تعتبر إعادة الهيكلة المعرفية تقنية أو استراتيجية أساسية في العلاج المعرفي السلوكي. تم تطويرها من طرف النفساني ألبرت إليس في منتصف خمسينيات القرن العشرين. نحن نعلم أن المشاعر المختلة تنتج عن الأفكار التلقائية المختلة/ المشوهة. هذه الأفكار غير الواقعية أو غير المناسبة، لا تتوافق مع واقع مقبول بشكل عام وغير مناسبة؛ لأنها لا تخدم الفرد، بل على العكس تحدث القلق والتوتر.
تعريف تقنية إعادة الهيكلة المعرفية:
إعادة الهيكلة المعرفية هي عملية علاجية لتحديد وتحدي الأفكار السلبية وغير العقلانية، مثل تلك الموصوفة في مثال عيد الميلاد أعلاه. ويسمى هذا النوع من الأفكار المستخرجة من المثال بالتشوهات المعرفية
على الرغم من أن كل شخص لديه بعض التشوهات المعرفية، إلا أن وجود الكثير منها يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والوساوس والرهابات.
إعادة الهيكلة المعرفية هي اذن، عملية استبدال الأفكار المختلة بأفكار أكثر واقعية وأفضل تكيفا. وتشير أيضا إلى عملية تحديد أنماط التفكير غير الفعالة وتغييرها لتصبح أكثر فعالية. بإثارة مشاعر أقل سلبية أو رؤية الأشياء بشكل أكثر وضوحا، أو التمكين من سلوك أكثر مهارة.
تعتمد إعادة الهيكلة المعرفية على القدرة على التعرف بدقة على الأفكار والمشاعر التلقائية. لذا يجب أن نبدأ بالتعرف على الأفكار في أصل عواطفنا والتحقق مما إذا كانت غير فعالة أم لا. وإذا كان الأمر كذلك، فإننا نستبدلها بأفكار سوية-وظيفية أكثر. ويؤدي هذا إلى انخفاض أو أحيانًا اختفاء المشاعر المضطربة.
إعادة الهيكلة المعرفية هي تقنية مفيدة لفهم المشاعر والحالات المزاجية غير السعيدة، ولتحدي المعتقدات التلقائية/الأساسية (للاطلاع على المعتقدات الأساسية أنقر هنا) الخاطئة أحيانا والتي يمكن أن تكمن وراءها. على هذا النحو، يمكن استخدام إعادة الهيكلة المعرفية لإعادة صياغة التفكير السلبي غير الضروري الذي نواجهه جميعًا من وقت لآخر.
يستفيد العلاج السلوكي المعرفي، والعديد من الأساليب العلاج الأخرى، من تقنية إعادة الهيكلة المعرفية. وتعمل هذه العلاجات على تعزيز الارتباط القوي بين الأفكار والمشاعر والسلوكيات لعلاج الاضطرابات النفسية.
تم تصميم إعادة الهيكلة المعرفية للقضاء على الأفكار التلقائية التي تتضمن وجهات نظر مختلة أو سلبية. وفقًا لبيك، فإن القيام بذلك يقلل من مشاعر عدم القيمة والقلق وانعدام اللذة والاستمتاع التي تعد من أعراض عدة أشكال من الاضطرابات النفسية. إعادة الهيكلة المعرفية مكون رئيسي في العلاج السلوكي المعرفي لبيك وبيرنز.
مثال نموذجي عن إعادة الهيكلة المعرفية:
تخيل أنه عيد ميلادك، وتنتظر مكالمة هاتفية من اخوتك وعائلتك أو من صديق مقرب، لكنها لا تأتي أبدا. لقد اتصلت بهم في أعياد ميلادهم، فلماذا لم يتصلوا بك؟ ربما لا يهتمون بما يكفي لتذكر عيد ميلادك؟ وتشعر بالأذى النفسي.
هذا الشعور بالأذى لم يكن موجودا قبل تفكيرك هذا. لقد كانت الأفكار حول عدم وجود مكالمة هاتفية هي التي تؤلم. ماذا لو، بدلا من التفكير في المكالمة الهاتفية وانتظارها والتحسر على عدم وجودها، ابدأ في التفكير بالطريقة التالية: ربما حدث شيء ما بشكل غير متوقع، وهم مشغولون؛ لقد تحدثنا في وقت سابق من الأسبوع، لذلك أعتقد أن الأمر ليس بالأمر الكبير.
تلعب الأفكار دورا قويا في تحديد ما تشعر به وكيف ستتصرف. فإذا فكرت بشكل إيجابي في شيء ما، فمن المحتمل أن تشعر بإيجابية اتجاهه. على العكس من ذلك، إذا فكرت بشكل سلبي في نفس الشيء – سواء كان هذا التفكير مدعومًا بالأدلة أم لا – فسوف تشعر بالسلبية.
المزاج السيئ أمر مزعج، ويمكن أن يقلل من جودة أدائك، كما أنه يوتر العلاقات مع الآخرين.
تساعد إعادة الهيكلة المعرفية على تغيير التفكير السلبي أو المشوه الذي غالبا ما يكمن وراء هذه الحالة المزاجية. ويساعد على التعامل مع المواقف في إطار ذهني أكثر إيجابية.
كيفية تحديد التشوهات المعرفية بإعادة الهيكلة المعرفية:
تبدأ إعادة الهيكلة المعرفية بتحديد الأفكار السلبية غير العقلانية (التشوهات المعرفية) أولا.
يمكن أن تحدث التشوهات المعرفية بسرعة كبيرة بحيث تأتي وتذهب قبل أن نلاحظها. هي تشبه رد الفعل أكثر من كونها سلوكا متعمدا. لذا سنعتمد على الخطوات التالية لتبسيط هذه العملية الصعبة.
الخطوة الأولى: التثقيف النفسي:
عادة ما يبدأ التثقيف النفسي في الجلسة الأولى أو الثانية، ويستمر طوال فترة العلاج. ومن المهم جدا أن يفهم المريض ماهية التشوهات المعرفية، ومدى قوتها في التأثير على الحالة المزاجية. يجب البدء بالتثقيف النفسي حول النموذج المعرفي والتشوهات المعرفية، وإعطاء أمثلة كثيرة.
يحدد مستوى فهم المريض للنموذج المعرفي العلاجي مسار بقية العلاج. لذا يجب على المعالج أن يتأكد من شرح وتفسير النموذج المعرفي بشكل جيد للمريض. ونفسّر النموذج المعرفي العلاجي للمريض على نحو مبسط. (للاطلاع على النموذج المعرفي أنقر هنا)
الخطوة الثانية: زيادة الوعي بالأفكار:
بعد بناء فهم عام للنموذج المعرفي، سيتعلم المريض كيفية تحديد التشوهات المعرفية الخاصة به. وهذا يتطلب الممارسة. ليس من الطبيعي خلال نوبة الغضب أن أتوقف وأتساءل: ما هي الأفكار التي قادتني إلى هذه اللحظة؟
للتركيز على أهم التشوهات المعرفية، ابدأ بالبحث عن المشاعر السلبية. متى تكون أعراض الاكتئاب أو الغضب أو القلق في أسوأ حالاتها؟ إذا كان المريض يواجه صعوبة في تحديد مشاعره، فركز على السلوكيات. ما هي السلوكيات التي يريد تغييرها؟ ما الذي يثير تلك السلوكيات؟ فكر في هذه المواقف كإنذارات تنبهك إلى وجود التشوهات المعرفية.
مثال عن حالات الإنذار: تلاحظ تزايد نسبة التوتر قبل الخروج مع الأصدقاء، ويتسارع قلبك، وتتعرق.
عندما يكون هناك واجب كبير في المدرسة، فإنك تؤجله حتى اللحظة الأخيرة. المهام الصغيرة ليست مشكلة.
تشعر بالاكتئاب عندما تضطر إلى قضاء أمسية بمفردك. تشعر بالوحدة الشديدة لدرجة أنك لا تستطيع تحمل ذلك.
تهدف هذه المناقشة والأمثلة إلى تحسين وعي المريض بالمواقف التي تؤثر فيها التشوهات المعرفية على المزاج والسلوك.
عندما يبدو أن التوتر والقلق يتسلل إلى المريض، أو إذا كان لديه صعوبة في التعرف على مشاعره، ناقشه حول العلامات التحذيرية: كيف يشعر أو يتصرف بشكل مختلف مباشرة قبل حدوث الموقف؟ مثلا، قد يلاحظ الشخص الذي يعاني من الغضب أن وجهه يشعر بالحرارة، أو أن صوته يرتجف، قبل أن ينفجر غضبا.
مع إكمال الخطوة الثانية، يكون المريض قد وضع الأساس لأداة أساسية لإعادة الهيكلة المعرفية.
الخطوة الثالثة: سجلات الفكر:
سجّل الأفكار هو أداة لتسجيل التجارب، بالإضافة إلى الأفكار والمشاعر والسلوكيات المصاحبة لها. سيساعد هذا التمرين على إدراك التشوهات المعرفية التي لم يلاحظها أحد في السابق، ولم يكن هناك شك فيها. ومع الممارسة، سيتعلم المريض كيفية التعرف على التشوهات المعرفية في الوقت الحالي، وتحديها على الفور.
يمثل كل عمود من سجل الأفكار (يكون في شكل جدول) موقفا فريدا مختلفا. ستختلف عناوين كل عمود قليلاً بين سجلات الأفكار، ولكنها تتضمن عموما “الموقف”، و”الأفكار”، و”المشاعر”، و”العواقب”، وأحيانا “الفكر البديل”. يتم ملء كل عمود بعد وقت قصير من انتهاء الموقف.
عندما يواجه المريض صعوبة في تذكر إكمال سجل الأفكار، اطلب منه تحديد وقت منتظم لملء هذا السجل كل يوم. وشجعهم على تعيين تذكير على الهواتف، أو إكماله في وقت يسهل تذكره (قبل النوم مثلا).
تعليمات تسجيل الأفكار:
الموقف: وصف الموقف الذي أدى إلى مشاعر أو سلوكيات غير مرغوب فيها. سجل فقط حقائق ما حدث دون أي تفسير.
الأفكار: الأفكار تشبه المونولوج الداخلي. يمكن أن تكون بيانات أو أسئلة.
العواطف: اكتب كلمة واحدة أو وصفًا لشعور ما. إذا تغيرت مشاعرك خلال التجربة، قم بوصف تلك العملية.
السلوكيات: سجّل ما فعلته ردًا على الموقف.
الفكر البديل: ما هي الفكرة المختلفة التي كان من الممكن أن تكون لديك؟ الهدف ليس أن تكون إيجابيًا بشكل مفرط، أنت فقط تريد أن تكون عادلاً.
ملاحظة: عند توليد أفكار بديلة، ليس الهدف أن تكون إيجابيًا للغاية، بل أن تكون عادلاً. من الجيد الاعتراف بوجود موقف سيئ. إن المبالغة في الموقف السيئ هو ما نريد تجنبه.
في بعض الأحيان، يكون مجرد الوعي بالتشويه المعرفي كافيًا للقضاء عليه. التشوهات المعرفية الأخرى متأصلة بشكل أعمق، وتتطلب المزيد من العمل. هذا هو المكان الذي ستكون فيه تقنيات إعادة الهيكلة المعرفية، التي تشكل بقية هذا الدليل، مفيدة.
معايير التمييز بين الأفكار الوظيفية والأفكار المشوهة:
يراجع المعالج النفسي والمريض صعوبة في معرفة كيفية التمييز بين الأفكار الوظيفية والأفكار المضطربة، فيما يلي أربعة معايير يمكن أن تجعل الأمر أسهل:
التفكير الوظيفي مقابل التفكير المختل:
التفكير الوظيفي أكثر وضوحا، وأكثر منطقية، ويمكن التحقق منه أو إثباته بسهولة. مثال: “توجد مدينة في الجزائر تسمى مونتريال»، يمكن التحقق منه. “إذا تركني زوجي، أفقد الكثير»، يمكن إثبات أن هذا الشخص كان رفيقًا طيبًا وممتعًا في نظر زوجته.
على النقيض من ذلك، فإن التفكير المختل أقل وضوحا وأقل منطقية، وأكثر صعوبة في التحقق منه أو إثباته. مثال: “هجرتني زوجتي منذ شهر، إنه أمر مروع ولا يطاق”. بالكاد يمكن إثباته. إن فقدان أحد الأحباء أمر مؤلم بالتأكيد، ولكنه محتمل لأن معظم الأشخاص الذين يحدث لهم هذا الشيء يدعمونه. يصبح غير محتمل فقط إذا كان مصحوبًا باعتقاد غير واقعي وسوء التكيف مثلا:
“بدون زوجتي، من المستحيل أن أستمتع بالحياة، وبالتالي ، لن أكون سعيدا أبدا مرة أخرى »
فكرة مثل: “يبدو لي رحيل زوجي صعب التحمل ولكنه بلا شك سيصبح أقل إيلاما في بعض الوقت بشرط أن أقبله تماما وأعمل على الاستمتاع بالحياة رغم ذلك”، هي فكرة أكثر واقعية ، وأفضل تكيفا، وبالتالي أكثر فاعلية.
التعبير عن الأفكار:
لا يتم التعبير عن التفكير الوظيفي بعبارات مطلقة، ولكن بمصطلحات نسبية وشرطية ودقيقة، على عكس التفكير المختل الذي يتم التعبير عنه باعتباره مطلبا صارما.
مثال: “كنت أفضل أن تبقى زوجتي معي” (تفضيل مؤهل)، مقابل “ليس لزوجتي الحق في تركي بعد كل ما فعلته لها”. “يجب أن تبقى معي لأنني في حاجة ماسة إلى وجودها لأكون سعيدا “(مطلب صارم).
العواطف أو الانفعالات:
يتبع الفكر الوظيفي عواطف معتدلة وغير ضارة ، على عكس الفكر المختل الذي يؤدي غالبا إلى عواطف مختلة والتي تكون دائما مزعجة ومتكررة وضارة. “من المؤسف أن زوجتي تركتني” ستنتج مشاعر حزن مناسبة؛ لكن فكرة مثل “ليس لزوجتي الحق في أن تتركني ولا أستطيع أن أتحمل، لأنني في حاجة ماسة إلى وجودها لأكون سعيدا “سينتج القلق والعداء والحزن. ثلاث مشاعر على الأقل جزئيا مختلة لأنها شديدة للغاية وطويلة المدة.
الأهداف:
يساعد التفكير الوظيفي الشخص على تحقيق أهدافه، بينما يعيق التفكير المختل تحقيقها. في مثالنا، الفرد الذي فكر تفكيرا وظيفيا سيكون أقل انزعاجا وسيسهل عليه التصالح مع زوجته أو العثور على شخص آخر غير الشخص المعادي أو الغيور أو اليائس.
وبالتالي، فإن إعادة الهيكلة المعرفية تتكون من استبدال الأفكار المختلة بأفكار أكثر فاعلية. الطريقة الأكثر فعالية للقيام بذلك هي الكتابة. يجبرك النص المكتوب على إبعاد نفسك عن أفكارك، والتعبير عنها بشكل أكثر وضوحًا، وتنظيمها وترتيبها في تسلسل منطقي. يسمح لك بالقراءة مرة أخرى، وتصحيح نفسك، ويمكن الرجوع إليه لاحقا للحصول على تفكير جديد.
لكن لا يمكن للمرء أن يتوقع تغيير المعتقدات المختلة بسرعة وسهولة كونها مكتسبة ومتأصلة بعمق في نفسه منذ الطفولة والتي تم إعادة صياغتها آلاف المرات.
يقول لوسيان أوجيه: “تتطلب إعادة هيكلة الأفكار والمعتقدات المختلة عادةً قدرًا كبيرًا من الطاقة ومن الأفضل توقع أنها لن تفسح المجال إلا بعد عمليات إعادة هيكلة عديدة وطويلة الأمد”.
ميزات إعادة الهيكلة المعرفية:
تختلف إعادة الهيكلة المعرفية عن:
– الحديث الأخلاقي:
عندما نحاضر شخصًا ما، نشجعه على اتباع قواعدنا الأخلاقية الخاصة أو قواعد مجموعتنا أو ديننا أو مجتمعنا:” ليس لك الحق في التخلي عن زوجتك، من تعاطي المخدرات، من القيادة بهذه السرعة. يجب أن توفر المال، وتعمل أكثر، وتعتني بأطفالك بشكل أفضل. “؛
– الإيحاء الذاتي:
يتكون الاقتراح من إقناع الذات أو الآخرين بوجود حالة أو هدف قد يكون مرغوبا ولكنه لا يتوافق بالضرورة مع الواقع. يمكن أن يكون، على سبيل المثال، الشخص القلق الذي يكرر أثناء نوبة الهلع: “أنا مرتاح وهادئ وبصحة جيدة”؛ أو حتى من يخاف الكلاب ويكرر عندما يلتقي بالكلاب “هي حيوانات لطيفة للغاية” بينما يظل مقتنعًا في العمق بأنها خطيرة.
– الوعظ والإرشاد :
عندما نستخدم الإرشاد، فإننا غالبا ما نناشد إرادة الفرد أو تصميمه لتشجيعه على تحقيق هدف يعتبر مفيدًا له أو للآخرين: “كن متحفظا، وابذل جهدا، وواجه بشجاعة، فهذا في مصلحتك”؛
– التفكير الإيجابي :
عندما نستخدم التفكير الإيجابي، فإننا نضغط على أنفسنا لرؤية أو إظهار الجانب الجيد للأشياء، وتجاهل الجوانب السلبية التي تحتوي عليها، إن وجدت: “لقد تركتك زوجتك، ليس الأمر جديا، أنت هنا أكثر حرية مع التزامات والمسؤوليات أقل؛ يمكنك حتى اختيار زوجة أخرى تناسبك بشكل أفضل.
إعادة الهيكلة المعرفية لا تتعلق بالتحوّل إلى التطرف الإيجابي. بل تهتم بتطوير وجهة نظر أكثر تعقيدا تأخذ في الاعتبار وجهات النظر الإيجابية والسلبية. والنتيجة هي القدرة على تبني فكرة تثير مشاعر أقل سلبية وأكثر فعالية في مساعدة الأشخاص على تحقيق أهدافهم.
في بعض الأحيان، قد يشعر الشخص بتحول إيجابي فوري في حالته المزاجية بعد إعادة هيكلة فكرة مختلة. الجزء الأكثر أهمية في إعادة الهيكلة المعرفية هو الممارسة المنتظمة حتى تصبح تلقائية، دون أي جهد إضافي.
مثال نموذجي:
محمد مهندس مبتدئ في شركة عقارات خاصة. طلب من محمد بعد مرور سنة من عمله تقديم تقرير عن مشروع بناء مجموعة وحدات سكنية. بعد دراسة المشروع قام بتسليم تقرير إلى رئيسه في العمل. قرأ الرئيس التقرير وشكره على عمله، وقدم له مجموعة من الملاحظات والانتقادات الصغيرة.
أحد هذه الانتقادات المقدمة لمحمد لامس وترا حساسا عنده. فانزعج واحمر وجهه وغادر مكتب الرئيس مسرعا من دون توضيح سبب مغادرته. وعاد الى مكتبه وهو يشعر بالغضب والانزعاج.
يعلم محمد جيدا أنه بحاجة إلى تجاوز هذا الأمر حتى لا يؤثر مزاجه السلبي على الآخرين من حوله. فبدأ يأخذ بعض الأنفاس العميقة ويكتب سبب شعوره بالهجوم من قبل رئيسه في العمل. ثم تذكر أن الجودة الشاملة لعمله أثارت إعجابه وأنه يريده أن يتحسن ويطور من أدائه المهني. لقد استمتع أيضا بالعمل في المشروع، وفي أعماقه، كان يعلم أنه قام بعمل جيّد. بعد قضاء بضع دقائق لإعادة صياغة الموقف، لم يعد محمد يشعر بالغضب.
ذهب لرئيسه واعتذر على سلوكه السابق، ثم بدأ يستخدم اقتراحاته لتحسين تقريره.
في هذه الحالة، استخدم محمد إعادة الهيكلة المعرفية للتغلب على تفكيره السلبي.
استخدامات إعادة الهيكلة المعرفية:
يمكنك استخدام هذه التقنية بشكل فردي خارج سياق العلاج النفسي لإعادة صياغة الأفكار السلبية اليومية الأقل خطورة. مثلا، يمكن استخدام التقنية للتغلب على التفكير السلبي قبل التحدث أمام الجمهور، أو لتحسين الحالة المزاجية بعد يوم سيء، أو لتطوير التفكير بشكل إيجابي قبل الدخول في مراجعة الأداء أو مقابلة عمل، أو قبل الدخول في محادثة صعبة. كما تفيد إعادة الهيكلة المعرفية في التغلب على الخوف من الفشل والتخريب الذاتي أو العجز عن الاستمتاع بالنجاح وبلحظات الفرح.
تم استخدام إعادة الهيكلة المعرفية بنجاح لعلاج مجموعة واسعة من الحالات، بما في ذلك الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، والإدمان، واضطرابات القلق، والرهاب الاجتماعي، ومشاكل العلاقات.
وجدت دراسة أجريت عام 2007 أن إعادة الهيكلة المعرفية ساعدت المشاركين الذين عانوا من الحزن الشديد، في حين اكتشفت دراسة أجريت عام 2003 أنها تقلل من أعراض وتأثيرات اضطراب ما بعد الصدمة.
كيفية استخدام إعادة الهيكلة المعرفية:
يقوم المعالج والمريض أولا بفحص حدث أو موقف ضاغط أبلغ عنه المريض. قد يقوم المعالج والمريض معا بإنشاء إدراك أكثر واقعية.
تستخدم هذه التقنية وفقا لتسع خطوات هي:
الخطوة الأولى: تهدئة النفس.
في حالة ومواقف الغضب والانزعاج أو الضيق والتوتر يجد الشخص صعوبة في التركيز على استخدام أداة تهدئة النفس. لكن يجب بذل مجهود للوصول الى ذلك. يمكن استخدام التأمل أو اليقظة الذهنية أو التنفس العميق لتهدئة النفس.
الخطوة الثانية: تحديد الموقف.
ابدأ بوصف الموقف الذي أثار المزاج السلبي أو السيء. ويجب أن تنتبه الى الخلط بين وصف الموقف ووصف حالتك الانفعالية أو المزاجية. كما يجب الانتباه الى تجنب تزييف الوقائع أو زيادة أو انقاص التفاصيل.
الخطوة الثالثة: تحليل الحالة المزاجية.
بعد ذلك، ننتقل الى كتابة الحالة المزاجية والانفعالية (المشاعر) التي شعرت بها أثناء الموقف المزعج.
يجب الانتباه الى أن المشاعر ليست أفكارنا حول الموقف. وللتمييز بين الحالة المزاجية والأفكار انتبه لما يلي: الحالة المزاجية يمكن عادة وصفها في كلمة واحدة، بينما تكون الأفكار أكثر تعقيدا.
مثلا، عبارة: لقد أسقط اقتراحي أمام زملائي في العمل هي فكرة، في حين أن الحالة المزاجية المرتبطة بها هي: أحسست بالإهانة، أو بالإحباط أو بالغضب.
الخطوة الرابعة: تحديد الأفكار التلقائية.
في هذه الخطوة، وبعد الانتهاء من الخطوات السابقة، يطلب من الشخص كتابة ردود الفعل الطبيعية، أو الأفكار التلقائية، التي مرر بها عندما شعر بالحالة المزاجية.
في المثال أعلاه، أفكارك قد تكون:
ربما مهاراتي التحليلية ليست جيدة بما فيه الكفاية؛ هل فشلت في النظر في هذه الأشياء؟؛ إنه لم يحبني منذ. حادثة….؛ إنه وقح ومتغطرس للغاية؛ لا أحد يحبني؛ لكن حجتي سليمة؛ هذا يؤثر على مستقبلي في هذه المؤسسة.
في هذا المثال، من المرجح أن تكون الأفكار الأكثر إزعاجا واثارة للقلق والتوتر هي فكرة: ربما مهاراتي التحليلية ليست جيدة بما فيه الكفاية ولا أحد يحبني.
الخطوة الخامسة: ابحث عن أدلة موضوعية داعمة.
حدد الأدلة التي تدعم أفكارك التلقائية بشكل موضوعي. في مثالنا، يمكنك كتابة ما يلي:
مضى الاجتماع واتخذت القرارات، لكن اقتراحي تم تجاهله؛ لقد بيّن الخلل في إحدى حججي.
الهدف هنا هو النظر بموضوعية إلى ما حدث، ثم كتابة أحداث أو تعليقات محددة أدت إلى ظهور الأفكار التلقائية.
الخطوة السادسة: البحث عن أدلة موضوعية متناقضة.
في هذه الخطوة، يجب تحديد وكتابة الأدلة التي تتعارض مع الأفكار التلقائية.
في مثالنا، قد يكون هذا:
كان الخلل بسيطًا ولم يغير الاستنتاجات؛ كان التحليل سليما من الناحية الموضوعية، واقتراحي كان واقعيا وله ما يبرره؛ كنت الأول على صفي عندما تدربت على أسلوب التحليل؛ عملائي يحترمون تحليلي ورأيي.
هذه العبارات أكثر موضوعية وعقلانية من الأفكار التلقائية السابقة.
الخطوة السابعة: تحديد الأفكار العادلة والمتوازنة.
في هذه المرحلة، يكون الشخص قد نظر إلى جانبي الموقف. يجب أن يكون لديه الآن المعلومات التي يحتاجها لأخذ نظرة عادلة ومتوازنة لما حدث.
وإذا كان الشخص لا يزال في هذا المستوى يشعر بعدم اليقين، عليه مناقشة الموقف مع أشخاص آخرين يثق في رأيهم، أو أن يختبر ويفكر في الموقف من جديد أو أن يختبر السؤال بطريقة أخرى.
عند الوصول إلى رؤية متوازنة، اكتب هذه الأفكار. قد تتضمن الأفكار المتوازنة في هذا المثال الآن ما يلي:
أنا جيد في هذا النوع من التحليل. الآخرون يحترمون قدراتي؛ كان تحليلي معقولا، لكنه لم يكن مثاليا؛ كان هناك خطأ، لكنه لم يؤثر على صحة الاستنتاجات؛ الطريقة التي تعامل بها مع الموقف لم تكن مناسبة؛ لقد فوجئ الناس وصدموا قليلاً من الطريقة التي تعامل بها مع اقتراحي (كان هذا التعليق سيأتي بعد محادثة غير رسمية مع أشخاص آخرين في الاجتماع).
الخطوة الثامنة: مراقبة الحالة المزاجية الحالية.
في هذه الخطوة يصل الشخص الى رؤية أوضح للموقف، ومن المرجح أن يجد أن حالته المزاجية قد تحسنت. عليه كتابة ما يشعر به الآن.
بعد ذلك، عليه أن يفكر في ما يمكنه فعله حيال الموقف. ومن خلال اتخاذ وجهة نظر متوازنة، قد يفقد الموقف أهميته، وقد يقرر الشخص أنه لا يحتاج إلى اتخاذ أي إجراء.
الخطوة التاسعة: انشاء التأكيدات الإيجابية.
في الأخير يطلب من الشخص إنشاء بعض التأكيدات الإيجابية التي يمكنه استخدامها لمواجهة أي أفكار تلقائية مماثلة في المستقبل. وتكون هذه التأكيدات موجهة للذات بالدرجة الأولى.
تقنيات إعادة الهيكلة المعرفية:
غالبا ما يكون التعامل مع التشوهات المعرفية أمرا صعبا. لكن يوجد العديد من التقنيات للمساعدة في التعامل مع التشوهات المعرفية. وينبغي استخدام هذه التقنيات مرارا وتكرارا، كلما تم تحديد التشوهات المعرفية. ومع التكرار الكافي، سيتم إطفاء التشوهات المعرفية واستبدالها بأفكار جديدة ومتوازنة.
أولا، الاستجواب السقراطي:
كان سقراط فيلسوفًا يونانيًا أكد على أهمية التساؤل كوسيلة لاستكشاف الأفكار المعقدة وكشف الافتراضات. وقد تم اعتماد هذه الفلسفة كوسيلة للتعامل مع التشوهات المعرفية.
وبمجرد التعرف على التشوه المعرفي، تصبح هذه التقنية بسيطة. سيتم تقييم التشوه المعرفي من خلال طرح سلسلة من الأسئلة. يمكن للمعالجين أن يكونوا قدوة من خلال طرح هذه الأسئلة على عملائهم، ولكن في النهاية، يجب على العميل أن يتعلم التشكيك في أفكاره الخاصة.
مثال عن الأسئلة السقراطية
- هل هذا الفكر واقعي؟
- هل أبني أفكاري على حقائق أم على مشاعر؟
- ما هو الدليل على هذا الفكر؟
- هل يمكن أن أسيء تفسير الأدلة؟
- هل أعتبر هذا الموقف وأتعامل معه على أنه اما الأبيض اما الأسود، في حين أنه أكثر تعقيدا؟
- هل تراودني هذه الفكرة بدافع العادة أم أن الحقائق تدعمها؟
ثانيا، إزالة الكارثة.
يُطلق على إزالة الكارثة أحيانًا اسم تقنية “ماذا لو” بسبب أسلوب طرح الأسئلة.
تسمى تقنية إزالة الكارثة أيضا باسم تقنية “ماذا لو” بسبب أسلوب طرح الأسئلة.
في كثير من الأحيان، تكون التشوهات المعرفية مجرد نظرة مبالغ فيها للواقع. قبل الجلسة الأولى الأول، قد يجد الشخص نفسه غارقًا في القلق، ويفكر في كل الأشياء التي قد تسوء.
باستخدام تقنية إزالة الكارثة، نطرح أسئلة بسيطة جدا، ندخل بها الشك في اليقين المشوه لدى المريض. ونجهله يواجه أسوأ السيناريوهات التي يفكر فيها (ماذا لو أو ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث).
مثال نموذجي
المريض، أشعر بالقلق دائما من أن زملائي في العمل لن يعجبهم شكلي ومظهري، ربما أجعل من نفسي أضحوكة ان لم أهتم بأدق تفاصيل مظهري. هذا يقودني إلى الشعور بالتفاهة.
المعالج، إذن، ماذا لو تحققت هذه الأشياء؟ ماذا لو كان زملائك لا يحبون مظهرك، أو أنك تخدع نفسك فعلا؟
المريض، حسنا، ربما لن يتعاملوا معي بحميمية ولطف من جديد.
المعالج، ماذا لو لم يتعاملوا معك بلطف؟ ما يحدث بعد ذلك؟
المريض، لا أظن شيئا، أنا فقط سأجد نفسي مهمشا في العمل.
يساعد هذا التسلسل من الأسئلة على تقليل المستوى غير العقلاني من القلق المرتبط بالتشوهات المعرفية. ويسلط الضوء على حقيقة أنه حتى السيناريو الأسوأ يمكن التحكم فيه.
ثالثا، محاكمة الأفكار.
إن وضع الأفكار قيد التجربة هو أحد أنشطة العلاج السلوكي المعرفي، ويستعمل غالبا مع تقنية إعادة الهيكلة المعرفية.
يعمل المعالج مريضه بأن يكون في نفس الوقت محامي للدفاع عن أفكاره، وقاضي تحقيق، وقاضي ليحكم في القضية. يقوم المريض بلعب الأدوار الثلاثة مع أفكاره، ويحاول اقران كل دور بالأدلة المؤيدة والمعارضة لفكرة واحدة. ويتم قبول الحقائق التي يمكن التحقق منها فقط كأدلة، ولا يُسمح بالآراء والافتراضات والتخمينات.
يسمح هذا التدريب بتجربة التفكير في الأفكار وتفحصها من وجهات نظر متعددة، بطريقة عقلانية. يمكن للمعالج المساعدة في هذه العملية من خلال تحدي الأدلة التي يعتقد المريض أنها تخالف القواعد، وتقديم الأدلة التي أخطأ فيها المريض.
يتطلب هذا التدريب أن يكون المريض قد فهم جيدا النموذج المعرفي.
يتم التدريب وفقا للمخطط التالي:
أولاً، سيعمل المريض كمحامي دفاع من خلال الدفاع عن أفكاره السلبية. اطلب منه تقديم حجة حول سبب صحة الفكرة. يجب الالتزام بالحقائق التي يمكن التحقق منها، أما التفسير والتخمينات والآراء ممنوعة هنا.
بعد ذلك، اطلب من المريض أن يقوم بدور قاضي التحقيق، ويقدم أدلة ضد الفكر السلبي.
ثم اطلب منه الالتزام بالحقائق مع استبعاد الآراء، تماما كما في الخطوة السابقة.
وأخيرا، اطلب منه أن يقوم بدور القاضي، ويقوم بمراجعة الأدلة وإصدار الحكم. ينبغي أن يأتي الحكم على شكل فكر عقلاني.
مثال نموذجي عن محاكاة الأفكار
الفكرة: ربما زوجتي تكرهني، بعد مشاجرة البارحة حول المصاريف.
حجة الادعاء: ضد الفكر.
- عندما نتجادل، نجد دائمًا طريقة لحل المشكلة.
- نحن متزوجان عن حب لأكثر من سبع سنوات.
- يقول زوجتي أنها تحبني.
- زوجتي تغضب منا (أنا وأولادي الثلاثة) من وقت لآخر
حجة الدفاع: في الدفاع عن الفكر
- كثيرًا ما نتجادل بشأن أشياء بسيطة، مثل الأعمال المنزلية والمصاريف.
- أنا لا أكمل دائمًا الجزء الخاص بي من المصاريف المنزلية والأعمال المنزلية.
- أستطيع أن أقول أن زوجتي لا تحبني من الطريقة التي نظرت بها إلي . التفسير غير مقبول.
قد تكون حجج الحكم:
مزعجة في بعض الأحيان، ولكن بشكل عام، هذه علاقة صحية ومحبة. لا يوجد دليل على أن زوجتي تكرهني.
إعادة الهيكلة المعرفية هي شكل شائع من العلاج المعرفي السلوكي، يستخدم لتحديد وتعديل التشوهات المعرفية غير القادرة على التكيف.
المراجع
Butler, A. C., Chapman, J. E., Forman, E. M., & Beck, A. T. (2006). The empirical status of cognitive-behavioral therapy: a review of meta-analyses. Clinical psychology review, 26(1), 17-31.
Carey, T. A., & Mullan, R. J. (2004). What is socratic questioning? Psychotherapy: Theory, Research, Practice, Training, 41(3), 217.
Cooper M.; Todd G.; Turner H.; Wells A. (2007). “Cognitive therapy for bulimia nervosa: an A-B replication series”. Clinical Psychology and Psychotherapy. 14 (5): 402–411. doi:10.1002/cpp.548.
Ellis, A., & Grieger, R. (1977). Handbook of rational emotive therapy. New York: Springer
Fairburn, C. G., Marcus, M. D., & Wilson, G. T. (1993). Cognitive-behavioral therapy for binge eating and bulimia nervosa: A comprehensive treatment manual. In C. G. Fairburn & G. T. Wilson (Eds.), Binge eating: Nature, assessment and treatment (pp. 361–404). New York: Guilford Press.
Gladding, Samuel (2009). Counseling: A Comprehensive Review. 6th. Columbus: Pearson Education Inc., 2009.
Hope D.A.; Burns J.A.; Hyes S.A.; Herbert J.D.; Warner M.D. (2010). “Automatic thoughts and cognitive restructuring in cognitive behavioral group therapy for social anxiety disorder”. Cognitive Therapy Research. 34: 1–12. doi:10.1007/s10608-007-9147-9.
Kanter J.W.; Schildcrout J.S.; Kohlenberg R.J. (2005). “In vivo processes in cognitive therapy for depression:Frequency and benefits”. Psychotherapy Research. 15 (4): 366–373. CiteSeerX 10.1.1.560.1667. doi:10.1080/10503300500226316.
McManus, F., Van Doorn, K., & Yiend, J. (2012). Examining the effects of thought records and behavioral experiments in instigating belief change. Journal of behavior therapy and experimental psychiatry, 43(1), 540-547.
Pull C.B. (2007). “Combined pharmacotherapy and cognitive- behavioural therapy for anxiety disorders”. Current Opinion in Psychiatry. 20 (1): 30–35. doi:10.1097/yco.0b013e3280115e52. PMID 17143079.