القائمة

ما هو الحب؟

شارك المقال

ما هو الحب؟

يعتبر التساؤل عن ما هو الحب، من أكثر الأسئلة التي يتم البحث فيها عبر الشبكة العنكبوتية. ومعظم الأسئلة تبحث في ماهية الحب من وجهة نظر فلسفية.  وفي ثقافتنا الشعبية يتم التعامل مع موضوع الحب كأحد الطابوهات التي لا يجب التحدث فيها علانية. سنتناول في هذه المقالة الحب من منظور نفسي وعصبي. وسنتعرف على ما يحدث في أجسامنا عندما نشعر بالحب.

تعريف الحب في علم النفس

يعرّف الحب في العلوم النفسية على أنه عاطفة أو شعور قوي بالتعلق بشخص، أو شيء، أو موضوع ملموس أو مجرد. يكون هذا الشعور مكثفا وقويا ويدفع الشخص إلى البحث عن التقارب الجسدي أو الفكري أو الخيالي مع موضوع هذا الحب .

نظرية الحب الثلاثية

تعود هذه النظرية للنفساني “روبرت ستيرنبرغ”، الذي قدّم تفسيرا علميا للحب وغيره من المشاعر الإنسانية بالاعتماد على ثلاث متغيرات أساسية (الحميمية، الشغف، الالتزام). تفسّر وتشرح هذه النظرية مشاعر الحب في العلاقات الشخصية والبين شخصية وأنواعه بالاستناد على هذه المتغيرات الثلاثة. وتوصلت إلى أن العلاقة القائمة على عنصر واحد فقط من المتغيرات الثلاثة أقل احتمالية للاستمرار من تلك القائمة على عنصرين أو أكثر.

شملت النماذج العلائقية للحب في دراسة ستيرنبرغ الحب بين الزوجين، وبين الوالدين والأبناء، وبين الأصدقاء. وتوصلت الدراسة إلى أن السمات النموذجية لعلاقة الحب هي وجود شخص أو موضوع محبوب، مع مشاعر قوية تجاهه، وسيطرة سلوك الرعاية والاعتناء بالآخر على العلاقة، وتغيرات كيميائية عصبية وجسدية تظهر على طرفي العلاقة. ولعب وجود الحب دورا مهما في تفسير بعض السلوكيات التي تظهر لدى الطرفين، بالنظر إلى  الاحتياجات البيولوجية لكل منهما وتوقعاتهم الثقافية والاجتماعية لعلاقة الحب.

أنواع الحب حسب نظرية الحب الثلاثية

فسّرت نظرية الحب الثلاثية مراحل وأنواع الحب المختلفة على أنها توليفات أو ارتباطات مختلفة من هذه العناصر الثلاثة (الحميمية، الشغف، الالتزام). بحيث، يتغير التركيز النسبي أو التوازن لكل عنصر من العناصر الثلاثة التي حددها ستيرنبرغ خلال مسار العلاقة بمرور الوقت.

وحددت النظرية سبعة أنواع من الحب، هي:

حب الاعجاب:

الذي يظهر في الصداقات الحقيقية. يشعر الشخص في هذا النوع من الحب بالترابط والدفء والقرب من الآخر، ولكن لا يشعر بالشغف الشديد أو الالتزام طويل الأمد.

حب الغرام :

الذي يظهر من النظرة الأولى. ولا يقترن بالضرورة بعنصري الحميمية والالتزام، وقد يختفي هذا الحب فجأة.

الحب الفارغ:

الذي يتدهور فيه الحب القوي إلى حب فارغ. تزول وتختفي في هذا النوع من الحب الحميمية والشغف، ويبقى فقط الالتزام. ويظهر في الثقافات التي يتواجد بها الزواج التقليدي المرتب. قد تبدأ العلاقة بحب فارغ أو قد تتطور نحو حب فارغ.

الحب الرومانسي:

يرتبط فيه الطرفان عاطفيا كما يحدث في حب الإعجاب، لكن يرتبطان أيضا جسديا من خلال الإثارة العاطفية.

حب الرفقة:

يظهر في الزيجات التي يختفي فيها الشغف من العلاقة، وتبقى المودة والالتزام العميقان. في هذا النوع من الحب تتعمق العلاقة بين الزوجين ويتشاركان الحياه بتفاصيلها الحلوة والمرة من  دون أي رغبة جنسية أو جسدية.

الحب المثالي:

يكون رابطا أو حبا أقوى من الصداقة بفضل عنصر الالتزام الإضافي. يظهر هذا الحب بين أفراد الأسرة في شكل من أشكال حب الرفقة، وبين بين الأصدقاء المقربين الذين يقضون وقتا طويلا معا في علاقة لاجنسية لكنها علاقة ودية جدا.

الحب الزائف:

  يظهر في علاقة الخطوبة أو الزواج السريع. حيث يكون الالتزام في العلاقة مدفوعا بشكل كبير بالعاطفة، دون تأثير الحميمية والتقارب الجسدي والجنسي.

الحب الكامل:

الذي يمثل علاقة الحب المثالية أو الكاملة التي يسعى الكثيرون أو يحلمون بها. يحافظ هذا الحب على عناصر الحب الثلاثة (الحميمية، الشغف، الالتزام). ويحذر ستيرنبرغ من أن الحفاظ على علاقة الحب الكامل قد يكون أصعب من الوصول إليه أو تحقيقه. ويشدّد على أهمية وضرورة ترجمة عناصر الحب الثلاثة إلى أفعال للحفاظ على الحب الكامل؛ لأنه “بدون التعبير، حتى أعظم أنواع الحب يمكن أن تموت” (341 Sternberg, 1988 : ). هذا الحب الكامل قد لا يستمر لمدة طويلة، خاصة إذا فُقد الشغف من العلاقة، وقد يتحول إلى حب الرفقة.

إن معرفة دور هذه عناصر الحب الثلاثة في أي علاقة يساعد الأزواج على تجنب المشاكل في علاقتهم، والعمل على تحسين الجوانب التي تحتاج إلى تحسين.

آليات عمل الشعور بالحب

يعمل شعور الحب مثل باقي المشاعر الأخرى بآليات تعمل على المستويات العلائقية والعقلية والعصبية والجسمية والنفسية.

على المستوى العلائقي:

ينتج الحب ويتغذى وينمو بالاعتماد على مختلف التفاعلات اللفظية والجسدية والايماءات، مثل الحديث وتبادل العبارات الإيجابية، والاستماع باهتمام للشريك، وتتبع تفاصيل حديثه والاستجابة المناسبة لها، والمغازلة المتبادلة، وإطالة النظر في الشريك  وغيرها.

على المستوى العقلي:

ينتج شعور الحب من خلال ربط التمثيلات والتصورات العقلية المختلفة، بما في ذلك التصورات عن الذات في علاقتها بالآخر/الشريك، ومستوى الاشباع والرضا الذي تحققه هذه العلاقة للحاجات الأساسية والتوقعات ولتقدير الذات. وكذا التقييم المعرفي الذي يكونه الشخص عن محبوبه، وللموقف وللتغيرات الفسيولوجية التي تحدث من التفاعل مع الحبيب أو التفكير فيه. يتدخل في هذا التقييم المعرفي المعتقدات الأساسية اللاواعية والأحكام الواعية حول مدى إرضاء الحبيب للدوافع النفسية والحاجات الجسمية والأهداف الاجتماعية.

على المستوى الجسمي:

تشمل التغيرات الفسيولوجية المرتبطة بالشعور بالحب زيادة في معدل ضربات القلب أو الخفقان، وزيادة في النشاط البدني والشعور بتدفق الطاقة المرتبط بالشعور بالفرح، والاحساس بالتوتر في الجهاز الهضمي، وبالاستثارة الجسدية العالية التي قد تصل إلى حد الارتعاش.

على المستوى العصبي:

يولد الشعور بالحب تفاعلات كثيرة في الخلايا العصبية باستخدام النواقل العصبية. تعتبر الهرمونات رسل كيميائية للجسم. وبمجرد إطلاقها من الغدد في مجرى الدم، فإنها تحدث تأثيرا على مختلف أعضاء الجسم وأنسجته وانفعالاته أيضا. كما تُعتبر نواقل عصبية تحمل الرسائل عبر الفراغات بين الخلايا العصبية. ويحرك الشعور بالحب هرمونات الشعور بالسعادة الأربعة: الدوبامين، والسيروتونين، والإندورفين، والأوكسيتوسين، بالاظافة إلى هرمونات الفازوبريسين والتستوستيرون والأستروجين. ترتفع هذه الهرمونات نتيجة الشعور بالحب الذي يعتبره الجهاز العصبي تغييرا مهما في نمط الحياة، ويتحسن معه النظام الغذائي وتتعزز المشاعر الإيجابية ويتحسن المزاج.

 لذلك، فإن الوقوع في الحب ليس مجرد عمل كيميائي يعزز من الشعور الايجابي الذي يعيشه الشخص المحب، ولكنه يعتبر أيضا مقويا لقدرات الجهاز العصبي وللصحة النفسية والعقلية والجسدية. فتحفيز هرمون الدوبامين مثلا يساعد على الشعور بالمتعة كجزء من نظام المكافأة في الدماغ. ويساعد أيضا في تعزيز الشعور بالحب وهو ما يدفع بالشخص المحب إلى الإخلاص والالتزام والوفاء في العلاقة.

ويساعد تدفق الدوبامين من ناحية أخرى على تطوير وتعزيز قدرات  التعلم والانتباه، وتحسين المزاج، وتعديل معدل ضربات القلب ووظيفة الأوعية الدموية ووظائف الكلى ومعالجة الألم.  في حين يساعد تدفق السيروتونين على تجنب الاكتئاب وتوفير الشعور بالنشوة، وتحسين المزاج، وتنشيط عمل الذاكرة، السيطةر على الخوف، والتقليل من استجابات الاجهاد والتوتر، وتحسين وظيفة الجهاز الهضمي، والنشاط الجنسي، والنوم والتنفس، ويعدل درجة حرارة الجسم. أما هرمون الاندروفين فهو مسكن طبيعي للألم في الجسم. تُفرزها منطقة تحت المهاد والغدة النخامية استجابةً للألم أو التوتر. يفرز هذا الهرمون في حالة الشعور بالحب ويمون مسؤولا عن الشعور بالنشوة. أما هرمون الاوكسيتوسين
يساعد  على التواصل مع الأحباء، ويفرز بقوة من خلال التلامس.  ينتج هذا الهرمون في منطقة ما تحت المهاد، وتُفرزه الغدة النخامية في مجرى الدم. ويسمى أيضا بمخدر الحب أو هرمون الحب. يخفف هرمون الأوكسيتوسين من مستويات التوتر والقلق ويحدث استرخاء عضليا ونفسيا ويُعزز المشاعر الإيجابية كما هو حال الهرمونات السابقة. وتساعد باقي الهرمونات على تعزيز الصحة الجنسية وتعزيز الإحساس بالذكورة والأنوثة.

على المستوى النفسي:

تطور الشعور بالحب من غريزة بدائية هي الغريزة الجنسية للبحث عن شريك الحياة المناسب والاحتفاظ به. يبقي الشعور بالحب الأشخاص في ارتباط  ببعضهم، ويحافظ على إلتزامهم بتربية أطفالهم. الذين يرنهم على أنهم ثمرة هذه العلاقة الإيجابية، ويمكنهم من تحمل ثقل مسؤوليات رعاية الأطفال، وتقبل هفوات وزلات الشريك. ويضمن ذلك استمرار العلاقة الزوجية واستمرار النسل والرغبة في الانجاب. كما يعتبر الشعور بالحب  دافعا بدائيا كالجوع والعطش والنوم والجنس. فالاحساس بأنك شخص محبوب من قبل الشريك يحسن الصحة النفسية، والارتياح النفسي والرضا عن الذات، ويقوي وظائف المناعة، ويقلل من التوتر.

ماذا يحدث عند الشعور بالحب ؟

يبدأ الشعور بالحب عندما يبدأ الشخص في رؤية صفات الشريك على أنها صفات مميزة وفريدة. فتبدأ حالة عصبية حيوية متطرفة في الظهور، من خلال ظهور استجابات فسيولوجية متصاعدة ومتكررة تعبر عن الشوق والشغف. تحفز هذه العاطفة القوية هرمونات السعادة الأربعة (الدوبامين، والسيروتونين، والإندورفين، والأوكسيتوسين) وهرمونات الجنس (الإستروجين والتستوستيرون). وتولد هذه الأخيرة مشاعر الانجذاب الجسدي أو الجنسي. يحفز ذلك نشاطا في منطقة الجهاز الحوفي ومراكز المكافأة. وهو ما يثير مزاجا إيجابيا يرتبط تحفيز قوي للذاكرة التي تبدأ في استرجاع الذكريات المرتبطة بالحبيب.
كما أن تدفق هرموني الدوبامين والنورادرينالين يُحفّز مسارات المكافأة، ويزيد من الدافعية والأفكار والسلوكيات التي تسعى إلى استمرار الشعور بالحب، ومشاعر النشوة، والاستجابات الفسيولوجية كتسارع ضربات القلب، والشعور بالتوتر، وزيادة الطاقة. كما تعمل هذه الهرمونات على تعطيل أو إنقاص نشاط القشرة الجبهية؛ مما يُفسّر إغفال المحبين لعيوب الحبيب في البداية. وغالبا ما يرافق الشعور بالحب زيادة تدفق هرمون الكورتيزول المرتبط بمشاعر انعدام الأمان أو التوتر من عدم ملائمة الحبيب أو عدم استجابته لنفس الشعور في المراحل الأولى من العلاقة. لكن مع تطور العلاقة يساعد هرمون الأوكسيتوسين على الشعور بالأمان في العلاقة. ويُعزّز هرمون الفازوبريسين سلوكيات اليقظة والخصوصية وحماية الذات والحبيب.

يختلف النشاط الجنسي عن الشعور بالحب، ولكنه يعزز الارتباط بين الشريكين. فسلوك التلامس أو التقبيل أو ممارسة العلقة الجنسية، يُحفز إفراز هرموني الأوكسيتوسين والفازوبريسين، وهو ما يعزز الشعور بالحب والالتزام والحميمية بين الزوجين ويبقي على الشغف بينها.

المراجع

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *