الغضب: ما الذي يحدث في الدماغ عندما نثور؟

حالة الغضب

يعرف معظمنا شعور الغضب. ويجد الكثير منا صعوبة في إدارته. ويعتبر الغضب من المشاعر والانفعالات الإنسانية الأساسية، كالفرح والحزن، والحب والقلق والمفاجأة وغيرها.

تعريف الغضب

 الغضب شعور معقد، يصنّف كانفعال سلبي، وهو عاطفة أو شعور قوي، يتميز بالعداء الموجه إلى خارج الذات، اتجاه شخص أو شيء. يرافق حالة الغضب غالبا استجابات فسيولوجية كتسارع ضربات القلب وارتفاع درجة حرارة الجسم، والتشنج العضلي، وتغيّر المزاج.

وإذا سيطرت مشاعر الغضب على الانسان وتكررت فإنها تلحق الضرر بالصحة الجسدية والنفسية والعلاقات الاجتماعية على المدى الطويل. لأنه يدفعنا إلى استجابات غالبا ما نندم عليها.

ماذا يحدث داخل الجسم في حالة الغضب؟

يرتبط شعور الغضب باستجابة الجهاز العصبي الوديّ، التي تعتبر استجابة تكيفية للقتال. والتي تحفّز وتدفع الشخص للقتال أو الهروب أو التجمّد. بحيث يحرّر الشعور بالغضب هرمونات التوتر التي تعدل البيئة الداخلية للجسم.

 لهرمونات التوتر وظائف متنوعة، تتمثل في تعبئة مصادر الطاقة، وتنظيم عملية التمثيل الغذائي، وزيادة نشاط عضلة القلب والحفاظ على إيقاعها،وثبات ضغط الدم ومستويات السكر في الدم، وتنظيم وظائف المناعة والآليات المضادة للالتهابات،كما تساعد على بقاء العضوية في حالة نشاط وتأهب.

 تعمل هرمونات التوتر أيضا على تقليل إفراز وتدفق بعض الهرمونات بسبب التوتر. وتشمل هرمونات التوتر الكورتيزول الذي يعتبر هرمون التوتر الرئيسي في الجسم، مجموعة  الكاتيكولامينات (Catécholamines) التي تحوي الأدرينالين والنورادرينالين، فازوبريسين، والإيثيلين. تجدر الاشارة إلى أن مستويات هذه الهرمونات، لا سياما هرمون الكورتيزول تتقلب بشكل طبيعي في الجسم على مدار اليوم.

لكن إطلاق هرمونات التوتر المصاحبة لشعور الغضب لفترات طويلة بسبب تكرر حالة الغضب أو حدتها قد يُدمّر الخلايا العصبية في مناطق الدماغ المسؤولة عن الحكم والذاكرة العملياتية وقصيرة المدى، ويُضعف وظائف الجهاز المناعي.

كيف يؤثر الغضب على الدماغ؟

عندما نواجه مثيرا يسبب بداخلنا الشعور بالغضب، تتفاعل الفسيولوجية والجسم لتطلق استجابة مناسبة لما تم تقييمه معرفيا من قبل الشخص على أنه حالة تهديد أو استفزاز أو إهانة. وتساهم العديد من مناطق الدماغ في تعبئة الوظائف العضوية لإطلاق السلوك أو الاستجابة المناسبة للتقييم المعرفي السابق.

تصل المثيرات إلى مناطق الدماغ المسماة بالدماغ الانفعالي بالترتيب (اللوزة الدماغية، الحصين، القشرة الأمامية الجبهية)، وهي المسؤولة عن العواطف والانفعالات.

يبدأ عمل اللوزة الدماغية بمجرد وصول المثيرات إليها في إنشاء أوامر التفاعلات في شكل إنذار. وتتعرف على المشاعر. ليتدخل بعد ذلك الحصين من خلال ثلاث وظاف أساسية هي:

  • تنظيم الحالة المزاجية،
  • اكتساب المعرفة،
  • التكيف مع البيئة.

وفي المرحلة الثالثة تتخذ القشرة الجبهية القرار المناسب أو الاستجابة. تتفاعل هذه المناطق الدماغية الثلاثة مع المثيرات على المستوى البيولوجي من خلال تحرير أو إطلاق الهرمونات والنواقل العصبية (النواقل هي جزيئات كيميائية يتم إطلاقها بواسطة الخلايا العصبية في الشق المشبكي. تسمح بتحفيز التأثيرات المنشّطة أو المثبطة على الخلايا العصبية المستقبلة).

يمثل الناقل العصبي جابا (GABA) المثبط الرئيسي للجهاز العصبي. ويعمل على تنظيم مستوى التوتر عن طريق تقليل نشاط الخلايا العصبية التي يرتبط بها. في حين تؤثر النواقل العصبية الأخرى (السيروتونين، الغلوتامات، النورادرينالين، الأستيل كولين، الدوبامين) على نظام الإنذار في الدماغ والجسم.

 تجدر الاشارة إلى أن لهذه النواقل العصبية أو الهرمونات أدوار أخرى في الجسم. فمثلا السيروتونين ينظم حرارة الجسم وينظم النوم والمزاج والشهية والألم. أما الغلوتامات ينبّه الذاكرة، والنورادرينالين ينشط الانتباه والعواطف والنوم والتعلّم. في حين الأستيل كولين يشارك في الإثارة الجنسية والعدوانية ويعمل على تحفيز انقباض العضلات، ويرفع من الانتباه.

أما الدوبامين يشارك في التحكم في الحركة، وينظم الحالة المزاجية. تعتبر بعض هذه النواقل العصبية هرمونات،  ترتبط بالمظاهر الجسدية للتوتر والغضب.

هرمونات الغضب وكيفية عملها

يعتبر الكورتيزول هرمون الغضب الرئيسي، وتفرزه الغدد الكظرية. ينظم الكورتزول ضغط الدم ووظائف القلب والمناعة، ويزود الدماغ بالطاقة الكافية لتجهيزه لحالة التوتر أو الغضب. يساعد هرمون قشر الكظر ( ACTH )  الذي تفرزه الغدة النخامية عمل الكورتزول. بحيث ينتقل (ACTH) إلى الدم ويتسبب في تدفق أو إطلاق الكورتيزول في الغدد الكظرية.

في حين يعتبر النورإبينفرين المادة الأولية لهرمون الأدرينالين. تطلقهالغدة الكظرية إلى مجرى الدم. يعزز هذا الهرمون عملية انقباض الأوعية الدموية ليزيد ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.

دور هذه النواقل العصبية والهرمونات هو السماح للجسم بإطلاق الطاقة اللازمة في مواجهة التهديد الحقيقي أو المتصور. يمر هذا التفاعل البيولوجي بمرحلتين تهيئان الجسم للاستجابة للموقف المهدد هما:

المرحلة الأولى: مرحلة تحفيز العواطف وتحريك الحواس.

 بمجرد إدراك الدماغ للوضعية المهددة، يدخل العقل في حالة تشوش، تثير حالة من ضعف العضلات بسبب انخفاض ​​مستوى السكر في الدم، وتسمى هذه الحالة بحالة الصدمة. تظهر بعد ذلك مباشرة مجموعة مظاهر جسدية تتكثل في شحوب الوجه، والشعور بالضيق في الحلق وفي التنفس، تقلصات في المعدة، التعرق و/أو الارتعاش.

المرحلة الثانية: مرحلة الاستجابة.

 يستعد الجسم للهروب أو القتال دفاعا عن نفسه. بحيث يتم تنشيط منطقة تحت المهاد، التي تقوم بتحريك الفرع الودي الذي يتحكم في الأنشطة المستقلة للجسم (كالتنفس، ضربات القلب) لتفرز الغدد الكضرية هرمونات التوتر. ثم يستدعي محور تحت المهاد (الغدة النخامية) قشرة الغدة الكظرية لإنتاج هرمون الكورتيزول.

المرحلة الثالثة: انتاج حالة الغضب

 يدخل بعد ذلك الجسم في حالة تأهب يطلق معها اجتيافا هرمونيا. فيعبأ الأدرينالين المنطلق قوة الجسم والعقل، ويزيد معدل ضربات القلب وتدفق الدم، ويعاد توزيع السوائل إلى الدماغ والعضلات. وهو ما يحدث التوتر العضلي وينشط إنتاج الكورتيزول لإطلاق الجلوكوز من الكبد وتوفير الطاقة اللازمة للدماغ والعضلات لإنتاج حالة أو نوبة الغضب.

آليات عمل الغضب؟

قد يتمكن البعض من إدارة الغضب والتحكم في الاستجابات المرافقة له، في حين يعجز البعض عن ذلك. أحد نماذج تفسير شعور الغضب طرحه النفساني جيري ديفينباخر، وافترض أن الغضب شعور سلبي ينتج عن مزيج من ثلاث عناصر أساسية هي: الحدث المُحفِّز، وصفات الشخص، وتقييمه للموقف.

  • الحدث المحفّز هو الموقف الذي يثير الغضب، مثل تجاوز قوانين سير السيارات، أو عدم احترام الدور في المحلات وغيرها.
  • صفات الشخص، وتشمل سمات الشخصية الأساسية كالنرجسية والأنانية، أو التنافسية، ضعف تحمّل الإحباط والفشل، العصبية ومستويات القلق أو الإرهاق والاجهاد النفسي المرتفعة، الانسحاب الاجتماعي ونقص التعاطف مع الآخرين، والافتقار إلى التودد والتسامح  في العلاقات الاجتماعية. كما يعتبر شعور الفرد بالاستحقاق أو بالتميز أو محاولة تنظيم العواطف من خلال التحكم في البيئة، التعصب في الرأي، ضعف الأنا وعدم نضجها عوامل أساسية في انفجار شعور الغضب.
  • تقييم الموقف من قبل الشخص. وهو تقييم معرفي للموقف على أنه يستحق استجابة الغضب تلك.

الغضب والاضطرابات النفسية

الغضب حالة نمّر بها جميعا في مختلف مراحل حياتنا. لكنه يصبح مشكلة متصلة بالصحة العقلية إذا تكرر أو حدث في شكل نوبات حادة وأثّر على العلاقات، أو على الأداء العام للفرد. والغضب في حد ذاته ليس مشكلة للصحة النفسية، بل هو إشارة عاطفية قيمة تكشف عن الاحتياجات غير المشبعة. وما يعتبر لا سويا ومرضيا هو كيفية الاستجابة لهذا الانفعال.

غالبا ما يعتبر خبراء وممارسوا الصحة النفسية والعقلية الغضب والعدوان حالتين تقترنان غالبا بالعديد من الاضطرابات النفسية. فيما يلي سنعرض أهم الاضطرابات المقترنة بالغضب:

اضطراب الغضب القهري:

 هو اضطراب نفسي لا يتحكم فيه الشخص في استجابات الغضب، ولا يدرك حدوثه أصلا، لذا لا يتمكن من التعامل معه عند ظهوره. غالبا ما تظهر بوادر هذا الاضطراب في الطفولة، ويتطور بالتقدم في العمر ليصبح أكثر حدة ووخطر في المراهقة وسن الرشد.

اضطراب التحكم في الانفعالات:

 يتميز هذا الاضطراب بتكرر نوبات الغضب أو العدوان. وتحمل النوبات عادة عدوانية لفظية و/أو جسدية اتجاه الآخرين.

اضطراب المعارضة والتحدي:

 يصنف هذا الاضطراب كاضطراب سلوكي ينطوي على نوع من الغضب والانفعال الحاد والعصبية مرفوقة غالبا بسلوكيات التحدي والمعارضة والانتقام والاندفاعية السلوكية. كما قد تظهر عليهم بعض سمات الشخصية السيكوباتية المتمثلة في رفض الامتثال للقانون والتعليمات والتمرد عليها، وتعمد أذية وإزعاج الآخرين وإلقاء اللوم عليهم.

اضطراب السلوك:

 والتي تتسم بميزة التخريب. يرافق هذا الاضطراب غالبا إنتهاك الأعراف والقواعد وحقوق الآخرين والتعدي عليها، والتنمر على الآخرين، أو تهديدهم أو حتى إيذائهم جسديا أو لفظيا. يختلف اضطراب السلوك عن اضطراب المعارضة والتحدي في كون الشخص يميل إلى إثارة أفعال معادية للمجتمع يتم التخطيط لها بدقة وعناية، عكس اضطراب المعارضة الذي يتسم بالعدوانية الانفعالية المتفجرة.

اضطراب الشخصية الحدية:

اضطراب الشخصية الحدية التي تتميز بعدم الاستقرار الانفعالي والاندفاعية واضطراب صورة الذات. يرافق هذا الاضطراب تقلبات مزاجية ونوبات غضب مصحوبة أحيانا بالعدوان اتجاه الآخرين أو اتجاه الذات. يغذي هذه النوبات ويحركها خوف المريض من الهجر الحقيقي أو المتصور ومشاكل في الثقة في الآخرين.

الاكتئاب:

 المقترن بانخفاض المزاج لفترات زمنية طويلة، وسيطرة الشعور بالحزن والفراغ وفقدان المتعة. يظهر على بعض المرضى نوبات غضب متكررة كرد فعل على المعاناة الداخلية، والألم الشديد. فيوجه في هذه الحالة شعور الغضب نحو الداخل؛ فنجد مريض الاكتئاب ينتقد ذاته بشدة ويلومها على أخطاء حقيقية أو متخيلة، ويحملها مسؤوليات كثيرة.

كيفية إدارة مشاعر الغضب:

  • يعتبر التدريب على اليقظة الذهنية والاسترخاء والوعي بالانفعالات المختلفة، وعلى رأسها الغضب أحسن أسلوب للسيطرة على الاستجابات الناتجة عن الغضب.
  • من المفيد أيضا التعرف على المثيرات التي تجعل الشخص ينفجر غضاب والتعامل معها أو تجنبها.
  • تغيير نمط الحياة نحو الجودة. بضبط ساعات النوم وجودته، وممارسة الرياضة، والتقرب من أصدقاء إيجابيين.
  • التدريب على التحكم في التقييم المعرفي للأحداث والمواقف. والاعتماد على التقييم الايجابي .
  • التدريب على التعبير عن الغضب وليس قمعه بالاعتماد على عقلنة الأحداث والتفكير المنطقي فيها، وتبني أسلوب الحزم في التعبير وليس أسلوب العدوان والتدمير.
  • التعرف على إشارات الغضب ومفاتيحه للتمكن من منع انفجار استجابة الغضب. قد تكون هذه الاشارات مثلا تسارع ضربات القلب، او التشنج العضلي، أو تسارع التنفس، أو ارتفاع حرارة الجسم. وبمجرد ادرات هذه التغيرات إعمل على تهدئة الجسم من خلال التنفس العميق، وإيحاءات الهدوء والاسترخاء لحسر العاصفة العاطفية والسيطرة عليها، ثم التفكير بوضوح أكبر.
  • يعتبر الغضب جزءا طبيعيا من الحزن والصدمة والفقد والعجز، يتم غالبا تجاهله، لذا من الضروري التعرف عليه ومعالجته.

خلاصة:

في الأخير يجب ان نفهم أن الغضب انفعال كباقي الانفعالا الانسانية الأساسية، نعيش به ونتعايش معه، وليس أمرا يجب أن نقمعه أو نتجنبه. بل على العكس فإن إدراك وجوده وتعلم التعامل معه قد يوصلنا إلى استخدامه كوسيلة للتعافي .

كما أن الحزن رحلة، فكذلك تعلم كيفية التعامل مع الغضب. باحتضان كليهما، نفتح أنفسنا لإمكانية النمو، واكتشاف الذات، ومسار واضح لاتخاذ القرارات، وفي نهاية المطاف، المرونة العاطفية.

في المرة القادمة التي يتدخل فيها الغضب في تجربتك مع الحزن، توقف. هل هو صديق يرشدك، أم عدو يدوسك ويطالبك بالصبر، أم شيء بينهما؟ على أي حال، لديه ما يُعلّمك إياه – إن كنت مستعدًا للإنصات والتعلم.

المراجع

  • Linverink, Lim, Nickerson, A., Kashyap, S., De Keijer, J., and Pullen, P. A. (2024). The association of anger dimensions with distress following traumatic bereavement. Trauma: Theory, Research, Practice, and Policy, 16(2), 176-183. https://doi.org/10.1037/tra0001275
  • Salam Ranabir et K. Reetu, « Stress and hormones », Indian Journal of Endocrinology and Metabolism, vol. 15, no 1,‎ 2011, p. 18-22 (ISSN 2230 210PMID 21584161PMCID 3079864DOI 10.4103/2230-8210.77573)
  • Shimbo, D., Cohen, M. T., McGoldrick, M., Insari, Y., Diaz, K. M., Fu, J., Duran, A. T., Zhao, S., Soles, J. M., Borg, M. M., and Chaplin, W. F. (2024). An applied investigation of the acute effects of negative emotions on endothelial health: results from a randomized controlled study. Journal of the American Heart Association, 13(9), e032698. https://doi.org/10.1161/JAHA.123.032698

اترك تعليقاً