توجه مختلف تقنيات العلاج المعرفي السلوكي الى حل المشكلة الراهنة المسببة للاضطراب. وتعلم كيفية التعامل مع الصدمات النفسية، والتوقف عن إنكارها أو التعرض لأزمة عند التذكر (يعاني أكثر من نصف المرضى من ضغوط ما بعد الصدمة). وتستعمل في العلاج الجماعي ولعب الأدوار وحل المشكلات، والإدارة العاطفية، والعلاقات الشخصية، والتصالح مع الذات وقبولها. كتقنيات اليقظة العاطفية، والتركيز والحفاظ على المسافة بين الذات والاضطراب.
وهناك العديد من التقنيات المصنفة و المندرجة تحت تسمية العلاج المعرفي السلوكي. وهناك من بين هذه التقنيات التي تركز على التفكير في التفكير، أو ما يسمى بما وراء المعرفة. وحتى إن كانت هذه التسمية غير مستعملة كثيرا في هذا السياق، إلا أننا حاولنا في هذا المقال أن نعرض تقنية السهم النازل وهي واحدة من تقنيات العلاج المعرفي السلوكي التي تعتمد في الأصل على استراتيجيات ما وراء المعرفة.
تقنية السهم النازل (الهابط)

قال كارل يونغ، إلى أن نجعل اللاوعي واعيا، فإنه سيوجه حياتنا وسنسميه القدر.
إن فهم أفكارنا الداخلية والأسباب التي تجعلنا ننخرط في سلوكيات معينة أو نشعر بمشاعر معينة هو الخطوة الأولى لإحداث التغيير.
إحدى الطرق لفهم أعمق أفكارنا هي تقنية السهم النازل.
تقنية السهم العمودي أو تقنية السهم النازل، أو الهابط أو تقنية الهبوط العمودي كلها مسميات لنفس التقنية.
تعريف تقنية السهم النازل
تقنية السهم النازل من تقنيات العلاج المعرفي السلوكي، وشكل من أشكال الاستجواب السقراطي الذي يطرح فيه المعالج سلسلة متتالية من الأسئلة للكشف عن المعتقدات الوسيطة والأساسية.
تسمح تقنية السهم النازل للمعالج بالوصول إلى المعتقدات الكامنة وراء الأفكار أو المخاوف الحالية. ويمكن بعد ذلك استكشاف صحة وفائدة هذه المعتقدات الأساسية ومعالجتها. على سبيل المثال، قد يكون لدى الشخص خوف من القيادة، وباستخدام هذه التقنية قد يكتشف أن اعتقاده الأساسي هو أنه قد يقتل طفلا على الطريق. من خلال العمل مع هذه المعتقدات واستخدام التقنيات السلوكية مثل تقنيات العلاج بالتعرض، يمكن إثبات أن هذه المعتقدات الأساسية ليست صحيحة.
ويكون طرح نفس السؤال مرارا وتكرارا هو الحل للوصول إلى جوهر الأمر ( ماذا يعني ذلك بالنسبة للمريض؟ أو ماذا يعني ذلك؟).
تعتمد هذه التقنية على استكشاف السيناريوهات التي وضعها المريض حول المواقف التي يتجنبها أو يخشى منها. ومن خلال إيصال المريض بلطف إلى نهاية السيناريو الذي يخشاه، يمكن معرفة مراحل سير الأحداث فيه، والكشف عن العواطف المرتبطة به.
في معظم الأوقات، لن يقدم المريض سوى جزء صغير جدًا من هذا السيناريو الذي يلعبه في شكل إدراك لفظي أو تصوير خيالي.
عادة ما تكون هذه الأفكار تلقائية، من نوع “لا يجب أن أتعامل مع أشخاص غرباء، فهذا خطير للغاية”. لذلك من الضروري مرافقة المريض للذهاب إلى نهاية الحدث المخيف وعواقبه.
سيبدأ المعالج من هذا التفكير التلقائي، ويدعو المريض إلى تخيل العواقب المحتملة وفقا له، وعواقب ذلك على المريض. وعليه يجب أن يكون المعالج متعاطفا جدا مع المريض؛ لأن تقنية السهم النازل تعيد المريض إلى الإدراك المزعج والمؤلم الذي يفضل الاحتفاظ به لنفسه، أو الذي لا يريد التفكير فيه أصلا.
- يجب على المعالج أيضا أن يظل يقظا في التحقيق الذي يسمح به السهم النازل؛ لأنه لا يجب عليه أن يستبدل إدراكه بإدراك المريض (الموضوعية والحيادية).
- بما أن تشفير هذه الإدراكات يمكن أن يكون ذو طبيعة مصورة/خيالية، يمكن أن نطلب من المريض اغماض عينيه لتسهيل عملية استرجاع الادراكات والأحداث.
- تناسب هذه التقنية العلاجية كثيرا التحليل الوظيفي (تحديد الإدراك وعواقب الموقف بالنسبة للمريض)، ويمكن استخدامها أيضًا في إجراء إعادة الهيكلة المعرفية.
- بعد ذلك يمكن السماح للمريض بأن يحترم رأيه فيما يتعلق بوجهة النظر الأولية (الفكرة الأولى)، وأن يستبدل تدريجياً أفكاره التلقائية بأفكار بديلة (إيجابية غالبا).
- لكن يجب استخدام هذه التقنية بحذر شديد أمام حالات الاكتئاب؛ لأن المعالج غير المتمكن في التقنية قد يوصل المريض الى صعوبات خطيرة.
غاية تقنية السهم النازل هي الوصول الى المعتقدات الأساسية، فإذا فهم المعالج ماهية المعتقدات أو الادراكات أو الأفكار الأساسية، يمكنه فهم الأعراض التي تحتاج إلى التدخل بشكل أفضل. وهذا بدوره يمكّن من معالجة تلك الأعراض بشكل أكثر فعالية.
مبدأ تقنية السهم النازل
الفرضية التي تقوم عليها تقنية السهم النازل هي أن الأشخاص لديهم مستويات مختلفة من الأفكار
يمكن أن تكون هذه الأفكار مرتبطة بأنفسنا أو بالآخرين أو بالعالم/المستقبل.
- الأفكار السطحية. هي تلك التي تظهر على الفور استجابة لموقف ما. على سبيل المثال، إذا قام أحد الأصدقاء بإلغاء لقاء، فقد تكون الفكرة السطحية هي “لا يريدون قضاء الوقت معي”.
- القواعد/المعتقدات المتوسطة. تميل معتقدات المستوى المتوسط إلى التقاط المعتقدات العامة أو القواعد التي يؤمن بها الشخص ضمنيًا. فيميل الشخص الى إلى اتباع منطق “إذا … إذن …”. على سبيل المثال، “إذا كان أصدقائي لا يريدون قضاء الوقت معي، فهذا يعني أنني ممل”.
- المعتقدات الأساسية. هي جوهر الطريقة التي نفكر بها في أنفسنا والآخرين والعالم والمستقبل. تشمل أمثلة المعتقدات الأساسية “أنا عديم القيمة”، “أنا غير محبوب”، “العالم غير عادل”.
تقنية السهم للأسفل تقودنا إلى معتقداتنا الأساسية.
غالبا ما تعكس الأفكار التلقائية المخاوف لحظة بلحظة (سوف أتأذى أو لن أتمكن من التعامل مع الأمر). ويستفيد العديد من الأفراد من معالجة أي تحيّزات معرفية متأصلة في هذه المخاوف، ومع ذلك، فإن نموذج العلاج السلوكي المعرفي يتصور المعتقدات الوسيطة والمعتقدات الأساسية التي تؤدي إلى توليد تغذية هذه الاهتمامات لحظة بلحظة.
متى نستخدم تقنية السهم النازل؟
- في العلاج السلوكي المعرفي، تمثل المعتقدات الأساسية جزءا مهما في صياغة العديد من الاضطرابات النفسية. إذا استخرجنا وفهمنا هذه المعتقدات الأساسية، يمكننا فهم الأعراض التي تحتاج إلى تدخل علاجي بشكل أفضل. ويسمح هذا أيضا بمعالجة تلك الأعراض بشكل أكثر فعّالية.
- ان معرفة المعتقدات الأساسية للمريض تسمح باختيار مكونات العلاج المناسبة. وتتيح أيضا فهم مهارات العلاج السلوكي المعرفي التي ستكون أكثر فعالية.
- تسمح تقنية السهم النازل باستخراج المعتقدات الأساسية للمريض، وكشفها له في وقت أسرع وبدقة عالية مقارنة بباقي تقنيات العلاج المعرفي السلوكي.
- تستخدم تقنية السهم النازل أيضا لتسريع تقدم المريض، وتحسين الأعراض من خلال إعادة الهيكلة المعرفية.
- لمساعدة المعالج على تحسين صياغة أعراض الحالة. ففي بعض الحالات، حتى بعد عدة أسابيع أو أشهر من العلاج السلوكي المعرفي، ستكون مجالات صياغة المعالج لمشاكل المريض غير مكتملة. وهذا يشوش الصورة ويعرقل الجهود المبذولة لتحديد المشكلة أو العرض الذي يجب معالجته وبأي ترتيب.
- إن استخدام تقنية السهم للأسفل، إذا نجحت، قد تكشف للمعالج المعتقدات الأساسية التي لم تكن واضحة من قبل. وفي هذه الحالة لا يحتاج المعالج إلى قضاء وقت في مناقشة أهمية المعتقد الأساسي الذي تم الكشف عنه باستخدام تقنية السهم النازل. ويمكن للمعالج أن يستمر في التركيز مع المريض على الأعراض والمشكلات التي تستدعي الاهتمام في تلك اللحظة. ويتغير الهدف التالي بناء على الصياغة المتوصل اليها.
كيفية استخدام تقنية السهم النازل
تعتمد تقنية التقييم الذاتي (الملاحظة الذاتية) لبيك على الانطلاق من فكرة مشوهة/مختلة، وتحليلها بطريقة عقلانية، من أجل الوصول بالمريض لرؤية واقعية وحيادية للأحداث. وبالتالي الانقاص من الانفعالية.
في تقنية السهم النازل، سنقوم بالعكس تمامًا: سنبدأ من التفكير (الواعي) المختل الذي يعبّر عنه المريض، ونتصرف كما لو كان صحيحًا، حتى نتمكن من النزول بعمق قدر الإمكان نحو المستويات المعرفية اللاواعية بالتدريج، ونوصل المريض إلى التشوهات المعرفية والمعتقدات الأساسية التي هي أصل هذا التفكير.
نستخدم هذه التقنية اذن، كسلسلة من الأسئلة ضمن تدفق العلاج، أو بشكل صريح مع المريض من خلال كتابة القلق الحالي في الأعلى، ثم النزول مع المريض من خلال المعتقدات الوسيطة/المتوسطة (المعتقدات التي تتوسط المواقف والضوابط المتصورة) عن طريق طرح أسئلة مثل “إذا كان هذا صحيحًا، فسيزعجني لأنه سيعني. عندما لا يبدو أن المعتقدات تغير أي معتقدات جوهرية أخرى يتم الوصول إليها في كثير من الأحيان يمكن توجيه المريض لاستخدام هذه التقنية كواجب منزلي لاستكشاف المعتقدات الكامنة وراء المخاوف التي تظهر خلال أسبوعهم. يجب الحرص على استخدام هذه التقنية برأفة حيث يصل المريض غالبًا إلى المعتقدات الأساسية بسرعة، والتي قد يجدها البعض مزعجا.
الخطوة الأولى: تعرف على المريض.
ربما يكون هذا بديهيًا، لكن أسلوب التقنية يعمل بشكل أكثر فاعلية بعد أن تصل إلى صياغة أولية للحالة. سيستغرق هذا بضع جلسات بغض النظر عما إذا كانت الجلسات للتقييم أو ما قبل العلاج أو جلسات علاج.
الخطوة الثانية: اختيار الفكرة الأولية الصحيحة.
أثناء التحضير للجلسة، على المعالج أن يضع في اعتباره أنواع الأفكار والمعتقدات المتوسطة (de croyances moyennes) التي يريد الاستماع إليها. ستكون هذه الأفكار والمعتقدات تبدو قوية أو ثابتة أو مؤثرة بطرق مفاجئة. إذا كان الاعداد بطريقة صحيحة قبل الجلسة، فسيكون المعالج جاهزًا عندما تظهر الأفكار.
الخطوة الثالثة: الاستفسار عن الغرض
. هذه الأسئلة يجب طرحها للوصول إلى مستوى أعمق من المعتقدات:
- ماذا يعني ذلك؟
- ماذا يقول ذلك عنك؟
- ماذا في ذلك، ماذا لو كان ذلك صحيحا؟
- لماذا أنت قلق من أن ذلك قد يعني؟
- لماذا يزعجك ذلك؟
- ماذا يوحي ذلك؟
مثال نموذجي
أستاذ موسيقى بمؤسسة تعليمية يعاني من الاكتئاب، وسيقوم تلامذته بالعزف في حفل الاستقلال المقبل.
المريض (التفكير التلقائي): الحفل سيكون كارثة.
المعالج (الاستعلام): هل هو كذلك؟ نعم. ماذا يعني ذلك إذا كان صحيحا سيكون كارثيا؟
المريض (الإيمان بالفكرة): يعني أنني فشلت.
المعالج: وإذا فشلت، ماذا يعني ذلك؟
المريض (الاعتقاد): يعني أنني مدرس سيء.
المعالج: وماذا يعني ذلك ؟
المفحوص (الاعتقاد الأساسي): هذا يعني أنني فقط… غير قادر.
عندما نصل إلى هذا الحد، يتعلق الأمر بمعالجة المخاوف والمعتقدات الأساسية.
- ما الدليل الذي لديك على صحة ما قلته؟ أو ما الدليل الذي لديك على أنه ليس كذلك؟
إرشادات لتطبيق تقنية السهم النازل:
- لا تعتمد على تقنية السهم النازل باعتبارها لحظة علاجية وفقط، فالبصيرة بالمعتقدات ليست الهدف. المعلومات هي الهدف. استخدم المعلومات التي تحصل عليها لإثراء عملك المستقبلي مع المريض بشكل أفضل.
- لا تضع الكلمات في فم المريض. قد يغريك قول أشياء خلال الجلسة من قبيل: هل تعتقد أن هذا يعني أنك غير كفء بشكل عام؟. لأن هذه التقنية تكون فعالة عندما تأتي الصياغة والكلمات من المريض وليس من فم المعالج. ولا يجب أن يشعر المريض بالضغط للموافقة على اعتقادك المفترض إذا لم يتطابق تمامًا مع فهمه.
- لا تحاول الوصول إلى المعتقدات الأساسية باستخدام هذه التقنية في وقت مبكر جدًا من العلاج. تريد أن يكون لدى المريض قاعدة مهارات جيدة للتعامل مع أي اعتقاد تجده.
مثال نموذجي
لفهم كيف يمكننا استخدام الأفكار التلقائية والمعتقدات الوسيطة كنقطة انطلاق للوصول إلى المعتقدات الأساسية، دعونا نلقي نظرة على المثال الموالي لمريضة تعاني من الاكتئاب:
- زوجي لا يحبني.
- الكثيرين يعتقدون أنني غبية.
- لا أستطيع التعامل مع التواجد في مجموعات كبيرة.
- لن يكون لدي صديقات مقربات أبدًا.
إذا كان هناك اعتقاد أساسي (عدم القدرة على الحب) خلف هذه المعتقدات الوسيطة والأفكار التلقائية، فإن تقدم المريضة قد يستقر، حتى اذا لم تتم معالجة اعتقاد عدم القدرة على الحب.
ماذا بعد تحديد الأفكار المشوهة والمعتقدات الأساسية؟
بمجرد تحديد الأفكار والمعتقدات المختلفة التي تؤثر على المريض، تكون الخطوة الموالية معالجتها.
هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكنك تطبيقها للتعامل مع هذه الأفكار. كاختبار صحة الفكر من خلال سجلات الفكر أو التجارب السلوكية أو ممارسة اليقظة الذهنية المنتظمة . أو اعادة الهيكلة المعرفية.
من خلال التجربة والممارسة الكافية، ستبدأ في ملاحظة أن هذه الأفكار تصبح أقل تلقائية وقد تغير معتقداتك الأساسية في النهاية. على سبيل المثال، هل يؤثر قضاء ليالٍ سيئة على أدائك بالسوء الذي تعتقده. يمكن استخدام سجل الأفكار للنظر في المواقف التي أمضيت فيها ليلة سيئة ولكنك لا تزال قادرا على إنجاز ما تحتاج إليه.
يمكنك الاضطلاع على هذه المصادر من أجل التوسع أكثر في تقنيات العلاج المعرفي السلوكي:
أو قراءة المقالات التالية:
توركينغتون د، كينغدون د، ويدن بيجاي. العلاج السلوكي المعرفي لمرض انفصام الشخصية
- يمكنك أيضا قراءة المزيد من هنا