القائمة

سيغموند فرويد (Sigmund FREUD)

شارك المقال

يعتبر سيغموند فرويد واحدا من أبرز المفكرين في تاريخ علم النفس. لقد أسس مفهوم التحليل النفسي الذي أحدث ثورة في فهمنا للعقل البشري وكيفية تطور الشخصية. حياته وتجارب طفولته كانت بمثابة القاعدة التي انطلق منها لتشكيل نظرياته. في هذا المقال، نستعرض جوانب من حياة فرويد وتأثيرها في صياغة أفكاره حول العقل الباطن والنفس الإنسانية.

من هو سيغموند فرويد؟

هو سيغموند شلومو فرويد، ويعرف اختصارا باسم سيغموند فرويد، من مواليد شهر ماي عام 1856 في تشيكوسلوفاكيا من ديانة يهودية. ولد سيغموند فرويد لزوجة في العشرين من عمرها (الزوجة الثانية) ولأب في الأربعين من العمر. انتقل مع عائلته الى مدينة فيينا النمساوية حين كان عمره أربع سنوات. وكان والده تاجر أصواف، لكنه لم يكن ميسور الحال بسبب عدم ازدهار تجارته.  استمر عوز وحاجة العائلة لعدة سنوات، رافقت طفولة ومراهقة سيغموند فرويد.

سيغموند فرويد في طفولته

هو الأخ الثالث لعائلة تتكون من ثمانية أبناء. اثنان منهم أكبر منه (أشقاؤه من زوجة الأب الأولى)، وكان أقرب رفاقه في الطفولة اليه ابن أخيه الأكبر. والذي كان يكبره بسنة واحدة، وكان له تأثير قوي عليه. وصفه فرويد في كتاباته بأنه المصدر لكل صداقاته وعداواته.

علاقة سيغموند فرويد بعائلته وميلاد نظرية الأوديب

أثرت خبرات فرويد في الطفولة على صياغة نظريته عن الشخصية؛ حيث أن التجارب الأولى في الحياة والتجارب السابقة تؤثر في نمو الشخصية (كما يقول فرويد). وتحدد بعدئذ كيف يرى كل انسان العالم، وكيف يعيشه داخليا.

سيغموند فرويد الصغير:

-وكما يصف في كتاباته- كان يعيش شعورا مزدوجا بالخوف والحب اتجاه والده الذي يصفه بالصارم والمستبد. في حين كانت أمه بالمقابل تحبه وتحميه كثيرا. ويصف أنه كان يميل للالتصاق الجسدي بها.

تميّز بدرجة ثقة عالية في النفس في طفولته، ولازمته هذه الصفة طيلة حياته، وهي الصفة التي اكتسبها من أبويه (خاصة أمه)، ودعمها قدراته المعرفية العالية واجتهاده واتقانه، وهو ما يشير من جديد الى تأثير التجارب الأولى في بناء الشخصية. بحيث كتب فرويد في احدى مقالاته: “الرجل الذي كان محبوب أمه المفضل بلا منازع، يحتفظ طول حياته بشعور الشخص الفاتح/القائد... ان الثقة بالنجاح هي التي تسبب النجاح الحقيقي”.

عايش فرويد الصغير الكثير من التنافس والكره والامتعاض نحو اخوته السبعة، وكان شديد الغيرة  والغضب كلما ولد لد أخ ينافسه في حب والدته وجعله هذا يفقد معالم الأمن في علاقته بوالدته وحبها. واستمر معه  شعور الغيرة والتنافس طيلة حياته؛ مما جعل منه شخصا وباحثا تنافسيا لدرجة عالية.

تميزه وحبه للعلم و القراءة:

تميّز سيغموند فرويد منذ نعومة أظافره بدرجة عالية من الذكاء، واستثمر والده في ذلك، وساعده كثيرا في تنمية هذه القدرات؛ فلم يكن مثلا يسمح لإخوته العزف على البيانو في البيت مخافة أن يزعجه ذلك ويؤثر عليه أثناء دراسته. كما خصّص له غرفة صغيرة منفردة في بيت العائلة الذي يتكون من ثلاث غرف فقط. ومن كثرة صغر هذه الغرفة كان يسميها فرويد ووالده بالخزانة، وهي غرفة لا تتسع لأكثر من سرير منفرد ضيق ومنضدة وكرسي. كان سيغموند فرويد يقضي معظم وقته في تلك الغرفة للدراسة وحتى لتناول وجباته، مخافة أن يضيع الوقت. ووفّر والده له مصباحا غازيا ليتمكن من الدراسة ليلا، وهو المصباح الغازي الوحيد في البيت. وكانت تجاربه في هذا السياق تمهيدا لنظرية الأوديب وكل ما تحمله من صراع بين الحب والكره ونشاط سيرورة التقمص الجنسي واستهامات الغيرة والخصاء والصراع الأوديبي.

قدرات معرفية عالية وهوايات متميزة

تميّز كثيرا في المدرسة الابتدائية، كما تميزت مرهقته بالجد والإصرار والاجتهاد، والتحق بالمدرسة الثانوية بسنة أسبق من سن الدخول اليها، وكان لا يتنازل عن الرتبة الأولى على صفه في كل المراحل التعليمية.

أتقن العديد من اللغات في سن مبكرة، فبالإضافة الى العبرية والألمانية أتقن اللغة اللاتينية واليونانية والفرنسية  والإيطالية، والاسبانية، والانجليزية التي تفوّق فيها؛ اذ كان يقرأ مؤلفات شكسبير وعمره ثمان سنوات.

تعددت هواياته، التي ارتبطت كلها بالتعلم والمعرفة، بحيث أدمن قراءة التاريخ العسكري والبيولوجيا وعلم الحيوان.

لم يكن أنداك مسموح لليهود باختيار كل التخصصات في الجامعة، لذا اختار ما هو مسموح لليهود في فينا -الطب- ليس لرغبته في ذلك، لكن لشغفه بالبحث العلمي، واعتقد أنه يمكنه التميز في هذا المجال ليصل لمستوى البحث والإنتاج العلمي.

 وأجرى تكوينا مزدوجا مع الطب في تخصص البيولوجيا، اذ وبعد حصوله على شهادة الطب من جامعة فينا، أجرى بحوثا في مجالات الحيوانات البحرية وقدّم فيها انتاجات علمية قيمة. ثم قرر بعد ذلك التوجه لممارسة الطب في المجال الخاص بعد انتهاء تدريبه الطبي في مجال طب الأعصاب عام 1881 . وتزوج في هذه الفترة من فتاة يحبها، وهذا بالتزامن مع فتح عيادته الخاصة في فيينا.

من رفض التنويم المغناطيسي الى العلاج عن طريق الكلام

بدأ في العمل كطبيب مخ وأعصاب، وأثار انتباهه في الفحوصات اليومية بعض الشخصيات التي تعاني من اضطرابات انفعالية متفاوتة، أين بدأ يبحث في هذا الاضطراب. لينتقل الى باريس لتعلّم تقنية التنويم المغناطيسي التي كانت منتشرة أنداك في علاج الهستيريا (الشخصيات المضطربة انفعاليا)، وتتلمذ على يد الطبيب النفسي جين شاركو  (Charcot Jean) في هذه التقنية.

كوّن صداقات مختلفة مع العديد من الباحثين في مجال الطب العقلي والتنويم المغناطيسي خاصة. وعلى رأسهم طبيب الامراض العقلية  النمساوي جوزيف بريور  (Breuer) الذي تأثر كثيرا بطريقة عمله. كان بريور أنداك قد حقق بعض النجاح ليس فقط في العلاج بالتنويم المغناطيسي، بل في ابتكار طريقة جديدة (سماها بالطريقة الانسانية) بتشجيع المرضى على التحدث بحرية عن أعراضهم ووصفها، ووصف مشاعرهم واحاسيسهم المرافقة لتلك الأعراض.

وجد سيغموند فرويد أسلوب بريور العلاجي (العلاج عن طريق الكلام) أسلوبا فعّالا جدا أمام شكوكه بفعالية التنويم المغناطيسي في علاج الاضطرابات الانفعالية، كونه كان علاجا مؤقتا فقط للحالات.

أسلوب بريور العلاجي كان أساس اكتشاف خبايا اللاشعور عند فرويد. ومن أجل تطوير هذه الفكرة كان فرويد يعمل لساعات طويلة في التفكير والتحليل وجمع المعطيات من الفحوصات الطويلة والعديدة مع المرضى. وبالتدريج بدأ في صياغة صورة متكاملة لتطور شخصية الفرد وعملياتها ووظائفها.

وبدأ في الكتابة والإنتاج العلمي عن طريق الكتيبات والمقالات العلمية. واستقطب فرويد مجموعة من الأطباء المؤيدين لآرائه؛ فكان يجتمع بهم أسبوعيا يتعلمون منه أسلوبه الجديد المسمى “التحليل النفسي”. وبعد فترة ذاع صيت سيغموند فرويد، وبدأ الكثير من الناس ينظرون الى أعماله ومؤلفاته نظرة احترام وتقدير.

اختفى بريور في وقت لاحق من ساحة النظرية التحليلية التي توصل اليها فرويد؛ بسبب خلافه مع وجهة نظر فرويد التي تعطي الدور الرئيسي للطاقة الجنسية في الاضطراب الانفعالي والنفسي.

سيغموند فرويد ومجموعة من العلماء

تأسيس سيغموند فرويد لنظرية التحليل النفسي

عام (1909) تحصل فرويد على أول اعتراف على المستوى العالمي لنظريته. وتمت دعوته الى الولايات المتحدة الامريكية لإلقاء سلسلة من المحاضرات في جامعة كلارك الأمريكية عن نظرية التحليل النفسي الجديدة.

وواجه سيغموند فرويد الكثير من الصدمات في الاجتماعات العلمية والاجتماعات الخاصة بخصوص مسلمات نظريته. واعتبرت خروجا عن الطبيعة الإنسانية وعن القيم الدينية والأخلاقية. وأحيانا اعتبرت ميولا شاذة أو مرضية. واعتبرت نظرية التحليل النفسي شيء بذيء وفاحش ولاقى النقد والعداء من رجال الدين والكنيسة والأطباء وحتى من العامة. ولم يبذل فرويد جهدا للرد على نقاده، بل كان يفضل ان يقضي وقته في تنقيح نظريته.

وصل فرويد لنجاح باهر في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين. وتوجه في نهاياته الى الأنثروبولوجيا التحليلية خاصة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية

تطوّر العلاج النفسي التحليلي في الهستيريا

أسس سيغموند فرويد النظرية التحليلية والعلاج النفسي التحليلي، واشتهر بنظرياته عن العقل اللاوعي، والجهاز الدفاعي. كما أسّس للممارسة العيادية في التحليل النفسي ولعلاج الأمراض النفسية عن طريق الحوار بين المريض والمحلل النفسي. ونظّر لفهم الطاقة الجنسية في النمو النفسي، ولاستعمالات الطاقة الليبيدية في الجهاز النفسي، وللغرائز كمحرك للشخصية.

لاحظ فرويد خلال الفحوصات العيادية في عيادته بفيينا تكرر كلا من ظاهرة الشلل الهستيري لدى مرضاه من جنس الاناث. وفقدان البصر أو فقدان السمع، مع غياب سبب عضوي مفسر لهذا المرض. تعامل مع هذه الحالات بتقنيتي التفريغ والتنفيس الانفعالي. ولم يلاحظ فعاليتها بالشكل المطلوب، فانتقل الى استعمال تقنية التنويم المغناطيسي التي تعلمها في فرنسا على يد شاركو. لكن سرعان ما اكتشف عدم فعالية التقنية أيضا، فقرر إيقاف استعمالها والبحث عن البديل العلاجي الفعّال.

وهنا تواصل مع صديقه النفساني بروير للبحث في الهستيريا وأسبابها وعلاجها. نشرا عام (1893) بحثا مشتركا عن “العوامل النفسية للهستيريا”، وعام (1895) مؤلف “دراسات في الهستيريا”.  وكان هذا المؤلف نقطة تحول في تاريخ علاج الأمراض العقلية والنفسية. اعتبر هذا المؤلف بمثابة حجر الأساس لنظرية التحليل النفسي، لما يتناوله من ابراز أهمية الحياة العاطفية في الصحة النفسية اللاشعورية. واقترحا في هذا الكتاب أن كبت الميول والرغبات يحولها عن طريقها الطبيعي، إلى طريق غير طبيعي، فتنتج عنها الأعراض الهستيرية.

تطور نظرية الصراع النفسي

وبعد مدة من البحث والتفكير في الهستيريا توصّل سيغموند فرويد إلى أن كبت الصراع بين رغبتين متضادتين. هو المسبب للهستيريا ولمعظم الصراعات العصابية. وكشف عن وجود نوعان من الصراع النفسي:

الأول، يحدث في دائرة الشعور، يحكم فيه الأنا لإحدى الرغبتين المتصارعتين، ويتنازل عن الثانية. وهو الطريق الطبيعي للرغبات المتضادة دون احداث ضرر بالجهاز النفسي.

الثاني، هو النوع المرضي؛ حيث يلجأ الأنا بمجرد حدوث الصراع إلى صد وكبت إحدى الرغبتين عن الشعور. دون التفكير فيها، لتستقر في اللاشعور بكامل قوتها منتظرة مخرجا لانطلاق طاقتها المحبوسة. ويكون عن طريق الأعراض المرضية التي تنتاب العصابيين.

وبيّن فرويد بعد ذلك أن دور المعالج النفسي في الهستيريا خاصة. ثم في كل العصابات هو كشف الرغبات المكبوتة لإعادتها إلى دائرة الشعور، لكي يواجه المريض الصراع الذي فشل في حلّه سابقا، ويحاول حلّه تحت إشراف المعالج النفسي؛ أين يتم إحلال الحكم الفعلي محل الكبت اللاشعوري بالتحليل النفسي لحل الصراع.

لاقت هذه النظرية رواجا كبيرا خاصة في سويسرا؛ حيث أُعجب بها أوجين بلولر المشرف على معهد الأمراض العقلية بالمستشفى العام بزيورخ،  ويونغ مساعد أوجين، وساهما في نشر نتائجها.

معاناته مع المرض ووفاته

تم تشخيصه بسرطان الحلق عام 1923 الناتج عن التدخين، وأجريت له خلال ستة عشر سنة ثلاث وثلاثون. كان فرويد يدخن عشرين سيجارة كبيرة كل يوم، وقد طلب منه الأطباء إيقاف التدخين، وأزيلت أقسام من حنكه وفكه الأعلى، وكان يعاني من الالام الشديدة طوال الوقت تقريبا. لكنه لم يتوقف أبدا عن التدخين، وتوفي في سبتمبر 1939.

أهم مؤلفاته

نشر سيغموند فرويد عددا معتبرا من الكتب والمقالات العلمية، أبرزها: الموجز في التحليل النفسي، مختصر التحليل النفسي، الأنا والهو، التحليل النفسي للهستيريا، مدخل الى التحليل النفسي. الكبت والتحليل النفسي، موسى والتوحيد، القلق في الحضارة، الحب والحرب والحضارة والموت، تفسير الأحلام، مستقبل الوهم، الشذوذ الجنسي، ثلاث مقالات في النظرية الجنسية، خمس دروس في التحليل النفسي، النرجسية الجنسية، الطوطم والطابو…

خاتمة

لقد أثّر سيغموند فرويد بعمق في مجال علم النفس الحديث. حيث ساهمت نظرياته في تشكيل فهمنا للعقل البشري وتطوير أساليب جديدة لعلاج الأمراض النفسية. من خلال تحليله للتجارب الشخصية والصراعات النفسية الداخلية، قدم فرويد أدوات علمية لتفسير السلوك الإنساني المعقد. ورغم الانتقادات التي واجهتها نظرياته، لا يزال تأثيره حاضرا بقوة في الطب النفسي وعلم النفس، مما يجعل أعماله ركيزة أساسية لأي باحث أو مهتم بهذا المجال.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *