إذا تواجد طفل عنيد داخل الأسرة، توجه له كل الأنظار، ويصبح محط اهتمام الأبوين، ومصدر قلقهما وتوترهما، ومسقط صراخهما وعقابهما.
ما لا تعرفه أيها الأب وأيتها الأم، أن طفلك العنيد نعمة لا تدركون الآن قيمتها الحقيقية. فالطفل العنيد اليوم هو مراهق مستقل غدا. لا يمكن لأحد أن يسلبه حق التفكير، وحرية اتخاذ القرار بسهولة، هو مراهق يصعب إقناعه بأشياء لا يقبلها، أو تتعارض مع مبادئه، لا يمكن التحكم في أرائه، ولا تحويله عن مسار تفكيره.
لماذا طفلي عنيد؟
يمر الأطفال بالعديد من التغيرات النمائية التي تجعلهم يتصرفون بعناد شديد أحيانا، ولا يعني ذلك أن هناك شيئًا خاطئًا معهم أو في مهاراتك في تربيتهم. يمكن للأطفال الصغار اختبار صبر واصرار الوالدين على قرارات معينة، ويتمسكون بأسلوب الالحاح الممل للحصول على ما يريدون، أو يرفضون بإلحاح ممل أيضا الانصياع لأمر أو تعليمة لا يرغبون في تنفيذها. وعندما يقترب الطفل من عامه الثاني يبدو أن كل سؤال تطرحه أو تطلبه منه يقابله الرفض وكلمة “لا” بصوت عالٍ. وهو نوع بدائي من العناد والتحدي الذي يشير الى بداية إحساس الطفل بالاستقلالية عن الأم خاصة، وهو في الواقع سلوك طبيعي تمامًا مناسب لهذه المرحلة النمائية. وبمرور الوقت يتعلم الطفل من خلال السبب والنتيجة، والعقوبة والمكافأة والتشجيع، والمحاولة والخطأ الاستسلام أحيانا لأوامر الكبار، خاصة عندما يدرك افتقاره للمهارات الجسدية والمعرفية اللازمة لإشباع فضول الاستكشاف لديه. لذلك عندما تضطر إلى قول “لا” لشيء يريد طفلك أن يفعله، فهناك احتمالية كبيرة لمقاومة رفضك بناء على ما تعلمه سابقا عن الرفض والعناد والاستقلالية.
كيف أتعامل مع طفلي العنيد؟
إذا كان طفلك عنيدًا، فلتتأكد أيها الأب والأم أن طفلك يتصرف بطريقة يضنها صحيحة، ويحاول من خلال سلوكياته (التي يراها الراشدون أحيانا أنها غير صحيحة أو خاطئة) التعبير عن ذاته، والتأسيس لمكانته داخل الاسرة، أو الدفاع عن تلك المكانة. فطفلك لا يفرق غالبا بين السلوك الصحيح والسلوك الخاطئ ما لم تحدد أنت أيها الأب وأيتها الأم (بالتكرار) الصح والخطأ من السلوك.
كل ما تكوّن من طباع لدى الطفل خلال الست سنوات الأولى من العمر لا يمكن تغييره في ستة أيام؛ فكل ما تبرمج عليه الطفل من سلوك، وطريقة تفكير يمكن إزالة برمجته، وتغييره بنفس أسلوب الاشراط الأولي، لكن يجب التحلي بالصبر للتقليل من هذا العناد على الأقل في الأشياء التي تضر بطفلك وبمستقبله.
من المهم التفكير مع طفلك، ومناقشته باستفاضة لشرح بعض الأساسيات من الصواب والخطأ، والممنوع والمسموح به من السلوك، وإذا لم تأخذ هذا الأمر على محمل الجد منذ سن مبكرة فقد تتعقد الأمور، فطفلك يخاطر بأن يصبح طفلًا مدللًا وفاسدًا، ثم مراهقا عنيدا لا يسمع الا صوته.
إذا لاحظت أن طفلك حاول أن يتحداك في موقف تافه، فقد يكون من المفيد السماح له بفعل ما يريد. مثلا إذا أصريت على أن يرتدي ملابسه بنفسه، فليكن ذلك في عطلة نهاية الأسبوع، أين يكون لديك متسع من الوقت. بهذه الطريقة سيشعر طفلك وكأنه يتمتع ببعض السيطرة.
يمكن أن يساعد تقديم الخيارات في إشباع حاجة طفلك لاتخاذ قراراته بنفسه، ولا تقدم أكثر من خيارين.
العقوبة ليست بالضرورة هي الحل الأنسب، يجب أن تتجنبالإساءة الجسدية أو اللفظية إذا كنت تتوقع منه أن يكون أكثر تفهمًا وأقل عنادً، لكن يمكنك تجربة عقوبات أخرى كما هو موضح في المثال التالي
إذا كان طفلك يحب رفقة أصدقائه، ويصر على رغبته في مشاهدة التلفزيون وترك واجبه المنزلي غير مكتمل، يمكنك في هذه الحالة انذارطفلك بأنه إذا أراد اللعب مع أصدقائه يجب أن ينهي واجبه المنزلي أولا، ستلاحظ أنه سيتخلى عن رغبته في مشاهدة التلفاز ليذهب لإنهاء واجبه المنزلي، بهدف التمكن من اللعب مع أصدقائه. في هذه الحالة لا يعطي الأب أو الأم أمرا مباشرا للطفل في عدم مشاهدة التلفاز، بل يكتفي بربط رغبته المفضلة (اللعب مع أصدقائه) بشرط أساسي (انهاء واجبه المنزلي). هذا الأمر سيجعلك تتفادى الصدام مع طفلك، وتتفادى اثارة عناده أكثر، وتحقق هدفك في أن يستجيب لتعليماتك.
الحل الوسط فعال جدا، وهو حل يجعل الطفل يتفادى التفكير. فالطفل ومن خلال تمكينه من شيء يحبه سيأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنه يجب عليه الاستماع إليك إذا كان يريد تحقيق رغباته. هذه ليست عقوبة، بل طريقة تساعده على اتخاذ قرارات معينة (صحيحة) من خلال الاسترشاد بأولويات محددة.
- كن أكثر تساهلا وتجنب قول كلمة “لا” في كل الوضعيات وفي كل المواقف، وأمام كل طلباته طالما أن هذه الطلبات بسيطة ومعقولة. فاذا كنت تستخدم كلمة لا باستمرار، فقد يصبح طفلك أكثر تحديًا. فعلى سبيل المثال، بدلاً من قول “ممنوع الجري”، يمكنك القول “أريدك أن تمشي”، وهو تفاعل أكثر إيجابية.
- تجنّب تهديد طفلك بنظرة العينين، أو النظرات الغاضبة، أو الايماءات الحادة، وتفادى تماما التهديد اللفظي بالحاق الأذى بطفلك.
- لا تكن قاسيا (حتى في العقاب) فلن يؤدي ذلك إلا إلى تعقيد الأمور.
- عبّر لطفلك عن حبك له في المواقف المناسبة، واشكره على مبادراته، وامدحه على إنجازاته، وافصل في تعاملك معه بين حبك له ورفضك لسلوكه العنيد.
- حاول التحدث مع الطفل، ومشاورته ان استطعت، ومناقشة أرائك واختياراتك معه لجعله أكثر مسئولية منذ صغره.
- قم بتنفيذ عواقب الفعل، إذا قررت أنه سيكون هناك بعض العقوبة على سلوك معين، فسيتعيّن عليك احترام ذلك.
- لا تطلق تهديدات ولا وعود لا يمكن تنفيذها، فهذا سيخدع طفلك ليعتقد أنك شخص متقلب المزاج وكاذب. فعلى سبيل المثال، إذا أمرت طفلك بترتيب غرفته قبل الذهاب للعب مع أحد أصدقائه فلا تستسلم في حالة عدم قيامه بإنجاز العمل المطلوب. الإصرار هو المفتاح في هذا النوع من المواقف، ولا يكون مرافقا لعنف لفظي أو جسدي، ولا لغضب أو نرفزة.
- ابتكر روتينًا معينا فهو يساعد طفلك على معرفة ما يمكن توقعه منه، وبالتالي تجنب المفاجآت غير السارة خلال اليوم. فالروتين اليومي يحسّن كثيرا التنظيم والتحصيل والإنتاجية والفعالية داخل الاسرة وفي المدرسة.
- ضع وقتًا صارمًا والتزم به أنت أيها الأب، وأيتها الأم قبل الطفل للنوم والاستيقاظ كل يوم، ووقت الوجبات، ووقت للترفيه والاستراحة، ووقت للعمل؛ لأن طفلك يقلد سلوكك أكثر مما ينفذ تعليماتك وأوامرك.
- تأكد من حصول طفلك على قسط كافٍ من النوم؛ لأن قلة النوم قد تسبب مشاكل سلوكية عديدة. على العموم من سن 3 إلى 12 عاما، يحتاج معظم الأطفال من 10 إلى 12 ساعة من النوم يوميا (بما في ذلك أوقات القيلولة).
- أعط طفلك الكثير من التحذير والتنبيه إذا كنت تريد تغيير روتين معيّن، لكن عليك طمأنته بأن كل شيء سيعود الى طبيعته في أسرع وقت.
- من الطبيعي أن تشعر كأب أو أم بالإحباط وحتى القلق والغضب عند التعامل مع طفلك العنيد. لكن عليك التحكم في هذا النوع من المشاعر، ولا تسمح لها بالتأثير على طريقة تفاعلك مع طفلك.
- غالبًا ما يختبر الأطفال حدود استقلاليتهم، وهو جزء طبيعي وصحي من الطفولة، حتى لو كان هذا الأمر محبطا للوالدين الذين اعتادوا التحكم والسيطرة على سلوكيات الأبناء وتوجيهها.
- من المهم إعطاء طفلك الشعور بأن لديه القدرة على اتخاذ القرارات التي تؤثر عليه. لذا اسمح لطفلك بمساعدتك في إنشاء قائمة المشتريات أو الطبق الذي سنطبخه اليوم وغيرها.
- لا تستسلم لطفلك عندما يصرخ خاصة في الأماكن العامة، لكن من الضروري أن تتحمل الموقف. فبمجرد أن تستسلم، يتعلم طفلك أن نوبة الغضب هذه ستجعلك في النهاية تستسلم وترضخ لطلباته. فاذا كنت في مكان عام قم باصطحاب طفلك إلى مكان لا يزعج فيه الآخرين، واهدأ وانتظر فقط حتى يهدأ، وغادر المكان من دون عقاب. مغادرتك للمكان من دون تنفيذ طلباته هو أحسن عقاب له.