يعتقد الكثير من الممارسين للعلاج النفسي أن وجود التحويل والتحويل المضاد في العلاقة العلاجية، ولا سياما التحويل الايجابي دلالة على قوة التحالف العلاجي والعلاقة العلاجية. وأن التحويل السلبي يشير الى وجود صراعات تمنع العلاقة العلاجية الصحية. لكن الحقيقة غير ذلك. سنفصّل فيما يلي في ظاهرتي التحويل والتحويل المضاد في العلاج النفسي وسنبيّن حقيقة هذه العلاقة و دورها في العلاج النفسي.
أمثلة يومية عن استعمال التحويل
في يوم عادي في العمل. يذكّرك مديرك الغاضب بجدك الذي غضب عليك يوما عندما كنت طفلا، وبعقابه لك بعد غضبه، فتشعر بالخوف والارتجاف نتيجة ذلك.
تركب في الحافلة بجانب رجل أكبر منك سنا، يشبه الى حد كبير أستاذك في المرحلة الثانوية الذي كنت تحبه كثيرا وتحترمه. فتحس بأنك تستمتع معه بالحديث، وتتبادل معه أطراف الحديث.
وعلى العكس قد تجلس بجوار شخص يذكرك بجارك الذي كان يصرخ في وجهك كلما رآك في الشارع عندما كنت طفلا، فتحس بالضيق من الشخص الغريب وتتفادى الحديث معه، أو الاجابة على أسئلته.
في سياق العلاج النفسي، قد تتعامل مع معالجك الأكبر سنا منك كما تتعامل مع والدك باحترام شديد، لدرجة أنك لا تستطيع أن تبوح له باستهاماتك الجنسية المتسلطة عليك والتي تثير لديك القلق الحاد. أو يجعلك المعالج تشعر بالغضب لأنه يذكرك بزميلك المتنمر في المدرسة الابتدائية.
أو قد تستجيب لمعالجتك الأصغر منك سنا كما لو كانت والدتك، أو تكن لها مشاعر حب قوية وأنت في علاقة زواج باردة.
و قد تكوّن انطباعا سلبيا أو إيجابيا عن أشخاص لم تتعامل معهم عن قرب، أو تعاملت معهم في حدود ضيقة. أنت لا تدرك سبب انطباعاتك هذه، وقد تقدم تبريرات لهذه الانطباعات لا صلة لها بالحقيقة التي تعيشها.
هي أمثلة تحدث معنا يوميا وتؤكد أن التحويل يحدث في مواقف مختلفة، ومع أشخاص مختلفين وليس حصرا على العلاج النفسي.
تطوّر مفهوم التحويل
ارتبطت ظاهرة التحويل (التحويل والتحويل المضاد) بالعلاج النفسي غير الصحي قبل ظهور التحليل النفسي. وقد كانت الحالة (أنا أو) مفتاح تطوّر هذا المفهوم بحبها لمعالجها بروير. ليقدّم سيغموند فرويد بعد ذلك في الحالة (دورا) أول تعريف لظاهرة التحويل.
كما ناقش فرويد وبروير (1895) ظاهرة التحويل والتحويل المضاد في السياق العلاجي. كتابات فرويد وبروير عن التحويل كانت في البداية من أجل تفسير ما أسموه بالتشوهات في تصورات الواقع التي يعيشها المريض. واعتبر فرويد في تقديم الحالة (دورا) التحويل بأنه “نسخ جديدة من النزاعات والاستهامات التي يتم إيقاظها وإدراكها من خلال العلاج التحليلي. ميزتها الأساسية هي استبدال شخص من الماضي بشخص المعالج”. بعبارة أخرى، تعود بعض الحالات النفسية السابقة التي عاشها الشخص، ليس كحالات سابقة ولكن كعلاقات حالية مع شخص المعالج.
أولا، التحويل
يحدث التحويل في سياق أي علاقة، والعلاقة العلاجية ليست استثناءا، ليمثّل التفاعل بين المشاعر والذكريات والأفعال اللاواعية. العلاج النفسي، والتحليل النفسي خاصة يزيد من تكثيف التحويل بسبب الشروط النفسية والمادية للاطار العلاجي، وخصوصية العلاقة العلاجية.
تعريف التحويل
التحويل مفهوم أساسي في التحليل النفسي، طوّره سغموند فرويد ليشير إلى عملية تحويل شعور أو عاطفة أو علاقة حدثت في الماضي إلى شخص آخر أو موقف في الحاضر (شخص المعالج النفسي). والتحويل في العلاج النفسي هو عمل نفسي يقوم به المريض دون وعي منه، يقوم من خلاله بنقل وتحويل مشاعره المرتبطة بشخص ما من ماضيه إلى شخص المعالج خلال العلاج.
وهو عملية جد معقدة حسب ماك كاري (1994)، تحدث عندما يحاول العقل فهم التجربة الحالية (تجربة العلاج) وربطها بتجارب وخبرات الماضي.
يحدث التحويل أثناء جلسات العلاج النفسي، أين يمكن للمريض أن يعرض مشاعره وتجاربه السابقة على المعالج. وتسمح وضعية العلاج والاطار العلاجي والمواضيع التي يتم تناولها خلال الجلسات بتحفيز هذه الالية النفسية اللاواعية.
يسمح التحويل للمعالج النفسي بفهم تفكير المريض وسلوكياته ومصدر التحويل في ماضيه. وقد اعتبره سغموند فرويد ظاهرة مرضية متكررة؛ لأنها لا تعبّر عن العلاقة الحالية الفعلية بين المريض والمعالج. وهو التعريف الذي رفضه العديد من المعالجين بعد فرويد.
تعتبر العلاقة العلاجية علاقة تحويلية، يعمل فيها المعالج على احتواء الجوانب الطفولية لدى المريض من خلال تحليل وتفسير هذه المظاهر التحويلية لمساعدة المريض على فهم أصل مشاكله وإيجاد الحلول المناسبة.
أنواع التحويل
حددت الدرسات العيادية في هذا المجال وجود ثلاث أنواع رئيسية لظاهرة التحويل:
- التحويل الايجابي : يحدث عندما يقوم المريض بإسقاط بعض الجوانب الممتعة لعلاقات عاشها في الماضي على علاقته الحالية بالمعالج، مما يجعله يرى المعالج كشخص حكيم ومتعاطف معه. هذا التحويل الايجابي مفيد جدا للعملية العلاجية إذا ما تم استخدامه من قبل المعالج بحكمة.
- التحويل السلبي: يحدث عندما يسقط المريض بعض المشاعر السلبية أو العدوانية المرتبطة بتجارب وخبرات سلبية من ماضيه على العلاقة العلاجية وعلى شخص المعالج. ظهور هذا التحويل السلبي في العلاقة العلاجية ليس بالضرورة سلبيا للعلاج، فإذا تفطّن له المعالج وأحسن التعامل معه سيسمح للمريض بفهم مشاعره واستجاباته العاطفية.
- التحويل الجنسي: ييتمثل في انجذاب المريض للمعالج، فيطوّر مشاعر الحب والرومانسية أو الانجذاب الجنسي، ويصبح المعالج محور استهامات المريض الجنسية. يمكن أن يكون هذا التحويل الجنسي ضارا بالتحالف العلاجي وبمسار العلاج النفسي ككل.
مواضيع التحويل
قد يحمل لاالتحويل عدة مضامين ومحتويات مختلفة، سنذكر فيما يلي أكثرها انتشارا.
- تحويل نموذج الأب: يتعامل المريض مع معالجه باعتباره شخصية قوية وحكيمة وذات سلطة ويمكنها حمايته من أي أذى. مما يجعل المريض يبدي إعجابا بمعالجه، ويطوّر نموذجا علائقيا اعتماديا عليه، يشبه ذلك الذي كان يربطه بوالده.
- تحويل نموذج الأم: يرى المريض في معالجه قدرته على الرعاية وإعطاء الاهتمام والحب، فيتعامل معه على أنه شخص يمكنه أن يوفر له الراحة والمساعدة والاهتمام. وحسب نموذج وطبيعة علاقة المريض الأولية بأمه، فإنه يطوّر اتجاه المعالج مشاعر الثقة والاطمئنان أو على العكس مشاعر الحزن والعدوان (تجارب الاحباط الأولية مع الأم).
- تحويل نموذج الأخوة: يتم تفعيل هذا النموذج من التحويل إذا كانت نماذج الأبوين مفقودة لدى المريض. فيطوّر أحد نماذج العلاقة بإخوته في الماضي، كالمنافسة والصراع والقيادة والمعارضة وغيرها.
- التحويل خارج نموذج العائلة: نتحدث عن هذا النموذج غير العائلي من التحويل إذا صوّر المريض معالجه على أنه شخص مثالي يمكنه معالجة كل آلام النفس بشكل مطلق.
ظاهرة التحويل من منظور سغموند فرويد
في النظرية التحليلية الفرويدية، يحدث التحويل من خلال إسقاط مشاعر المريض على المعالج. وهو ما يسمح للمعالج بتحليل المريض (فرويد وبروير، 1895).
وتفترض نظرية التحليل النفسي الكلاسيكية أن التحويل أداة هامة من أدوات العلاج، تساعد في فهم مشاعر المريض المكبوتة أو المتوقعة أو المزاحة والمستبعدة. وفي عدد من الحالات يمكن أن يحدث الشفاء بمجرد الكشف عن هذه الاشكاليات البدائية العالقة.
التحويل ظاهرة ترتبط بطبيعة الحالة المرضية. بحيث يمكن أن يوقف التحويل آلية التكرار العلاجية لخبرات وصدمات الماضي.
التحويل مرض اصطناعي يقول فرويد(فرويد، 1951). ويسمح هذا المفهوم المتطور للتحويل بفهم وإعادة بناء ما حدث في الطفولة.
التحويل والمقاومة النفسية
التحويل لا يلعب دور المقاومة إلا بقدر ما هو تحويل سلبي، أو تحويل إيجابي يتكون من عناصر شبقية مكبوتة. وتعد تصفية التحويل من أهم مهام العلاج التحليلي (Freud, 1912: La dynamique du transfert).
يمكن أن يكون التحويل ملائمًا للعلاج أو يمكن أن يسبب المقاومة، ولكن حتى التحويل السلبي يخدم تقدم العلاج التحليلي (فرويد، 1917: مقدمة في التحليل النفسي).
حب التحويل
يعبّر المريض عن مشاعره التحويلية بأي وسيلة: بالكلام والسلوك، وهذا الخطاب النشيط الذي أيقظه جهد التذكر (خلال الجلسة)، يعبّر عن حدث نفسي-عاطفي حالي، يكون نسخة من أحداث قديمة.
في حب التحويل، يتم اسقاط النرجسية على المعالج: فالمريض يحب ما هو ناقص في أناه (وهو موجود لدى المعالج) لكي يتوافق مع الأنا المثالي (Freud, 1914: Pour introduire le narcissisme).
التحويل والعلاج النفسي
التحويل ليس إلا جزءا من التكرار، والتكرار هو تحويل الماضي المنسي أو المكبوت.
تكمن عقبة العلاج في التعامل مع التحويل: لا ينبغي أبدا رفض حب التحويل. ولكن يجب ألا يقوم المعالج بأي إجراء حتى ولو بالكلمات يدعم حب التحويل. إذا كان حب التحويل يخدم المقاومة، فإنه لا ينشأ منها ولكن يسبب الحب في العلاقة العلاجية (Freud, 1915).
التحويل الذي يعمل كبديل للإشباع هو مكان للإحباط المفيد، ومصدر للقوة التي تجعل من هذا الإحباط محتملاً (Freud, 1919: Les nouvelles vois de la thérapeutique psychanalytique)
قد يكون التحويل أحيانا تحويلا ذكوريا وأحيانا تحويلا أنثويا لنفس المعالج (رجلا كان أو امرأة). ويكون أحيانا حاملا للقانون ومانعا، وأحيانا أخرى يحتوي على المواساة والدعم.
في العلاج النفسي يجب أن يقبل المعالج رؤية نفسه حاملا للتحويل، ولإسقاط التحويل عليه من قبل المريض. ليتمكن من إعطاء القوة لتفسيراته عن العلاقة التحويلية، وعن رمزية الاضطراب النفسي.
دور التحويل في العلاج النفسي
تتمثل الأصالة العيادية للعلاج النفسي في استقبال كلمات المريض -الذي لا يستطيع هو نفسه استيعابها- وتوجيهها إلى شخص آخر يثق به. هذا التحالف الذي يسمح بحدوث عمل نفسي حقيقي، يعتمد على جودة ونوعية علاقة التحويل.
تشير الاستجابات التحويلية عادة إلى وجود مشكلة عميقة أو حادة، أو حتى عمل نفسي غير مكتمل من ماضي المريض. فعندما يقدم المريض نموذج “الطفل-الوحش” الذي بداخله كجزء من عملية التحويل، فإنه يجلب معه مواد إكلينيكية تدعو المعالج إلى استقبالها. هذا الطفل-الوحش سيستدعي بحضوره نبرة المفاجأة والقلق، التي تزعزج الاستقرار النفسي للمريض، وتثير القلق والعدوان القديم في علاقاته البدائية، ليعاد عيشها في الوضعية الحالية العلاجية.
على المعالج في هذا الموقف ألا يحاول إستبعاد هذه التحويلات رغم قساوتها؛ لأن العملية ككل عبارة عن نوع من الإبداع النفسي، الذي يكشف عن المعاش القديم والخاص جدا للمريض. هذا المعاش ذو قيمة كبيرة للعلاج وللمعالج. فالمعالج سيواجه من خلال التحويل استهامات المريض ومخاوفه وخياله واستهام الخصاء واستهامات الفقد والموت، وتجارب الاحباط و اللذة. تساعد العلاقة التحويلية المعالج على تحليل تأثيرات هذا الواقع على المعالج (لفهم التحويل المضاد) من جهة، وعلى المريض من جهة ثانية. كما تؤثر مظاهر التحويل على تطوّر العلاقة العلاجية، وعلى وضعية العلاج، وعلى المعالج وطريقة حضوره وطرق دعمه وتدخّله مع المريض.
هذا الأمر يفرض على المعالج قبل البدء في ممارسة العلاج النفسي التعرّف على مصادر القلق والاحباط لديه، والتعامل مع خبرات الماضي التي يمكنها التأثير على أدائه العلاجي.
تجميع عناصر التحويل خلال العلاج النفسي؟
يقوم المعالج النفسي، ومن أجل الجمع بين عناصر التحويل بفحص التوزيع التفاضلي للدال (signifiant/ meaning) في كلمات المريض وفي سلوكياته ومعتقداته وأفكاره وانفعالاته.
بالنسبة للواقع النفسي للمريض يجب أن يتوافق الكلام مع ما يحدث في الداخل، وما يحدث في الخارج/البيئة. لذلك لا ينبغي فصل الحياة في الجلسة عن الحياة خارج الجلسة، ليتمكن المعالج من جمع كل عناصر التحويل.
كما يقوم المعالج أيضا بتحليل وتفسير تجربتي الإخلاء والاستبعاد؛ التي تتضمن فكرة أن المريض لا يفكر فيما يقوله بوعي أو بغير وعي، وأنه لا يدرك حتى أنه كان يقوم بإخلاء شيء ما من خلال سلوكه أو كلماته.
ثانيا، التحويل المضاد
تعريف التحويل المضاد
التحويل المضاد من منظور فرويد هو مجموع السلوكيات والوضعيات التي يسلكها المعالج اتجاه المريض، ويشمل كل السلوكات الشعورية واللاشعورية.
وعليه، يمثل التحويل المضاد استجابات المعالج أمام اسقاطات المريض، والتي يمكنها أن تثير ردود أفعال لدى المريض. عرّفه (فينك، 2011) بأنه إعادة توجيه مشاعر المعالج اتجاه المريض، والتشابك العاطفي الذي يمكن أن يحدث جراء ذلك. كما أشار راكر (1988) الى أن مشاعر المعالج اتجاه مرضاه يمكن أن تؤدي إلى ظهور محتوى نفسي من شأنه التأثير على مسار العلاج. ومن المهم العمل على مشاعر المعالج لفهمها. بالنسبة لراكر دائما يجب التعامل مع هذه المشاعر بمجرد ظهورها وعدم تجاهلها أو إانكارها، من أجل الحفاظ على علاقة علاجية صحية. بحيث اعتبر سغموند فرويد التحويل المضاد خطيرا اذا تجاهله المعالج أو أنكره؛ لأنه قد يؤثر على موضوعية المعالج.
من خلال تحليل التحويل المضاد (ما يدور بداخله) يفهم المعالج مريضه، الذي يمكنه بالتالي التخلص من التأثيرات السلبية للتحويل والتصالح مع تجارب الماضي السلبية.
التحكم في التحويل المضاد خلال العلاج النفسي
تعتبر مشكلة التحويل المضاد واحدة من أصعب المشكلات في العلاج النفسي. فما يقدمه المعالج للمريض من عاطفة لا يجب أبدا أن يكون عاطفة تلقائية. بل يجب التعامل معها بوعي، والتعبير عنها بكميات حسب حاجة العلاج، وليس حسب حاجة المريض. فإعطاء القليل من العاطفة للمريض بسبب أن المعالج لا يستلطفه ولا يحبه هو في الحقيقة إلحاق للضرر به، وهو خطأ تقني يقول فرويد. لذا يجب إعطاء العاطفة حسب حاجة العلاج وليس حسب حاجة المريض. (Freud, 1913: lettre à Binswanger).
يجب أن يتخذ المعالج موقفا موضوعيا اتجاه تحويل المريض، ويمتد ذلك بين وقت الجلسة والوقت خارج الجلسة. ففي الجلسة يستمع المعالج الى السيرورة الأولية، أو التردد الاستهامي الناتج عن تحوّل عناصر التفكير بفعل تنشيط ميكانيزمات الإزاحة والتكثيف (كما يحدث في الحلم). أما خارج الجلسة فيستمع المعالج الى السيرورات الثانوية بعد تطوير التحويل المضاد من قبل المعالج. هذا الأمر يحدث تذبذبا إيقاعيا بين العناصر القديمة للتحويل، والعناصر الأكثر إعدادا للتفكير الثانوي، أي بين النكوص والتطور.
ثالثا، مؤشرات ظاهرة التحويل والتحويل المضاد في العلاج النفسي
لضمان فعالية العلاج النفسي من خلال التحويل يجب أن يتمكن المعالج من استخراج مؤشرات التحويل والتحويل المضاد، والتعامل الصحيح معها. تتمثل هذه المؤشرات في ما يلي:
فيما يتعلق بالتحويل
- ظهور عواطف قوية وغير مناسبة: عندما يسيطر على المريض عواطف سلبية قوية كالغضب والنقد والهجوم والضيق بشكل مبالغ فيه، أو مفرط مقارنة بموضوع النقاش. تعتبر هذه علامة واضحة على أن التحويل يحدث الآن. وأحيانا قد يظهر المريض سلوكيات قهقهة وضحك غير لائق، أو مفرط حول مواضيع عادية يعتبر أيضا إشارة لعملية التحويل.
على المعالج الاستفسار أولا من المريض عن سبب هذه العواطف القوية وغير المناسبة للموقف، ثم يعالج معه التجربة البدائية التي تحملها هذه العواطف.
- توجيه عواطف قوية للمعالج: عندما يوجّه المريض عواطف قوية لمعالجه، فإنه يحوّل إليه مشاعر من طفولته. فعلى سبيل المثال، إذا بكى المريض في إحدى الجلسات بسبب موضوع يتم مناقشته، وأحس بالأذى من اتهامات المعالج، وبأنه يحاول من خلال أسئلته استفزازه، أو تحميله مسؤولية هذا الموضوع. فقد يكون هذا مؤشرا على تحويل مشاعر قوية مرتبطة بإحساس المريض بأذية أحد أبويه له في موضوع مماثل من الماضي.
فيما يتعلق بالتحويل المضاد
- الاحساس بالكره اتجاه المريض: في سياق التحويل المضاد قد يحس المعالج بمشاعر سلبية اتجاه المريض دون سبب واضح وموضوعي، أو حتى بوجود سبب واضح.على المعالج في مثل هذه المواقف أن يعيد التفكير في قيمه، ومعتقداته وعواطفه اتجاه المريض وعلاقتها بتجاربه السابقة.
- الانشغال المفرط بالمريض: إذا لاحظ المعالج أن تفكيره في مريض بعينه يأخذ حيزا كبيرا من وقته، وتتولد لديه مشاعر قوية اتجاه هذا المريض، فهذا يعتبر مؤشرا لحدوث تحويل مضاد. على سبيل المثال، الشعور بالرعاية والانقاذ والاهتمام اتجاه المريض. سيعزز هذا السلوك غير المفكر فيه تعلّق المريض به.
على المعالج أن يضبط الحدود المهنية بينه وبين المريض، وإن لم يستطع، فعليه بتحويل الحالة الى معالج آخر، خاصة أمام تهديد هذا التحويل المضاد القدرة على ممارسة العلاج بكفاءة. يساعدنا في مثل هذه الحالة تدريبات التحويل كثيرا.
- الاستخفاف بالجلسات: اذا لاحظ المعالج بأنه يتصرف باستخفاف ولا مسؤولية خلال الجلسة، أو يشعر بالخوف فلا شك بأنه يتبنى دور الطفل في علاقته ضد التحويلية مع المريض. فقد يستجيب المعالج لدور الضحية الذي يلعبه المريض ويتحول لاشعوريا الى دور المنقذ.
- الانزعاج من المريض، أو الملل من الجلسات ومن المريض أو حتى الخوف منه والاعجاب به كلها مؤشرات ضد تحويلية.
التعامل المهني الاحترافي مع مؤشرات التحويل والتحويل المضاد
لكي يتمكن المعالج النفسي من التعامل الفعّال مع مؤشرات التحويل والتحويل المضاد، يجب اتباع الخطوات:
- الانتباه الى استجابات المريض والى استجاباته. هذه الأخيرة يجب أن تكون مدروسة. ويحاول المعالج قدر الاستطاعة فصل ما يحدث في الجلسة عن تجاربه السابقة، وعن مخاوفه وطموحاته.
- الانتباه الى الموضوعية في كل التعاملات العيادية مع المرضى. ينصح في كل جلسة استرجاع الاجابة على السؤال التالي: ماذا يعني هذا المريض بالنسبة لي؟ الاجابة على هذا السؤال ستساعد كثيرا المعالج في إدراك وفهم ما يحدث من علاقات تحويلية.
- الانتباه الى سلوكيات وأقوال المريض التي تخرج عن سياق العلاقة العلاجية. على سبيل المثال، المديح الكثير، النقد المتكرر، الانفجار العاطفي، محاولة الاتصال الجسدي، تقديم الهدايا، الحلم…
- تذكّر أن العمل العلاجي هو مساعدة المريض على الانتقال من الماضي إلى الحاضر، وليس العودة الى الماضي والبقاء فيه، أو إحضاره الى الحاضر.
وفي الختام، أريد أن أشير الى أن التحويل مسألة تخص العلاقات الانسانية؛ فكلما تمكن المعالج والمريض من فهم العلاقات، وتحسين نوعيتها، سيتعلم كل منهما المزيد عن نفسه فيما يخص العلاقات، والأفكار والمشاعر والسلوكيات وحتى الخيالات والاستهامات. فإذا تمكنا من تحديد وفهم مشاعرنا اتجاه الآخرين، ومناقشتها والعمل عليها ستهدأ استجاباتنا المختلفة، وتكون أكثر إتزانا ووضوحا.
قائمة المراجع
- Fink, B. (2011). The fundamentals of psychoanalytic technique: A Lacanian approach for practitioners. W. W. Norton & Co. https://www.amazon.com/dp/0393707253/
- Freud, S., & Breuer, J. (1895). Studies in hysteria. Penguin Books. https://www.amazon.com/dp/0142437492/
- Fuertes, J. N., Gelso, C., Owen, J., & Cheng, D. (2013). Real relationship, working alliance, transference/countertransference and outcome in time-limited counseling and psychotherapy. Counseling Psychology Quarterly, 26(3), 294–312. https://doi.org/10.1080/09515070.2013.845548
- Horacio, E. (2005). The fundamentals of psychoanalytic technique. Karnac Books. https://www.amazon.com/dp/185575455X/
- Jung, C. (1946). The psychology of transference. Princeton University Press. https://www.amazon.com/dp/0691017522/
- Makari, G. J. (1994). Toward an intellectual history of transference. The Psychiatric Clinics of North America, 17(3), 559–570. https://doi.org/10.1016/S0193-953X(18)30100-X
- Racker, H. (1988). The meaning and uses of countertransference. In B. Wolstein (Ed.), Essential papers on countertransference. New York University Press.
- Wachtel, P. L. (2008). Relational theory and the practice of psychotherapy. Guilford Press. https://www.amazon.com/dp/1609180453/