القائمة

عوامل السعادة

شارك المقال

عوامل السعادة متعددة، لذلك يسعى الانسان إلى البحث عنها بطرق مختلفة. وقد يتبنى إحدى الطرق الثلاثة التالية: فعل الخير للآخرين، وفعل ما يجيده، وفعل ما يعود عليه بالنفع. كما أن هناك اعتقاد مؤسس على أبحاث علمية أن الأشخاص المتفائلين هم الأكثر سعادة. لكن ما هي العوامل المساعدة على الشعور بالسعادة؟

أكدت العديد من الدراسات على وجود عاملين أساسيين للسعادة: عوامل داخلية تتمثل في العوامل البيولوجية والمعرفية والشخصية، وأخرى خارجية، تتمثل في العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وأحيانا الجغرافية.

العوامل البيولوجية للسعادة:

حاول المختصون في العلوم النفسية والطبية والبيولوجية دراسة وفهم عوامل السعادة. فيعتقد بعضهم أن السعادة ترتبط بعوامل وراثية أو جينية، ويعتقد آخرون أنها ناتجة عن عوامل بيئية كالثراء أو حتى المدخول المادي المرتفع، والتعليم العالي، أو النشاط البدني المستمر.

العوامل البيولوجية التي تصنف ضمن محور العامل الداخلي، تعتبر مؤشرا مهما جدا السعادة. كون المنظور البيولوجي مهم لتفسير شعور الشخص بالسعادة. بحيث أكدت عديد الدراسات وجود اختلافات كبيرة بين الأطفال من حيث المزاج وشعورهم بالسعادة. والعامل البيولوجي يحدد هذه الاختلافات.

العوامل الوراثية/الجينية للسعادة:

ظهر في العشرون سنة الأخيرة، ظهر فرع جديد من علم النفس الحيوي، يهتم بالجانب الوراثي للرفاهية الذاتية والسعادة وجودة الحياة.

نتائج الدراسات الوراثية:

أشارت نتائج دراسات هذا النهج العلمي، إلى أن هذه العوامل من عوامل السعادة التي تؤثر بنسبة تتراوح بين (35-50%) على الشعور بالسعادة. كما أشارت دراسات عن التوائم إلى أن العوامل الوراثية مسؤولة عن حوالي (3و5 %) إلى (50%) من سعادة التوائم.

كما تم في دراسة أخرى قياس السعادة بالاعتماد على بعد “الرفاهية الذاتية” لدى عينة من آلاف التوائم في الأربعينيات من العمر، باستخدام مقياس الرفاهية المتواجد في استبيان الشخصية متعدد الأبعاد. وتم ملحظة تقارب كبير في النتائج بين التوائم. التي تخص السعادة المرتبطة بالعوامل الخارجية (الاجتماعية، الاقتصادي، التعليمية، المادية، الدينية). في حين تم ملاحظة اختلافات تتراوح بين (44% و52%) في السعادة المقترنة بالعوامل الجينية. على الرغم من أن الدراسة لم تتمكن من العثور على الجينات المسؤولة عن الشعور بالسعادة، إلا أنها لاحظت أن العديد من الجينات موزعة على العاطفة والمزاج.

نتائج الدراسات الجينية:

وتم دراسة تأثيرات جينين أساسين وتأثيرهما على السعادة، هما: (5-HTTLPR ) -(MAO-A) واتضح وجود علاقة بين جين (5-HTTLPR ) والرضا العام عن الحياة باعتباره بعدا إدراكيا للسعادة. يعمل هذا الجين على تشفير توزيع هرمون السيروتونين في خلايا المخ، ليؤدي إلى تنظيم الحالة المزاجية.

وكشفت الدراساة عن وجود شكلين وظيفيين لهذا الجين: الأول، الجين الطويل (L) والثاني، الجين القصير (S) . يقوم الجين الطويل بإنتاج  جزيئات بروتين ناقل ويوصل السيروتونين في الخلايا العصبية.

أما الجين القصير، فينتج نشاطا عاليا لنظام الدماغ المعتمد على السيروتونين (باعتباره هرمونا للسعادة ينظم الحالة المزاجية).

كل واحد منا يمتلك هاذان النوعان من الجينات (يسمى امتلاك نوعان من الجينات بالأليل). وهما جينين موروثين من الأبوين. لكن بعض الأشخاص يملكان أليلين من الجين القصير (S)، أو يملك بعضهم أليل من الجين الطويل(L)  وآخر من الجين القصير (S). والمثير للانتباه، أن الأشخاص الذين لديهم أليل واحد من الجين الطويل (L) تجاوزت نسبة رضاهم عن الحياة (8٪)، وبلغت النسبة (17٪) لدى الأشخاص الذين لديهم أليلين من الجين الطويل (L).

في حين اعتبر الجين (MAO-A) مسؤولا عن تنظيم السعادة. يقع هذا الجين على الكروموسوم (X)، وهو مسؤول عن تنظيم الحالة المزاجية، ويعتبر إنزيما هادما للسيروتونين والدوبامين والنورادرينالين.

كما يشير وجود أليل (MAO-AL ) عالي التعبير أو ما يسمى بجين أكسيد أحادي الأمين مؤشر خطر للعواقب السلبية المرتبطة بالتوتر، لا سياما الإدمان على الكحوليات والسلوك العدواني، وبعض اضطرابات السلوك ذات الأثر الاجتماعي.

الدماغ والنواقل العصبية والسعادة:

الدماغ هو المسؤول عن إدارة وتسيير الأفكار والمشاعر والأنشطة الحركية الارادية وغير الارادية والتعلم والانفعالات والمزاج وغيرها. وأظهرت دراسات علم الأعصاب أن بعض أجزاء الدماغ (مثل اللوزة الدماغية، والحصين، والجهاز الحوفي)، والنواقل العصبية (مثل الدوبامين، والسيروتونين، والنورإبينفرين، والإندورفين) تلعب دورا مهما وفعالا في الشعور بالسعادة.

دوائر الدماغ والمشاعر الايجابية :

تعتبر دوائر الدماغ (الشبكات العصبية التي تنتج بفعل التعلم والتكرار) المسؤولة عن العواطف والانفعالات معقدة جدا. تشمل هذه الدوائر هياكل في قشرة الفص الجبهي، واللوزة المخية، والحُصين، والقشرة الحزامية الأمامية، والقشرة الجزيرية. تعمل هذه الهياكل معا لمعالجة المشاعر والمعلومات العاطفية والسلوك العاطفي وتنشيطها وتفعيها.

وقد كشفت الأبحاث على قشرة الفص الجبهي باستخدام تخطيط كهربية الدماغ أو التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (Diener, Seligman ,2002)، نشاطا غير متماثل فيما يتعلق بالعواطف الإيجابية والسلبية. بحيث يُظهر الأشخاص ذوو الأسلوب العاطفي الإيجابي مستويات أعلى من تنشيط الفص الجبهي الأيسر مقارنة بالأيمن في حالة الراحة.

بينما يميل الأشخاص الذين لديهم أسلوب عاطفي سلبي إلى إظهار مستويات أعلى من تنشيط الفص الجبهي الأيمن من الأيسر في حالة الراحة. وبغض النظر عن الأسلوب العاطفي؛ يؤدي المزاج السلبي إلى زيادة النشاط النسبي على الجانب الأيمن، في حين يؤدي المزاج الإيجابي إلى زيادة النشاط النسبي على الجانب الأيسر  ( Davidson , 2005).

كما أن للجهاز الحوفي، الموجود في المنطقة المركزية من الدماغ، تأثير كبير في تحديد شكل الانفعالات. في حين يحدث ازدياد الأيض في الجهاز الحوفي الاكتئاب لدى الأفراد.

أثر النواقل العصبية في المزاج:

من ناحية أخرى، فالمزاجات الإيجابية والسلبية تتأثر بما يحدث في الدماغ من تفاعلات كيميائية. ويعتبر كلا من الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين والأندورفين (هرمونات السعادة) من أهم النواقل العصبية المؤثرة في المزاج. بحيث يرتبط المزاج الإيجابي بارتفاع مستويات هذه الهرمونات في الدماغ.

ويرتبط المزاج السلبي بانخفاض مستويات هذه الهرمونات وعلى رأسها الدوبامين والسيروتونين الذي يرتبط بالحالات العاطفية، والشعور بالرضا والسعادة والتفاؤل. وفي المقابل ولمعالجة الاكتئاب تستعمل مضادات الاكتئاب أو مثبطات استرداد السيروتونين لتعديلمستويات السيروتونين في خلايا الدماغ.

كما يرتبط هرمون الإندورفين المسؤول عن تقليل الإحساس بالألم في الجسم بالسعادة ويعزز المشاعر الإيجابية. وهو هرمون يتم فرزه أثناء ممارسة الرياضة بشكل مستمر، وفي حالات الخوف، والحب، والاستمتاع بالموسيقى، وتناول السكريات خاصة الشوكولاتة، وممارسة العلاقة الجنسية وغيرها.

كما يعمل هرمون الميلاتونين، الذي تنتجه الغدة الصنوبرية ليلا في الدماغ على استعداد الجسم للنوم. يفرز هذا الهرمون في أعلى مستوياته بين الساعة التاسعة والعاشرة ليلا، لينخفض صباحا مع طلوع النهار. يرتبط هذا الهرمون بمستوى السعادة. فالنوم الهادئ ليلا ينتج شعورا بالسعادة والرضا، والعكس صحيح.

أثر الهرمونات في الشعور بالسعادة:

تتحكم الكثير من الغدد الصماء في إفراز الهرمونات، حيث تعد من عوامل السعادة العصبية، حيث تساهم في عمليات النمو المختلفة، والتمثيل الغذائي، وتنظيم الحالة المزاجية والانفعالات، وغيرها من الأنشطة والوظائف. وتعتبر كلا من الغدة النخامية والكظرية من الغدد الأكثر ارتباطا بالحالة المزاجية.

ولهرموناتها دور مهم في إنتاج وتنظيم المشاعر الإيجابية والمزاج. فنجد على سبيل المثال لهرمون الكورتيزول دورا هاما في إدارة التوتر والاكتئاب والانفعالية العالية والقلق. بحيث يعتمد الكثير من ممارسي الصحة والصحة النفسية والعقلية خاصة على تحليل مستويات هذا الهرمون في الدم قبل معالجة حالات الاكتئاب المختلفة. إذ أن انخفاض مستوى الكورتيزول اللعابي يعتبر مؤشرا جيدا للسعادة. ويعمل الكورتزول على زيادة معدل ضربات القلب وتثبيط الجهاز المناعي.

أما هرمون الأدرينالين الذي يعتبر أيضا ناقلا عصبيا تفرزه الغدة الكظرية، فيؤدي العديد من الوظائف في الجسم. مثل تنظيم معدل ضربات القلب، والتحولات الأيضية، واستجابة الجهاز العصبي الودي المرتبطة بالقتال والمواجهة أو الهروب. كما يعمل مثل الكورتزول على زيادة معدل ضربات القلب وتثبيط الجهاز المناعي. ويعتبر مؤشر الأدرينالين البولي مؤشرا جيدا على الشعور بالسعادة.

في حين هرمون الأوكسيتوسين الذي تفرزه الغدة النخامية ينظم عملية الولادة والرضاعة الطبيعية. وله تأثيرات سلوكية وفسيولوجية يتوسط فيها من خلال مستقبلات داخل الدماغ، على رأسها الأمومة والنشاط الجنسي والعلاقات الاجتماعية الايجابية. وهو ما يؤثر على السعادة من خلال دائرة التعاطف.

الصحة البدنية والسعادة:

خلصت معظم الدراسات ذات الصلة إلى أن للصحة البدنية دور مهم في السعادة. فردود الفعل العاطفية الإيجابية تجاه أحداث الحياة يمكن أن تؤثر بطرق مختلفة على السمات والخصائص الفسيولوجية السلبية والايجابية. فالمزاج الإيجابي يعتبر مؤشرا على الصحة البدنية.

أثر السعادة في جودة الحياة:

كما أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يتمتعون بالسعادة يعيشون حياة طويلة (Blanchflower, Oswald 2007)، ويمارسون استراتيجيات صحية ايجابية (ممارسة الرياضة، الغذاء الصحي…)، ويتجنبون السلوكيات الخطيرة.

أثر السعادة في بعض الأمراض:

ارتبطت السعادة في الكثير من الدراسات بانخفاض بعض الأمراض، خاصة ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية والسمنة. بسبب العلاقة الموجودة بين مناطق الدماغ المسؤولة عن الوزن والتمثيل الغذائي، والمناطق التي تتحكم في الإدراك والعواطف.

كما تؤثر المشاعر السلبية مثل الخوف والغضب في تشخيص وعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطانات. أما المشاعر الايجابية فترتبط بشكل أكبر بالبقاء على قيد الحياة، وتوقيف المرض.

أثر الجاذبية الجسدية على السعادة:

بحثت العديد من الدراسات في العلاقة بين السعادة والجاذبية الجسدية، ووجدت أن هناك علاقة إيجابية مهمة بينهما (Feingold. 1992). إذ تؤدي الجاذبية الجسدية إلى تسهيل العلاقات الاجتماعية والعلاقات الحميمية واختيار الشريك والصديق.

وفي الختام، أريد أن أأكد على أن لكل عامل من هذه العوامل أثر ودور مهم في السعادة، والدراسات الحديثة لم تتوصل إلى تأكيد الدور الفعال لعامل دون باقي العوامل.

قائمة المراجع

1.Seligman, ME (2002). How to see the glass half full. Newsweek, 140 (12): 48–49

2.Mallmyer M, Khanahmadi M, Farhood DD (2014). The relationship between cognitive factors and happiness

De Neve (2011). A functional polymorphism (5-HTTLPR) in the serotonin transporter gene is associated with subjective well-being: evidence from a US nationally representative sample. Journal of Human Genetics, 56: 456–459

Rotenberg FS (2013). The genetics of happiness and well-being in the context of the research activity concept. Actvitas Nervosa Superior, 55(1–2): 1–14.

Davidson R. J. (1992). Emotion and emotional style: Hemispheric substrates. Psychological Science, 3: 39–43.

Davidson RJ (2005). Well-being and affective style: neural substrates and biobehavioral correlates. In Hubert FA, Keverne B, Bayliss N (eds.), The Science of Well-Being. Oxford: Oxford University Press; pp. 107–139.

Mitchell R.L.K., Phillips L.H. (2007). Psychological, neurochemical, and functional neuroanatomical mediators of the effects of positive and negative mood on executive functions. Journal of Neuropsychology, 45: 617–629.

Blanchflower D.J., Oswald A.J. (2007). Hypertension and happiness across nations. UK, University of Warwick, Department of Economics.

Feingold A. (1992). Good-looking people are not what we think they are. Psychological Science, 111: 30

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *