النرجسي الخفي (الكامن)

النرجسي الخفي أو النرجسي الكامن أو النرجسي الانطوائي أو النرجسي الضعيف هي كلها مسميات لشخص يعاني نفسيا، ويتسبب في معاناة الآخرين دون أن يدرك ذلك. هو شخص لا يزال طفلا على المستوى النفسي، ويريد أن يعامله الآخرون بكل احترام وتقدير، وأن يعامله الشريك كما تعامله الأم المثالية. يمس هذا الاضطراب الرجال أكثر من النساء، ويبدأ في الظهور من المراهقة ليستقر على الشخصية في سن الرشد، ويستمر طيلة الحياة.

من هو النرجسي الخفي؟

النرجسي الخفي هو النوع الخفي أو المنطوي من النرجسيين. لا يمكن التعرّف عليه بسهولة، بسبب إخفاء معظم سمات النرجسية خلف قناع العلاقات الاجتماعية الجذابة. هو شخص شديد الحساسية، ويسيطر عليه إحساس غير واقعي بأهمية الذات. يبحث دائما عن الاهتمام والتفاخر ولو بإنجازات الشريك بسبب حاجته الى الثناء المستمر. فبدلا من التباهي بنفسه كالنرجسي العلني، ينخرط في اللوم أو التلاعب أو الاهمال العاطفي للحصول على ما يريد.

غالبا ما يمارس النرجسي الخفي طرقا مختلفة للتأثير على الآخرين أو التلاعب بهم وإشعارهم بالضيق. ويكون تركيزه الأساسي على نفسه وعلى ما يحس وما يشعر، وقد يرى نفسه كضحية تعاني من تصرفات الآخرين.

يشترك النرجسي الخفي مع باقي النرجسيين  باستخدام غطاء التفوق والذكاء، من أجل إخفاء إحساسه المزمن بالضعف.

صفات النرجسي الخفي:

الحساسية الشديدة:

 النرجسي الخفي شخص حساّس جدا للنقد، ويميل الى الشعور بالاهانة من أي علامة أو إشارة حقيقية أو غير حقيقية. يستجيب بالانسحاب أو برفض الآخرين أو بالعدوانية وعدم التقبل. ويرفض فكرة أنه مخطئ، ولا يعتذر أبدا بصدق.

التعاطف المزيف:

 يبدي النرجسي الخفي تعاطفا مزيفا مع الآخرين؛ لأنه يفتقر الى التعاطف، ويلعب على تعاطف الآخرين. كأن يختلق أو يبالغ في المرض أو المعاناة لجذب الانتباه، وفي المقابل يتفّه ويبسّط من مرض أو من معاناة الآخرين أو يشك في إدعائهم للمرض.

التأرجح بين المثالية والتقليل من قيمة الذات والتقليل من قيمة الآخرين:

 يظهر النرجسي الخفي للآخرين من خلال أقواله وسلوكياته أسمى وأعلى صور المثالية، كالصدقة والتبرع والهبة والعمل الاجتماعي التطوعي، في حين يظهر الكثير من القسوة أحيانا على شريكه أو أبنائه. وقد ينفق إلى درجة التبذير، ليظهر في المقابل سخطه على كل الأموال التي ينفقها، ويتهم عائلته بفقره أو إفلاسه.

كما قد ينكر مشاعر الآخرين، وإحسانهم ودعمهم له. ويلومهم على فشله واحباطاته المتكررة، الناتجة أساسا عن سوء تدبيره، وتسرعه وتعاليه. وقد يستخدم الذنب والعار للسيطرةعلى الآخرين ومعاقبتهم.

يظهر النرجسي الخفي الكثير من التناقض بين أقواله وسلوكياته؛ كأن يدعّي التدين لكنه لا يمارسه. وإذا تم انتقاده ومواجهته بذلك يصنع من نفسه ضحية لمحيطة الأسري الذي فتنه عن ممارسة العبادات. يشعر أحيانا بأنه فوق القواعد وفوق الشبهات أو فوق القانون. ويسطير عليه تصورات العلو والتميّز والتفرّد؛ مما يجعله يعتقد ألا أحد يمكنه فهمه. تخلق هذه الاستراتيجية إطمئنانا داخليا لمواجهة خوفه وضعفه الداخلي.

الخجل والتواضع المزيف:

 يظهر النرجسي الخفي خجلا وتواضعا كاذبا وخادعا، ويفتخر بتواضعه هذا أمام الجميع. الهدف من ذلك الحفاظ على صورة برّاقة، وهو في المقابل يتميز بتضخم في الأنا قد يهدده بخطر جنون العظمة.

التلاعب النفسي بالآخرين:

يملك النرجسي الخفي لغة سليمة وراقية، مع قدرة عالية على الاقناع من خلال الهجوم أو من خلال التلاعب النفسي بالآخرين، واستعمال التفاصيل ضدهم. كأن يستخدم الذنب والعار للسيطرة عليهم ومعاقبتهم. ويميل في حديثه الى التعليقات والانتقادات التي ترتكز على آرائه المشبعة بالأنانية المنعزلة. وقد يسخر من طريقة تفكيرهم وتدبيرهم. ويستغل في المقابل ويهاجم نقاط ضعفهم.  كما يعتقد أنه أكثر ذكاء من الجميع، وأكثر قدرة على الفهم والتحليل. ويمثل هذا السلوك واجهة مزيفة لشعوره بالضعف والعجز، ويعطيه ذلك إحساسا بالتفوّق.

العدوانية السلبية:

 يتعامل مع الظروف الصعبة، أو مع طلبات الآخرين بعدوانية سلبية مثل المماطلة والتجاهل أو النرفزة والغضب. كأن يستجيب لطلبات الشريك بقول (نعم) ثم لا يفعل شيئا، ويلتزم الصمت أو يثور وينسحب. يحمل الضغينة والرغبة في الانتقام، والتي غالبا ما يغطيها بتفسيرات وقيم مثالية.

في العلاقات الاجتماعية:

قد يكون من الصعب تحديد النرجسي الخفي في بداية العلاقة معه؛ لأنه يميل إلى الملاحظة بدل التصرف، والاستماع بدل التحدث، من أجل فهم وتحليل الشخص الذي أمامه.  يتميز النرجسي الخفي بالهدوء الظاهر الذي يخفي وراءه قلقا وخوفا، قد يظهر من خلال الإشارات غير اللفظية المزعجة. كأن يظهر غير منتبه أو يظهر شعوره بالملل عندما يتحدث الآخرون.

هو شخص سلبي على العموم، ولا يعبّر عن سلبيته بشكل مباشر. بل يلجأ الى التنهدات والصراخ، والتواصل البصري أو التحديق المتعالي، والايماءات الرافضة.

النرجسي الخفي كثير التخطيط واليقظة، بحيث يؤسم تفاصيل سيناريوهات مستقبلية بدقة عالية، ويحاول تنفيذها في سياق من الأكاذيب أو في سياق التلاعب النفسي بالآخرين.

في العلاقة مع الشريك:

 يختار النرجسي الخفي شريكا يراه أعلى وأحسن منه، ويحاول على مر الزمن تدمير كل الصفات الايجابية التي اختاره لأجلها. ويستخدم لأجل ذلك التلاعب النفسي. كما يشعر بالتهديد من صدقه وصراحته. وغالبا ما يستخدم العزلة والصمت العقابي اتجاهه. ويعيش دور الضحية، ويحاول تذكيره دائما بما قدمه له وما فعله لأجله، ليس لشيء إلا ليحسّسه بأنه سبب فشله وإحباطاته في محاولة لمعاقبته.

هو شخص غير معطاء، وإن أعطى فيقدم فتافيت صغيرة. متطلب ويتوقع أن يقدم له الآخر كل شيء من دون أن يبذل أي جهد؛ بسبب إحساسه الدائم بالاستحقاق. هو شخص غيور جدا وأناني؛ فعندما يخبره الشريك مثلا عن التأثير السلبي لسلوكه أو لأقواله عليه فإنه يستجيب أكثر حول نفسه. ويعيد كل شيء الى ذاته. على سبيل المثال، عندما تخبره زوجته عن حاجتها إلى حبه واهتمامه يجيبها بأنه يحتاج إلى نفس الاهتمام، ويتجاهل أفكارها ومشاعرها.

يكرر عبارات: لا أعلم عما تتحدثين؛ أنت شخص حساس جدا؛ أنت أنانية ولا تفكرين إلا في نفسك؛ أنا إظافة هامة إلى حياتك، لا تختبري لطفي وصبري معك؛ نسيت ما قلته، أو لم أنتبه؛ دائما ما تسيئين فهمي؛ لماذا لا تولين المزيد من الانتباه لي والاهتمام بي وبحاجاتي ورغباتي.

في تحمّل المسؤوليات:

النرجسي الخفي عاجز عن أداء مسؤولياته اليومية التي يراها عبئا كبيرا. ويحس بأنه يبذل فيها الكثير من الجهد ويضيّع الكثير من الوقت. يفضّل غالبا البقاء في الظل، ويكره الخسارة. وغالبا ما ينعزل عن الناس إراديا.

تقلبات المزاج:

 يطارده الشعور بالذنب ويدخله بسهولة في تقلبات مزاجية هامة. ويعيش المشاكل البسيطة اليومية كدراما مرفوقة بنوبات انفعالية حادة، أو حالات غضب طفولية. غالبا ما ينكر استجاباته المزاجية هذه أو لا يستطيع تبريرها أو تفسيرها. هو شخص قلق مع عمق اكتئابي هام، ويعاني من اضطرابات في النوم بسبب الافراط في اليقظة.

الأنانية والانغماس في الذات:

يفتقر إلى الوعي الذاتي، ولا يدرك أفعاله وأقواله، التي غالبا ما ينكرها، أو يحوّل سياق الأحداث ويزيّف الوقائع لصالحه. هو شخص منغمس في ذاته، أناني ومنعزل، ويسقط أنانيته على الآخرين. يعيش في عالم مزيف وملييء بالأكاذيب. يواجه عجزه عن التواصل الحقيقي مع الآخرين بالانعزال أو بالغطرسة.ويعوّض هذا العجز بالتوجّه نحو التكنولوجيا والأنترنيت وقراءة الكتب والألعاب، وأحلام اليقظة.

أسباب تطوّر النرجسي الخفي:

أسباب تطوّر الشخص إالى نرجسي خفي غير مفهومة تماما، ولكنها في الغالب مرتبطة بعوامل أساسية  كالصدمات في الطفولة الأولى (ميلاد أخ وهو في سن صغيرة جدا مثلا، أو صدمات الاساءة المعنوية أو الجسدية أو الجنسية)، أو عوامل تخص التربية. كأن لا يجد الطفل مكانه بسبب كثرة الولادات في الأسرة وتقارب سنهم، أو الاهمال داخل الأسرة خاصة من الأم، أو أسلوب تعامل الأبوين مع الطفل؛ أين يتم ربط الانجاز والنجاح بإعطاء الحب. فيتحول هذا الطفل إلى ضحية لأبويه ويطور ألاعيب نفسية مختلفة لجذب الاهتمام إليه.

الاضطرابات المتداخلة مع النرجسية الخفية:

تظهر النرجسية الخفية في العديد من التنظيمات النفسية غير السوية أو في بعض اضطرابات الشخصية. كالاضطراب الثنائي القطب، اضطراب الشخصية السيكوباتية، اضطراب الشخصية الهستيرية، اضطراب الشخصية الحدية بالتهيئة النرجسية أو تهيئة الطبع، أو التهيئة الاكتئابية، اضطرابات الادمان.

علاج النرجسي الخفي:

إن علاج الاضطراب النرجسي بشكل عام صعب جدا، وأصعب منه النرجسي الخفي، الذي يرفض الاعتراف بوجود الاضطراب أصلا. وفي حالة ما تقدم الشخص للعلاج، فيمكن أن يساعد العلاج النفسي في تحسين علاقاته الاجتماعية بعيدا عن التلاعب النفسي، وبناء احترام حقيقي للذات، وعلاج صدمات الماضي أو التعايش معها والتسامح، وتحديد أهداف واقعية (غير مثالية)، وتطوير شعور حقيقي بالتعاطف مع الآخرين للخروج من أنانيته.

كيفية التعامل مع النرجسي الخفي:

غالبا ما يسبّب النرجسي الخفي الكثير من المعاناة لأفراد أسرته، خاصة الشريك (الزوجة). بحيث يشعرها باليأس والحزن دون أن يدرك ذلك، بل وعلى العكس يرى نفسه ضحية. سنقدم فيما يلي بعض الارشادات للتعامل مع النرجسي الخفي:

• يجب أن يدرك محيط الشخص النرجسي الخفي أنه ليس مسؤولا عن سلوكيات النرجسي. كما يجب أن يفهم أن تقدير النرجسي الخفي لذاته يعتمد على استراتيجيات غير صحية ليجعل الآخرين يشعرون بالصغر والدونية أمامه.
• يجب تجنب إعطاءه الاهتمام إلا بحسب الموقف، وحسب الحاجة، حتى تساعده على النضج النفسي والعاطفي.
• تجنب الدفاع عن نفسك أمامه، أو تبرير سلوكياتك أو أخطائك؛ لأن هذا الأمر لن يزيده إلا تعنتا واحتقارا لك وتعاليا عليك.
• أوجد لنفسك (خاصة الشريك أو الابن) حياة مشبعة ومرضية بعيدا عنه. وتجنب الحديث عن إنجازاتك أمامه أو حب واحترام الآخرين لك.
• ينصح بالحفاظ على حدود ثابتة في التعامل مع سلوكياته غير السوية. لأنه شخص لا يحترم احتياجات الآخرين وحدودهم النفسية.
• يجب التدرّب لمن يريد الاستمرار في العلاقة مع النرجسي الخفي على التعّرف على علامات الإساءة الصادرة منه، والتعامل معها بعقلانية وليس بانفعالية.
• يجب عدم أخذ تصرفاته وانتقاداته على محمل شخصي، وفهم أنها جزء من توظيفه النفسي المضطرب.
• على من يتعامل مع النرجسي أن يبتعد عنه قليلا من وقت لآخر، ويرسم مسافة بينهما. ولا يوافقه الرأي في كل مرة.
• طلب احتياجاتك ورغباتك منه بشكل مباشر. وإن أساء معك، أخبره بأن سلوكه مؤذ وطريقة تصرفه سيئة.
• لا تستجب لاستفزازاته وانتقاداته، ودعّم ثقتك بنفسك. ولا تسمح له بزعزعة إحترامك لذاتك.

هذه الارشادات لا تعالج النرجسي الخفي، بل تضع له حدود مؤقتة في علاقاته بالآخرين، وتسمح للشريك بالحفاظ على اتزانه النفسي الذي يحاول خلخلته بأفعاله وألاعيبه.