يجب الانتباه في جميع مهامنا اليومية تقريبا، يسمح ذلك بالتركيز على العمل الجاري، ومعالجة البيانات، وفهم المعلومات الشفوية أو المكتوبة، وتكوين الأفكار. تعتمد القدرة على التركيز بشكل كبير على التغيرات في بيئة الشخص المعني (الضوضاء، التوتر، القلق، التعب، الأفكار المتداخلة، إلخ). يمكن أن يحدث التحول في الانتباه عن قصد (على سبيل المثال، التحديق في شيء ما) أو تلقائيا (الضوضاء المفاجئة تجذب الانتباه، على سبيل المثال).
يتدخل الانتباه في العديد من العمليات المعرفية سواء كانت الذاكرة أو الإدراك أو حل المشكلات وغيرها. يمكن أن تكون مهارات الانتباه قوية جدا، إذا اخترت التركيز على شيء محدد مع عزل نفسك عن العالم الخارجي حتى لو كانت البيئة المحيطة بها صاخبة للغاية، كما يفعل الأشخاص الذين يعملون في الأماكن المفتوحة أو المكاتب المفتوحة. يمكنك أيضا تقسيم انتباهك بين عدة أنشطة، على سبيل المثال، يمكن للمرء القيادة وإجراء محادثة مع أحد الركاب ومع ذلك، عندما ينقسم الانتباه بين عدة مهام، فإنه يتطلب المزيد من الجهد الدماغي، كما يحدث مع تقدم العمر انخفاض في القدرة على الانتباه وزيادة الحساسية للتداخل، مما يقلل بدوره من كفاءة كبار السن في مهام متعددة في وقت واحد.
هو أيضا عملية الدماغ المستخدمة في التعلم، فمن المنطقي أنك إذا كنت تتعلم شيئا ما، فعليك التركيز على ما يقوله لك الخبراء أو المعلمون، أو التركيز على الكتاب الذي تقرأه، حتى يتم حفظ محتواه والمعرفة التي يحتوي عليها، فبدون الاهتمام بالمحتوى الجديد لا يوجد حفظ أو إتقان للموضوع.

تعريف الانتباه:
يعد اقتراح تعريف بسيط أو نظرية عامة للانتباه عملية صعبة (Zanto، Gazzaley، 2014). غالبية التعريفات المقترحة اليوم مستوحاة من التعريفات المقترحة منذ عام 1890 من قبل عالم النفس والفيلسوف ويليام جيمس، في عمله مبادئ علم النفس (جيمس، 1890):
“الانتباه هو استحواذ العقل، بشكل واضح وحي، على شيء أو سلسلة من الأفكار من بين العديد من الأفكار الموجودة في وقت واحد […] وهو يتضمن سحب أشياء معينة من أجل معاملة الآخرين بشكل أكثر فعالية […] “
هناك عمليات مختلفة مثل الاختيار أو التحكم أو التنشيط. تتميز هذه العمليات بوظائفها وكذلك من خلال شبكات الدماغ التي تكمن وراءها (Petersen، Posner، 2012).
إذا فالانتباه هو:
هو استخدام الطاقة العقلية في عملية معرفية، وهو توجيه الشعور وتركيزه في شيء معين استعدادا لملاحظته او ادائه او التفكير به.
أنواع الانتباه:
يجب في البداية التحدث عن أنواعه، لأننا سنركز فيما بعد على أهم هذه الأنواع وأكثرها تدخلا في العمليات المعرفية، والذي عرف أكبر قدر من الاهتمام من طرف علماء علم النفس بالخصوص، وكذلك هو النوع الذي يتأثر بالاضطرابات و بالتعلم أو التدريب، وغيرها؛ وهو الانتباه الانتقائي Attention sélectif، فماهي مختلف الأنواع؟
الانتباه التلقائي:
في هذا النوع يحدث الانتباه لدى الفرد الى الشيء الذي يهتم به أو يميل إليه فهو لا يبذل فيهِ الفرد جهدا بل يمضي بسهولة لأنه يكون عادة نحو منبهات متعلقة باهتماماته واتجاهاته وقد تحصل بصورة عابرة عندما يكون المنبه أمام عينه أو في مدى الذبذبات الصوتية التي تلتقطها أذناه. فمثلا قد ينتبه المدرس إلى أمور لا ينتبه إليها المهندس. كما قد ينتبه الطفل إلى أمور لا ينتبه إليها الكبار.
الانتباه القسري:
في هذا النوع يحدث الانتباه لدى الفرد رغما عنه، إذ أن المنبه يفرض نفسه على حواسه فرضا قسريا كالانتباه إلى صوت انفجار عنيف غير متوقع، وكثير ما يستخدم هذا النوع في المجال المدرسي عندما يقوم المدرس بالطرق على السبورة أو ينادي بصوت مرتفع باسم أحد طلبته.
الانتباه الإرادي أو الانتقائي:
يتطلب من الفرد حتى يتحقق الانتباه الارادي أن يبذل جهده وأن يضغط على نفسه وحواسه من أجل أن يتابع حركة المنبه أو سلسلة من المنبهات التي تعنيه كالانتباه الى محاضرة في موضوع معين. ويمكن التمييز بين عدة قدرات لها الصلة بالانتباه الانتقائي، ويمكن اعتبارها بمثابة أنواع الانتباه الانتقائي، أو أشكال له، وهي :
الانتباه الانتقائي (أو المركز) هو القدرة على مقاومة الإلهاء، من خلال المعلومات المتاحة من أجل الاحتفاظ بمعالجة المعلومات ذات الصلة بالنشاط المطروح ومعالجتها فقط، مما يثبط الاستجابة للمثيرات الأخرى؛
الانتباه المستمر؛ هو القدرة على التركيز لفترة طويلة من الزمن، على نشاط قد لا يأخذ في حد ذاته سوى القليل من الاهتمام ولكنه ضروري لتحقيق هدف؛
السيطرة المتعمدة / المرونة العقلية؛ هي القدرة على تغيير اتجاه الانتباه بشكل متناغم من موضوع إلى آخر.
تقع عملياته المختلفة هذه ضمن الإطار الأوسع للوظائف التنفيذية، والتي تشير إلى المهارات المعرفية المسؤولة عن التحكم في المهام المعرفية المعقدة وتنسيقها. تشارك في حل المشكلات، وهي تشمل عموما اختيار هدف، وتخطيط الأنشطة اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وتثبيط الاستجابات الأخرى التي لا صلة لها بالموضوع أو التي تتداخل مع تحقيق الهدف وإدارته وتنظيمه. وأخيرا تقييم نتيجة النشاط وتعديله؛
- الانتباه المقسم (أو المشترك)؛ وهو القدرة على أداء مهمتين منفصلتين أو معالجة نوعين مختلفين من المثيرات في نفس الوقت، مثل الاستماع والكتابة، على سبيل المثال.
إذا كما نلاحظ فالانتباه إما تلقائي، أو قصري أو انتقائي، ومن خلال التعريفات السابقة لمختلف الأنواع، يمكننا أن نستنتج ببساطة أن الانتباه الانتقائي يعتبر الأهم، خاصة في مجال علم النفس (على الأقل)، لذلك سنحاول تسليط الضوء على هذا الصنف من الانتباه فيما سيأتي من المحاضرة.
النظريات المفسرة للانتباه (الانتقائي):
يسهل الانتباه الانتقائي المعالجة التي تنطوي عليها مهمة معينة ويمنع الأداء المتزامن للمهام المتوازية، مع وجود آليات من النوع “من أسفل إلى أعلى”، أي ردود الفعل في الإدراك. هذه العملية “تختار” جزءا معينا من المعلومات ذات الصلة من أجل التركيز على المثير، وبالتالي تمكن من فهم المعلومات أو الحدث.
1. نظرية الانتباه الانتقائي (نموذج بوردبنت – Broadbent’s Filter Theory)
اقترح بوردبنت في الخمسينيات أن الانتباه يعمل كمرشح (فلتر) للأصوات القادمة، بحيث يُعالج جزء من المعلومات فقط بناءً على خواصها الفيزيائية (كالصوت) قبل دخولها إلى الوعي. وفقًا لهذه النظرية، تُصفّى الأصوات التي لا يتم التركيز عليها قبل الوصول إلى الوعي ولا تُعالج، بينما يُسمح للمعلومات ذات الأولوية بالمرور إلى مراحل المعالجة الأعلى.
الرسم التخطيطي لبوردبنت
- المدخلات الحسية ➔ الفلتر ➔ الرسالة المختارة ➔ الذاكرة قصيرة المدى ➔ المعالجة المتقدمة
2. نظرية الفلتر المتأخر (نموذج دويتش ونورمان – Deutsch & Norman’s Late Selection Theory)
دويتش ونورمان قدما نظرية مضادة لبوردبنت في الستينيات، مقترحين أن كل المدخلات الحسية تُعالج بالكامل على مستوى الوعي ولكن يتم الانتباه فقط إلى المعلومات المهمة. بمعنى أن عملية التصفية تحدث بعد المعالجة، في مرحلة اختيار الاستجابة، حيث تُعطى الأولوية للمدخلات الأكثر أهمية.
الرسم التخطيطي لدويتش ونورمان
- المدخلات الحسية ➔ المعالجة الكاملة (بجميع المعلومات) ➔ التصفية المتأخرة ➔ الذاكرة قصيرة المدى ➔ المعالجة المتقدمة
3. نظرية الفلتر التمهيدي (نموذج تريسمان – Treisman’s Attenuation Theory)
قدمت تريسمان نموذجًا معدلا عن بوردبنت، حيث افترضت أن الفلتر لا يستبعد بالكامل المدخلات غير المختارة. بل يعمل على تخفيف (توهين) الإشارات غير المهمة، في حين يُسمح للمعلومات ذات الأولوية بالمرور بقوة كاملة. يتيح هذا للأصوات غير المختارة بالمرور إلى حدٍ ما، ما يسمح بمعالجتها في الخلفية.
الرسم التخطيطي لتريسمان
- المدخلات الحسية ➔ فلتر التوهين ➔ الرسالة الأساسية + إشارات خافتة ➔ الذاكرة قصيرة المدى ➔ المعالجة المتقدمة
تركز هذه النظريات كلها في تفسيرها لعملية الانتباه الانتقائي على المرشح filtre ، حيث تختلف فيما بينها في موقع المرشح و تتفق على عناصره الأخرى،
تمثيل بياني لعناصر الانتباه في نظريات المرشح:

طبعا هناك العديد من النماذج التفسيرية الأخرى. لكننا هنا سنكتفي بتقديم نموذج برودبنت على أنه الأشهر من أجل وصف عناصره. وكما هو موضح في الشكل أعلاه يظهر أن عملية الانتباه تبدأ بالمدخلات الحسية التي تستقبل المثيرات المتوفرة في المحيط. والتي تخزن في الذاكرة قصيرة المدى ولمدة قصيرة حتى يتم الانتقاء من بينها المثيرات التي يجب التركيز عليها. وهو دور المصفاة التي تقوم بحجب المثيرات الغير مرغوب فيها وتسمح بمرور المثيرات المستهدفة. و التي ترتبط بدورها بنظام الادراك الذي يعتبر ضروريا في عملية الترشيح ، لتنتقل المثيرات المدركة فيما بعد إلى نظام المخرجات و الذي يرتبط بدوره بالذاكرة طويلة المدى التي نعتمد عليها في عملية الادراك و في المخرجات المنتظرة و الاستجابات تأتي في الأخير وفق عمل الآلية السابقة.
العوامل المؤثرة في عملية الانتباه:
العوامل الخارجية:
شدة المنبه: الأضواء الزاهية والأصوات العالية والروائح النفاذة اجذب للانتباه من الأضواء الخافتة والأصوات الضعيفة والروائح المعتدلة.
تكرار المنبه : لو صاح احد (النجدة) مرة واحدة فقد لا يجذب صياحه انتباه الآخرين. أما إن كرر هذه الاستغاثة عدة مرات كان ذلك ادعى لجذب الانتباه. على إن التكرار إن استمر رتيبا وعلى وتيرة واحدة فقد قدرته على استدعاء الانتباه. فلذلك يجب أن ينوع في نبرة الصوت.
تغيير المنبه: عامل قوي في جذب الانتباه. فنحن لا نشعر بدقات الساعة في الحجرة لكنها ان توقفت عن الدق فجأة اتجه انتباهنا إليها.
التباين: كل شيء يختلف اختلافا كبيرا عما يوجد في محيطه. فمثلا ظهور نقطة حمراء في وسط قلة نقاط سوداء أو وجود امرأة وسط محيط كله من رجال.
حركة المنبه : الحركة نوع من التغير، فمن المعروف أن الإعلانات الكهربائية المتحركة اجذب للانتباه من الإعلانات الثابتة.
موضع المنبه : وجد ان القارئ يميل إلى قراءة الجزء الأعلى من الصحيفة أكثر من النصف أو الأسفل.
العوامل الداخلية:
هنالك عوامل داخلية مؤقتة ودائمة.
العوامل المؤقتة:
الحاجات العضوية: الجائع إذا كان سائرا في طريق استرعت انتباهه الأطعمة وروائحها بوجه خاص.
المتهيئ الذهني: نرى ان رياضي 100م يكون مهيئ ذهنيا نحو صوت اطلاقة مسدس البدء بالركض والطبيب لجرس التلفون ليلا.
العوامل الدائمة:
الدوافع الهامة: لدى الإنسان تهيئ ذهني لموصلة الانتباه إلى المواقف التي تنذر بالخطر أو الألم. كما أن دافع الاستطلاع يجعله في حالة تأهب مستمر الانتباه إلى الأشياء الجديد أو غير مألوفة. مثل: انتباه الطالب لأي تغيير يحدث في استعمال الزمن
الميول المكتسبة:
يبدو أثرها في اختلاف النواحي التي ينتبه إليها عدد من الناس حيال موقف واحد. وذلك حسب ميولهم واهتماماتهم، فلو دخل ثلاثة أشخاص لمحل بيع الأجهزة سينتبه كل شخص للأجهزة التي تخدم ميوله واهتماماته.
بالإضافة إلى هذه العوامل التي نعتبرها عواملا موضوعية وعامة؛ أي تخص كل الأفراد فهي مرتبطة بالآليات السليمة و بطبيعة المثيرات. هناك جانب آخر نعتبره خاصا ويرتبط بالاضطراب أو القصور في عملية الانتباه. سوآءا كان نمائي أو ناتج عن خلل طارئ دائم أو مؤقت، كاضطرابات الانتباه وفرط الحركة TDAH، أو تعاطي مسكرات أو مخدرات، أو مرض يصيب الجهاز العصبي، أو التقدم في السن وما ينتجه من اضطرابات عصبية أو قصور في الحواس و العمليات العقلية.
المراجع:
- Broadbent, D. (1958). Perception et communication. Londres : Pergamon Press.
- Cherry, E. C. (1953). Quelques expériences sur la reconnaissance de la parole avec une et deux oreilles. Journal of the Acoustical Society of America, 25, 975-979.
- Eysenck, M. W. & Keane, M. T. (1990). Psychologie cognitive : un manuel de l’étudiant. Hove : Lawrence Erlbaum Associates Ltd.
- Moray, N. P. (1959). Attention in dichotic listening : Affective cues and the influence of instructions. Journal trimestriel de psychologie expérimentale, 11, 56-60.
- Treisman, A., 1964. Selective attention in man. British Medical Bulletin, 20, 12-16.
- Hoc, J.M. (1977). Role of mental representation in learning a programming language. International Journal of Man-Machine Studies,
- Hoc, J.M. (1972). Représentation mentale et modèles cognitifs de traitement de l’information. Le Travail Humain,.
- Guillaume Gronier/ Recherche et applications en psychologie cognitive
- Alain Lieury,Manuel de Psychologie Générale,Editions DUNOD
- رافع النصير الزغول عماد عبد الرحيم الزغول ()علم النفس المعرفي، دار الشروق للنشر و التوزيع ، عمان الأردن