البنية النفسية

تلعب البنية النفسية دورا محوريا في فهم وتشخيص الاضطرابات النفسية في علم النفس المرضي. فهي تشير إلى التنظيم الداخلي للنفس البشرية، بما يشمله من عناصر معرفية وعاطفية وسلوكية تشكّل هوية الفرد واستجاباته للضغوط والمواقف المختلفة. يساعد تحليل هذه البنية على كشف أنماط التفاعل بين الفرد وبيئته، مما يمكّن الأخصائيين النفسيين من تقديم خطط علاجية تستند إلى فهم أعمق لجذور المشكلات النفسية.

وقد قدّم النفسانيون الأمريكيون في نهاية القرن التاسع عشر مصطلحات علم النفس البنيوي، والبنية، والبنيوية للإشارة إلى المفاهيم التي حاولت إعادة بناء الكليات النفسية، من خلال مزيج من العناصر البسيطة، كالأحاسيس والتصورات والمشاعر وعناصر السلوك والطبع والعلاقات وغيرها.

البنية النفسية في علم النفس المرضي:

يشير مصطلح (البنية النفسية) في علم النفس المرضي إلى مجموع الأجزاء المميزة والمكونة للكل النفسي، والتي تكون في علاقات متبادلة ومستمرة ومتحدة. بحيث يأخذ كل واحد من الأجزاء خصائصه من علاقته بالأجزاء الأخرى، ومن انتمائهم إلى الكل.

يعرف جون بارجوريه البنية النفسية بأنها: ذلك التنظيم الثابت والنهائي للمكونات الميتاسيكولوجية (ما وراء النفس) الأساسية سواء كانت الحالة سوية أو مرضية (Bergeret et al., 1983).

ويقصد بالميتاسيكولوجيا (ما وراء النفس) مجموعة من المفاهيم النظرية التي صاغها التحليل النفسي الفرويدي. تتمثل في مفاهيم اللآشعور، الجهاز النفسي بكل مكوناته، الدوافع، الآليات الدفاعية، المبادئ الثلاثة (الاقتصادي، الديناميكي، الموضعي).

يشير المبدأ الاقتصادي في النظرية التحليلية إلى استثمار الطاقة النفسية من خلال السيرورات الأولية والثانوية. ويشير المبدأ الديناميكي الى الشخصية المتحركة والديناميكية. أما المبدأ الموضعي فيشير الى الأماكن والأنظمة المكونة للجهاز النفسي كحالات نفسية.

المسار التاريخي لاستخدام مفهوم البنية النفسية:

تم استخدام مفهوم البنية النفسية في العديد من المجالات قبل استخدامها في علم النفس المرضي، في كل من علم الأعصاب والفلسفة وعلم اللغة والفيزياء والطب. ففي الفلسفة استعمل مصطلح البنية للإشارة إلى الكل المتكون من  مجموعة من العناصر المتحدة، ويحمل فيها كل جزء خصائص وميزات باقي الأجزاء.

 وهو المعنى الذي تم استعماله من قبل باقي التخصصات العلمية. أما في العلوم الطبية استعمل مصطلح البنية في القرن الثامن عشر كمرادف للكائن الحي وللعضوية. أما في علم النفس المرضي، يستعمل مصطلح (البنية) في مواضع مختلفة وبمعان متعددة، اعتمادا على المرجعية المستخدمة.

تم ازالة مفهوم البنية كالعديد من المفاهيم التحليلية من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) بداية من المراجعة الثالثة؛ مما يعني أن هذا المصطلح لا ينطبق على التصنيفات الدولية للاضطرابت النفسية (CIM) و(DSM).

البنية النفسية في المسار التاريخي

البنية النفسية في التحليل النفسي الظواهري:

في هذا المنهج فرضت فكرة البنية النفسية نفسها بالتدريج على مينكوفسكي (Minkowski) لتعريف هذه المجموعة المستقرة وذات الدلالة من العوامل المتقاربة، التي تصف مسارات الوصول إلى مبادئها التنظيمية الداخلية وأساليب عملية الاستخراج.

البنية النفسية في التحليل النفسي الفرويدي:

وصف سغموند فرويد البنية في كتابه “تحليل الحلم”، وفي أعمال أخرى. لكنه استمر في استخدام مصطلح الجهاز النفسي كبديل للبنية. وقد استخدم مفهوم “البنية” عام 1933 في استعارته الشهيرة لبلورة الكرستال.

 يقول: إذا ألقينا بلورة الكرستال على الأرض، فستنكسر، ولكن ليس على أية حال. بل تنكسر وفقا لاتجاهات انقسامها إلى قطع تم تحديد حدودها، على الرغم من أنها غير مرئية. البنيات المتشققة هي ما يعاني منه المرضى النفسيون.

إن البنية النفسية هي أصل الكسر يقول فرويد. هناك نظام في نفس الوقت الذي يتشكل فيه الكسر الداخلي؛ فتتكسر البلورة على طول خطوط التصدّع التي تشكله. والاضطراب النفسي يظهر تبعا للتصدعات في البنية. هذه الأخيرة التي تتشكّل منذ سنوات العمر المبكرة على نقاط قوة ونقاط ضعف تحددها مجموعة من العوامل المختلفة.

البنية من منظور جاك لاكان:

افترض النفساني التحليلي الفرنسيجاك لاكان (Lacan) أنه يمكن فهم النفس من خلال بنيات معينة يمكنها التحكّم في حياتنا ورغباتنا. تعمل هذه البنيات بشكل مختلف في لحظات منطقية مختلفة أو مراحل مختلفة من التكوين النفسي. 

البنية حسبه ليست نموذجا نظريا، بل هي نوع من الآلة الأصلية التي تضع الشخص في مجال الخبرة (BINSWANGER. 1933). وقد عرّف لاكان البنية في مؤلفه “الذهان” بأنها مجموعة من العناصر التي تشكّل كلا متغيرا (LACAN, 1968-1969).

كما أكد على أن المجموعة ليست كلية، إلا إذا أشرنا إلى كلية مغلقة. وفكرة الكلية لا تلعب دورا إلا إذا كنا نتعامل مع علاقة مغلقة مع مراسل، تكون بنيته موحدة (Lacan, 1971) .لكن في هذه العلاقة المغلقة يمكن أن تكون هناك علاقة مفتوحة تكاملية (Lacan, 1972)؛ فالكل يفتح أو ينغلق.

في التحليل البنيوي، نجد كما هو الحال في تحليل العلاقة بين الدال والمدلول، علاقات جماعية مبنية على مجموعات، مفتوحة أو مغلقة، ولكنها تشتمل بشكل أساسي على مراجع متبادلة. يتعلق الأمر هنا بتمييز المجموعات المغلقة، التي تشمل حدودها، عن تلك المجموعات المفتوحة التي تستبعد حدودها. وبالتالي فالبنية هي كل مغلق يتضمن حدوده ويعترف بالتكامل (أي علاقة مفتوحة).

تمكّن لاكان (بالاستناد على اللغويات البنيوية والأنثروبولوجيا) من إعطاء فكرة البنية خصوصية تميّزها عن أي مفهوم آخر؛ وهو ما سمح بفصل ممارسة التحليل النفسي عن الممارسات العلاجية الأخرى.

البنية حسب هنري إي (Henri Ey)

قدّم هنري إي نظريته الديناميكية العضوية للأمراض العقلية كنظرية للوعي، في شكل نظام يحاول تجاوز النظريات الديناميكية النفسية الكلاسيكية، خاصة التحليل النفسي الفرويدي، والمفاهيم العضوية (الميكانيكية)، من أجل تضمين اللآشعور والدماغ في عمل الجهاز النفسي.  

أكد إي على غلبة الشعور على اللآشعور، من خلال الاعتماد على مبدأ تنظيم الدماغ وفق النموذج الجاكسوني للتشريح الدماغي (طبيب الأعصاب البريطاني جون هيولينجز جاكسون قدّم من منظور تطوري مستمد من سبنسر، مخططا هرميا متكاملا لوظائف الدماغ).

وقدّم هنري إي هنري تعريفا مختلفا للوعي عام 1954، على أنه شكل الحياة النفسية التي تنظم التجربة الحالية في مجال الحاضر الممثل. هذا الشكل هو مثل الجسم، مقر وعامل للتجارب الأساسية لوجودنا. وحسب رأيه فإن موقف فرويد يريد اختزال الظواهر النفسية المضطربة في دفع اللاشعور إلى مجال الشعور؛ بسبب الحاجة إلى التعبير.

يعتبر هنري إي الجهاز النفسي ثمرة تنظيم هرمي وفقا لأبعاده الجينية والتطورية (الموقف الجاكسوني). ويكون ضمان سلامة العالم الداخلي للفرد أمام العالم الخارجي نتاجا لعمل الوعي، ولفعل الإدراك. يتعرض هذا الأخير للاختبار باستمرار من خلال اعتداءات اللاشعور الذي يحاول جاهدا التعبير عن نفسه واحتياجاته.

اقترح هنري إي ثلاثة مبادئ رئيسية لنظريته العضوية الديناميكية: مبدأ التسلسل الهرمي (لجاكسون)- مبدأ الانحلال/الذوبان – التمييز بين الأعراض السلبية والإيجابية.

ويرى أن استخدام مصطلح البنية هو رد فعل ضد الذرية النفسية. هذا المفهوم يعني ضمنيا وجود نظام من الأجزاء المفصلية (تفاصيل) في كليتها والتي تنجو من تحولاتها. تحدد الكلية والثبات السمات الأساسية للبنية.

البنية حسب جون بارجوريه (Jean Bergeret)

ربط بارجوريه البنية النفسية بالسواء والمرضي في علم النفس المرضي مركزا على فكرة هشاشة الخط الفاصل بينهما. بحيث يعتبر السواء حالة من التناغم الوظيفي داخل البنية العصابية أو الذهانية، في حين البنية المرضية تحدث بها قطيعة أو لا تناغم داخلي. ويميز بين العديد من المفاهيم ليؤسس لنظامه النفسي المرضي (كما هو موضح في الجدول أسفله).

بنية الشخصيةالطبيعة الأساسية للعلاقة مع العالم (سوية أو مرضية).
الشخصيةالمظاهر السلوكية للبنية.
سمات الشخصيةهي المظاهر السلوكية للعناصر المتباينة الخاصة بالبنيات الأخرى. تستعير سمات الشخصية السلوكيات التي تظل معزولة في الديناميكيات الشاملة.
البنيةهي الكل (وهو أكثر من مجموع أجزائه، حيث سيتم تضمين العلاقات الديناميكية بين هذه الأجزاء). هناك بنية عندما تحافظ عناصر من نفس النوع على علاقات متماسكة، وتشكّل مجموعة واضحة من التفاعلات المستقرة نسبيا.
الطبعالطبع هو المظاهر السلوكية للبنية.
سمات الطبعهي السلوكيات التي تبقى معزولة في ديناميكية كلية. تتميز البنية عن سمات الطبع بطبيعة العلاقات بين العناصر السلوكية التي تتكون منها.

قدم بارجوريه هذا التمييز بالاعتماد على مراقبة أربعة سجلات عيادية:

أولا، طبيعة القلق الكامن/البنيوي.

ثانيا، نمط العلاقة بالموضوع (التي تكونت حسب المراحل النمائية الأولى ونوعية التثبيت).

ثالثا، آليات الدفاع الأساسية.

رابعا، نمط التعبير عن الأعراض أو الطريقة المعتادة للتعبير عن الأعراض.

البنية النفسية والسواء:

يرى بارجوريه أن السواء يجب أن يكون مستقلا عن مفهوم البنية النفسية؛ لأن الفرد يمكنه أن يكون سويا دون أن يبلغ المستوى الأوديبي من النمو النفسي (المستوى الثالث)، وهو ما جعله يقارن بين ما أسماه البنيات الحقيقية (العصابية والذهانية) مع أو بدون هيأة مرضية، وبين التنظيمات الهشة التي تصارع ضد الاكتئاب.

استقرار البنية حسب بارجوريه يتبع تطورا خطيا من التنظيم النفسي المحدد (عصابي او ذهاني) ويعوض بنجاح على نفس الخط، وإذا فشل في مواجهة عوامل الخطر، ينتكس على نفس الخط.

أنواع البنية:

يميّز بارجوريه بين البنية الذهانية والبنية العصابية، وبين الاثنين تأتي مجموعة الحالات الحدية، التي تشكل (astructuration ou un aménagement) لابنية، أو تهيئة.

أولا، البنية الذهانية:

هي تنظيم نفسي تم فيه التثبيت في المرحلة الفمية الأولى من مراحل النمو النفسي الجنسي. تتميز هذه البنية الذهانية بسيطرة قلق التفكك، وتكون العلاقة بالموضوع علاقة اندماجية. والدفاعات النفسية تسمى دفاعات ذهانية أو بدائية، وهي الدفاعات الأولى التي نتعرف عليها في المرحلة الفمية؛ كالاسقاط ، الانشطار، انكار الواقع الموضوعي، بناء واقع جديد. تتميز البنية الذهانية بــ:

– اللآتمايز بين الأنا والموضوع (العلاقة الاندماجية)، الأنا قابل للانفجار، غير كامل أو مجزأ.

– وجود صراع بين الهو والواقع، وبين مبدأ اللذة والواقع.

– الليبيدو نرجسي خاضع لغرائز حفظ الذات البدائية.

–  السيرورة الأولية تسيطر على البناء النفسي.

– الإحساس بالقدرة المطلقة.

ثانيا، البنية العصابية:

هي بنية نفسية تتميز بالتثبيت في المرحلة الثالثة من النمو النفسي الجنسي (المرحلة القضيبية) تؤدي إلى نوع من القلق يسمى بقلق الخصاء، وتستخدم ضده آليات دفاعية تسمى بالدفاعات العصابية، على رأسها الكبت. تكون طبيعة العلاقة بالموضوع علاقة جنسية أو علاقة غيرية.

تنبني البنية العصابية على الصراع الأوديبي، وهو صراع بين الحب والكره اتجاه الأم والأب في المرحلة القضيبية، يتحول الى صراع بين الرغبة والدفاع (رغبة ذات طبيعة جنسية في الأم، والممنوع الأبوي).

يتولد الصراع من قمع/كبت الرغبات الجنسية التي تتعلق بموضوع يهدد الأنا؛ لأنه يثير قلق الخصاء (هو قلق يرتبط بالاستهام الأوديبي يتمثل في خوف حاد من فقدان القضيب لدى الذكر بشطره من قبل الأب بسبب خطأ الرغبة في الأم، أو اعتقاد بفقدان القضيب لدى الأنثى لاعتقادها بأنها فقدته كأمها بسبب خطيئة ارتكبتها). ويؤدي استمرار الصراع الأوديبي وقلق الخصاء في البنية العصابية الى أعراض ومظاهر عصابية، وهي أعراض بالمعنى النفسي للمصطلح.

تتميز هذه البنية أيضا بغياب احباطات كبيرة في الطفولة المبكرة وغياب التثبيتات قبل المرحلة الجنسية. الصراع يكون بين الأنا الأعلى والغرائز.

يكون الأنا كامل النمو لكنه يمكن أن يكون مشوها على عدة مستويات من التوظيف، بسبب التثبيتات قبل الجنسية التي تحدث اضطرابا، أو بسبب صعوبات خلال الأوديب.

الكبت هو الدفاع العصابي الأساسي، وباقي الدفاعات تأتي لمساعدة الكبت، لكن لا يوجد أبدا ميكانيزم انكار الواقع. ويبقى مبدأ اللذة خاضعا لمبدأ الواقع، ويتم إبدال الحياة الاستهامية والأحلام العصابية بالأعراض العصابية.

الليبيدو موضوعي وجنسي، ويتم التعرف على الآخر كموضوع للحب وكموضوع منفصل عن الذات.

السيرورات الثانوية فعالة وتحترم مبدأ الواقع، الطاقة النفسية مترابطة، والكلمات تتوافق مع الحاجات والرغبات؛ مما يمكّن من الاعداد العقلي المتمثل في التعبير بالكلمة .

التنظيم البيني:

هو لابنية (ليس له ميزات صارمة وواضحة)، يسيطر عليه قلق فقدان الموضوع. حسب بارجوريه يوجد خط بيني/وسطي يتموضع كتنظيم هش وليس كبنية حقيقية ذهانية أو عصابية. هذه اللآبنية يمكنها في أي وقت أن تثبت على حدود إحدا البنيتين، ويمكنها أيضا أن تستلف من أعراض إحدا البنيتين. تمثل نوبات الهذيان المثال الجيد لتفسير ذلك، فنوبة الهذيان يمكن أن تظهر على أنها إنتاج ذهاني، لكنها تظهر أيضا لدى التنظيمات البينية التي تعود بعد فترة الى حالة السواء.

في هذه اللآبنية لا يمس الانشطار الأنا، بل يمس الموضوع الذي يكون جيد وسيء داخل الذات أو يتم إسقاطه على المواضيع الخارجية.

وجود صدمة بدائية أولية حقيقية تمنع الشخص من المرور الى الأوديب؛ فيعجز الأنا عن استدخال هذا الكم الكبير من الاستثارة الجنسية أو العدوانية. تتمثل الصدمة في الإغراء الجنسي المبكر الذي يسبق الأوديب ويجعل الشخص يعيش خطر فقد الموضوع. وتؤدي الى توقف نمو الأنا ابتداء من هذه الصدمة، فيدخل في حالة شبه كمون لفترة معينة.

يبقي الشخص بالتنظيم البيني على مسافة بينه وبين البنيتين الذهانية والعصابية بالاعتماد على ضد الاستثمار الذي يكلّف الكثير من الطاقة النفسية من جهة، وعلى التحويل الضدي من جهة أخرى.

المرض في التنظيم البيني مرض نرجسي، ويواجه التنظيم البيني خطر الاكتئاب. مع حاجة عاطفية كبيرة ومجهود كبير لكي يكون البيني شخص مغري.

يقدم هذا التنظيم النفسي أعراضا نفسية جسدية متعددة يمكن أن تظهر مع عدم احتمال الاحباطات. والعلاقة الإتكالية بالموضوع يرافقها التبعية والبحث عن التحكم في الموضوع (ليس بالضرورة الأم، وليس بالضرورة الموضوع الجنسي).

يواجه التنظيم البيني قلق فقد الموضوع (القلق الاكتئابي) الذي يظهر بمجرد تخيّل الشخص البيني أن موضوعه الاتكالي يخاطر بالهروب منه، فيكون موضوعه هنا هو الاكتئاب ؛ لأن الحداد مستحيل.

علاقة البنية النفسية بظهور الاضطراب النفسي:

يؤكد بارجوريه أنه على المستوى العيادي، الأعراض (العصابية على سبيل المثال) لا تشير إلى البنية النفسية بالضرورة، وأن التشخيص يجب أن يعتمد بشكل خاص على تقييم نوع القلق والعلاقة بالموضوع والدفاعات النفسية، للتمكّن من طرح تشخيص للبنية أو اللآبنية (التنظيم البيني).

يمكن لأي بنية، سواء كانت عصابية أو ذهانية، أن تتطور في تكيف سوي لسنوات، ولا تتكيف في أي لحظة وتنتقل إلى سجل مرضي دون أن يحدث ذلك تغييرا في خطوطها البنيوية. ثم يعود بعد ذلك تلقائيا أو بعد الخضوع للعلاج إلى حالة من التكيف الجيّد، أو الحالة السوية.

في كتابه (Psychologie pathologique, p 132) يعود بارجوريه الى تعريفات البنية في

الارتباط مع الأعراض والسواء. يقول: غالبا ما نتحدث عن أعراض “ذهانية” عند التفكير في الهذيان أو الهلوسة، أو عن أعراض “عصابية” عند التفكير في التحوّل الهستيري أو الطقوس الوسواسية أو السلوك الرهابي. هناك خطر حدوث خطأ في التشخيص: يمكن مواجهة نوبة الهذيان خارج البنية الذهانية؛ والرهاب ليس دائما (بل ونادرا جدا) بسببية عصابية.

يواجه نموذج بارجوريه تحديا كبيرا يخص التشخيص؛ لأنه على عكس النماذج التصنيفية لعلم النفس المرضي الحالية(CIM-D.S.M) يفترض إمكانية تحديد قاعدة بنيوية أساسية في كل فرد. ويبقى نظرية متماسكة ومنظمة تمثل ركيزة أساسية لعلم النفس المرضي المنطقي الذي يتجاوز المنهج الثابت في التصنيفات الدولية. ويؤكد على أنه في حالة وجود مرض، يجب أن يعتمد العلاج على البنية المحددة، وليس على المواجهة العمياء للأعراض فقط كما يحدث في الطب النفسي. كما أن أخذ البنية في الاعتبار أمر حاسم في تشخيص الحالات المرضية.

خاتمة:

يعد مفهوم البنية النفسية أداة أساسية لفهم التحديات النفسية التي يواجهها الأفراد. ومن خلال تحليلها بشكل منهجي، يمكن الوصول إلى رؤى دقيقة حول ديناميكيات المرض النفسي، مما يسهم في تطوير استراتيجيات علاجية فعّالة. إن هذا المفهوم يظل جزءا لا غنى عنه في رحلة البحث عن توازن نفسي وصحة نفسية أفضل.

قائمة المراجع:

  • Bergeret. J et al., (1983), Psychologie pathologique: théorique et clinique, 11 eme édition 2012, Masson.
  • BINSWANGER, L. 1933. Sur la fuite des idées, Grenoble, Million, coll. « Krisis », 2000.
  • BOUSSEYROUX, M. 2011. Au risque de la topologie et de la poésie. Élargir la psychanalyse, Toulouse, érès, coll. « Point Hors Ligne ».
  • LACAN, J. 1968-1969. Le séminaire, Livre XVI, D’un Autre à l’autre, Paris, Le Seuil, 2006.
  • LACAN, J. 1971-1972. Le séminaire, Livre XIX, …ou pire, Paris, Le Seuil, 2011.
  • LACAN, J. 1972-1973. Le séminaire, Livre XX, Encore, Paris, Le Seuil, 1975.
  • FREUD, S. 1933. « XXXe conférence. La décomposition de la personnalité psychique », dans Nouvelles conférences d’introduction à la psychanalyse, Paris, Gallimard, coll. « NRF », 1984.
  • FREUD, S. 1938. Abrégé de psychanalyse, Paris, Puf, 1985.

اترك تعليقاً