يُعد الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية DSM-5 حجر الزاوية للممارسين في الصحة النفسية؛ إذ يوفّر معايير تشخيصية موحّدة، وترميزات متوافقة مع التصنيفات الدولية، وإرشادات ثقافية وأدوات تقييم داعمة لاتخاذ القرار السريري. يعرّف هذا المقال القرّاء بـ “الدليل التشخيص و الاحصائي للاضطرابات DSM-5” وأهم تحديثاته النصية لعام 2022، مع إبراز بنية فصوله، ونهجه البعْدي في قياس شدة الأعراض، ومواضع تقاطعه مع ICD، بما يعزّز الفهم الدقيق للتشخيص والاتصال العلاجي الآمن.
تعريف بـ (DSM-5)
الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية المعروف اختصارا بـ (DSM)، هو مرجع طبي تقني في الصحة النفسية والاضطرابات المرتبطة بالدماغ. يصدر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA). وهو الدليل الرئيسي للممارسين والمختصين في الصحة النفسية والعقلية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي مختلف دول العالم.
(DSM-5) هو أحدث إصدار من هذا المرجع المهني. نُشرت هذه النسخة عام 2013، وتم مراجعتها في مارس 2022. وتنشر الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) كتبا تكميلية لهذا الدليل. مثل دليل التشخيص التفريقي لــ (DSM-5) ، والحالات العيادية لــ(DSM-5) .
يقدم(DSM-5) تعاريف دقيقة ومفصلة لمختلف حالات الصحة النفسية والحالات المتعلقة بالدماغ. مع عرض مفصل عن علامات وأعراض هذه الحالات. كما يُصنّف هذه الحالات في مجموعات، ليسهل على المتعاملين مع الدليل تشخيص الحالات المرضية بدقة.
شارك أكثر من (200) متخصص في الصحة النفسية والعقلية من جميع أنحاء العالم من أجل إعداد الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية. منهم أطباء نفسيون، ممارسين عياديين، معالجين نفسيين وخبراء من مجالات مهنية أخرى كمستشارين في مواضيع محددة. كما تضمن إعداد الدليل تجارب واختبارات ميدانية.
يركز(DSM-5) بشكل رئيسي على حالات الصحة العقلية. ولكن، نظرا لارتباط الصحة العقلية بوظائف الدماغ، يغطي الدليل أيضا الحالات المتعلقة بكيفية عمل الدماغ. يحتوي الكتاب على رموز تشخيصية لتسهيل مقارنة الحالات بالتصنيف الدولي للأمراض (CIM-10) الصادر عن منظمة الصحة العالمية(OMS).
محاور (DSM-5)
يحتوي الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) على ثلاثة أقسام رئيسية، هي:
القسم الأول: يتناول كيفية استخدام الدليل، وإرشادات حول استخدامه عندما يتعلق الأمر بمشاكل الصحة النفسية في سياق قانوني في قضايا المحاكم.
القسم الثاني: يشمل معايير التشخيص والرموز، وهو القسم الأكبر في الدليل. تم تقسيمه في فصول، ويغطي كل فصل نوعا أو صنفا من الحالات المرضية، مع تعريف مفصل ومعايير تشخيصية دقيقة وواضحة، وشرح للحالات.
القسم الثالث: يحتوي معلومات حول أدوات التقييم كدليل إرشادي لتشخيص بعض الحالات. ويتضمن معلومات حول كيفية تأثير الاختلافات الثقافية على التشخيص. وفصل آخر عن الحالات التي قد تُدرج في إصدار لاحق من الدليل، وتحتاج إلى مزيد من الدراسة في الوقت الراهن.

الجديد في (DSM-5)
- تنظيم فصول الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية ليتوافق مع (CIM) في نسخته الحادية عشر المستقبلية. رغم أن (DSM-5) يسمح بتسجيل التشخيصات باستخدام الرموز الحالية لتصنيف منظمة الصحة العالمية الحالي (CIM-10).
- تخصيص فصل كامل عن الاضطرابات النمائية العصبية التي تبدأ في مرحلة الطفولة، وتؤثر في النمو بشكل عام.
- العديد من الفصول جديدة أو أعيد تنقيحها وتنظيمها بشكل كبير. مثل الفصول المتعلقة باضطرابات المزاج، والتي تتضمن معايير من الأبحاث البيولوجية الحديثة.
- الإبقاء على عدد من الفصول دون تغيير عنوانها، رغم التغيير في تعريفها أو في معاييرها التشخيصية. مثل فصول اضطرابات التحكم في الانفعالات والسلوك، والفصامات، والاختلالات الجنسية، والاضطرابات الجسدية الشكل.
- إدخال اضطرابات جديدة في التصنيف الرئيسي، مثل اضطراب التواصل، واضطراب السلوك التخريبي مع اختلال التنظيم العاطفي، واضطراب الشراهة في تناول الطعام، واضطراب الانسحاب لمادتي الكافيين والقنب الهندي، والقمار المرضي.
- إيلاء اهتمام خاص للأبعاد العرضية، التي تتجاوز أحيانًا حدود الفئات التشخيصية، مثل التقييم البعدي الذي يجريه الفاحص لشدة الأعراض الذهانية، ونموذج بديل لاضطرابات الشخصية في القسم الثالث من الدليل.
أسباب المرض العقلي حسب (DSM-5)
ينشأ المرض العقلي/النفسي بسبب تفاعل معقد بين العديد من العوامل: الوراثة، العوامل البيولوجية، العوامل النفسية، العوامل البيئية (الاجتماعية والثقافية والتربوية والعلائقية).
أكدت الأبحات التي أسست لظهور النسخة الخامسة من (DSM-5) أن للعوامل الوراثية دور مهم في ظهور العديد من الاضطرابات النفسية والعقلية. بحيث أن الضعف في الجينات الموروثة تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب العقلي إذا ما توفرت بالموازاة عوامل بيئية وضغوط حياتية متراكمة ومتكررة ذات طبيعة عائلية أو مهنية أو علائقية.
كما أن ضعف تنظيم النواقل الكيميائية في الدماغ (النواقل العصبية) قد يُساهم في ظهور الاضطرابات النفسية والعقلية. وقد أظهرت تقنيات تصوير الدماغ (التصوير بالرنين المغناطيسي (IRM) ، والتصوير المقطعي بانبعاث البوزيترون (La tomographie par émission de positons (TEP)) (تقنية تصوير طبي نووي للنشاط الأيضي للخلايا ووظائف الأعضاء والأنسجة. تستخدم هذة التقنية مُتتبعًا إشعاعيًا مُشابها للجلوكوز، لتشخيص ومراقبة تطور أمراض مُختلفة، كالسرطانات وبعض الحالات العصبية والقلبية). أظهرت نتائج التصوير تغيرات في أدمغة الأشخاص المصابين بالأمراض العقلية والنفسية. وهو ما يؤكد وجود مكوّن بيولوجي للمرض العقلي، يُشبه الاضطرابات العصبية (كالألزهايمر والبركنسون). ورغم ذلك لم يتأكد بعد علميا ما إذا كانت التغيرات الملاحظة في أدمغة المرضى العقليين والنفسيين هي سبب للمرض أم نتيجة له.
كيفية تعامل (DSM-5) مع مشكلات تشخيص الاضطرابات العقلية
ليس من السهل دائما التمييز بدقة ووضوح بين الاضطراب النفسي والسواء. فقد يصعب علينا أحيانا أن نميّز بين الحزن الطبيعي وحالة الاكتئاب لدى شخص واجه فقدا أو خسارة كبيرة (وفاة الزوج أو أحد الأبناء، أو أحد الأبوين)؛ لأن كلا الحالتين تُسببان الحزن والاكتئاب.
كما يصعب علينا أحيانا أيضا تشخيص اضطراب القلق لدى شخص يشعر بالقلق والتوتر بشأن وظيفته المرهقة أو وضعه المادي المتدهور، أو اضطراب علاقاته الشخصية. لأن مثل هذه المشاعر شائعة لدى معظم الأشخاص في مرحلة ما من حياتهم. وفي اضطرابات الشخصية يصعب علينا أحيانا تحديد الفروق بين سمات الشخصية واضطراباتها (مثلا، سمة النظام والدقة في الشخصية واضطراب الشخصية الوسواسية).
لذا، اقترح (DSM-5) التعامل أو النظر إلى الصحة النفسية والاضطراب النفسي كطيف (SPECTRE) بالعودة إلى سلم الألوان المتقاربة والمتداخلة. ويشير مصطلح الطيف في هذا السياق إلى نطاق واسع من الأعراض ودرجات متفاوتة من الشدة ضمن فئة تشخيصية واحدة. فالأفراد الذين تم تشخيصهم مثلا باضطراب طيف التوحد (خمس اضطرابات أساسية: اضطراب التوحد، متلازمة أسبرجر، متلازمة ريت، اضطراب التفكك الطفولي، الاضطراب المجتاح للنمو العام غير المحدد)، يُظهرون غالبا مجموعة متنوعة من الخصائص والأعراض والمشكلات. لكنهم يشتركون كلهم في ثلاث معايير تشخيصية أساسية هي: صعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، أنماط سلوكية محدودة ومتكررة، ظهور الأعراض في مرحلة الطفولة المبكرة). ولا يتم تصنيفهم في في فئات منفصلة، بل في نفس الفئة. مما يؤكد على التباين داخل الاضطراب الواحد، مع أعراض مختلفة ودرجات متفاوتة.
ويتم التمييز بين السواء والاضطراب بناء على شدة الأعراض، ومدتها، وتأثيرها على الحياة اليومية للشخص وعلى أدائه العام.
تصنيف الاضطرابات العقلية في (DSM-5)
1 | الاضطرابات العصبية النمائية | Troubles neurodéveloppementaux |
2 | طيف الفصام والاضطرابات الذهانية الأخرى | Spectre de la schizophrénie et autres troubles psychotiques |
3 | الاضطراب ثنائي القطب والاضطرابات ذات الصلة | Troubles bipolaires et apparentés |
4 | الاضطرابات الاكتئابية | Troubles dépressifs |
5 | اضطرابات القلق | Troubles anxieux |
6 | اضطرابات الوسواس القهري والاضطرابات ذات الصلة | Troubles obsessionnels-compulsifs et apparentés |
7 | الاضطرابات المرتبطة بالصدمات أو الضغوطات | Troubles liés à des traumatismes ou à des facteurs de stress |
8 | الاضطرابات التفككية | Troubles dissociatifs |
9 | الاضطرابات بأعراض جسدية والأعراض ذات الصلة | Troubles à symptomatologie somatique et apparentés |
10 | اضطرابات السلوك الغذائي وتناول الطعام | Troubles des conduites alimentaires et de l’ingestion d’aliments |
11 | اضطرابات التحكم في العضلة العاصرة | Troubles du contrôle sphinctérien |
12 | اضطرابات دورة النوم والاستيقاظ | Troubles de l’alternance veille-sommeil |
13 | الاختلالات الجنسية | Dysfonctions sexuelles |
14 | اضطراب الهوية الجنسية | Dysphorie de genre |
15 | اضطرابات السلوك التخريبي، واضطرابات التحكم في الانفعالات | Troubles disruptifs, du contrôle des impulsions et des conduites |
16 | اضطرابات تعاطي المخدرات والإدمان | Troubles liés à une substance et troubles addictifs |
17 | الاضطرابات العصبية المعرفية | Troubles neurocognitifs |
18 | اضطرابات الشخصية | Troubles de la personnalité |
19 | اضطرابات الشذوذ الجنسي | Troubles paraphiliques |
20 | اضطرابات نفسية أخرى | Autres troubles mentaux |
21 | اضطرابات الحركة والآثار الجانبية الأخرى الناجمة عن الأدوية | Troubles des mouvements et autres effets indésirables induits par un médicament |
22 | حالات أخرى قد تتطلب فحصًا سريريًا | Autres situations pouvant faire l’objet d’un examen clinique |
في التصنيف الأخير (رقم 22)، تشمل هذه الحالات ظروفا أو سلوكيات لا تُعتبر حالات مرضية، ولكنها قد تؤثر على حالات مرضية قابلة للتشخيص، أو تحدث بالتزامن معها. كحالات إيذاء النفس والسلوكيات الانتحارية، وأي نوع من أنواع الإساءة. وكل صنف من هذه الأصناف يحوي عدة اضطرابات.
خاتمة:
يوفّر “الدليل التشخيص و الاحصائي للاضطرابات DSM-5” إطارًا عمليًا متماسكًا لفهم الاضطرابات النفسية عبر طيف من الشدة والأنماط العرضية، مع تحديثات DSM-5-TR التي تعزّز الدقة اللغوية والثقافية وتضيف تشخيصات مثل اضطراب الحزن المطوّل. ويظل الرجوع إلى الدليل وملاحقِه وأدواتِه البُعدية والمقابلة الثقافية خطوة أساسية لتحسين الجودة التشخيصية والتواصل العلاجي، شريطة توظيفه ضمن ممارسة أخلاقية تستند إلى الدليل العلمي والسياق الثقافي للمراجع.
مراجع
American Psychiatric Association: DSM-5-TR Overview and Highlights.
American Psychiatric Association: DSM-5-TR Fact Sheets.
American Psychiatric Association: Cultural Formulation Interview (CFI) Guide.
National Institute of Mental Health (NIMH): Mental Health Information and Use of DSM in Research.
World Health Organization (WHO): ICD-11 Classification Overview.
WHO: ICD-11 Clinical Descriptions and Diagnostic Guidelines (CDDG).