القائمة

العصاب

شارك المقال

ارتبط مصطلح “العصاب” بنظرية التحليل النفسي، رغم أن بدايات استعماله كانت في القرن الثامن عشر. قدمه وفصّل فيه سيغموند فرويد لوصف الاضطرابات النفسية التي لا يمكن ربطها عادة بسبب عضوي. يقول فرويد أن العصاب بنية نفسية تعتمد على آليات دفاعية تميّزه عن أشكال التنظيم النفسي الأخرى كالذهان والشذوذ/الانحراف.

ما هو العصاب؟

تصف كلمة “العصاب” حالة عقلية مرضية. وهو اضطراب نفسي المنشأ، يمس أحد جوانب الشخصية، ويحدث مشكلات سلوكية أو علائقية أو بين-شخصية ويسبب المعاناة لصاحبه.

يتميز العصاب بالصراعات النفسية الداخلية التي تحوّل علاقة الشخص بمحيطه الاجتماعي، وتجعله يطوّر أعراضا مرتبطة بمظاهر القلق، التي تستجيب لقلق معين.

قد يرافق العصاب أعراض جسدية أو نفسية جسدية (كالقلق، الألم النفسي أو الجسدي أو كلاهما، الخوف، الأفكار المتسلطة، المعاناة النفسية، الحزن، مشاعر الذنب…).

يدرك مريض العصاب أن أعراضه غير واقعية وغير منطقية، لكنها تقيده وتشل أداءه الشخصي أو الاجتماعي أو المهني. 

العصاب لا يحدث انفصالا عن الواقع كما الذهان، بل يبقى المريض العصابي متصلا بالواقع الخارجي وواعيا بأعراضه والتي غالبا ما ينتقدها، لكنه لا يستطيع التخلص منها.

العصاب من منظور نظرية التحليل النفسي:

 وفقا لسيغموند فرويد: “بلورة الكريستال اذا وقعت على الأرض وانكسرت، فإنها تنكسر وفقا للخطوط والتشققات الموجودة فيها أصلا. على الرغم من أنها غير مرئية، إلا أن انكسارها يتحدد وفقا لبنية البلورة الأصلية”. تساعدنا هذه الاستعارة على فهم أن الفرد تتكون لديه بنية معينة ومحددة بفعل العامل الوراثي والعامل البيئي (التنشئة الاجتماعية) خاصة في الطفولة الأولى. وإذا تعرض الشخص لأحداث مؤلمة فيما بعد (تشكل عوامل خطر أو تهديد كما البلورة التي تسقط وتنكسر) يمكن أن تظهر عليه الأعراض الخاصة ببنيته الأصلية.

تسمى هذه العملية في التحليل النفسي بعمل التسوية النفسية (أو التعويض النفسي). ففي حالة العصاب، يعاني الشخص من فشل في قمع الأحداث المؤلمة التي تظهر مرة أخرى في شكل أعراض مرضية.

وعليه، وباعتماد على بنية الشخص، يمكن أن يسبب التعويض النفسي أعراضا معينة خاصة بالبنية.

أنواع العصاب:

صنّفت النظرية التحليلية الفرويدية أنواع العصابات كما يلي:

عصاب القلق:

عصاب القلق

يتميز باستمرارية القلق، مع أو بدون نوبات قلق حادة. تظهر أعراضه في شكل نفسي وجسدي (خوف وضيق شديد، إحساس بالموت المفاجئ، أعراض تنفسية كالسعال وعسر التنفس، أعراض قلبية كالخفقان، ألام وتشنجات على مستوى الجهاز الهضمي، أعراض عصبية عضلية كالارتجاف المتكرر).

الرهابي:

يتميز بخوف شديد من بعض الموضوعات غير المخيفة في العادة (شخص أو حيوان أو شيء أو بعض الوضعيات الاجتماعية). وتحمل هذه المواضيع الرهابية دلالة رمزية للمريض. من أنواع العصاب الرهابي: رهاب الاندفاع (الخوف من قتل أو إيذاء الغير أو إيذاء النفس)، رهاب الأماكن الخالية أو العالية أو الضيقة، الرهاب الاجتماعي الخاص بوضعيات اجتماعية معينة، الرهاب المحدد (حيوان).

عصاب الصدمة:

هي أعراض تلي التعرض لصدمة انفعالية حادة، ومهددة لحياة الشخص أو لحياة شخص عزيز. يسبب هذا العصاب أعراضا نفسية وجسدية وعصبية كثيرة ومختلفة كالإسهال، التهاب القولون، القلق، اضطرابات النوم، الكأبة، الخوف الاجتماعي وغيرها.

عصاب الطبع:

لا يظهر هذا العصاب بأعراض محددة، بل يظهر كعناصر رهابية أو وسواسية لتكوّن سمات الطبع، وتجعل المريض يظهر بتنظيم مرضي للشخصية. يؤثر هذا العصاب على المريض الذي ينسحب وينغلق على الذات، أو يسيطر عليه الحذر الشديد، وقلة الكلام.

النرجسي:

هو مصطلح ابتكره فرويد للدلالة على اضطراب نفسي يتميز بسحب الاستثمارات الليبيدية من مواضيع العالم الخارجي، وتحويل كل الطاقة الليبيدية الى الأنا. فيقدم المصاب به جدولا عياديا يتميز بالأنانية الشديدة والاعجاب بالذات وكثرة انتقاد الآخرين كدفاع ضد الجرح النرجسي العميق.

الوسواسي:

يتميز بظهور أفكار متسلطة ومتكررة تؤثر على العواطف والسلوكيات، وتفرض نفسها على الفرد على الرغم من كل جهوده لطردها. يعبّر هذا العصاب الوسواسي حسب فرويد عن نكوص إلى المرحلة الشرجية الثانية المسماة (الشرجية السادية).

تشخيص العصاب:

تشخيص العصاب ليس بالأمر السهل. فالعصابي ليس مريضا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، وعلاجه لا يتمثّل في إزالة الأعراض العصابية. العصابي يعاني داخل جهازه النفسي، والأعراض العصابية كما يقول سغموند فرويد هي عمل تسوية يقوم به الأنا بين الرغبة والدفاع أو بين الغريزة ومبدأ الواقع من جهة وبين الغريزة والأنا الأعلى من جهة ثانية.

التشخيص إذن، لا يتعلق بالعصاب بقدر ما يتعلق بالشخص العصابي نفسه. فلا يمكن علاج الأمراض العصابية من خلال عزل خلل (معين) في آليات الدماغ مثلا، أو في مكوناته على المستوى البيوكيميائي أو الجيني. الأمر يتعلق إذن، باضطراب على مستوى الشخصية، وعلى مستوى التوظيف النفسي للعصابي، الذي عجز عن الحفاظ على الاتزان داخل الجهاز النفسي.

يمكننا إجراء تشخيص للعصاب بالاعتماد على ما يلي:

– المشاكل المتكررة والقديمة المتعلقة بالعلاقة بالذات وبالآخرين.

– وجود أعراض جسدية أو نفسية مغلفة أو ظاهرة.

– وجود اضطرابات ذات طبيعة جنسية بالمعنى التحليلي للكلمة، وتظهر مرمزة من خلال أعراض أو صراعات أخرى.

– يجب التحقق من صحة كل هذه العناصر من خلال تحليل عناصر المقابلات العيادية. فالاتصال خلال المقابلات العيادية يعكس نوعية العلاقة مع الآخرين وصعوباتها ومشكلاتها. أما وصف العصابي لأعراضه وكيفية تقديمها تكشف عن نوعية القلق الكامن وراء هذا الاضطراب.

– يجب الانتباه إلى أن اللباقة التي يتعامل بها الشخص مع المشكلات ذات الطبيعة الجنسية تعكس طابعها العصابي.

– معاناة العصابي تكون غالبا محسوسة، ويتم الاعتراف بها من قبل الشخص.

– لا يتم تشخيص وعلاج العصاب إلا بواسطة أخصائي في الصحة النفسية، بسبب أهمية عناصر الحركات التحويلية (التحويل والتحويل المضاد) التي تتضمنها العلاقة العلاجية.

أسباب العصاب:

لا يوجد سبب واحد للإصابة بالعصاب، بل هناك تداخل عدة عوامل تعتبر عوامل خطر، وتسبب هشاشة في البنية النفسية للشخص:

العامل الوراثي. بحيث يمكن للجينات الموروثة من أحد الوالدين أن تؤدي إلى قابلية لاكتساب أنواع من العصابات.

العامل العصبي. النقص في النواقل العصبية (النواقل العصبية هي رسائل الجسم الكيميائية. وهي الجزيئات التي يستخدمها الجهاز العصبي لنقل الرسائل/الاشارات بين الخلايا العصبية، أو من الخلايا العصبية إلى العضلات. يحدث الاتصال بين خليتين عصبيتين في منطقة التشابك العصبي، وهي فجوة صغيرة بين نقاط الاشتباك في الخلايا العصبية. تتحول الإشارات الكهربائية المنقولة على طول المحور العصبي إلى إشارات كيميائية من خلال إفراز النواقل العصبية، مما يسبب استجابة محددة في الخلية العصبية المستقبلة) قد يكون مصدرا له.

كما أن التشوهات في نمو الدماغ، لا سياما في أجزاء القشرة الدماغية، والدماغ العاطفي (اللوزة الدماغية، الحصين، القشرة الجبهية الحجاجية) قد تنتج العصاب.

العامل البيئي. للتربية والتنشئة الاجتماعية نفس الأثر في ظهور العصاب. فالاحباطات المتكررة والصدمات البدائية، والتعرض المتكرر أو الصادم لخبرات طفولة مؤذية كالإساءة الجنسية أو الجسدية أو المعنوية والنفسية، والتناقض في النموذج التربوي، والاهمال وغيرها كلها قد تكون من مسببات العصاب.

هل يمكن علاج العصاب؟

أثبتت النظرية التحليلية خاصة منذ زمن سغموند فرويد الأثر الفعّال للعلاج النفسي وخاصة العلاج التحليلي والعلاج ذو المنحى التحليلي في اختفاء أعراض العصاب. ويتم ذلك من خلال علاج مصدر الأعراض العصابية (الصراعات في الجهاز النفسي القائمة على الصراع الأوديبي).

كما أثبت العلاج المعرفي السلوكي أثره الإيجابي في علاج عدد من العصابات، خاصة الرهابات وعصاب القلق.

قائمة المراجع

– Bergeret, J. (1986). Psychologie pathologique. Paris : Masson. (cf. chapitre7 à 11, p.129-210). – Besançon, G. (1993). Manuel de Psychopathologie. Paris : Dunod. (cf. chapitre 3, p. 75-104 ; chapitre 5, p.161-199).

– Guelfi et al. (1987). Psychiatrie. Paris : PUF Fondamental. (cf. chapitre 2, p. 179-245 ; chapitre 6, p 417-519).

– Laplanche, J., Pontalis, J.B. (1994). Vocabulaire de la Psychanalyse. Paris : PUF, 12ème édition.

– Ménéchal, J. (1999). Qu’est-ce que la névrose ? Paris : Dunod. Collection Les Topos.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *