ وآمن حتى يهدأوا. وهذا ينطبق أيضًا على نوبات الغضب في الأماكن العامة.
- إذا حدث كان الطفل يواجه خطرا بسلوكه، لكنه كرر السلوك المحظور بعد أن يُطلب منه التوقف. يجب استخدام مهلة من خلال إجلاسه على كرسي أو في الزاوية لبضع دقائق فقط. كن قريبا حتى تتمكن من الإشراف، لكن لا تتفاعل معه حتى يهدأ.
- من المرجح أن يستخدم الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة والأطفال الأكبر سنا نوبات الغضب للوصول إلى ما يريدون إذا علموا أن هذا السلوك فعال. و بالنسبة للأطفال في سن المدرسة، من المناسب إرسالهم إلى غرفهم للتهدئة مع إيلاء القليل من الاهتمام للسلوك.
- دع الطفل يعرف أنك ستخبره عند انتهاء المهلة وأنه كلما أسرع في الهدوء والسكينة، كلما انتهى الأمر بشكل أسرع. وهذا أمر تمكيني، إذ يمكن للأطفال أن يؤثروا على النتيجة من خلال أفعالهم، وبالتالي يكتسبون إحساس السيطرة الذي فقدوه أثناء نوبة الغضب.
- لا تكافئ أبدا نوبة غضب الطفل بالاستسلام له، واشباع حاجاته. فهذا سيثبت للطفل أن نوبة الغضب كانت فعّالة ويقبل على تكرارها.
- فكّر في إنشاء مكان للهدوء في منزلك (يستخدم بعض المعلمين هذا في مرحلة ما قبل المدرسة أيضا). استخدم وسادة ناعمة وقم بتوفير الكتب ودمى، والحيوانات المحشوة وبعض الموسيقى الهادئة وغيرها من الأنشطة المهدئة في مكان لا يزعج فيه الآخرون الطفل. شجّع الطفل على الذهاب إلى هذا المكان عندما يكون غاضبا أو منزعجا؛ ليس كعقاب، ولكن كخيار وفرصة لتعلم التهدئة والسيطرة على الإحباط.
ما يجب فعله بعد نوبة الغضب؟
قم بمدح الطفل لاستعادة السيطرة على نفسه، مثلا، أحببت الطريقة التي هدأت بها. قد يكون الأطفال عرضة للخطر بشكل خاص بعد نوبة الغضب عندما يندمون على سلوكهم. بعد أن يهدئ الطفل قم بعناقه وطمأنته وعبر له عن حبك له مهما حدث. إذا كان الطفل كبيرا بما يكفي لمناقشة المشكلة، فساعده على التوصل إلى بعض الطرق الأخرى التي قد يعبر بها عن إحباطه. أكثر هذه الطرق فعالية هو تعليمه التعبير بالكلمات عن انفعالاته ان كان ناطقا.
تأكد من حصول الطفل على قسط كاف من النوم. مع قلة النوم، يمكن أن يصبح الأطفال مفرطي الحركة، ولديهم سلوكيات متطرفة. الحصول على قسط كاف من النوم يمكن أن يقلل بشكل كبير من نوبات الغضب. يجب التأكد من طبيب الأطفال مقدار النوم المطلوب في عمر طفلك، ومحاولة توفيره.
اذا لم تنفع هذه الاستراتيجيات يجب الاتصال بمعالج متخصص، خاصة اذا ظهرت المؤشرات التالية:
- اذا كنت (الأب أو الأم) تشعر بالغضب المستمر من سلوكيات الطفل، وتحس بالعجز عن ادارتها والسيطرة عليها.
- تستمر في الاستسلام لمحاولة تجنب تصرفات طفلك.
- تسبب نوبات الغضب الكثير من المشاعر السيئة بينك وبين طفلك أو داخل الأسرة.
- اذا كانت نوبات الغضب متكررة جدا، أو حادة وتستمر لفترة طويلة.
- اذا كان الطفل يؤذي نفسه أو الآخرين خلال نوبات الغضب.
يمكن للمعالج التحقق من وجود أي مشاكل صحية قد تزيد من نوبات الغضب، على الرغم من أن هذا ليس شائعا. كمشاكل السمع أو الرؤية، أو المرض المزمن، أو تأخر اللغة، أو صعوبات التعلم.

استراتيجيات الوقاية من نوبات الغضب التوحدي:
نوبات الغضب لدى طفل التوحد عادة لا تكون مدعاة للقلق. وعندما ينضج الطفل، يكتسب بمساعدة الأسرة السيطرة على نفسه. يتعلم الطفل التعاون والتواصل والتعامل مع الإحباط. وبالتالي السيطرة على سلوكه.
على الأبوين والراشدين في بيئة الطفل باضطراب التوحد محاولة منع حدوث نوبات الغضب في المقام الأول، كلما أمكن ذلك. فيما يلي بعض الاستراتيجيات المساعدة:
إعطاء الكثير من الاهتمام للطفل:
من خلال ملاحظة الطفل، والتعرف على ما يفرحه، ومكافئته بالثناء والاهتمام على سلوكه الإيجابي. على أن يكون المدح موجها للسلوكيات المرغوبة. مثل، أحب الطريقة التي قلت بها من فضلك وانتظرت حليبك، أو شكرًا لك على مشاركة اللعبة مع أختك.
امنح الطفل الصغير بعض السيطرة على الأشياء الصغيرة:
اعرض خيارات بسيطة مثل، هل تريد عصير برتقال أم عصير تفاح؟ أو هل تريد تنظيف أسنانك قبل أو بعد الاستحمام؟
بهذه الطريقة، أنت لا تسأل: هل تريد تنظيف أسنانك الآن؟ والتي بالطبع سيتم الرد عليها بـلا. اسمح بالتحكم عندما لا يكون الأمر مهما حقا، بدلا من الصراع على الزي الذي يرتديه الطفل ولا يتناسب معه، على سبيل المثال، فكر فيما إذا كانت هذه فرصة للسماح بالتعبير عن الذات والاستقلال وما إذا كان ذلك يحدث فرقًا حقًا في ضوء جدول اليوم.
احتفظ بالأشياء المحظورة بعيدا عن الأنظار وبعيدا عن متناول اليد:
هذا يجعل الصراعات والتوتر أقل احتمالا، رغم أنه ليس ممكنا دائما، خاصة خارج المنزل حيث لا يمكن التحكم في البيئة.
صرف انتباه الطفل:
حاول تقديم شيء آخر بدلاً من ما لا يمكنهم الحصول عليه. ابدأ نشاطًا جديدًا ليحل محل النشاط المحبط أو المحظور (على سبيل المثال، إذا كان طفلك يقفز على الأريكة، فاطلب منه أن يساعدك في “الطهي” من خلال تقديم حاوية بلاستيكية وملعقة خشبية. ثم يمكنك الثناء عليه لمساعدته أو باتباع التوجيهات، بدلاً من جعلهم يبدأون في نوبة غضب أو يرفضون النزول). أو ببساطة تغيير البيئة. خذي طفلك إلى الخارج أو إلى الداخل أو انتقلي إلى غرفة مختلفة.
مساعدة الطفل على تعلّم مهارات جديدة:
مساعدة الأطفال على تعلّم القيام بالأشياء الجديدة. مع مدحه ومساعدته على الشعور بالفخر بما يمكنه القيام به. يجب البداية بشيء بسيط قبل الانتقال إلى المهام الأكثر تحديا.
المعاملة الأبوية السلسة للطفل:
على الأبوين أن يفكرا في طلب الأشياء بسلاسة وقبول للطفل ورأيه. لا بأس من تغيير الرأي إذا سبق وقال أحد الأبوين كلمة لا على شيء طلبه الطفل. ولكن يجب البحث عن طريقة للسماح بالمعاملة المرغوبة كمكافأة على السلوك الجيد.
اعرف حدود الطفل:
إذا كان الطفل متعبا، وأنت على علم بذلك، فهذا ليس الوقت المناسب للذهاب للتسوق أو محاولة القيام بمهمة أخرى.
استراتيجيات إدارة نوبات الغضب بتقنية (ABA):
تعتبر تقنية تحليل السلوك التطبيقي (ABA) فعّالة جدا في إدارة نوبات الغضب لدى أطفال اضطراب طيف التوحد. تتسم هذه التقنية بالكفاءة والفعالية. وتعمل هذه التقنية على تدريب الأولياء على التواصل الوظيفي مع طفل التوحد.
تبدأ التقنية بتحديد الهدف أو الوظيفة المضللة لكل نوبة غضب لدى الطفل، من خلال إجراء تقييم سلوكي وظيفي. وفي المرحلة الثانية، تستخدم قائمة المكافآت لتحديد المكافآت المفضلة للعلاجات. في المرحلة الثالثة، يستخدم خط أساس متعدد لتقليل نوبات الغضب وزيادة التواصل المناسب الذي تم تحديده من خلال التدريب على التواصل الوظيفي. و في المرحلة الرابعة، يتم استخدام التأخير الزمني الثابت، والتأخير الزمني التدريجي مع الثناء اللفظي، والتأخير الزمني التدريجي مع الإشارات البصرية لتمثيل ثلاثة شروط تدخل لتعليم تأخير الإشباع.
نبدأ بحساب تكرار نوبات الغضب، وتكرار سلوكيات التواصل البديلة، وطول وقت الانتظار لدى الطفل. التأخير الزمني التدريجي مع الإشارات البصرية يزيد من وقت الانتظار ويقلل من نوبات الغضب بشكل أكبر.
ثم نعمل على التقييم السلوكي الوظيفي لتحديد وظيفة نوبة غضب لدى الطفل. وتليها قائمة المكافآت لتحديد المكافآت المفضلة لديه.
تتضمن التدخلات التأخير الزمني الثابت، والتأخير الزمني التدريجي مع المديح اللفظي، والتأخير الزمني التدريجي مع الإشارات البصرية. هذا التدخل الأخير فعال جدا، ويؤدي إلى زيادة وقت الانتظار وتقليل نوبات الغضب.
الانهيار التوحدي:

غالبًا ما يعاني الأطفال المصابون بالتوحد من انهيارات مفاجئة، تجعل اللحظة صعبة على القائمين على رعايتهم وعلى الأطفال الذين قد يؤذون أنفسهم جسديا.
بينت العديد من الدراسات أن الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد يظهرون تصرفات معينة يمكننا من خلالها توقع الانهيارات لديهم.
ما هو الانهيار التوحدي؟
الانهيار التوحدي لا يحدث للحصول على المكافأة كما في نوبة الغضب. ولا يرتبط بالعمر الصغير للطفل ولا ينطفئ بعد التقدم في العمر، فقد يحدث في أي عمر وفي أي موقف.
الانهيار التوحدي هو استجابة لا إرادية للحمل الزائد على الجهاز العصبي. هذه الحالة شديدة الخلل في التنظيم وليست سلوكية، ولكنها مظهر جسدي لرد فعل عصبي بيولوجي. عندما يكون الطفل المصاب بالتوحد مرهقًا، فإنه لا يعرف طريقة أخرى للتعبير عن ذلك سوى بالانهيار. قد يتضمن ذلك نوبات لفظية عاطفية مثل الصراخ والبكاء أو ردود فعل جسدية مثل الركل أو العض أو العدوان.
عند الأطفال الصغار، يبدو الانهيار التوحدي مشابها إلى حد كبير لنوبات الغضب، ولكنه قد يكون أكثر حدة.
غالبا ما تكون الانهيارات مسبوقة بعلامات الضيق أو القلق، وعادة ما تتضمن سلوكيات محفزة، مثل التأرجح المتكرر. يهرب بعض الأطفال المصابين بالتوحد أو يختبئون في مكان صغير مغلق أثناء الانهيار. وتعتبر احدى استراتيجيات خفض السيطرة على الانهيار.
الفرق بين نوبة الغضب والانهيار التوحدي:
شهد الكثير منا طفلا يعاني من نوبة غضب في الأماكن العامة. ولا نفكر الا نادرا في اضطراب طيف التوحد كمسبب لهذه النوبة. لكن يمكن أن تكون نوبة الغضب المصحوبة بالصراخ والسلوكيات التخريبية بمثابة انهيار توحدي. فكيف يمكننا معرفة الاختلاف بين نوبة الغضب والانهيار التوحدي؟
يعتبر كلا من الانهيار التوحدي ونوبات الغضب سلوكا غير مرغوب فيه. غالبا ما يستخدم الأطباء والمعالجون هذه المصطلحات لتحديد حالتين مختلفتين. وفيما يلي أهم الاختلافات بينهما:
غالبا ما تكون نوبة الغضب تصرفا موجها نحو هدف محدد. اذ يتعلم الأطفال الصغار تحقيق ما يريدون من خلال نوبات الغضب. في حين الانهيار ليس له أي غرض وهو خارج عن سيطرة الطفل، ولا يرتبط بطلب المكافأة. ويحدث الانهيار بسبب التحفيز الحسي الزائد.
تحدث نوبة الغضب عندما يكون الطفل محبطا لعدم حصوله على ما يريد، أو أو غير قادر على فعل ما يريده، غير قادر على التواصل بشكل صحيح مع الآخرين.
قد يتوقف الطفل عن نوبة الغضب بعد الشعور بالارتياح من قبل أحد الوالدين، أو الحصول على ما يريد، أو عند تجاهله.
إن الأطفال الصغار باضطراب التوحد الذين يصابون بنوبات الغضب يدركون أفعالهم ويتحكمون فيها ويمكنهم ضبط مستوى نوبة الغضب لديهم بناء على الاستجابة التي يتلقونها من أحد الوالدين. وهنا يمكن استخدام الاستراتيجيات السلوكية لإدارة نوبات الغضب.
نوبات الغضب تظهر عند الأطفال الأصغر سنا في العادة. في حين لا تقتصر الانهيارات التوحدية على الأطفال فقط، بل يمكن أن تحدث في أي عمر.
تتميز أعراض الانهيار التوحدي بـوجود علامات قبلية، في شكل تذمر. يمكن أن تكون سلوكيات لفظية أو جسدية تشير إلى انهيار وشيك. ناجمة عن الإفراط في التحفيز أو المدخلات الحسية غير المرغوب فيها. طفل التوحد لا يدخل في نوبة غضب اذا كان لوحده؛ لأنه يحتاج الى جمهور لنوبته. في حين يحدث الانهيار التوحدي مع أو بدون جمهور، وتستمر لفترة أطول من نوبات الغضب.
ثلاث مؤشرات معيارية للتفريق بين نوبة الغضب والانهيار التوحدي:
أولا، الموقف الأساسي الذي يسبق السلوك:
نوبة الغضب هي عمل موجه نحو هدف، مما يجعلها تأتي بعد طلب لم يتم تلبيته. في حين الانهيار التوحدي لا يرتبط بهدف محدد ولكنه ناجم عن الكثير من الحمل الحسي الزائد. مما يجعل الطفل عاجز عن التعامل مع الموقف الحالي.
ثانيا، سرعة الدخول في السلوك:
نوبة الغضب تبدأ بسرعة كبيرة ودون إشارة تحذير. على عكس الانهيار الذي يبدأ غالبا بسلوك التذمر اللفظي أو الجسدي. فقد يقوم الطفل بتغطية عينيه أو أذنيه. وقد يصبح جسمه متوترا، وقد يحاول تحريك جسمه أو يديه لتقليل الضيق. أو قد يدخل في سلوك تحفيزي ذاتي مثل التأرجح أو السرعة أو نقر الأصابع (سلوك التحفيز لدى المتوحدين قد يكون أسلوبا للتهدئة الذاتية). تبدأ العديد من الانهيارات بعد فترة قصيرة من التحفيز الشديد. يمكن للوالدين التعرف على هذه الإشارات والتنبؤ بأن الانهيار سيحدث قريبا اذا انتبها لهذه المؤشرات. وبالتالي إبعاد الطفل عن البيئة المفرطة في التحفيز قبل بداية الانهيار.
تجدر الإشارة الى أن التحفيز الذاتي لا يحدث دائما بسبب الضيق والتوتر والضغط. فيمكن أن يكون استجابة طبيعية للإثارة والسعادة لدى الطفل المصاب بالتوحد. في كثير من الحالات، وبناء على خبرة الوالدين، يمكنهما التمييز بين التحفيز السعيد والتحفيز العصبي المسبب للانهيار.
ثالثا، الجمهور:
نوبة الغضب هي وسيلة لجذب انتباه الوالدين والراشدين في بيئة الطفل باضطراب التوحد. لدفعهم إلى القيام بشيء يريده الطفل. مما يجعل نوبة الغضب تحدث عندما يكون هناك جمهور. في حين الانهيار التوحدي يمكن أن يحدث في أي موقف، وخاصة عندما يكون الطفل بعيدا عن والديه، أو يتعامل مع أشخاص جدد ومواقف جديدة. واستنادا إلى نوع الحساسية الحسية التي قد يتمتع بها الفرد، يمكن أن تحدث في بيئات مختلفة وليست ضرورية بعد رفض الطلب.
ما يجب فعله أمام الانهيار التوحدي:
قد يظهر الانهيار التوحدي في شكل صراخ وبكاء. كما قد يظهر في شكل سلوكيات إيذاء النفس أو إيذاء الآخرين. وإذا كانت بنية الطفل الجسدية كبيرة تصبح الانهيارات مخيفة وأحيانا خطيرة.
بما أن الطفل لا يملك أي سيطرة على الانهيار، فإنه غالبا ما يعجز عن إيقاف الانهيار والسيطرة عليه. في كثير من الحالات يستمر الانهيار حتى يتم استنزاف الطاقة المتراكمة من التحفيز الحسي الزائد. ولكن هناك العديد من الأشياء التي من المهم القيام بها لدعم الطفل المصاب بالتوحد أمام الانهيارات.
تجدر الإشارة الى أنه وبسبب عدم وجود طفلين متماثلين مصابين باضطراب طيف التوحد، فلا توجد استراتيجية واحدة تناسب الجميع حول كيفية التعامل مع الانهيارات. وليست كل الاستراتيجيات مضمونة للعمل مع كل طفل. ومع ذلك، هناك بعض التقنيات العامة التي يمكن تخصيصها، وعلى كل أب أو معالج اختيار أنسبها وفقا لسلوك الطفل وشخصيته.
ومع ذلك، عندما يحدث الانهيار بالفعل، يمكن تجربة الطرق التالية:
- الانسحاب من أمام الطفل، لمساعدته على الهدوء.
- استخدام وسائل مهدئة مثل لعبة التململ، أو سماعات الأذن المانعة للضوضاء.
- اختيار الوقت المناسب لتعليم الطفل، مع تدريبه على تمارين التنفس والتأمل والعد من واحد إلى عشرة للتهدئة.
- حماية الطفل والآخرين من الإصابات والصدمات أثناء الانهيار.
- الحفاظ على هدوء الراشدين في بيئة الطفل؛ لأن هذا الأخير يمكنه الشعور بالإحباط أمام انزعاج أو توتر الراشدين، مما قد يفاقم حالته. ويحدث ذلك من خلال الحفاظ على ملامح الوجه ونبرة الصوت محايدة.
- لا تعتمد على منطق التواصل التقليدي خلال نوبة انهيار الطفل؛ لأن ذلك لا يعمل.
كيفية منع الانهيارات؟
ان التعامل مع انهيارات طيف التوحد أمر مرهق جدا. لذا منع حدوثها استراتيجية أفضل من محاولة الاستجابة لها. وأفضل طريقة لمنع التعرض للانهيار هي التنبؤ بالمحفزات وتجنبها؛ من خلال تجنب الحشود مثلا وإنشاء روتين محدد والتخطيط للمستقبل بدقة وإبلاغ الطفل به.
لكن يمكن اتباع عدد من الخطوات والإجراءات التي من شأنها منع الانهيار:
- في بعض الأحيان يمكن للأبوين استخدام المعلومات التي يعرفانها عن الطفل لتجنب المحفزات الشائعة. والتعرف على حساسيات الطفل الحسية كالأصوات العالية، أو الأضواء الساطعة، أو الروائح القوية وتجنبها.
- معرفة الروتين اليومي للطفل مثل قراءة قصة قبل النوم، تناول طعام معين على الإفطار، وتعرف على الأشياء والأماكن المفضلة لدى الطفل. بمجرد الحصول على هذه المعلومات، سيكون من الأسهل تحديد مسببات الانهيار وتجنبها قدر الإمكان. على سبيل المثال، إذا كان طفلك لا يحب مدخلات حسية معينة مثل الأضواء الساطعة، ولكنك في مكان عام حيث توجد أضواء ساطعة، فحاول إعادة توجيه الطفل لتجنب هذه المنطقة.
- إذا لم تتمكن من تجنب محفز الانهيار، قد يكون من الضروري الارتجال. إذا كنت بحاجة إلى تخطي وجبة الإفطار لأنك بحاجة إلى المغادرة مبكرًا لرحلة، فقم بتجهيز وجبة الإفطار للطفل حتى يتمكن من تناولها في الطريق.
- قم بإبلاغ الطفل وإعداده لأية تغييرات في الروتين.
- اعترف بمشاعر الطفل وحافظ على دعمه.
- اصرف انتباه الطفل بالأشياء والألعاب التي يحبها.
- علم الطفل التواصل عندما يكون منزعجا. وقدم بدائل لشيء غير ممكن (ويريده الطفل) لتجعله يشعر وكأن لديه بعض السيطرة على الموقف.
- افحص أي انزعاج جسدي (الجوع، المرض، البرد) لدى الطفل وجد له حلا.
- إيلاء الأهمية لملاحظة الطفل لفترة من الزمن للتعرف على دمدمة الانهيار حتى يكون للأبوين الوقت لمحاولة منعه.
المراجع
- Betty P. V. Ho; Jennifer Stephenson; Mark Carter (2012); Anger in children with autism spectrum disorder: parent’s perspective; International journal of special education, Vol 27, No: 2, 2012.
- Hess K. L., Morrier M. J., Heflin L. J., Ivey M. L. (2008). Autism treatment survey: services received by Ccildren with autism spectrum disorders in public school classrooms. J. Autism Dev. Disord. 38 961–971. 10.1007/s10803-007-0470-5
- Lee, Seungyeon (2014) “Educating Children with Autism Spectrum Disorders (ASDs) to Delay Gratification in the Contet of Temper Tantrums,” The Advocate: Vol. 22: No. 2. https://doi.org/10.4148/2637-4552.1060
- Norbury C. F. (2005). The relationship between theory of mind and metaphor: evidence from children with language impairment and autistic spectrum disorder. Br. J. Dev. Psychol. 23 383–399. 10.1348/026151005×26732
- Robert R., Mason L., Asaro-Saddler K. (2013). Self-regulation strategies for students with autism spectrum disorder in Interventions for Autism Spectrum Disorders: translating Science into Practice. New York, NY: Springer, 257–281.
- Ting V., Weiss J. A. (2017). Emotion regulation and parent co-regulation in children with autism spectrum disorder. J. Autism Dev. Disord. 47 680–689. 10.1007/s10803-016-3009-9