الوسواس القهري، تتميز طبيعة التفكير بإنتاج مستمر للأفكار ناجم عن تجاربنا الحسية-الادراكية في علاقتنا مع البيئة الخارجية ومع الذات. لكل شخص إيقاع معين في انتاج الأفكار، فهناك من يملك ايقاعا بطيئا في انتاج الأفكار، وهناك من يملك ايقاعا سريعا.
الإيقاع السريع يجعل الشخص مشبعا بالأفكار، فيحّس بتزاحم للأفكار في رأسه. وأحيانا ينتج العقل مجموعة متزايدة من الأفكار ذات صلة بمواضيع بعينها، تتكرر وتسيطر على واجهة التفكير ككل .
يفكر الشخص المصاب بالوسواس القهري في هذه الأفكار رغما عن ارادته، ويبحث ويسأل عنها؛ وقد تصل الى حد أن تستحوذ على تفكيره وتفرض نفسها عليه. ولا يستطيع التوقف عن التفكير فيها حتى لو أراد ذلك، وسعى اليه. لتأخذ حيزا كبيرا من تفكيره خلال أوقات مختلفة من اليوم.
إن وجود أفكار تطفلية لذى الشخص الذي يعاني من الوسواس القهري أمر شائع وطبيعي وليس له تأثير كبير بشكل عام على الحياة اليومية. الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري، يفسرون هذه الأفكار بشكل خاطئ. فيعتبرونها غير مقبولة أو غير أخلاقية أو تهديدية، ويدركون أنها نتاج عقولهم. يولّد هذا الأمر قلقا كبيرا؛ مما يجعلهم يحاولون قمعها.

ما هي الوساوس؟
في الطب النفسي تعتبر الوساوس أحد الأعراض التي تنتقل عن طريق فكرة أو شعور يفرض نفسه، ويتطفل على التفكير. وتشكل اضطرابا في محتوى التفكير. يدرك الشخص تماما بأن هذه الأفكار سخيفة أو غير صحيحة، لكنه لا يستطيع مقاومتها أو ايقافها رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها من أجل ذلك؛ لأنها تغزوه، وتحدث قطيعة في بنيته النفسية.
كالشخص الذي تسيطر عليه أفكار حول القذارة والإتساخ فيواجهها بطقوس النظافة المتكررة، أو تسيطر عليه أفكار الفوضى ويواجهها بالنظام المفرط والتناسق، أو أفكار الخوف من ارتكاب خطأ أو خطيئة، أو الخوف من ارتكاب أعمال عنيفة أو عدوانية متهورة، أو تسيطر عليه فكرة أنه لم يغلق الأبواب جيدا، وهو ما يثير لديه قلق عالي فيحاول طردها أو التخلص منها، لكن غالبا ما يفشل في ذلك؛ مما سيزيد من سوء حالته.
ولمنع القلق المرافق لهذه الأفكار أو الحد منه، يقوم المصابون بإيماءات أو أعمال عقلية متكررة (قهرية) مثل طقوس الترتيب أو الغسيل أو التحقق من كل شيء. يمكن أن تستمر هذه الأفعال القهرية في بعض الأحيان لعدة ساعات كل يوم. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري يدركون جيدًا أن هذه الوساوس تأتي من نشاطهم العقلي.
يمكن للوساوس أن تكون معيقة في الحياة اليومية، ويمكن أن تمنع المصاب بها من التمتع بحياة اجتماعية أو مهنية طبيعية.
بينت الدراسات أن حوالي نصف المصابين باضطراب الوسواس القهري يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية أخرى، كاضطرابات المزاج، واضطرابات القلق، واضطرابات السلوك الغذائي والأكل. كما قد يرافق اضطراب الوسواس القهري تعاطي الكحوليات.
احصائيات عن الوسواس القهري:
معدل انتشار الوسواس القهري مرتفع جدا؛ بحيث تبين الاحصائيات إصابة ما بين (2 إلى 3%) من عامة السكان. وهذا يجعله خامس أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا بعد اضطرابات القلق، واضطرابات السلوك الغذائي والأكل، والاكتئاب واضطرابات المزاج، واضطرابات النوم.
تظهر أعراض الوسواس القهري غالبًا في مرحلة الطفولة أو مرحلة البلوغ المبكر. بحيث تبدأ هذه الأعراض في الظهور قبل سن الأربعة عشر سنة لدى حوالي(25%) من الحالات. وتظهر قبل سن الخامسة والعشرين لدى حوالي (65%) من حالات الوسواس القهري.
اضطراب الوسواس القهري يمس النساء والرجال على حد سواء، وبنسب متقاربة. لكن المشاكل والأعراض المبكرة تبدو أكثر شيوعًا عند الأولاد الذكور.
تبين الاحصائيات أيضا سمة استمرارية الاضطراب من الطفولة إلى الرشد لدى (30% إلى 50%).
أنواع الوساوس:
يجدر الإشارة الى أن الوساوس تتعلق غالبا بمفهوم الخسارة، ويصبح من المستحيل التخلص منها، وتسبب حالة عامة من القلق المتوسط، وهي ثلاثة أنواع:
أولا، الوساوس الفكرية:
تظهر في شكل أفكار تفرض نفسها على الشخص في شكل شك، أو موانع، أو أفكار شاذة يتم اجترارها بشكل متواصل. على سبيل المثال وسواس الحساب، بحيث لا يستطيع الشخص التوقف عن العد، أو فكرة مجردة كفكرة الموت، أو أرقامًا تتكرر وتفرض نفسها على تفكير الشخص كالرقم (7).
ثانيا، الوساوس الرهابية:
هي مخاوف شاذة كوساوس الخوف من الإصابة بالسرطان أو بالفيروسات، أو قد يتم خلال هذا النوع من الوساوس غزو الشخص من قبل الخوف من موقف أو شيء أو وضعية.
في الوسواس الرهابي، ينشأ الخوف بشكل مستمر؛ مما يؤدي إلى اجترار الأفكار، وأحيانًا ظهور بعض الطقوس القهرية.
الفرق بين الوسواس والمخاوف:
أحيانا يقع تداخل بين الوساوس والمخاوف؛ لكن يمكننا التمييز بينها بما يلي:
خلال المخاوف، يوجه الخوف نحو موضوع أو موقف أو وضعية خارجية، ويرتفع القلق بمجرد مواجهة الموضوع أو الوضعية المخيفة، ويختفي القلق بمجرد اختفاء الموضوع أو الوضعية. ويستخدم الشخص في حالة المخاوف استراتيجيات لتجنب مواضيع الخوف المقلقة.
في حين أنه وخلال الوساوس، القلق مستمر وملازم للشخص لارتباطه بالاختراق المستمر للأفكار الشاذة للبناء النفسي وللتفكير.
ثالثا، الوساوس الاندفاعية:
تسمى أيضا بالرهاب الاندفاعي. تعتبر من بين أكثر الوساوس شيوعًا، كالخوف من القيام بعمل عدواني أو عمل شرير أو خطير كالخوف من الاعتداء على الآخرين، أو إهانتهم، أو إبداء ملاحظات بذيئة، أو ارتكاب خطيئة، أو ارتكاب أعمال جنسية للأطفال، أو صورة غير سارة كأن يرى نفسه تأكله الجرذان، أو تكون في شكل كائن مرعب أو مخيف كالشيطان أو الغيلان، أو مشروع لسيناريو غير سار كأن يرى نفسه يحرق أولاده، أو يعذب حيوانا أليفا.
الوساوس الرهابية والرهاب الاندفاعي هي وساوس وليست رهابات أو مخاوف مرضية.
أسباب اضطراب الوسواس القهري:
توجد العديد من الأسباب التي تؤدي الى ظهور الأفكار الوسواسية. والتوّجه النظري اليوم يسير نحو نظرية العوامل المتعددة.
الأبحاث التي لا تزال تجرى في العديد من المجالات التكميلية، جعلت من الممكن فهم وتفسير اضطراب الوسواس القهري بشكل أفضل مما كان، على المستوى البيولوجي والوظيفي خاصة. تجمع هذه الأبحاث بين تصوير الدماغ، وعلم الوراثة، وعلم النفس التجريبي، والطب النفسي الحسابي (استخدام النماذج الرياضية لإلقاء الضوء على الروابط بين الأعراض والتشوهات العصبية الحيوية التي لوحظت في الاضطرابات العقلية)، وتطوير النماذج الحيوانية (حاملات الطفرات التي تؤثر على الدوائر العصبية أو الجينات المختلفة) المشاركة في المرض مثل (SAPAP3 Slitrk5 -EAAC1-)، بهدف تسليط الضوء على الاتصالات العصبية المعدلة في الوسواس القهري، وربط عمل الدماغ بالأعراض التي يختلف تعبيرها بين المرضى.
أولا، الأسباب النفسية والاجتماعية:
الأسباب المتعلقة بمرحلة الطفولة:
بعض الصدمات التي يتعرض لها الشخص أثناء الطفولة، أو المواقف الحياتية الصعبة، أو تراكم لصدمات ثانوية ومخاوف طفولية.
ترى النظرية التحليلية أنه في مرحلة الطفولة يفرض الأبوان على الطفل طقوسا صارمة في الطعام، ووقت النوم، والنظام، ومواعيد دخول الحمام وغيرها، وتكاد تكون ثابتة وتسيطر على النمط العام للتربية. وتبدأ بوادر الاضطراب الوسواسي تنبني في الثلاث سنوات الأولى، وتتنوع المظاهر الأولى لمثل هذا التوجه النفسي، لتظهر عادةً في حوالي ست أو سبع سنوات من العمر، وتبرز أكثر بعد نهاية الطفولة الثانية.
يصعب تمييز المظاهر الوسواسية المبكرة؛ لأن الكمون الطبيعي بين ستة أعوام واثني عشر عاما يظهر فيه الشخص تحكما ونظافة ودقة عالية في مجمل الأمور الذاتية والمحيطية؛ بحيث نلاحظ على الشخص عددا قليلا من الطقوس (وقت النوم، والأكل، والإخراج)، وبعض الأفكار المتكررة والمؤلمة (كفكرة الموت والفقد والهجر).
تظهر في هذه الفترة العمرية مظاهر أخرى ليس لها صلة مباشرة بالاضطراب الوسواسي، كاضطراب الجسدنة (استعمال الجسد للتعبير عن الصراع النفسي، فتظهر اضطرابات جسدية كالاضطرابات الجلدية، والهضمية مثلا)، والرهاب، والمشاكل المدرسية لا سياما صعوبات الانتباه. وتسيطر بعض الوساوس المميزة كالخوف من وفاة أحد الوالدين، ولكنها تمر أحيانًا دون أن يلاحظها أحد؛ لأن الطفل لا يشتكي منها غالبا.
الأسباب المتعلقة بالتنشئة في الأسرة:
الأسرة هي غالبا أسرة كلاسيكية، لكنها توفر تنشئة اجتماعية جامدة؛ ومن ثم تنشأ رابطة خاصة بين الأم والطفل ( رابطة غير سوية).
حياء الطفل، وجديته، تجعل العلاقة مع أقرانه في بعض الأحيان صعبة، خاصة في الدفاع عن النفس، بسبب قمع او كبح العدوانية.
كما يقدم اهتمامات فكرية واضحة على حساب الأنشطة البدنية، مما يعزله عن أقرانه، ويجعله عرضة للخطر. يمكن أن يتسبب هذا مبدئيا لدى بعض الأطفال في رفض المدرسة؛ لأن الطفل يعاني من الاستبعاد والتهميش، ولدى البعض الآخر يطورون مهارات أكاديمية استثنائية، ويستثمرون جهدا كبيرا في التفوق المدرسي.
تأخذ هذه المظاهر مظهرا مميزا عند البلوغ؛ بحيث نلاحظ في المراهقة الكثير من الاهتمامات الميتافيزيقية والتطلعات الدينية، والبحث في الماورائيات. ويصبح في هذه الفترة التمدرس ثقيلا بفعل البحث عن الاتقان والكمال في النتائج الأكاديمية؛ مما يجعل مهمة التعلم صعبة جدا.
يثبت الطبع الوسواسي في سن الرشد، ويسيطر على الشخص سمة احترام المسافة المهذبة مع الآخر، ويظهر بمظهر الصارم والرسمي في المواقف الاجتماعية مع نوع من الحياد العاطفي.
ثانيا، الأسباب الوراثية:
أظهرت الدراسات التي أجريت على عائلات المرضى الذين يعانون من الوسواس القهري تأثير العوامل الوراثية في ظهور الاضطراب، رغم أن دورها غير محدد بشكل دقيق. تقدر نسبة الوراثة عالميا بنسبة تتراوح بين (27-49%)، وترتفع هذه النسبة الى (65%) لدى الأشخاص الذين تبدأ أعراضهم في مرحلة الطفولة أو المراهقة.
يوجد عدة جينات متورطة، مرتبطة بأنظمة النقل العصبي السيروتونينية، والغلوتاماتية، والدوبامينية. أضافت البيانات الوراثية مؤخرا الأنظمة الكولينية إلى قائمة الجينات، بالإضافة إلى تلك التي تحتوي على المواد الأفيونية الذاتية (GABA)، ( حمض γ-أمينوبوتيريك)، (المادة P).
كما أن الجينات التي تساهم في تنظيم السيروتونين (تعتبر الرسول الكيميائي الدماغي الذي ينقل الإشارات بين خلايا الدماغ) ينتقل بين الأجيال.
ثالثا، أسباب عصبية-بيولوجية
تعطل دوائر الدماغ المختلفة:
قدمت أبحاث حديثة في تصوير الدماغ فهما أفضل للآليات الكامنة وراء الوسواس القهري. وقد ثبت أن دوائر الدماغ المختلفة تتعطل في هذا الاضطراب. وهي تقع بشكل خاص في العقد القاعدية المشاركة في السلوك والعادات، أو في القشرة الحزامية الأمامية والقشرة الحجاجية الأمامية. هذه الأخيرة لها دور في العواطف والتفكير. تتفق المزيد من الأدلة العلمية على مشاركة الجسم المخطط، وهو هيكل تحت القشرة المخية؛ ويعد جزءا من العقد القاعدية التي تشارك في دوائر المكافأة وفي صنع القرار. يمكن تفسير الخلل الوظيفي في هذه المناطق الدماغية من خلال عمل بعض الناقلات العصبية، مثل السيروتونين أو الدوبامين أو الغلوتامات أو حتى الفاسوبريسين.
كما لوحظ أن التشوهات التي تؤثر على عمل هذه الهياكل، والتي تشارك أيضًا في العمليات المعرفية والعاطفية، توجد في أمراض نفسية أخرى. قد يفسّر هذا جزئيًا سبب ارتباط الوسواس القهري غالبًا باضطرابات أخرى مثل الاضطرابات الاكتئابية أو اضطرابات القلق.
اضطرابات التمثيل الغذائي في الدماغ:
يمكن أن تؤدي الاضطرابات الأيضية في الدماغ إلى تعزيز ظهور الوساوس بسبب عدم كفاية تركيز السيروتونين الذي يلعب دورًا في تنظيم المزاج والعدوان والاندفاع والنوم والشهية ودرجة حرارة الجسم والألم.
تغيّر في نشاط الدماغ:
في حالات التغيرات في نشاط الدماغ، قد يكون نشاط ثلاث مناطق من الدماغ أعلى من النشاط الطبيعي ويمكن أن يؤدي إلى اضطراب الوسواس، ويتعلق الأمر بـ:
- نشاط القشرة الجبهة الحجاجية.
- نشاط النواة المذنبة.
- نشاط الجسم الثفني.

ميزات الشخص بالتفكير الوسواسي
الشخص الوسواسي، شخص فعّال بفضل دقته والتزامه بالمواعيد، وعناده في تحقيق أهدافه. لكن مستوى هذه الفعالية ينقص، وأحيانا يبطل تمامًا عندما يكون هناك افراط أو زيادة في الدقة أو في الشك أو في العناد.
يحافظ الشخص بالأفكار الوسواسية على مسافة أمان مع الآخر، وينسحب من العلاقة اذا أحسّ بخطر الاقتراب. ويجد صعوبة في الـتأسيس للعلاقات المقربة كالصداقة، كونه شخص متردد للغاية، في حين يكون مخلصا جدا في حالة وجود العلاقة.
الشخص الوسواسي يجهل منشأ أفكاره الوسواسية، ويعيش في تبريراته وآرائه الجاهزة عن نفسه وعن الآخرين، وهو ما يجعل نمط علاقاته صعب جدا. كما يعيش في عقلانيته وآرائه التي يكوّنها عن نفسه وعن الآخرين، وهو ما يجعله عرضة للاكتئاب.
مضاعفات وتطوّر الوساوس
اذا تطورت الوساوس يمكن أن تدخل الشخص في حالة اكتئاب، خاصة اذا حدث تغيّر كبير في روتين الحياة كالانتقال الى بيت جديد، أو قطيعة عاطفية، أو وفاة أحد الأحباء، أو ارتفاع مستوى التوتر بسبب الانتقال الى الجامعة مثلا أو الالتحاق بالجيش، أو زيادة الضغوطات.
يبدأ الشخص بالانسحاب الاجتماعي والانعزال لأنه يخاف من فقدان الفعالية في المجتمع، أو خطر ان ينكشف أمام الآخرين. وهنا يرتفع مستوى القلق لديه.
يميل الشخص الوسواسي إلى الاعتراف بالطبيعة غير السوية لأفكاره، وهو ما يجعله يبحث عن حلول تحميه من هذه الافكار؛ فنجده يميل إلى عيش حياة روتينية ونمطية بشكل متزايد، معتقدا أن هذا سيحميه من القلق؛ مما يجعله عرضة للاكتئاب.
خلال الشيخوخة نلاحظ عودة ظهور الوساوس، التي تصبح أكثر قوة ومهاجمة للبناء النفسي.
ما هي الطقوس القهرية؟
قد يرافق الوساوس مجموعة من الطقوس القهرية التي لا يستطيع الشخص مقاومتها. وتظهر في شكل أفعال يشعر المريض بأنه مضطر للقيام بها. وتتميز بوجود نمط التسلسل، وميزة التكرارية. تعمل هذه الطقوس كمخدر للحالة العامة التي تخلقها الوساوس، لتعطينا ما يسمى في الطب النفسي باضطراب الوسواس القهري الذي يعتبر اضطرابا نفسيا، وقد يكون في بعض الحالات عرضا في اضطراب عقلي.
يمكن أن تكون الطقوس عقلية: كتلاوة سلسلة من الكلمات من عدد من الصلوات الاستعارية، كالتسبيح في ثقافة المسلمين، أو تكون طقوس سلوكية، كمجموعات من الأفعال المحددة المتكررة، أو التفتيش المتكرر، أو الغسل المتكرر.
تشخيص اضطراب الوسواس القهري
تشخيص الوسواس القهري يقوم بها مختص في العلوم النفسية العيادية أو طبيب نفسي. يستند هاذين المختصين إلى معايير دولية محددة للجدول العيادي لاضطراب الوسواس القهري.
يمكن تقييم شدة الاضطراب من خلال مقياس ييل-براون للوسواس القهري (Y-BOCS) أو مقياس ييل براون للوسواس القهري (CY-BOCS) للأطفال. وتأخذ هذه المقاييس في الاعتبار المدة اليومية للوسواس والأفعال القهرية، والانزعاج والقلق المصاحب لهذه الأعراض، واستعداد المريض وقدرته على مقاومة الوساوس والأفعال القهرية.
غالبًا ما يتم تقديم تقييم لأعراض الاكتئاب واضطرابات القلق جنب اضطرابا الوسواس القهري.
علاج اضطراب الوسواس القهري
اضطراب الوسواس القهري هو حالة مرضية مزمنة، لا يمكن أن تشفى من تلقاء نفسها. يجب التوجه الى المختصين الأكفاء للتعامل مع هذه الحالة المرضية.
العلاجات المتاحة اليوم تهدف إلى التقليل أو التخفيف من الأعراض، لمساعدة المريض من ممارسة حياته اليوم بشكل طبيعي قدر الإمكان.
يجب استشارة مختص، الذي قد ينصح بتدخل علاجي مزدوج: دوائي ونفسي. كما قد يكون الاستشفاء ضروريًا في حالة حدوث هجمات انتحارية شديدة، أو حالات اكتئاب حادة.
العلاج الدوائي
العلاج الدوائي الذي يشمل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (selective serotonin reuptake inhibitors)، مثل إسيتالوبرام، فلوكستين، سيرترالين.
تصنّف مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين كمضادات للاكتئاب، لكن لوحظ سريريا أن لها تأثير فعال جدا على اضطراب الوسواس القهري عند استخدامها بجرعات أعلى (2 إلى 3 أضعاف الجرعات المضادة للاكتئاب). يستغرق العلاج ما لا يقل عن ثلاثة أشهر للحكم على فعالية الدواء على أعراض الوسواس القهري. ويستمر العلاج إلى عدة سنوات، حتى بعد اختفاء أعراض الوسواس القهري.
يمكن أيضا إضافة مضادات الذهان (Antipsychotics) التي تستهدف الدوبامين.
تعمل هذه الأدوية على تحسين الحياة اليومية لحوالي ثلثي المرضى، ويصل حوالي (20%) منهم الى حالة هدوء بعد عدة سنوات من بدء العلاج. الهدف من العلاج الدوائي هو تقليل الأعراض، وتقليل الاندفاع، وتعزيز القدرات الوظيفية، وتحسين فوائد العلاج النفسي.
العلاج النفسي
العلاج النفسي يتكون من ثلاثة علاجات أساسية هي: العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج النفسي الديناميكي، والعلاج الجماعي ومجموعة الدعم.
يعتبر العلاج السلوكي المعرفي علاج الخط الأول في اضطراب الوسواس القهري.
هذا العلاج النفسي القصير نسبيا هو العلاج الأكثر استخدامًا عند الأطفال والمراهقين وحتى الراشدين. يعمل العلاج المعرفي السلوكي بشكل مباشر على السلوكيات القهرية والأفكار الوسواسية، ويهدف إلى تعديل أو إعادة هيكلة الأفكار والانفعالات المرتبطة بالاضطراب. كما يساعد المعالج النفسي مريض الوسواس القهري على مواجهة المواقف التي تثير لديه القلق أو المخاوف، وتجنب الطقوس القهرية.
التدخلات الجراحية
استخدام التقنيات الجراحية:
في حالة الوسواس القهري المقاوم (عندما لا يتم تقليل أعراض الوسواس القهري بالعلاجات الكلاسيكية على الرغم من تنفيذها بشكل صحيح، فإننا نتحدث عن الوسواس القهري المقاوم) يكون الاضطراب شديدا ومعيقا للمريض، يمكن أن يقترح الفريق الطبي المعالج تقنيات جراحة الأعصاب كجزء من بروتوكول العلاج.
تتكون جراحة الآفات من إصابة طفيفة في منطقة الدماغ المصابة بالوسواس القهري باستخدام أشعة جاما، دون فتح الجمجمة. يستجيب لهذه التقنية ما بين (50 إلى 67%) من الحالات الخاضعة للتقنية.
يحيط بهذه التقنية الجراحية بعض الشكوك، وبعض المخاطر؛ كعدم اليقين في اختيار المناطق التي يتم استهدافها بالجراحة، والآثار الضارة والشديدة للتقنية في بعض الحالات. هذا الأمر يحد من احتمالية انتشار استعمال التقنية بشكل كبير.
استخدام تقنية التحفيز:
يمكن أيضا استخدام تقنية التحفيز العميق للدماغ. هو أسلوب جراحي يتكون من زرع أقطاب كهربائية في مناطق محددة جدًا من الدماغ. توفر هذه التقنية التحفيز الكهربائي المستمر للخلايا العصبية، وتعديل دوائر الدماغ الرئيسية في الوسواس القهري. تتصل هذه الأقطاب الكهربائية ببطارية مزروعة تحت الجلد. يتم ضبط معالم التحفيز (التردد، الجهد، مدة النبض) من قبل الطبيب المختص باستخدام مبرمج خارجي.
بينت النتائج السريرية أن ثلثي المرضى الذين يعانون من الوسواس القهري المقاوم يستجيبون لهذا العلاج. بعد ثلاثة أشهر من التحفيز، يستعيد المريض الأداء العام. النتائج طويلة المدى تعتبر مشجعة جدا، مع العلم أن المرضى يواصلون متابعة العلاج السلوكي المعرفي و/أو العلاج الدوائي. بعد تطبيق التقنية.
لا تزال هذه التقنية الى حد اليوم تجريبية، ولم يتم توسيعها على كل المرضى.
استخدام التحفيز المغناطيسي:
كما لا يزال استخدام تقنية التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة قيد الدراسة أيضا. هي تقنية غير جراحية. تعتمد على تطبيق مجال مغناطيسي موجه نحو مناطق معينة من الدماغ التي يفترض أنها تشارك في المرض. استخدمت هذه التقنية لأكثر من عشر سنوات في علاج الاكتئاب واضطرابات المزاج، وقد أظهر حتى الآن نتائج متناقضة في الوسواس القهري. هذه التقنية تبقى أيضا قيد التجريب، ولم تعمم لحد اليوم على كل الحالات.
تجنب المنشطات:
لتجنب الوساوس، خاصة في بدايات الاضطراب، ينصح بتجنب المنشطات مثل الكحول أو القهوة أو التبغ، ويوصى بالنشاط البدني والاسترخاء. وان أحس الشخص بزيادة مستوى القلق لديه، فعليه بمراجعة معالج نفسي. يعلم هذا الأخير المريض تقنيات ادارة التوتر والقلق، وتقنيات الاسترخاء الذاتي، والتعامل مع الوساوس بشكل لا يسمح بتطورها والدخول في مضاعفات قد تكون خطيرة أحيانا.
تحميل الدليل الاحصائي والتشخيصي للاضطرابات النفسية و العقلية – DSM 5
المراجع
-Robbins, T. W., Vaghi, M. M. & Banca, P. Obsessivecompulsive disorder: puzzles and prospects. Neuron 102, 27–47 (2019).pdf
-Mataix-Cols, D., do Rosario-Campos, M. C. & Leckman, J. F. A. Multidimensional model of obsessive-compulsive disorder. Am. J. Psychiatry 162, 228–238 (2005).
-Stein, D. J., Hollander, E. & Josephson, S. C. Serotonin reuptake blockers for the treatment of obsessional jealousy. J. Clin. Psychiatry 55, 30–33 (1994).
– Monzani, B., Rijsdijk, F., Harris, J. & Mataix-Cols, D. The structure of genetic and environmental risk factors for dimensional representations of DSM-5 obsessivecompulsive spectrum disorders. JAMA Psychiatry 71, 182–189 (2014).
-Fontenelle, L. F. & Hasler, G. The analytical epidemiology of obsessive–compulsive disorder: risk factors and correlates. Prog. Neuropsychopharmacol. Biol. Psychiatry 32, 1–15 (2008).
– Russell, E. J., Fawcett, J. M. & Mazmanian, D. Risk of obsessive-compulsive disorder in pregnant and postpartum women. J. Clin. Psychiatry 74, 377–385 (2013).
– Isomura, K. et al. Metabolic and cardiovascular complications in obsessive-compulsive disorder: a total population, sibling comparison study with long-term follow-up. Biol. Psychiatry 84, 324–331 (2018).
-Taylor, S. Disorder-specific genetic factors in obsessivecompulsive disorder: a comprehensive meta-analysis. Am. J. Med. Genet. B Neuropsychiatr. Genet. 171, 325–332 (2015).