القائمة

الفحص النفسي

شارك المقال

الفحص النفسي يتطلب مهارات فنية دقيقة من الأخصائي النفسي، بالإضافة إلى أسس مستمدة من الممارسة العيادية والعلوم المعرفية وعلم النفس العصبي. يتم توجيه الفحص وفقا لقواعد أخلاقية تهدف إلى حماية الأفراد المشاركين فيه، بما في ذلك الأهل والمتخصصين الآخرين. يعتمد الفحص النفسي على ثلاث ركائز أساسية هي: العيادة، العلوم المعرفية، والأخلاقيات، والتي تنظم ممارسة هذا المجال.

الفحص النفسي وتطبيق الاختبارات:

بالرغم من أن الفحص النفسي لا يقتصر فقط على الاختبارات المعرفية أو تقييمات الشخصية، إلا أن هذه الأدوات لا غنى عنها. الحوار واللعب والرسم للأطفال الصغار هي وسائل هامة أيضا، لكن تظل الاختبارات النفسية الدقيقة والمثبتة علميا عنصرا أساسيا، خاصة للأطفال والمراهقين.

الأخصائي النفسي ليس مجرد منفذ للاختبارات، بل هو إكلينيكي يتعامل بشكل مباشر مع معاناة الشباب ويفهم الأداء النفسي لكل فرد باستخدام الأدوات المناسبة. يتحمل الأخصائي مسؤولية اختيار الأدوات بدقة، وضمان أن تكون مدعومة علميا ومحدثة باستمرار.

لتكون الاختبارات النفسية فعالة، يجب أن تستند إلى أسس نظرية قوية، وأن تتمتع بالصلاحية والموثوقية والحساسية. كما يجب أن تعكس المعايير المستخدمة التطورات الحديثة في مراحل نمو الأطفال والمراهقين. تطرأ أهمية خاصة لفهم واستخدام الاختبارات مثل WISC-V وWPPSI-IV وKABC-II وغيرها.

شهد الفحص النفسي تطورا كبيرا في الأدوات والإجراءات والمفاهيم، حيث تحول من اختبارات بسيطة إلى عملية متكاملة تشمل الجانب العيادي. يعيد الأخصائيين النفسيين باستمرار تعريف الفحص ليركزوا على الجوانب الفردية المعقدة لكل حالة، من خلال استخدام أدوات ملائمة تتفاعل مع التغيرات المجتمعية والنماذج النظرية الحديثة.

ورغم هذا التطور المستمر، يظل الفحص النفسي في حاجة إلى تحسين مستمر. يبقى الهدف الأساسي هو تحقيق احترافية أعلى في التقييمات، مع الحفاظ على التعاطف العميق تجاه الأفراد وعائلاتهم.

مفاهيم أساسية في الفحص النفسي:

ندرك تماما أهمية الكلمات ومعانيها الدقيقة في مهنتنا، لذلك نتناول هنا ثلاثة مصطلحات شائعة يستخدمها المهنيون للإشارة إلى عملية قياس الأبعاد النفسية باستخدام الاختبارات: الفحص، والتقييم، والاختبار. فما هي أصول هذه المصطلحات وقيمتها؟ وأي منها يبدو الأكثر ملاءمة وقربا لممارستنا؟ وهل يمكن اعتبارها مرادفات؟

الفحص

يعتبر مصطلح “الفحص” الأكثر تداولا في هذا السياق، وهو المصطلح التاريخي الذي استخدمه بينيه وخلفاؤه. يحمل هذا المصطلح دلالتين يمكن أن تسبب بعض اللبس في فهمه بين الأخصائيين النفسيين والأشخاص الذين يخضعون للفحص.

  1. الدلالة الطبية: في المجال الطبي، يستخدم مصطلح “الفحص” لوصف إجراءات تهدف إلى تقييم الحالة الصحية أو الكشف عن الأمراض، سواء تمت هذه الإجراءات باليد المجردة (مثل التفتيش والجس) أو باستخدام الأجهزة الطبية (مثل الأشعة أو التصوير بالرنين المغناطيسي).
  2. الدلالة التعليمية: في سياق التعليم، يستخدم مصطلح “الفحص” كمرادف للاختبارات المدرسية مثل امتحان البكالوريا. كما يستخدم في قطاعات أخرى مثل النظام القضائي، أو التدقيق المالي، أو حتى المؤسسات الدينية التي تتناول “فحص الضمير”.

بالرغم من تنوع استخداماته في مجالات متعددة، لا نرى حاجة لتجنب هذا المصطلح في علم النفس، فهو يعبر عن عمل تحليلي معمق يستهدف الكشف والفهم. بالإضافة إلى ذلك، يشير إلى عملية مستمرة، تتطلب الزمن والتفكير، وهو ما يتماشى مع النهج الذي يتبعه الأخصائي النفسي في عمله.

التقييم

يفضل بعض المؤلفين مصطلح “التقييم” لوصف الممارسات المهنية. يرتبط هذا المصطلح عادة بالنتائج أو الملخصات، مثل تقييم الحالة المحاسبية، أو حتى التقييم الشخصي في نهاية الحياة، الذي يتناول الإنجازات والأفعال الماضية.

في علم النفس، يشير التقييم إلى لحظة توقف وتأمل في مسار الشخص لفهم وضعه الحالي وتطوره، بهدف إعادة توجيه مستقبله. وكما أشار أربيسيو (2003):

“التقييم يتواجد في سياق تاريخي: الشخص الذي يمر بتغييرات، سواء كانت مهنية أو شخصية، ينظر إلى الماضي ليفهم ما يريد تحقيقه الآن.”

إذن، أيهما يجب استخدامه: الفحص أم التقييم؟ نعتقد أن المصطلحين متقاربان جدا في علم النفس، وقد يكونان مرادفين. يمكن لكل شخص اختيار المصطلح الذي يفضله بناء على حساسياته ومدرسته النظرية.

الاختبار

المصطلح الأخير هو “الاختبار”، والذي نراه غير مناسب عند اقترانه بالصفة “النفسي”. يرتبط أصل هذا المصطلح بتقدير القيمة، مثل تقييم الأسعار أو تحديد مدى إتقان المفاهيم المكتسبة. في حين يمكن تقييم تطور الطفل في وظيفة معرفية معينة، فإننا نرى أنه من المضر اعتبار التقييم النفسي العام لشخص ما مجرد وضعه على مقياس للقيم.

تعريف الفحص النفسي

كيف يمكن تعريف الفحص النفسي؟ إنه مفهوم معقد، يعكس تفرد الأشخاص الذين يخضعون له، ويشمل جوانب متعددة نظرا لتنوع الحالات والأهداف. كما أنه يتطور مع الزمن والتقدم العلمي. الفحص النفسي يتطلب تفاعلا ثنائيا، حيث يتم في بيئة مغلقة بين شخصين:

“الفحص النفسي يوفر أعلى مستويات التفاعل بين الطرفين، حيث يعزز التأثير المتبادل بين كل طرف والآخر.” (غيومين، 1977).

وكما أشار C. Arbisio (2003)، فإن الممارس يلعب دورا حيويا في هذا الإطار:

“يعد الإكلينيكي نفسه جزءا لا يتجزأ من النظام، مما يفترض أنه يأخذ في الاعتبار انخراطه الشخصي.”

الفحص النفسي ليس مجرد إجراء تقني، بل هو عملية شاملة تتطلب تفاعلا مستمرا وتحليلا معمقا، تجمع بين العيادة، العلم، والأخلاقيات.

الفحص النفسي وضعية تفاعل

يشير الفحص النفسي إلى تفاعل ثنائي بين الأخصائي النفسي والشخص المفحوص، وهو ليس اختبارا مدرسيا أو استجوابا أمام لجنة. بل هو لقاء مغلق يجمع الطرفين وجها لوجه في بيئة خالية من المؤثرات الخارجية، مما يعزز التأثير المتبادل المستمر بينهما. وكما أشار غيومين (1977):

“بسبب قصر مدته وكثافة الملاحظة فيه، وبسبب طبيعته الثنائية، يوفر الفحص النفسي شروطا مثالية للتفاعل المستمر بين الطرفين.”

الفحص النفسي لحظة ومساحة مخصصة للموضوع

يتعلق التقييم النفسي بتخصيص لحظة ومساحة كاملة لفهم موضوع محدد بعمق، بمساعدة الشخص المفحوص. كما أوضح شابر وفيردون (2008):

“خصوصية التقييم النفسي تكمن في توفير مساحة زمنية مخصصة لفحص الصعوبات التي يواجهها الشخص، مما يتيح ملاحظة أصلية لكيفية عمله النفسي، مع الاستناد إلى مواد ملموسة ومحفزة ضمن علاقة ديناميكية.”

وهم القدرة المطلقة

يشدد M. Emmanuelli (2003) على أن الفحص النفسي لا يمكن أن يعتمد على اختبار واحد أو نوع واحد من الأدوات. بل يشمل المقابلات التمهيدية والمقابلات الأكثر عمقا، إلى جانب ملاحظات متعددة للموضوع:

الفحص النفسي يأخذ في الاعتبار العلاقة الأساسية بين الشخص والممتحن. ويجب أن نبتعد عن الفكرة السحرية التي تعتبر أن اختبارا واحدا يمكن أن يقدم إجابات شاملة.”

الفحص النفسي كنهج تكاملي

من وجهة نظر R. Voyazopoulos (2003)، الفحص النفسي يتطلب منهجا تكامليا يجمع بين المعرفة العميقة في عدة تخصصات مثل علم النفس الإكلينيكي، علم النفس المرضي للأطفال، والقياس النفسي. فهو يهدف إلى فهم الفاعلية النفسية الفردية لكل شخص:

“إنها طريقة مكثفة تهدف إلى فهم الخصوصية الفردية لعمل الطفل النفسي، الذي يعتبر فاعلا في مصيره رغم اعتماده على بيئته.”

الفحص النفسي كنهج تشخيصي

قدم A. Andronikof وG. Lemmel (2003) تعريفا للفحص النفسي باعتباره نهجا تشخيصيا تكامليا، يسعى لتحديد طبيعة الاضطرابات وديناميكيتها، وتقييم مدى تأثيرها:

“يركز التشخيص النفسي ليس على الاضطراب بحد ذاته، بل على التأثيرات المتبادلة بين الاضطراب وخصائص الفرد، محاولا فهم ديناميكية الصحة والضعف في نفس الوقت.”

الفحص النفسي استجابة لطلب مساعدة أو نصيحة

أوضح فريق لجنة المؤتمر التوافقي أن الفحص النفسي للطفل يهدف إلى الاستجابة لطلب مساعدة أو نصيحة من الشخص نفسه أو محيطه، حيث يطبق الأخصائي أدوات ومعارف لفهم الأداء النفسي:

“يأخذ الأخصائي النفسي في اعتباره النمو الجسدي والعاطفي والفكري والاجتماعي للطفل، ويضعه دائما في سياقه العائلي والتعليمي والثقافي.”

الفحص النفسي هو عملية ديناميكية متعددة الأبعاد تشمل المقابلات، الملاحظات، واستخدام الأدوات المناسبة لفهم الشخص بشكل شامل، مع التركيز على خصوصيته وتفرده.

الفحص النفسي جهاز للتنمية الشخصية

يعتبر الفحص النفسي للطفل أو المراهق أداة لتطوير الذات، تتضمن بناء علاقات تجمع بين الطفل، الذي يعد المركز، وبين عائلته والأخصائي النفسي. الهدف من هذه العلاقة هو محاولة فهم احتياجات الطفل، وتقدير موارده الشخصية والبيئية، بما في ذلك التعليم والدعم الذي يمكن توفيره، وذلك بهدف فتح مسارات جديدة للتنمية الشخصية.

هذه اللقاءات المثمرة لا تحدث إلا في إطار مخصص، يجمع بين عدة عناصر أساسية: بيئة آمنة ووقت محدد بعناية، إلى جانب استخدام اختبارات نفسية معترف بها علميا. الهدف الأساسي هنا هو التركيز على تفرد الطفل وشخصيته، وليس فقط على خصائص اضطراباته. هذا النهج يولي احتراما كاملا للطفل، بما في ذلك الاعتراف بالصعوبات والأعراض وحتى الإعاقات، التي يتم دمجها في عملية الفهم لتحقيق الهدف النهائي، وهو المساعدة على التنمية.

خطوات الفحص النفسي

يتضمن الفحص النفسي خمس خطوات أساسية:

تحليل الطلب:

يبدأ الفحص بتحليل دقيق لطلب الفحص، مع الأخذ في الاعتبار سيرة حياة الطفل، بيئته (العائلية والمدرسية)، وصعوباته. يتم تقييم الدوافع والتحديات المحيطة بالطفل لفهم الوضع بشكل أعمق.

الوصف:

بعد تحليل الطلب، تأتي مرحلة الوصف التي تفتح الباب للخطوات التالية. يتم فيها تجميع العناصر العيادية والملاحظات والبيانات الرقمية، مع التركيز على تحديد القوى والضعف وتفرد الطفل في تقديم الإجابات.

الفهم العميق:

 تتضمن هذه الخطوة ربط المواقف أو الأداءات التي تم ملاحظتها خلال الفحص مع المعلومات المقدمة من الأسرة أو المدرسة. يتم دمج النتائج العيادية مع البيانات الرقمية الناتجة عن الاختبارات النفسية لفهم الطفل بعمق.

التفسير:

 تهدف هذه المرحلة إلى وضع الصعوبات أو القدرات المكتشفة ضمن سياق النمو الشخصي للطفل. يتم التركيز على ديناميكية النمو، بما في ذلك المعوقات والدعائم، والمشاكل والقوى، والمعاناة والطاقة.

التوصيات:

 في النهاية، تقدم التوصيات بناء على الفهم الشامل للوضع. تتضمن هذه التوصيات توقعات للنمو والآليات العلاجية الممكنة التي قد تدعم الطفل في مساره التنموي.

خريطة الواقع النفسي:

عبارة “الخريطة ليست الإقليم”، المستعارة من الفيلسوف ألفريد كورزيبسكي، تسلط الضوء على الفرق بين الواقع وتمثيله، وهي صورة تلخص بشكل دقيق طبيعة الفحص النفسي. تماما كما تفصل الخريطة بين الإقليم الحقيقي وتمثيله، فإن الفحص النفسي يمثل محاولة لرسم خريطة لواقع نفسي معقد، متعدد الأبعاد، ومتغير.

في هذا السياق، الإقليم بالنسبة للأخصائي النفسي هو الواقع النفسي للفرد، وهو واقع غير معروف تمامًا ويتطلب استكشافا دقيقا. الأخصائي النفسي، مثل راسم الخرائط، يحتاج إلى أدوات محددة ومسح دقيق لفهم هذا الواقع. ويتم ترميز المعلومات النفسية بشكل تقليدي في تقرير أو خريطة تجعل هذه البيانات قابلة للفهم والقراءة. يتطلب هذا العمل تحديد المبادئ الأساسية التي توجّه عملية الفحص، مثل درجة الدقة المطلوبة، شمولية الفحص، وحداثة المعلومات التي تم جمعها، لأن التقرير النفسي، تماما كخريطة، يجب أن يكون مفيدا في اكتشاف الأراضي النفسية غير المعروفة، وتفسير المشاعر، واتخاذ التدخلات اللازمة عند الضرورة.

ومع ذلك، لا يمكن للخريطة أن تكون انعكاسا كاملا ودقيقا للإقليم، بل هي تمثيل موجه وانتقائي له. الخريطة، مثل الفحص النفسي، تبسط الواقع، تقلصه إلى مقياس معين، وترمز وتنتقي العناصر الأهم فقط. فهي لا تسعى لأن تكون صورة كاملة للإقليم، بل تسعى لتقديم أدوات يمكن استخدامها لفهم النقاط الحاسمة في هذا الإقليم. الفحص النفسي، عبر عمليات التقليل، والتبسيط، والتمثيل، يمكّن الأخصائي من تنظيم الواقع النفسي للفرد وتقديم المعلومات اللازمة لفهمه، مما يجعله عملية جوهرية لا غنى عنها في علم النفس.

مخاطر الفحص النفسي:

وهم الموضوعية الكاملة

أحد المخاطر هو الاعتقاد الخاطئ بأن أدوات الفحص مثل الاختبارات النفسية يمكن أن تنتج ملفات دقيقة وشاملة عن الشخصية أو القدرات المعرفية للفرد. هذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة أن هناك دائما أخطاء قياس واحتمالات إحصائية (مثل فترات الثقة) تؤثر على النتائج. إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل التأثير الذاتي للأخصائي النفسي نفسه خلال عملية التقييم، والذي قد يؤثر على النتائج النهائية.

التقنية الميكانيكية والطاردة

أشار D. أنزيو (1977) إلى أن المناهج التقنية البحتة في الفحص النفسي قد تكون ضارة بالمواضيع المفحوصة. على سبيل المثال، عندما تطلب عائلة تقييم مستوى ذكاء طفل، لا يمكن للأخصائي النفسي أن يعتمد فقط على اختبار ذكاء بسيط. إذ قد يركز الفحص على القدرات المعرفية ويتجاهل جوانب أخرى هامة مثل المعاناة العاطفية التي قد تكون غير مرئية للأهل. استخدام مناهج ميكانيكية يحد من الفهم العميق للشخصية ويقلل من التعاطف مع الفرد المفحوص.

يوتوبيات التجزئة المعرفية للنفس

يقع البعض في فخ التجزئة، حيث يتم التركيز فقط على جانب واحد من الشخصية أو الحالة النفسية. هذه الفحوصات الجزئية قد تركز على وظيفة معرفية واحدة، أو جانب عاطفي، أو سلوك معين دون النظر إلى الشخص ككل. هذه المقاربة المحدودة قد تُفقد الصورة الشاملة، حيث لا يتم التعامل مع التفاعل بين الجوانب المختلفة للشخصية.

مراجع:

EMMANUELLI M. (2004). L’examen psychologique en clinique. Situations, méthodes et études de cas, Paris, Dunod.

FINN S.E. (2016). L’évaluation thérapeutique: théorie et techniques, Paris, Dunod.

KAUFMAN A. S. (1994). L’examen psychologique de l’enfant. K-ABC, pratique et fondements théoriques, Grenoble, La pensée sauvage.

روابط ذات علاقة:

RECOMMANDATIONS POUR LA PRATIQUE DE L’EXAMEN PSYCHOLOGIQUE

psychological testing

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *