نظرية النمو النفسي الاجتماعي التي طورها عالم النفس الشهير إيريك إيريكسون تعتبر من أهم النظريات التي تفسر نمو الإنسان عبر مراحل حياته المختلفة. تعتمد هذه النظرية على أن الإنسان يمر بثماني مراحل نفسية اجتماعية، حيث يواجه الفرد في كل مرحلة أزمة أو تحديا نفسيا يجب التغلب عليه لبناء هوية متكاملة. تغطي هذه النظرية جميع جوانب الحياة، من الطفولة المبكرة إلى الشيخوخة، مما يجعلها إطارا شاملا لفهم النمو النفسي الاجتماعي وتأثيره على الشخصية والعلاقات الاجتماعية.
من هو إريكسون (Éric Éricson)؟
إيريك هومبرجر إريكسون من أشهر الباحثين في العلوم النفسية في القرن العشرين وصاحب نظرية النمو النفسي الاجتماعي. ولد عام (1902) في فرانكفورت الألمانية، لأم يهودية الديانة وأب مجهول. تزوجت والدته عندما بلغ إيريك الثالثة من عمره بطبيب الأطفال الألماني ثيودور هومبرجر، الذي أعطى للطفل (إيريك) لقبه العائلي (هومبرجر). بعد هجرته الى الولايات المتحدة الأميركية عام (1932) وزواجه من جوان إريكسون وحصوله على الجنسية الامريكية، قام بتغيير اسمه الى لقب زوجته ليصبح “إيريك اتش إريكسون”. توفي عام (1992) بمقاطعة هارويتش الأميريكية.

سيرته الذاتية
ينتمي إريكسون الى مدرسة التحليل النفسي. كانت بداياته مع أنا فرويد في عشرينيات القرن العشرين وهو في الخامسة والعشرين من العمر، وسرعان ما أصبح عضوا في جمعية فيينا للتحليل النفسي. بعد هجرته الى الولايات المتحدة الأمريكية بعد ضغط النازية الألمانية استقر في مقاطعة بوسطن، وعمل بعيادة هارفد النفسية بالموازاة مع انتسابه الى جامعة ييل. أسس عام (1960) جمعية سان فرانسيسكو للتحليل النفسي بعدما التحق بهيئة التدريس بجامعة هارفرد الأميريكية التي لم يمكث بها الا بضع سنوات. ليعود الى مقاطعة كاليفورنيا في بدايات السبعينيات. ليغادرها هي الأخرى ويلتحق بجامعة كامبردج في نهاية الثمانينيات، وهي الفترة التي استقر بها في هارويتش.
علاقته بالتحليل النفسي الفرويدي
حافظ إريكسون على كثير من أساسيات التحليل النفسي الفرويدي، ومنها بناء الشخصية، وأهمية الخبرات اللاشعورية، وأهمية خبرات الطفولة، وأهمية غريزتي الجنس والعدوان، وصلاحية مراحل النمو النفسي الجنسي كواحدة من أساسيات تفسير النمو. فالعوامل البيولوجية حسب رأيه ليست الا واحدة من الجوانب المؤثرة على عملية النمو.
لم يقبل إريكسون مسلمة فرويد القائلة باكتمال النمو النفسي بعد سن الخامسة بقليل. اذ يرى أن النمو عملية طويلة المدى وتستمر طيلة الحياة. وفي علاقة الطفل (خلال مسار نموه) بالعالم الخارجي المتغير سيتغير هو كذلك، وتترك التربية والثقافة والمجتمع بصمات قوية في نمو الفرد وتوجهه نحو حلول معينة للأزمات التي يمر بها ولمشاكله وصراعاته بشكل عام. هو ما يتوافق مع نظرية إريك إيريكسون و النمو النفسي الاجتماعي
في حين يتفق إريكسون مع سغموند فرويد في أن الطبيعة الانسانية والفطرة تحددان سلسلة المراحل النمائية، وتضع الحدود التي تحكم عملية التنشئة الاجتماعية (فالوراثة تؤكد حدوث أزمة معينة والبيئة تحدد طريقة حلها).
نظرية النمو النفسي-الاجتماعي لاريكسون
قدّم إيريك إريكسون نظريته في النمو النفسي الاجتماعي، وقد أثبتت الدراسات التي تلتها أهمية هذه النظرية في فهم النمو النفسي لدى الطفل. كما كانت هذه النظرية قفزة قوية في مجال فهم علم النفس الأنا. تؤكد هذه النظرية على أهمية إحساس الطفل بالأمان في علاقاته بالمحيطين به في المراحل العمرية المبكرة، خاصة علاقته بأمه. فالطفل الأكثر أمانا في علاقته بالأم يكون أكثر كفاءة وفعالية ونضجا على المستويين الانفعالي والاجتماعي. وبفضل هذه الكفاءة يستطيع أن يدخل كطرف إيجابي في أي تفاعل اجتماعي مع الآخرين بعد ذلك.
تحدث إريكسون عن ثمان مراحل للنمو النفسي الاجتماعي للشخص، وذلك من خلال علاقته بالثقافة وكيفية اشباع الرغبة أمام ضغوطات الثقافة والمجتمع. وربط الانتقال من مرحلة الى أخرى بحل أزمة النمو.
اختلف إيريكسون مع سغموند فرويد في تفسير دوافع السلوك الإنساني؛ فهي من وجهة نظر فرويد غرائز بيولوجية (غريزة الحياة والموت)، لكن من وجهة نظر إريكسون فهي ناتجة عن التفاعلات الاجتماعية المتبادلة بين الفرد والآخرين. وهو ما يبين أهمية الثقافة في بناء الشخصية.
مفهوم الهوية عند إريكسون
يشير مفهوم “الهوية” عند غالبية الباحثين في العلوم النفسية إلى مجموع المعتقدات والمثل والقيم التي تساعد الشخص في تشكيل وتوجيه سلوكه. في حين يرى إريكسون أن الهوية ترتبط بمراحل التطور النفسي الاجتماعي، ومراحل نمو الأنا مرورا بحل الأزمات النمائية الثمانية. فهوية الأنا هي الشعور الواعي بالذات. ذلك الشعور الذي يتم تطويره من خلال التفاعل الاجتماعي، ويتدعم هذا الشعور في مرحلة المراهقة بشكل كبير. ويمنح ذلك للشخص القدرة على التكيف وعلى العيش وفقا لمعايير وتوقعات المجتمع.
هوية الأنا تتغير باستمرار بسبب التجارب والخبرات الجديدة والمتغيرة. التعامل اليومي مع تجارب جديدة والتعاطي مع معلومات جديدة أيضا، يجعلنا نواجه تحديات يمكنها أن تساعد أو أن تعيق تطور الهوية.
تمنح الهوية للانسان إحساسا بالتماسك والتكامل والتناغم في الذات يستمر طوال حياتنا. ويتشكل الإحساس بالهوية الشخصية من خلال التجارب والتفاعل مع الآخرين.
تساعدنا الهوية في تحديد وتوجيه أفعالنا ومعتقداتنا وسلوكياتنا مع تقدمنا في السن.
مفهوم الأزمة وتطور الهوية عند إركسون
تعتبر نظرية النمو النفسي الاجتماعي إضافة هامة الى المقاربة التحليلية في النمو. يحدث النمو حسب اركسون بفعل نقطة تحول كبرى في النمو سماها بالأزمة.
تعني الأزمة بصفة عامة وجود مشكلة. إلا أنها تعبر في نظرية إريكسون عن الضغوط المعتدلة المرتبطة بحاجات النمو أكثر من أن كونها أحداث متطرفة أو أزمات مستعصية على الحل. وهي مرتبطة بالحاجات البيولوجية ومستوى النضج والمتطلبات الاجتماعية (ما هو متوقع منه مقارنة بالأقران)، ومحاولات الفرد التكيف مع كل المتطلبات الجديدة للحياة الاجتماعية ومراحل النمو النفسية المختلفة.
فعند ظهور الحاجة يحس الفرد بنوع من الضغط الذي يكون دافعا له لمحاولة حل الأزمة عن طريق تعلم واستخدام مهارات جديدة.
تنشأ الأزمة من القوى المتعارضة والمتصارعة أحيانا بفعل ما يحدث من تغيرات فسيولوجية ونفسية وثقافية. تسبب هذه التغيرات مشاكل لا بد من حلها في كل مرحلة على حدا، كشرط للانتقال للمرحلة اللاحقة. ورغم أن بعض أوجه المشاكل والصراعات قد تنتقل إلى مراحل نمائية لاحقة، فان الإنسان عندما ينجح في حل هذه المشكلات والصراعات سيتوصل إلى نوع من التوازن النفسي وينتقل إلى المرحلة النمائية اللاحقة. كما يؤدي حل الأزمة الى نمو الأنا، وعلى العكس فان الفشل في حلها يعرض الأنا للخطر.
يتحكم في الأزمة قطبان أساسيان يؤديان الى خلق هوية الأنا. تتميز هذه الهوية في حالة الحل الايجابي للأزمة بكونها هوية ايجابية ناتجة عن التوازن بين قطبي الأزمة. وكل حل للأزمة في مرحلة نمائية معينة يطوّر قدرة الفرد على التعامل مع المرحلة النمائية التالية.

أزمات النمو وعلم النفس الأنا عند إريكسون
الأزمة الأولى: الاحساس بالثقة مقابل الاحساس بانعدام الثقة (من الميلاد الى الشهر الثامن عشر)
تتزامن مرحلة الأزمة الأولى مع المرحلة الفمية من النمو النفسي الجنسي في النظرية الفرويدية. تساهم الأم في هذه المرحلة ومن خلال عملية الرضاعة والعناية التي تقدمها بتطوير مفهوم الثقة لدى رضيعها. مما يولّد لدى الرضيع احساسا بالثقة في أمه التي ستلازمه طيلة حياته. يسمح تطوير الثقة في هذه المرحلة للرضيع بالانفتاح على الآخرين في محيطه، وعلى العالم الخارجي ككل بعد ذلك.
سلوكيات الأم المتزنة وحبها اللآمشروط لوليدها في هذه المرحلة هو المفتاح لتطوير هذه الثقة التي ستستمر معه طيلة حياته. وبالمقابل فالطفل الذي لم يتمكن من اكتساب الثقة أثناء السنة الأولى من عمره، فيصعب عليه اكتسابها بعد ذلك. وحينئذ ينمو مع شعور بعدم الثقة يلازمه طيلة حياته.
الأزمة الثانية: الإحساس بالاستقلال الذاتي في مقابل الإحساس بالتبعية (18 شهراً – 3 سنوات)
تتزامن هذه المرحلة مع المرحلة الشرجية التي تحدث عنها سغموند فرويد. في هذه المرحلة يبدأ الطفل تعلم الجلوس والمشي، وتناول الطعام بمفرده، وممارسة بعض الأعمال دون الحاجة لمساعدة الآخرين بما فيها تعلم التحكم في عمليات الاخراج. فيبدأ الشعور بالاستقلالية ينمو لديه، ويتولد لديه بالمقابل شعور متناقض قد يصل لحد الصراع بين الرغبة في تأكيد الذات والاستمرار في الاعتماد على الآخرين.
يمارس الطفل أيضا احساس الاستقلالية هذا مرفوقا بالسيطرة بالسيطرة على شيء يمكنه إتقانه بعيدا أو ضد رغبة الوالدين. هذه الرغبة الأولى حسب إريكسون هي شرط أساسي للشعور بالإرادة الحرة فيما يعد.
وعلى الأم الاعتماد على أساليب تربوية توازن فيها بين التسامح والحزم، حتى يتمكن الطفل من تعزيز نمو الاستقلالية الذاتية. وتجنب القسوة والشدة والعقاب السلبي خلال هذه المرحلة؛ لأنها تنتج لدى الطفل شكا في قدراته.
الأزمة الثالثة: الشعور بالمبادرة في مقابل الشعور بالذنب (3 – 6 سنوات)
بعد أن يقتنع الطفل بأنه شخص مستقل، يدرك في هذه المرحلة أن بإمكانه إحداث أثر فيما حوله من الأشياء والأشخاص. كما يتطور عنده الضمير والشعور الأخلاقي، وهو ما قد يتسبب في احساسه بالذنب وخوفه من العقاب. والتحدي الكبير في هذه المرحلة هو قدرة الطفل على متابعة أهداف صحيحة دون أن يعوقها الشعور بالذنب أو الخوف من العقاب. تتزامن نهاية هذه المرحلة مع الالتحاق بالمدرسة
نؤكد هنا على ضرورة أن يسمح الابوين للطفل بمساحة من التجربة والاستكشاف والخطأ، مع توجيه الطفل بلطف بدلاً من تأنيبه المستمر وإشعاره بالذنب.
الأزمة الرابعة: الإحساس بالاجتهاد والعمل في مقابل الإحساس بالدونية (5 – 12 سنة)
تتميز هذه المرحلة بقدرة الطفل على اكتساب العديد من المهارات وأداء المهام المختلفة (المدرسية والاجتماعية)، وهو ما يطور لديه شعورا بالاجتهاد والأداء والإنجاز والتحصيل. وفي المقابل يمكن للطفل أن يصاب بالفشل والإحباط والنقص والدونية إذا لم يحسن الوالدين التعامل مع هذه المرحلة، واذا لم يحي بالتميز في الاداء والانجاز.
الأزمة الخامسة: الاحساس بلهوية مقابل الارتباك أو تشتت الأدوار (12 – 18 سنة)
يدخل الطفل في هذه المرحلة الى سن المراهقة، ويتعامل المراهق باعتباره رجلا قد خرج من طور الطفولة. في سعيه لاكتساب وتكوين احساس متماسك بالهوية خاصة الهوية الجنسية. ويتعزز لديه بالموازاة لعب ادوار اجتماعية معينة تتناسب والهوية الجنسية. وإذا لم يحسن من حوله التعامل معه واستمروا في إشعاره بطفولته فإنه يلجأ إلى العنف للتأكيد على هويته.
يعتبر اريسكون أن الأمر هنا لا يتعلق بأزمة مراهقة، بل هي ظاهرة ثقافية وجودية؛ من خلال البحث عن اجابات تخص الوجود والارادة (من أنا، ماذا أريد…). تساهم الاجابات على هذه الأسئلة بالتأسيس لقيم المراهق الخاصة في ضوء الثقافة التي ينتمي اليها.
يحتاج المراهق في هذه الفترة الى التشجيع والدعم والتكليف بمهام اجتماعية مختلفة لمساعدته على تكوين الهوية. وعلى الآباء تفادي الحماية المفرطة أو الحرية المفرطة؛ لأن هذا من شأنه أن يربك المراهق في التأسيس لاختيارت هوياتية واضحة.
الأزمة السادسة: الشعور بالألفة في مقابل الشعور بالعزلة (18 – 40 سنة)
في هذه المرحلة يبدأ الفرد في تطوير علاقات مختلفة مع من حوله، ويبدأ في التأسيس لحياة مهنية واضحة المعالم، والتأسيس لمشروع زواج وتكوين أسرة. اذا فشل الفرد في حل احدى أو كل الأزمات الخمسة السابقة فان هذا سيؤثر على المرحلة السادسة، وبالتالي يفشل في هذه المرحلة ويبدأ في الاحساس بالفشل أو الانعزال والانطواء.
الأزمة السابعة: الشعور بالتجدد مقابل الشعور بالركود (40 – 65 سنة)
في هذه الأزمة يتكون لدى الفرد شعور بأهميته في المجتمع وأن هناك من يحتاج إليه، كالقيام على شؤون أسرته، بالإضافة إلى المشاركة في الأعمال التطوعية، أو زيادة معدلات الانتاجية في العمل. ويميل البالغ الناضج إلى توجيه الأجيال الصاعدة ومساعدتها على بناء نفسها. وفي المقابل هذا الالتزام تجاه الآخرين، قد يشعر الشخص أحيانا بالملل والركود فينسحب من التزاماته، ويوجه تفكيره الى الوقت المتبقي له للعيش، وهذا ما يترجم الجمود والانطواء والرغبة في الانفراد بالذات.
الأزمة الثامنة: النزاهة مقابل اليأس (بداية من 65 سنة)
تكون هذه المرحلة بمثابة الحصاد للمراحل السابقة، ومخرجاتها إما أن تتمثل في شعور الفرد بالنجاح وتكامل الأنا وأداء المطلوب، وإما أن يخرج الفرد باليأس من حياته وعدم الرضا عنها.
علم النفس الأنا
علم النفس الأنا أو علم النفس التحليلي للأنا أو علم نفس الأنا كلها مسميات تشير الى نفس المعنى. تعتبر هذه المقاربة الفكرية من المقاربات المهمة في علم النفس وتطور الشخصية.
تعود جذور هذه المقاربة الى النظرية التحليلية الفرويدية، ويعتبر عام (1932) بداية علم نفس الأنا. على الرغم من أن كتابات سغموند فرويد قبل ذلك كانت تحوي الكثير مما ينطوي تحت مسمى علم نفس الأنا. كما أن كلمة “الأنا” سبقت كتابات فرويد بفترة طويلة جدا، ولها استعمالات كثيرة في مجالات أخرى غير علم النفس، الا أن مسمى “علم النفس الأنا” ارتبط بإيريك إريكسون.
اعتقد إريكسون أن الأنا التي وصفها سغموند فرويد بأنها تلعب دور الوسيط بين ضغط الأنا العليا والهو، هي أكثر من ذلك. فهي حسب رأيه قوة دافعة إيجابية في التطور البشري والشخصية. وتتمثل وظيفتها الأساسية في الحفاظ على الشعور بالهوية وبالذات. وطوّر إريكسون أبحاث من سبقه في هذا المجال أمثال:
أولا، أعمال ديفيد رابابورت في علم النفس الأنا
قام “ديفيد رابابورت” بتقسيم تطور علم نفس الأنا في خمسينات القرن العشرين إلى أربعة مراحل:
رافقت المرحلة الأولى، الصياغات الأولى لنظرية التحليل النفسي عند فرويد، وانتهت عام 1897.
امتدت المرحلة الثانية بين (1897 و1923 ) وتزامنت مع بدايات وضوح معالم التحليل النفسي.
واكبت المرحلة الثالثة تطوّر النظرية الفرويدية للأنا في الفترة ما بين (1923-1937)، وكان لهذه المرحلة أثرا هاما في تطوّر السياق العام للنظرية التحليلية.
المرحلة الرابعة، جاءت بعد وفاة فرويد عام 1939 ، وشهدت تنظيم وتنسيق “علم نفس الأنا” على يد كل من هارتمان وكريس ومن تبعهم. فتحت هذه المرحلة التركيز على أثر ودور السياق الاجتماعي والثقافي في تطوّر مفهوم الأنا بالتزامن مع أعمال إريك إريكسون.
ثانيا، أعمال هاينز هارتمن في علم النفس الأنا
قام أتباع المقاربة التحليلية الفرويدية بمراجعة مفاهيمية كبيرة لنظرية فرويد في الجهاز النفسي. افترض هاينز هارتمان أن الأنا السوية تقوم بالعديد من الوظائف المستقلة عن دوها في ادارة الجهاز النفسي ولا تخص انقاص التوتر والصراع فيه. اعتبر هارتمن مثلا أن الذاكرة والتنسيق الحركي واختبار الواقع والتي هي من مسؤوليات الأنا، تعمل دون تدخل أي صراع. ويجب وفقا لذلك أن يعمل العلاج التحليلي النفسي على توسيع نطاق عمل ووظائف الأنا البعيدة عن أي صراع. وهو ما من شأنه أن يسهل التكيف والتنظيم الفعال للأنا والعالم الخارجي.
أعمال إريكسون في علم النفس الأنا
تأثر إيريكسون بأفكار سغموند فرويد واهتم بنمو الأنا ولم يولي أهمية كبيرة للهو واللاوعي كتلك التي أولاها فرويد، وتمكّن من تحويل التحليل النفسي من سيكولوجية الهو إلى علم النفس الأنا.
افترض فرويد ان النمو النفسي الجنسي للشخصية يمر بخمسة مراحل (المرحلة الفمية، الشرجية، القضيبية، الكمون، المرحلة الجنسية)، والجهاز النفسي يتكون من ثلاث بنيات (الهو، الأنا، الأنا العليا حسب الموقعية الثانية). في حين يرى إريكسون أن الهوية هي المحرك الأساسي للشخص، ويتم التعبير عنها طبيعيا تلقائيا وبشكل غير واع. تظهر الهوية كغريزة حب أو غريزة عدوان، فيعبر الشخص عن مشاعر الحب أو مشاعر الكره والتدمير.
اعتبر فريد والفرويديون الجدد أن الوظائف الأساسية للأنا تتمثل في اختبار الواقع والتحكم في الدوافع والغرائز للحفاظ على توازن الجهاز النفسي. في حين ركّز إريكسون اهتماماته على مفهوم نمو الأنا ومفهوم الهوية (هوية الأنا وهوية الذات).
المفاهيم الأساسية التي طورها إريكسون في علم النفس الأنا
– الأنا هي ذلك الجزء الموجود في العقل، والذي يعطي تماسكا للخبرات الواعية.
تدافع الأنا عن نفسها وعن الجهاز النفسي ككل وعن الشخصية.
تتطور الأنا بتعلم مهارات وأساليب تكيفية.يعتمد نمو الأنا على التنشئة الأسرية. ثم على المؤسسات الاجتماعية الأخرىالأنا حسب رأيه فاعل نشيط له وظائفه التكيفية، ويستمر في النمو مدى الحياة.هوية الأنا وسيلة لاستمرارية الشخص. وتعمل هوية الأنا على حماية الفرد من أخطار مواجهة التغيير الاجتماعي المفاجئ، والتغيير في الظروف الشخصية أو المهنية غير المتوقعة.على عكس فرويد، يرى إريكسون أن الأنا العليا هي شعور متطرف في الهوية.تأثير العلاقات الاجتماعية والبين شخصية قوي جدا على الفرد وعلى المجتمع.
يمكن للمرء أن يشعر بالإنجاز من خلال الانتقال بشكل متتابع عبر المراحل.
التقنيات التي استخدمها إريكسون
استخدم إريكسون نفس تقنيات التحليل النفسي التي استخدمها فرويد، لكن أبحاثه كلها ركزت على “الهوية”، وأظاف اليها الوسائل التالية:
– التداعي الحر، تحليل الأحلام، العلاقة التحويلية.
– الشمولية في الفحص النفسي وفي النتائج.
– قابلية الفحص النفسي لأن يكون دقيقا.
– التبسيط المفرط، والاعتماد بشكل كبير على بنية الهوية.
– الصلاحية التجريبية، من خلال الدعم التجريبي لكل المراحل.
– القيمة الاستدلالية والداعمة للفلسفة والدين والأنثروبولوجيا الثقافية والطب النفسي.
– القيمة التطبيقية في العديد من التخصصات بما في ذلك علم نفس الطفل والطب النفسي والاستشارة الزوجية والتعليم والاستشارة المهنية وغيرها.
خاتمة:
تقدم نظرية النمو النفسي الاجتماعي لإيريك إيريكسون فهما عميقا لنمو الفرد من خلال التركيز على التفاعل بين النفس والبيئة الاجتماعية. يساهم نجاح الفرد في تجاوز الأزمات التي تواجهه في كل مرحلة من مراحل الحياة في بناء هوية قوية وشعور بالإنجاز والرضا. تبقى هذه النظرية حجر الزاوية في علم النفس التنموي الحديث. حيث يستمر تطبيقها في مختلف المجالات من التعليم إلى العلاج النفسي.
قائمة المراجع
Erikson, E. H. (1950). Childhood and Society. New York: Norton.Erikson, E. H. (1968). Identity: Youth and Crisis. New York: Norton.Friedman, L. J. (1999). Identity’s Architect: A Biography of Erik H. Erikson. Harvard University Press.Stevens, R. (1983). Erik Erikson: An Introduction. Palgrave Macmillan.Slater, C. L. (2003). “Generativity versus stagnation: An elaboration of Erikson’s adult stage of human development”. Journal of Adult Development.Marcia, J. E. (1980). “Identity in adolescence”. Handbook of Adolescent Psychology.Coles, R. (1970). Erik Erikson: The Growth of His Work. Souvenir Press.
أسئلة وأجوبة:
ما هي نظرية التطور النفسي الاجتماعي لإيريكسون؟ هي نظرية تركز على تطور الهوية عبر مراحل مختلفة من الحياة، وتقسم النمو البشري إلى ثماني مراحل، كل منها تتضمن تحديًا أو أزمة يجب على الفرد مواجهتها وحلها.
ما هي أهمية نظرية إيريكسون؟ نظرية إيريكسون مهمة لأنها تقدم فهماً أوسع للتطور البشري، متجاوزة النظريات التي تركز فقط على الطفولة. تساعد النظرية في فهم الأزمات التي يواجهها الفرد في كل مرحلة من مراحل حياته.
ما الفرق بين إيريكسون وفرويد في تفسير التطور النفسي؟ بينما ركز فرويد على مراحل الطفولة المبكرة والجنس كدافع أساسي، ركز إيريكسون على قضايا نفسية اجتماعية تمتد طوال الحياة، وأعطى أهمية أكبر للعلاقات الاجتماعية.
ما هي المرحلة الأولى في نظرية إيريكسون؟ المرحلة الأولى هي “الثقة مقابل عدم الثقة”، وتحدث في السنوات الأولى من الحياة. يعتمد الأطفال على رعاية من حولهم، مما يشكل أساس الثقة أو الشك تجاه العالم.
كيف تؤثر أزمة الهوية في المراهقة بحسب إيريكسون؟ إيريكسون يرى أن مرحلة المراهقة تشهد أزمة الهوية مقابل تشتت الهوية، حيث يبدأ الفرد في استكشاف هويته ومحاولة فهم دوره في المجتمع.