استراتيجيات التغلب على نوبات الهلع

نوبات الهلع

نوبات الهلع هي نوبات مفاجئة وشديدة من الخوف أو الانزعاج، وتبلغ ذروتها في غضون دقائق، وغالبا ما تكون مصحوبة بأعراض جسدية مثل خفقان القلب، والدوار، وألم الصدر، والشعور بفقدان السيطرة أو الموت. ووفقا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) (APA، 2013)، تتضمن نوبة الهلع موجة مفاجئة من الخوف الشديد أو الانزعاج، تصل ذروتها في غضون دقائق، وتظهر خلالها أربعة أعراض (أو أكثر) (مثل التعرق، والارتعاش، وضيق التنفس).

من منظور فسيولوجي عصبي، ترتبط نوبات الهلع ارتباطا وثيقا بفرط نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي، وخاصة الفرع الودي. عندما يشعر الشخص بتهديد – حقيقي أو متصوّر – تشير اللوزة الدماغية إلى الوطاء لبدء استجابة “القتال أو الهروب”. ينشّط هذا اللب الكظري، مفرزا الأدرينالين والنورأدرينالين، اللذين يهيئان الجسم لمواجهة الخطر. كما تفرز قشرة الغدة الكظرية الكورتيزول، وهو هرمون التوتر الرئيسي، مما يؤدي إلى زيادة اليقظة والإثارة الفسيولوجية. وبينما تكون هذه الاستجابة تكيفية في حالات الطوارئ الحقيقية، فإنها تصبح غير تكيفية عندما تحفّز بواسطة إشارات داخلية دون وجود خطر حقيقي.

الاستراتيجيات الوقائية:

تقنيات تنظيم التنفس 4-7-8:

تتضمن هذه التقنية الشهيق من الأنف لمدة 4 ثوان، وحبس النفس لمدة 7 ثوان، والزفير ببطء من الفم لمدة 8 ثوان.
الأساس العلمي : ينشّط هذا الأسلوب الجهاز العصبي الباراسمبثاوي عبر العصب المبهم، مما يعزز الاسترخاء ويقلل من فرط نشاط الجهاز الودي (جيرث وآخرون، 2006). أظهرت الأبحاث أن هذه التقنية تساعد في تقليل فرط التنفس المرتبط بالقلق، وتزيد من تقلب معدل ضربات القلب (HRV)، وهو مؤشر رئيسي على مرونة الجهاز العصبي اللاإرادي.

العلاج بالتعرض الداخلي:

تتضمن هذه التقنية إحداث أعراض شبيهة بالذعر عمدا في بيئة آمنة لتقليل الخوف من الأحاسيس الجسدية (مثل الدوران على كرسي لإحداث دوخة).
الأدلة : وجدت دراسات (مثل بارلو وآخرون، 2000) أن التعرض الداخلي فعال للغاية في تقليل ردود الفعل المرتبطة بالخوف، مما يساعد الأفراد على تحمل الأعراض الجسدية وإعادة تفسيرها بدلا من تجنبها.

إعادة الهيكلة المعرفية (إطار العلاج السلوكي المعرفي):

يتضمن ذلك تحديد التفسيرات غير الكارثية (مثل: “أعاني من نوبة قلبية”) واستبدالها بأفكار واقعية (مثل: “هذا قلق، وليس نوبة قلبية”).
الآلية : يركز العلاج السلوكي المعرفي على تعديل التشوهات المعرفية من خلال تعزيز سيطرة القشرة الجبهية على التفاعل الحوفي. وقد أكدت العديد من التجارب العشوائية المحكمة فعاليته في علاج اضطراب الهلع (هوفمان وآخرون، 2013).

إدارة نوبات الهلع الحادة:

خطة عمل من أربع خطوات:

  1. التعرف : تحديد أن هذه نوبة هلع وليست حدثا يهدد الحياة.
  2. تقبل : تجنب محاربة الأحاسيس – المقاومة تزيد من القلق.
  3. التركيز : توجيه الانتباه مباشرة إلى المحفزات المحايدة (على سبيل المثال، التنفس، والمحيط).
  4. التقييم : إعادة تقييم الأفكار الكارثية والانخراط في الحديث الذاتي.

تقنية التأريض 5-4-3-2-1  أو الربط بالواقع :

هي من حيث التسمية تعني الربط بالأرض، ومن هنا جاءت التسمية و تعني البقاء مرتبط باللحظة الحالية . تتضمن هذه الاستراتيجية التي تركز على الحواس ما يلي:

  • 5 أشياء يمكنك رؤيتها
  • 4 أشياء يمكنك لمسها
  • 3 أشياء يمكنك سماعها
  • شيئان يمكنك شمهما
  • شيء واحد يمكنك تذوقه

الهدف من التقنية هو قطع التفكير وإعادة توجيه الانتباه إلى الحاضر، مما يقلل من فرط الإثارة الحوفية (Schmertz et al.، 2012).

التحفيز بالماء البارد:

وضع الماء البارد أو الثلج على الوجه أو الرقبة ينشّط منعكس الغوص، مما يخفّض معدل ضربات القلب ويزيد من توتر العصب المبهم.
الأساس العصبي الحيوي: يحفّز التعرّض للبرد العصب الثلاثي التوائم ومراكز جذع الدماغ، مما يساعد على تهدئة الجهاز العصبي الودي. (هاربر وآخرون، 2012)

التدخلات طويلة الأمد:

بروتوكولات العلاج السلوكي المعرفي المكثف:

تشمل برامج العلاج السلوكي المعرفي الشاملة التثقيف النفسي، وإعادة الهيكلة المعرفية، والتعرض الداخلي، والوقاية من الانتكاس.
النتائج : أظهرت التحليلات التلوية (كويجبرز وآخرون، 2016) أن العلاج السلوكي المعرفي له تأثير كبير في تخفيف أعراض اضطراب الهلع وتحسين النتائج الوظيفية.

العلاج بالقبول والالتزام (ACT):

يركز العلاج بالقبول والالتزام على التهدئة المعرفية، واليقظة الذهنية، والأفعال القائمة على القيم بدلا من التخلص من الأعراض.
التطبيق: يتعلم المرضى إفساح المجال للأحاسيس المرتبطة بالذعر والسعي لتحقيق أهداف هادفة رغم الانزعاج.
الأدلة: أ ظهر العلاج بالقبول والالتزام نتائج واعدة في علاج اضطراب الهلع والحد من سلوك التجنب (توهيغ وآخرون، 2010).

التمارين الهوائية:

يعزز النشاط الهوائي المنتظم (مثل الجري والسباحة) نشاط الجهاز العصبي السمبتاوي، ويقلل الكورتيزول، ويزيد من عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF).
نتائج التجارب العلمية : أظهر ستروهل وآخرون (2007) أن 30 دقيقة من التمارين الهوائية متوسطة الشدة تقلل بشكل ملحوظ من حساسية القلق والإثارة الأساسية.

الدعم الدوائي

مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)

تعدّ أدوية مثل باروكستين وسيرترالين وفلوكستين من العلاجات الأولية لاضطراب الهلع.
آلية العمل: تعدّل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية مسارات السيروتونين، مما يخفّف من فرط نشاط اللوزة الدماغية.
الاعتبارات السريرية: تبدأ الفوائد عادة بعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع؛ وقد يتفاقم القلق الأولي مؤقتا.

البنزوديازيبينات

أدوية مثل ألبرازولام وكلونازيبام فعالة في تخفيف الأعراض الحادة.
الإيجابيات: مفعول سريع.
السلبيات : خطر الاعتماد، وضعف الإدراك، والانسحاب.
التوصية : يجب أن يقتصر الاستخدام على الحالات قصيرة الأمد أو الطارئة تحت إشراف دقيق.

العلاجات الناشئة: دي-سيكلوسيرين

يستخدم هذا المنشّط الجزئي لمستقبلات NMDA كعامل مكمّل للعلاج بالتعرض.
الآلية : يعزّز تعلم إخماد الخوف في اللوزة الدماغية.
الأدلة : وجد هوفمان وآخرون (2006) أن D-cycloserine يمكن أن يسرّع نتائج العلاج السلوكي المعرفي، على الرغم من أن النتائج متفاوتة، وأن الجرعة والتوقيت أمران حاسمان.

دراسات الحالة التطبيقية

الحالة 1: سارة، 28 عاما، السلوك التجنبي والخوف الجسدي

عانت سارة من نوبات هلع يومية، وتجنّبت القيادة. شمل العلاج:

  • جلسات العلاج السلوكي المعرفي الأسبوعية
  • تمارين الإدراك الداخلي (فرط التنفس، الجري)
  • إعادة هيكلة الفكر
  • التعرض للبرد أثناء النوبات الحادة
    النتيجة : بعد 12 جلسة، انخفض معدل الذعر بنسبة 80%، واستأنفت القيادة.

الحالة الثانية: عمر، 36 عاما، يعاني من حساسية شديدة تجاه القلق

حضر عمر بخفقان في القلب وزيارات إلى قسم الطوارئ. التدخل:

  • التثقيف النفسي حول الجهاز العصبي اللاإرادي
  • استراتيجيات تعتمد على ACT
  • تمارين هوائية 3 مرات في الأسبوع
  • تم البدء باستخدام إسيتالوبرام (SSRI)
    النتيجة : انخفضت درجة الأعراض (PDSS) من 15 إلى 4 في غضون 10 أسابيع؛ لم تتم زيارة غرفة الطوارئ.

المراجع

  •   American Psychiatric Association. (2013). DSM-5: Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders.
  •   Barlow, D. H., et al. (2000). Clinical Handbook of Psychological Disorders.
  •   Cuijpers, P., et al. (2016). “The efficacy of cognitive-behavioral therapy.” World Psychiatry.
  •   Hofmann, S. G., et al. (2012). “The Efficacy of CBT for Anxiety Disorders: A Meta-Analytic Review.” Cognitive Therapy and Research.
  • Jerath, R., et al. (2006). “Physiology of long pranayamic breathing.” Medical

ملاحظة أخيرة :

نوبات الهلع مرهقة للغاية، لكنها قابلة للعلاج بسهولة. يمكن لمزيج من استراتيجيات العلاج النفسي، وتدخلات نمط الحياة، والعلاج الدوائي – المصمّم خصيصا لكل فرد – أن يخفّف الأعراض بشكل كبير ويعيد القدرة على العمل. ينبغي على الأطباء اتباع نهج تكاملي قائم على أحدث الأدلة العلمية، مع تمكين المرضى بأدوات عملية.

هل ترغب في الحصول على نسخة PDF قابلة للتنزيل من هذه المقالة أو رسوم بيانية توضيحية للتقنيات العملية؟

اترك تعليقاً