القائمة

نظرية برونر في النمو المعرفي

شارك المقال

نظرية برونر في النمو المعرفي تؤكد أن الأطفال يكتسبون المعرفة ويجدون معان جديدة. من خلال تفاعلهم الفعال مع العالم المحيط بهم. يؤكد على أن الثقافة واللغة عناصر أساسية في التطور المعرفي للطفل. وفقا لبرونر، هذا التطور لا يتم بشكل خطي. بل بطريقة تشبه الحلزون، حيث يعود الأطفال لاستكشاف المفاهيم الرئيسية مرارا وتكرارا، كل مرة بمستوى أعلى من التعقيد والتجريد.

نظرية برونر في النمو المعرفي

جيروم برونر، مثل غيره من علماء النفس المعرفي، ينظر إلى المتعلم كعامل نشط. ويؤكد على دور البنا المعرفية أو ما يسمى بالمخططات. الموجودة مسبقا في توجيه التعلم. ويؤكد برونر على أهمية قدرة المتعلمين على استكشاف بنية المحتوى التعليمي بأنفسهم. مشجعا إياهم على ربط الحقائق والمفاهيم والنظريات دون الاعتماد المباشر على توجيهات المعلم.

من خلال نظريته المقترحة في عام 1966، يعرض برونر مراحل التطور المعرفي في ثلاث مراحل كبيرة: الفعلية (الحسية)، الأيقونية، والرمزية. مشيرا إلى أن هذه المراحل لا تتقيد بالعمر ولا تتبع ترتيبا صارما كما في نظرية بياجيه.

برونر يختلف مع بياجيه وأوسوبيل حول جهوزية الطفل للمواضيع المختلفة. و يعتقد أن المبادئ الأساسية لأي موضوع يمكن تعليمها في أي عمر. بشرط أن تقدم بطريقة ملائمة لمرحلة الطفل العقلية. تجسد فكرة “المنهج الحلزوني” نهج برونر، حيث يعاد النظر في الأفكار الأساسية بشكل دوري ومتزايد العمق والتجريد، مواكبة لتطور الطفل الفكري. هذا النهج يهدف إلى تطوير متعلمين مستقلين، قادرين على التعلم الذاتي.

برونر يعتقد أيضا أن النمو المعرفي ينطوي على تفاعل القدرات الإنسانية الأساسية مع التقنيات المبتكرة ثقافيا. والتي تسهم في تعزيز هذه القدرات، سواء كانت تقنيات ملموسة كالأجهزة الإلكترونية أو مفاهيم أكثر تجريدا كتصنيفات الثقافة واللغة.

ومن المرجح أن يشارك برونر فيجوتسكي الرأي بأن اللغة تلعب دورا أساسيا في وساطة التفاعل بين المحفزات البيئية واستجابات الفرد، مشددا على دورها الرئيسي في التطور المعرفي.

جيروم برونر

مراحل النمو المعرفي حسب نظرية برونر:

جيروم برونر، في دراسته لعلم النفس التربوي، قدم تحليلا معمقا حول كيفية تخزين الأفراد للمعلومات وترميزها ضمن الذاكرة. مقدما نظرية تختلف جذريا عن النماذج التي تربط التطور المعرفي بمراحل عمرية محددة كما في نظرية بياجيه. برونر يعتقد أن طرق التمثيل، أو كيفية تنظيم وترميز المعرفة، ليست مرتبطة بشكل صارم بالعمر. لكنها تتداخل وتتواصل بطريقة تدعم بعضها بعضا في سياق تراكمي وديناميكي.

في هذا السياق، برونر يقترح ثلاث طرق أساسية للتمثيل:

  1. التمثيل الحسي النشط (القائم على الفعل الحركي الحسي): هذا النوع من التمثيل يرتبط بالتعلم من خلال الفعل والتجربة المباشرة، حيث يستكشف الأطفال ويفهمون العالم من حولهم عبر التفاعل المباشر معه.
  2. التمثيل الأيقوني (المعتمد على الصورة): في هذه المرحلة، يبدأ الأطفال بفهم العالم من خلال الصور والرموز التي تمثل الأشياء دون الحاجة إلى التفاعل الفعلي معها، ما يعني تطوير القدرة على التخيل والتمثيل الذهني.
  3. التمثيل الرمزي (على أساس اللغة): هذه الطريقة تعتمد على استخدام اللغة والرموز اللغوية لتمثيل الأشياء والأفكار، وهي تشير إلى قدرة الطفل على استخدام الأدوات اللغوية للتفكير والتواصل بشكل معقد ومجرد.

تنص نظرية برونر على أن التعلم يصبح أكثر فاعلية عندما يتبع المتعلمون مسارا يبدأ بالتمثيل النشط، مرورا بالأيقوني. ووصولا إلى التمثيل الرمزي. هذا المسار لا يقتصر على الأطفال فحسب، بل يمكن تطبيقه على المتعلمين من جميع الأعمار، بما في ذلك البالغين.

يؤكد برونر أيضا على أن المتعلمين، حتى في سن مبكرة، يمكنهم استيعاب وفهم أي مادة تعليمية طالما أن طريقة التقديم تتكيف مع قدراتهم الفكرية والمرحلة التمثيلية التي هم فيها، متحديًا بذلك النظريات التي تقيد القدرات التعليمية للأطفال بمراحل عمرية معينة.

مرحلة الفعل الحسي النشط (0-1 سنة)

خلال العام الأول من حياة الطفل، يشهد ما نسميه “الفعل الحسي النشط” حيث يتم تخزين المعرفة بشكل رئيسي عبر الاستجابات الحركية. هذه المرحلة تتوافق مع المرحلة الحسية الحركية في نظرية بياجيه للتطور المعرفي. في هذا الوضع، يعتمد الأطفال بشكل كامل على الفعل والحركة للتعلم، دون الاعتماد على العمليات العقلية الداخلية أو التمثيلات المجردة.

تكون عملية تشفير المعلومات وتخزينها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأفعال والتجارب الجسدية. مثل الذاكرة العضلية، حيث يستطيع الطفل، على سبيل المثال، تذكر كيفية هز الخشخيشة من خلال الحركة نفسها. ولا يقتصر استخدام هذا الوضع على الأطفال فحسب؛ فالبالغون أيضا يستعينون به في أداء مهام حركية متنوعة مثل الكتابة، أو خياطة قميص، أو تشغيل جزازة العشب، والتي قد يجدون صعوبة في وصفها بشكل مفصل باستخدام الصور أو الكلمات.

يظل هذا الوضع فعالًا ومستخدمًا في مراحل لاحقة من العمر، خاصة فيما يتعلق بالمهارات الحركية مثل ركوب الدراجات، حيث يعتمد الأشخاص على تجاربهم الحركية والعضلية لتعلم وإتقان مثل هذه النشاطات.

مرحلة التمثيل الأيقوني (1-6 سنوات)

في الفترة العمرية من سنة إلى ست سنوات، يختبر الأطفال ما يُعرف بـ”التمثيل الأيقوني” في تطورهم المعرفي، حيث تُخزن المعلومات بشكل أساسي على هيئة صور حسية أو أيقونات، وهي غالبا ما تكون ذات طبيعة بصرية. هذه الصور المعرفية تمثل الأشياء والمفاهيم في عقولهم، وتُستخدم كوسائل للتفكير والتذكر.

لكن الإدراك الأيقوني لا يقتصر على الصور البصرية فحسب؛ فبالنسبة للأطفال، قد تشمل هذه الأيقونات أيضًا تجارب حسية أخرى مثل الأصوات، الروائح، أو الإحساسات اللمسية، التي يمكن أن تكون وسائل مهمة لترميز واسترجاع المعلومات.

هذا التمثيل الأيقوني يفسر لماذا يجد الأطفال، وحتى البالغون، فائدة كبيرة في استخدام الرسوم البيانية، الرسوم التوضيحية، والمواد المرئية الأخرى عند تعلم مواضيع جديدة. الربط بين المعلومات اللفظية والمصورة يعزز الفهم والتذكر، كما يُسهل على المتعلمين بناء معرفة متكاملة حول الموضوع.

في حين يدرك بعض الأفراد هذه الصور الأيقونية بوعي ويستطيعون التفكير فيها بشكل متعمد، قد يجد آخرون صعوبة في التعرف على هذه العملية أو وصف كيفية حدوثها. ومع ذلك، تظل هذه الأيقونات جزءًا حيويا من العملية المعرفية، مساعدةً المتعلمين على تجاوز الفهم السطحي للمفاهيم والوصول إلى تفسيرات أعمق من خلال التجسيد الحسي للمعرفة.

مرحلة التمثيل الرمزي (7 سنوات فصاعدا)

بحلول سن السابعة تقريبا، يدخل الأطفال مرحلة جديدة من التطور المعرفي تُعرف بالتمثيل الرمزي، والتي تُمثل نقلة نوعية في كيفية استيعابهم وتخزينهم للمعلومات. في هذه المرحلة، المعرفة لا تُخزن فقط في صورة أشياء مرئية أو أفعال ملموسة، بل تتخذ شكلا أكثر تجريدا، مستخدمة اللغة، الرموز الرياضية، وأنظمة رمزية متنوعة كالموسيقى للتعبير عن الأفكار والمفاهيم.

القدرة على استخدام الرموز تمنح الأطفال والبالغين على حد سواء أداة قوية للفكر؛ فالرموز لها مرونة يمكن من خلالها التلاعب بها، ترتيبها، واستخدامها في بناء وفهم معاني جديدة. هذه المرونة تتيح للمرء الخروج عن الاعتماد المباشر على العالم المادي والانتقال إلى التفكير التجريدي والمفاهيمي.

برونر يوضح أن الرموز ليست مرتبطة بشكل جوهري بما تمثله؛ فهي “عشوائية” في هذا السياق. لا توجد علاقة مباشرة بين الرمز وما يرمز إليه؛ مثلاً، كلمة “جمال” لا تحمل في حروفها أو صوتها أية خصائص جمالية، لكنها تُستخدم للإشارة إلى مفهوم الجمال. هذا الفصل بين الرمز ومرجعه يسمح بدرجة عالية من التجريد والتفكير المعقد، مما يتيح إمكانيات واسعة للإبداع والتحليل والتعبير.

التعلم الاستكشافي

 

أهمية اللغة

في نظرية جيروم برونر المعرفية، تُعتبر اللغة حجر الزاوية في عملية التطور المعرفي للفرد، وهي تلعب دورا محوريا في تشكيل كيفية فهم الأفراد للعالم من حولهم وتفاعلهم معه. برونر يرى أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل فحسب، بل هي أيضًا وسيلة أساسية للتفكير والتعلم. من خلال اللغة، يتمكن الأفراد من تنظيم أفكارهم، وتصنيف تجاربهم، وبناء معرفتهم بطريقة متسلسلة ومنظمة.

في إطار نظريته، يشير برونر إلى أن اللغة تساعد في الانتقال من الوضع الأيقوني إلى الوضع الرمزي في التفكير، حيث يبدأ الأطفال بتحويل تجاربهم الملموسة والصور الذهنية إلى مفاهيم لغوية. هذا التحول يفسح المجال للتجريد والتحليل المنطقي، ويمكّن الأفراد من التعامل مع المفاهيم المعقدة والمجردة بكفاءة أعلى.

برونر يؤمن بأن استخدام اللغة يفتح آفاقا جديدة لتطوير المفاهيم والأفكار، حيث تسمح الكلمات للمتعلمين ببناء وتوسيع فهمهم للمفاهيم التي تمثلها هذه الكلمات، متخطين بذلك الحدود الزمانية والمكانية لتجاربهم المباشرة. هذا التجاوز يمكّن الأفراد من التفكير في سياقات متنوعة والتخطيط للمستقبل واستحضار التجارب الماضية، والخروج عن إطار “هنا والآن”.

أكثر من ذلك، ينظر برونر إلى الطفل الرضيع ككيان ذكي وقادر على حل المشكلات منذ اللحظات الأولى من حياته. يعتقد برونر أن الأطفال، حتى قبل أن يتقنوا اللغة، يمتلكون قدرات فكرية بنيوية تشبه إلى حد كبير تلك الموجودة عند البالغين، وهذه القدرات تتطور وتتعمق مع نموهم وتعلمهم للغة، ما يزيد من قدرتهم على التعامل مع المعقد والمجرد.

علاوة على ذلك، يعتقد برونر أن اللغة تعمل كأداة تمكينيه تسمح للأفراد بتوسيع قدراتهم المعرفية من خلال التعلم الاجتماعي والثقافي. اللغة تُمكن الأطفال من الاستفادة من المعرفة المتراكمة ضمن مجتمعاتهم وثقافاتهم، مما يسهم في تسريع عملية تعلمهم وتطورهم المعرفي. في هذا السياق، تعد اللغة ليست فقط وسيلة لتمثيل الواقع، بل هي أيضًا أداة فعالة لبناء الواقع المعرفي وتفسيره.

رأي برونر في مفهوم الاستعداد أو النضج:

جيروم برونر في العام 1960 تحدى بشكل مباشر فكرة جان بياجيه حول “الاستعداد” المعرفي، والتي تُشير إلى ضرورة تحقق مستوى معين من النضج المعرفي لدى الطفل قبل أن يتمكن من فهم مفاهيم أو مواضيع دراسية معينة. برونر انتقد هذا المفهوم بالتأكيد على أن المدارس والمعلمين قد يضيعون فرصًا ثمينة لتعليم الأطفال بانتظارهم لبلوغ هذا الاستعداد المفترض، مما قد يؤدي إلى تقييد العملية التعليمية وكبح جماح الفضول والاستكشاف لدى الطلاب.

وفقاً لبرونر، يمكن تدريس أي موضوع تعليمي للطفل في أي مرحلة عمرية، بشرط أن يتم تقديمه بطريقة مناسبة لمستوى نموه المعرفي وقدراته الحالية. هذه الفكرة تتناقض مع نهج بياجيه الذي يُركز على تطوير الطفل عبر مراحل محددة، حيث يعتبر أن بعض المفاهيم لا يمكن فهمها حتى يصل الطفل إلى مرحلة معينة من التطور المعرفي.

برونر يرى أن هذا النهج التقليدي يقلل من إمكانيات التعلم لدى الأطفال ويقيد قدرتهم على التفاعل مع المواد التعليمية بطرق مبتكرة ومرنة. يعتقد أنه ينبغي على المعلمين تقديم التحديات الفكرية للطلاب بغض النظر عن عمرهم أو مرحلتهم التعليمية، مع تكييف العرض التعليمي ليكون في متناول فهمهم، مما يشجع على التفكير النقدي والإبداعي ويعزز من التطور المعرفي المستمر.

المنهج الحلزوني

مفهوم المنهج الحلزوني الذي طوره جيروم برونر يستند إلى الفكرة الثورية بأنه يمكن تعليم أي موضوع لأي طفل في أي مرحلة تطورية بطريقة تحترم قدراته الفكرية الحالية. برونر يرفض بذلك الانتظار السلبي للحظة “الاستعداد” المعرفي التي يشدد عليها بياجيه، مؤكدا أن الطفل مهما كان عمره قادر على فهم المفاهيم المعقدة إذا ما قُدمت له بشكل مناسب.

المنهج الحلزوني يقوم على تقديم الأفكار والمفاهيم بصورة مبسطة في البداية ثم إعادة زيارتها بصورة أعمق وأكثر تعقيدا مع تقدم الطفل في مراحله التعليمية والنمائية. هذا النهج يضمن أن الطالب يبني فهمه بشكل تدريجي ويطور مهاراته المعرفية بشكل مستمر وفعال.

في المراحل الأولى، يتفاعل الأطفال مع المفاهيم بشكل أساسي من خلال التجارب العملية أو التمثيل التفاعلي. باستخدام مثال تعليم الجمع، قد يبدأ الطفل بتجميع أكوام من الخرز وحسابها بشكل ملموس لفهم المفهوم الأساسي للجمع.

كلما تقدم الأطفال في العمر والنمو المعرفي، يبدأون بتطوير القدرة على استخدام التمثيل الأيقوني. و يمكنهم تصور المفاهيم عقليا دون الحاجة للتفاعل المادي مع الأشياء. يمكنهم، على سبيل المثال، تخيل الجمع بصورة ذهنية، دون الحاجة إلى الخرز الفعلي.

وفي المراحل اللاحقة، يتمكن الطلاب من استيعاب واستخدام التمثيل الرمزي. و يصبحون قادرين على التعامل مع المفاهيم بشكل تجريدي باستخدام الرموز والأرقام. هنا، يمكن للطلاب إجراء عمليات جمع معقدة وتجريدية دون الحاجة لتمثيلات عينية أو ذهنية.

يؤكد برونر أن هذا النهج يعزز الاستقلالية في التعلم وينمي قدرات حل المشكلات عند الأطفال. وبذلك يتعلمون التفكير بشكل نقدي وإبداعي ويصبحون قادرين على ربط المعلومات الجديدة بما تعلموه سابقًا بطريقة تعكس فهمًا متزايدًا للتعقيد والعمق المعرفي.

نظرية التعلم بالاكتشاف

طور جيروم برونر عام 1960 مبادئ نظرية التعلم بالاكتشاف. مؤكدًا على أن التعلم لا ينبغي أن يقتصر على استقبال المعلومات في شكلها النهائي. بل يجب أن يشارك الطلاب بنشاط في تنظيم وترميز المعلومات، مكتشفين بأنفسهم الروابط والعلاقات بين مختلف العناصر المعرفية.

برونر يقترح أن التعلم الفعال ينطوي على بناء الطالب لمعرفته الخاصة من خلال عمليات التنظيم، التصنيف، والترميز الذاتي للمعلومات. يُعتقد أن الطريقة الأمثل لتطوير هذه المهارات هي عبر عملية الاكتشاف، لا من خلال التلقين المباشر من المعلم.

التعلم بالاكتشاف ينطوي على تشجيع الطلاب على الاستقصاء الذاتي والبحث عن الأنماط وحل الألغاز. مما يتطلب منهم تطبيق وتعديل مفاهيمهم السابقة لمواجهة تحديات جديدة. وهنا، يأتي دور المعلم كميسر للتعلم، حيث يُصمم تجارب تعليمية تدفع الطلاب لاستكشاف وبناء الفهم بأنفسهم.

استخدام المنهج الحلزوني يدعم التعلم بالاكتشاف، حيث يتم تقديم المعلومات بطريقة تسمح بإعادة زيارة الأفكار بتعقيد متزايد. على سبيل المثال، في تعليم الرياضيات، قد يُشجع المعلم الطلاب على استكشاف مفاهيم الجمع عبر أنشطة عملية قبل التحول تدريجيًا إلى تمثيلات أكثر تجريدًا.

إن التعلم بالاكتشاف ليس فقط طريقة تعليم، بل هو أيضا هدف تعليمي يهدف إلى تنمية القدرة على التعلم الذاتي والاستقصاء. يجب أن تسعى البيئات التعليمية لتمكين الطلاب من اكتشاف “الانتظامات المتكررة” في بيئتهم العلمية والاجتماعية. بينما قد يعترف برونر بأن بعض المعلومات قد تحتاج إلى تعلم مباشر، مثل أسماء الرؤساء أو التواريخ التاريخية، فإن الغالبية العظمى من التعلم يجب أن تنطوي على الاستكشاف والاكتشاف النشط.

السقالات في التعلم الاستكشافي عند برونر:

إن منهج التعلم الاستكشافي يعطي دورا أساسيا للمتعلم في عملية تعلمه، ويجعله مكتشفا قادرا على التعلم ذاتيا. لكن لا يعفي المعلم من دوره الأساسي والمتمثل في توفير السقالات. والتي تتجسد هنا في توفير واختيار المواد النشطة التحفيزية المناسبة، التي يمكن للطالب فهمها وإكمالها. ومع ذلك، يدعو برونر أيضا إلى أنه يجب على المعلم تعميم الفصل الدراسي والعمل مع الطلاب الفرديين، وأداء ست “وظائف” أساسية (وود برونر وروس: 1976):

  • التوظيف : التأكد من اهتمام الطالب بالمهمة، وفهمه لما هو مطلوب منه.
  • تقليل درجات الحرية : مساعدة الطالب على فهم المادة عن طريق إزالة التوجيهات غير ذات الصلة. وبالتالي تقليل جانب “التجربة والخطأ” في التعلم.
  • صيانة الاتجاه : التأكد من أن المتعلم في مهمة والحفاظ على الاهتمام – غالبًا عن طريق تقسيم الهدف النهائي للمهمة إلى “أهداف فرعية” يمكن فهمها وتحقيقها بسهولة أكبر.
  • وضع علامات على الميزات الهامة : تسليط الضوء على المفاهيم أو العمليات ذات الصلة والإشارة إلى الأخطاء
  • السيطرة على الإحباط : منع الطلاب من “الاستسلام” في المهمة.
  • العرض التوضيحي : تقديم نماذج للتقليد أو الممكن (الحل الجزئي).

في هذا السياق، قد يكون من الأفضل وصف نموذج برونر بأنه التعلم بالاكتشاف الموجه. حيث أن المعلم له دور حيوي في ضمان نجاح اكتساب المفاهيم والعمليات الجديدة.

نظرية برونر في النمو المعرفي

الفرق بين برونر وفيجوتسكي وبياجيه:

جيروم برونر وليف فيجوتسكي يشتركان في التأكيد على الدور البارز للبيئة الاجتماعية في التعلم. وهو ما يعطي أهمية أكبر مما اعتبره جان بياجيه. كلاهما يرون أن الدعم الفعال من البالغين أمر حاسم في عملية التعلم للطفل. يعتقد برونر وفيجوتسكي أن الأطفال يبنون معارفهم من خلال التفاعلات الاجتماعية. وعبر مفهوم السقالات – أي الدعم المقدم من البالغين لتسهيل عملية التعلم.

السقالات، كما ورد في أعمال برونر ، تقدم إطارا يسمح للطفل بتجاوز حدود قدراته الحالية وتحقيق تطور معرفي أكبر. يشبه مفهوم السقلات بشكل كبير منطقة التطور القريبة لدى فيجوتسكي، حيث يُقدم الدعم بشكل تدريجي وفقًا لاحتياجات الطفل.

مقارنة ببياجيه، برونر لا يقيد التطور المعرفي بمراحل محددة متتالية. بل يعتبر التطور عملية تدريجية ومستمرة حيث يمكن تقديم المفاهيم بأشكال متنوعة وليست بالضرورة متسلسلة. يركز برونر على القدرة الذاتية للطفل على فهم مفاهيم قد تبدو معقدة. مع التأكيد على أهمية تقديم هذه المفاهيم بطرق تتناسب مع مستويات تطورهم الفكري.

برونر، مثل بياجيه، يعترف بأن الأطفال يمرون بتغيرات في تطورهم المعرفي، لكنه يختلف في كيفية توصيف هذه التغيرات. بينما تُظهر نظرية بياجيه مراحل منفصلة ومحددة، يرى برونر أن الأطفال يطورون فهمهم بشكل أكثر تدفقًا ومرونة.

وأخيرًا، يُقدر برونر اللغة بوصفها أداة مركزية للتطور المعرفي، موازيًا لأهميتها في نظرية فيجوتسكي. يرى أن تطور اللغة يسهم في ويعكس النمو المعرفي، بينما يركز بياجيه أكثر على كيفية تأثير التطور المعرفي على استخدام اللغة.

مراجع:

Bruner, J. S. (1973). La pertinence de l’éducation. New York : Norton.

Bruner, J. S. (1978). Le rôle du dialogue dans l’acquisition des langues. Dans A. Sinclair, R., J. Jarvelle, et W. J.M. Levelt (eds.) The Child’s Concept of Language. New

Jérôme Bruner, Savoir faire, savoir dire, PUF, 1983, rééd. 2011.

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *